أكد الرئيس الجزائري الموقت عبد القادر بن صالح أنه مستمر في منصبه. ودعا عبر إطلالة تلفزيونية الجزائريين إلى العمل لإنجاح الانتقال الديمقراطي للبلاد في الانتخابات المحددة في 4 يوليو (تموز) 2019.
وكانت سرت في الجزائر "شائعات" تحكي عن إقدام بن صالح على الاستقالة خلال الإطلالة التلفزيونية التي بدت وكأنها رسالة بدء شهر رمضان. ما اعتبره كثيرون تعبيراً عن أمنية شعبية بالخلاص وبرحيل رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وفي مقدمهم بن صالح ورئيس الوزراء نور الدين بدوي ورئيس مجلس النواب (المجلس الشعبي الوطني) معاذ بوشارب. بينما أكدت إطلالة بن صالح أن الأمور أكثر تعقيداً.
ومارس المحتجون في الجمعة الحادية عشرة من الحراك الشعبي ضغوطاً شديدة على المؤسسة العسكرية للوفاء بوعودها التي قطعتها على لسان قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، بتطبيق نص المادتين 7 و8 من الدستور، اللتين تعيدان السلطة إلى الشعب.
ورفع الجزائريون في مسيرات الجمعة المليونية شعارات تدعو إلى رفض إجراء الانتخابات الرئاسية في يوليو، في حال بقاء بن صالح رئيساً للدولة، مطالبين بضرورة بدء مرحلة انتقالية تُشرف عليها شخصيات وطنية ذات كفاءة وتحظى بالإجماع، حيث تردّد اسم وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد بن بيتور، والمحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي.
دعوة جديدة إلى الحوار
ويقرأ الخبير الدستور عمار رخيلة في إطلالة بن صالح تناغماً مع موقف المؤسسة العسكرية، باعتباره الرئيس الذي أنتجته قراءة المؤسسة للدستور (المادة 102) ولعدم أهلية بوتفليقة، وباعتباره الرئيس الذي سيشرف على الانتخابات الرئاسية في يوليو.
ويرى رخيلة، في حديث مع "اندبندنت عربية"، أن المؤسسة العسكرية باتت تتصدر المشهد السياسي في البلاد منذ استقالة بوتفليقة من الحكم، في وقت توارت السلطة التنفيذية عن الأنظار. بالتالي، فإن إطلالة بن صالح تأتي في سياق تأكيده أنه سينسحب من السلطة بمجرد انتهاء فترة 90 يوماً، كما تنص عليه المادة 102 من الدستور، مضيفاً "بن صالح يردّ على الجهات التي تنتقد صمته، وتقول إن الرئيس الموقت مجرد واجهة".
ووقّع بن صالح منذ توليه السلطة قرارات إقالة عدة وتعينات جديدة، شملت مؤسسات حكومية، كان أخرها تنحية ثلاثة مسؤولين بارزين في القصر الرئاسي، هم محمد سبايسي، رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته، وهي هيئة تابعة مباشرة للرئاسة، كما أطيح مدير المواكب الرسمية والنقل، عبد الكريم آيت عرقوب، إضافة إلى إقالة مدير المنظومات والوسائل المعلوماتية شوهاد بوعبانة.
ظرف عصيب
ولم يدلِ رئيس الدولة الموقت بأي تصريح في خصوص سلسلة المحاكمات التي تشهدها البلاد، بشكل غير مسبوق، والتي مسّت رجال أعمال وشخصيات سياسية وشخصيات نافذة في البلاد كان التلفظ باسمها في حقبة الرئيس بوتفليقة، من المحظورات، ويتعلق الأمر بالشقيق الأصغر للرئيس، السعيد بوتفليقة (الحاكم الفعلي عقب مرض الرئيس في العام 2013) والجنرالين البارزين عثمان طرطاق ومحمد مدين المعروف باسم التوفيق، وهما قائدا جهاز الأمن والاستعلامات سابقاً (الاستخبارات).
وفي الرسالة الأولى التي وجهها بن صالح إلى الشعب الجزائري، في عيد العمال، دعا مواطنيه إلى التوافق وإيجاد "أجواء التفاهم وإشراك القوى الحية للأمة، بحثاً عن الحلول التوافقية بما يستجيب لإرادة الشعب السيد وتلبية لمطالبه المشروعة".
وشدّد الرئيس الموقت على أن الجزائر تمر بظرف عصيب "يستوجب منا جميعاً، أن نكون على موعد مع التاريخ، فنضع خلافاتنا جانباً ونُصوّب جهودنا إلى ما يوحّد إراداتنا في الحفاظ على مقومات أمتنا ومكتسبات دولتنا التي جاءت ثمرة تضحيات أجيال بكاملها".
وأبرزَ أن صوت الجزائريات والجزائريين قد ”دوّى عالياً، وقد بلغ صداه العالم أجمع، أبهرته بسلمية تظاهراتها وانتظامها وتحضّرها“، محوّلاً بذلك التظاهرات المليونية إلى "انتصار" لحكومته المرفوضة شعبياً.
الآلية الدستورية
وجاءت تصريحات بن صالح متماشية مع تصريحات، رئيس أركان الجيش الجزائري، بقوله إن الانتخابات الرئاسية هي ”الآلية الدستورية التي تسمح بانتخاب رئيس جمهورية له الشرعية والصلاحيات لتحقيق المطالب الشعبية المشروعة المتبقية، وهي كذلك القاعدة الأساسية لانطلاق بلادنا من جديد في مسيرة التنمية والبناء".
وقال صالح إن المؤسسة العسكرية "على قناعة تامة بأن اعتماد الحوار البنّاء مع مؤسسات الدولة، هو المنهج الوحيد للخروج من الأزمة، إدراكاً منا أن الحوار هو مِن أرقى أساليب التعامل الإنساني، وهو المسلك الأنجع الكفيل بتقديم اقتراحات بناءة وتقريب وجهات النظر وتحقيق التوافق حول الحلول المتاحة".
وأشار قائد أركان الجيش إلى ما وصفه بـ"استجابة العديد من الشخصيات والأحزاب لأهمية انتهاج مبدأ الحوار، الذي يتعين أن تنبثق منه آليات معقولة للخروج من الأزمة، وهو موقف يُحسب لهم في هذه المرحلة التي يجب أن تكون فيها مصلحة الوطن هي القاسم المشترك بين الأطراف كافة".