Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تنسيق أميركي - فرنسي لدعم جيش لبنان

باريس يئست من الفريق الحاكم ومتفقة مع واشنطن على تقوية المؤسسة العسكرية بمعزل عن وجود "حزب الله"

يطلب الجيش اللبناني مساعدته في تأمين جهوزية آلياته التي تحتاج إلى الصيانة (أ ف ب)

أطلق الاهتمام الدولي بدعم الجيش اللبناني، لا سيما بعد أن أعطت فرنسا حيزاً استثنائياً لزيارة قائده العماد جوزيف عون إلى باريس، بين 25 و27 مايو (أيار)، واستقباله من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطوة بروتوكولية غير مألوفة، كثير من التكهنات والتحليلات حول دور سياسي للجيش في معالجة الأزمة الراهنة، نظراً إلى أن كثافة الاجتماعات والحفاوة التي استقبل بها الجنرال عون أخذت بعداً تعدى التعاون العسكري، وتقديم المساعدات التي تحتاجها المؤسسة العسكرية.

ومع أن قائد الجيش في لبنان الذي هو من الطائفة المارونية، بات في العقود الثلاثة الأخيرة مرشحاً دائماً للرئاسة الأولى، سرعان ما جرى استبعاد أي طموحات سياسية للعماد جوزيف عون، وأكدت المصادر العسكرية أنه ليس في هذا الوارد. وشدد أكثر من مصدر على أنه إذا كان صحيحاً أن الرجل يتمتع باحترام لمناقبيته وحرفيته العسكرية، فإن التركيز الدولي هو على حماية المؤسسة العسكرية من تداعيات الأزمة المعيشية على أدائها في حفظ الأمن والاستقرار من جهة، وعلى مراهنة دولية على استمرارية الدولة اللبنانية التي تسلل إليها الاهتراء، عبر بقاء الجيش متماسكاً، من جهة ثانية، بموازاة نفوذ "حزب الله" ووجود سلاح غير شرعي في يد ميليشيات غير خاضعة للدولة. وهناك اتفاق أميركي - فرنسي على هذه النظرة، ووجوب دعم الجيش.

التكهنات حول دور الجيش وقائده

كما أن إبداء استعداد فرنسا للمبادرة مع الدول المهتمة بلبنان إلى عقد مؤتمر دولي لدعم الجيش اللبناني بالعتاد، بناء على طلب من العماد جوزيف عون، أسهم في التكهنات والتحليلات عن أن الدول الغربية تظهّر توجهاً يستند إلى الموقف السلبي من الطبقة السياسية الحاكمة، بتأهيل القائد الحالي كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية، فيما راح بعض التحليلات إلى حد الحديث عن أن الولايات المتحدة الأميركية طلبت من العماد عون أن يشكل حكومة عسكرية تطيح بالتركيبة الحاكمة الحالية، وفي مقدمها الرئيس الحالي ميشال عون، لإخراج لبنان من المأزق السياسي الذي يغرق فيه منذ زهاء تسعة أشهر، وعنوانه الفراغ الحكومي، على الرغم من الحاجة الملحة لتأليف حكومة تعالج الأزمة المالية الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يمر بها البلد. 

لكن قائد الجيش شدد في محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين وفق ما تسرب بعد اختتام لقاءاته بالرئيس ماكرون، على أن الأزمة الاقتصادية وضعت الجيش على حافة الانهيار، وأنه بحاجة إلى مساعدات عاجلة طبية وغذائية سريعة كي يصمد عسكريوه إزاء تدهور سعر الصرف، بالتالي غلاء المعيشة والتنقلات.

ويقول مصدر عسكري رفيع لـ"اندبندنت عربية"، إن المساعدات التي تركز قيادة الجيش على طلبها متعلقة بتأمين جهوزية آلياته التي تحتاج إلى الصيانة في ظل المهمات الملقاة على عاتقه في حفظ الأمن، أي إلى قطع الغيار، إضافة إلى ما يخفض كلفة الطبابة والغذاء.

نفير المساعدات الغذائية والطبية والصيانة

وإيلاء أهمية للجوانب الثلاثة أطلق نفير المساعدات من قبل الدول الغربية للدول الحليفة كي تسهم في تخفيف العبء عن كاهل القيادة العسكرية اللبنانية، وهو ما تجلى في نقل طائرات مساعدات من الإمارات وسلطنة عُمان والكويت والأردن ومصر والمغرب إلى الجيش، فيما تبرع العراق بمبلغ 3 ملايين دولار نقداً. 

ويقول ضباط في الجيش، إنهم يطلبون أحياناً من العسكريين الذين يعملون تحت إمرتهم، ويعيشون في مناطق بعيدة، أن يكونوا في الخدمة ثلاثة أيام في الأسبوع فقط، بدلاً من كامل الأسبوع نظراً إلى أن كلفة تنقلاتهم تأكل رواتبهم، من أجل توفير بعض المال لعائلاتهم. فراتب العسكري الذي كان يوازي 700-800 دولار بات بعد ارتفاع سعر الصرف وتدهور الليرة اللبنانية، يوازي 120 و130 دولاراً، وفي بعض الأحيان بالنسبة إلى المجندين أقل من 100 دولار.

"متاهات" التحليلات حول الرئاسة

صدرت بيانات نفي وتوضيحات عدة عن مديرية التوجيه والمصادر العسكرية إزاء كل ما نشر عن دور سياسي للجيش، وقال مصدر عسكري رفيع لـ"اندبندنت عربية" إن كل ما صدر من تكهنات مجرد "متاهات لا علاقة لحركة الجنرال جوزيف عون بها"، فضلاً عن أن هذه الأمور لم تبحث معه في فرنسا.

وأحال المصدر العسكري السؤال عن تقديراته لسبب هذا الاهتمام الفرنسي، وعما نشر بشأن طلب إحدى الدول تأليف حكومة عسكرية، إلى بيان صدر عن قيادة الجيش الأحد 30 مايو، اعتبر أن ما جاء على لسان أحد الإعلاميين "تحليلات لا تمت إلى الواقع بصلة". 

وأوضحت قيادة الجيش أن "كل ما تقوم به ينطلق من أمرين أساسيين، الأول هو حماية الاستقرار الأمني في البلاد، والثاني القيام بكل ما من شأنه تأمين المساعدات للجيش لتمكينه من أداء مهماته المتشعبة". وأكدت أن "المؤسسة العسكرية التي تنفذ قرارت السلطة السياسية غير معنية على الإطلاق بكل ما يُنشر من تحليلات ومزاعم، خصوصاً أن همها الأول والأوحد هو تحصين الجيش ورفده بالإمكانات الضرورية لتجاوز الظروف الصعبة والدقيقة التي يمر بها لبنان". ودعت إلى "الابتعاد عن زج الجيش في شؤون السياسة التي لا علاقة له بها". 

مصدر التكهنات دعوات محلية

لكن مصدر التكهنات كان أيضاً بروز دعوات سياسية محلية أبرزها من نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي للجيش إلى أن يأخذ المبادرة ويستلم الحكم و"يرسل رئيس الجمهورية إلى البيت"... لكنه عاد وأوضح أنه لم يقصد أن ينفذ انقلاباً، بل قيام حكومة انتقالية تشرف على انتخابات جديدة. وجاء كلام الفرزلي، الحليف السابق للرئيس عون و"التيار الوطني الحر" والعضو السابق في التكتل النيابي الذي يرأسه رئيس "التيار" النائب جبران باسيل، بعد خلافه مع الأخير حول عناوين عدة، منها معارضته شروط باسيل على الحكومة التي يسعى الرئيس سعد الحريري إلى تأليفها، والتي يتهم باسيل بتعطيلها. إلا أن دعوة الفرزلي هذه صُنِّفت في إطار الضغط على الفريق الرئاسي المتهم بالشراكة في التسبب بالفراغ الحكومي المتمادي، لا أكثر، نظراً إلى أن التركيبة اللبنانية الطائفية الحساسة لا تتيح أي نوع من الانقلاب العسكري، ولا أي تدخل للجيش في السياسة، لأنه يتأثر سلباً بالانقسامات السياسية القائمة.

كما أن بعض التكهنات حول دور للجيش في معالجة الأزمة استند إلى خطاب شهير لقائده العماد في 8 مارس (آذار) الماضي أثناء لقائه بكبار الضباط وقادة الوحدات والألوية، سأل فيه كبار المسؤولين "إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنوون أن تفعلوا؟ لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره". ومما قاله "الوضع السياسي المأزوم انعكس على جميع الصعد، بالأخص اقتصادياً، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والجوع، كما أن أموال المودعين محجوزة في المصارف، وفقدت الرواتب قيمتها الشرائية، بالتالي فإن راتب العسكري فقد قيمته". كما أشار إلى أن "المؤسسة العسكرية بادرت إلى اعتماد سياسة تقشف كبيرة من تلقاء نفسها تماشياً مع الوضع الاقتصادي". وسأل "أتريدون جيشاً قوياً أم لا"، مشيراً إلى اعتماد سياسة تقشف كبيرة، والمطلوب من الجيش مهمات كثيرة وهو جاهز دائماً، لكن ذلك لا يمكن أن يقابل بخفض مستمر ومتكرر للموازنة. كما لمّح إلى محاولات تدخل في التعيينات في الجيش. وقال رداً على حملات تناولت أداء الجيش حيال قطع الطرقات خلال الحركات الاحتجاجية، "لن نسمح أن يكون الجيش مكسر عصا لأحد".

فرنسا يائسة من الفريق الحاكم والقائد "احتياطي"

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من اعتبار كلامه في حينها بأنه موجه إلى رئيس الجمهورية، فإن مصادر سياسية بارزة أكدت لـ"اندبندنت عربية" أن علاقة القائد بالرئيس ميشال عون بقيت إيجابية. وذكرت هذه المصادر، أنه ربما حصل جفاء في مرحلة معينة بسبب محاولات تدخل للنائب باسيل في التعيينات العسكرية، فإن الجنرال عون بقي حريصاً على علاقة طيبة برئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وعسكري سابق يدرك أوضاع العسكر.

ومع ذلك يقول سياسي لبناني زار فرنسا في التوقيت نفسه لزيارة العماد عون لـ"اندبندنت عربية"، إنه خلق انطباعاً "إيجابياً خلال محادثاته في العاصمة الفرنسية عن شخصيته واعتداله وواقعيته، خصوصاً أنه تجنب في كثير من الأحيان قمع التحركات الاحتجاجية ضد الطبقة الحاكمة وتردي الأوضاع المعيشية، وهو أمر كان يراقبه جيداً الجانب الفرنسي، ودول غربية أخرى. ومع صحة الاستنتاج أنه ليس بالضرورة أن تكون باريس تتعاطى معه على أنه مرشح للرئاسة، فإن المسؤولين الفرنسيين بلغوا حالة من اليأس من الطبقة السياسية، ويميزون سياسياً واحداً عنها التزم المبادرة الفرنسية لإنقاذ البلد هو رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وأكثر الشخصيات التي يئسوا منها هي المنتمية إلى الفريق الرئاسي بحيث باتوا يجسون النبض حول من يمكن أن يكون رئيساً للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، من خارج المرشحين التقليديين". وفي تقدير السياسي نفسه أنه ربما ينظر الفرنسيون إلى قائد الجيش كشخصية احتياطية.

تمرين ثلاثي 

غداة زيارة القائد عون إلى فرنسا شارك الأخير مع نائب قائد القوات البحرية في البحر في القيادة المركزية الأميركية العميد البحري كورتيس رانشو، في الإشراف على تدريب مشترك مع القوات البحرية الأميركية والجيش الأردني للمرة الأولى، ما أعطى بعداً إضافياً لعلاقة الدول الغربية بالمؤسسة العسكرية. 

وقالت السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، إن التمرين المشترك خلال الفترة الواقعة بين 17 و28 مايو جرى في لبنان وشرق البحر الأبيض المتوسط، "لتعزيز التشغيل المتبادل وتحصين العلاقات العسكرية - العسكرية بين البحرية الأميركية والجيش اللبناني، إضافة إلى توفير التدريب بين البحرية الأميركية والشركاء الإقليميين، وتسهيل التقدم المستقبلي لسلسلة المناورات هذه، والحفاظ على الاستعداد للقتال، وإبراز التزام البحرية الأميركية الأمن البحري الإقليمي"، مشيرة إلى أنها "المرة الأولى" التي يتم ذلك مع دولة ثالثة هي الأردن. وجاءت المناورات المشتركة بعد أسبوع على عقد مؤتمر افتراضي بين قيادة الجيش اللبناني ووزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين لبحث دعم الجيش اقتصادياً.

وأعلنت السفيرة شيا عن مساعدات للجيش خلال الأسابيع الماضية، بعد أن أبدت إعجابها بقدرات الجيش اللبناني، شملت تسليم 95 حاوية ذخيرة بأكثر من 55 مليون دولار. كما أعلنت عزم وزارة الخارجية الأميركية تحويل مبلغ 120 مليون دولار من التمويل العسكري إلى الجيش اللبناني للسنة المالية 2021، وأن وزارة الدفاع ستقدم العام المقبل للبحرية اللبنانية ثلاثة زوارق خفر سواحل أميركية للدوريات، وأن وزارة الدفاع بدأت تحويل 59 مليون دولار ستستخدم لتعزيز قدرات الجيش على الحدود الشرقية.

الجيش لا يتلقى تعليمات من "حزب الله"

وتفيد معلومات شخصيات أميركية من أصل لبناني تعمل في واشنطن مع الكونغرس والإدارة على ضمان استمرار المساعدات للجيش إن باتت قناعة المسؤولين الأميركيين أن الجيش لا يخضع لنفوذ "حزب الله" على الرغم من أن للأخير من يتعاطفون معه في المؤسسة العسكرية، وأن التجربة أثبتت أن القائد الحالي للجيش لا يتلقى تعليمات من الحزب، بالتالي لا مانع من تقوية الجيش حتى لو بقي "حزب الله" كقوة عسكرية مستقلة عن الدولة. 

ويشير هؤلاء إلى أن الجانب الأميركي "باتت له نظرة استراتيجية مختلفة حيال الجيش توجب دعمه، هي تمتين قدراته بصرف النظر عن وجود الحزب، وأن واشنطن تعتبر الأخير خطراً على إسرائيل، لكنها لا تعير أهمية لمعاداته للولايات المتحدة، بالتالي تتكل على دعمها للجيش كي يكون حليفاً عسكرياً إقليمياً مع الجيوش العربية الأخرى الصديقة". 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير