Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يفجر الملء الثاني لسد النهضة حرب المياه؟ 

مناورات "حماة النيل" المصرية – السودانية توجه رسائل عدة في أكثر من اتجاه

سد النهضة الإثيوبي كما بدا في 26 سبتمبر 2019 (رويترز)

بات في حكم المؤكد أن إثيوبيا بدأت فعلياً في تنفيذ برنامجها المعلن للملء الثاني لسد النهضة، بطريقة أحادية من دون إبرام اتفاق مع دولتَي المصب، مصر والسودان، وذلك بتخزين 13.5 مليار متر مكعب من المياه الواردة إلى النيل الأزرق من الهضبة الإثيوبية جراء الأمطار، وهو ما يضع القاهرة والخرطوم أمام سياسة الأمر الواقع، لكن ما تأثير هذه الخطوة على السودان باعتبارها الدولة الجارة لإثيوبيا، وما ردود الفعل التي يمكن أن تحدث في الأيام المقبلة؟ 

يرى ممثل السودان السابق في مفاوضات سد النهضة، الدكتور أحمد المفتي، أن "السودان ومصر استنفدا كل الطرق السلمية مع الجانب الإثيوبي المنصوص عليها من قبل الأمم المتحدة، حيث تفاوضتا مع إثيوبيا أكثر من 10 سنوات للوصول إلى اتفاق بشأن أزمة سد النهضة، وجرت مفاوضات تحت إشراف الولايات المتحدة والبنك الدولي لفترة أربعة أشهر، أعقبتها مفاوضات قادها الاتحاد الأفريقي بحضور واشنطن والاتحاد الأوروبي لأكثر من سنة، ثم مفاوضات كينشاسا من دون تحقيق أي نتيجة أو حل لهذه الأزمة. وأخيراً، زار المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان الدول الثلاث في إطار الوساطة الأميركية، لكن لم يحدث أي اختراق أو شيء يذكر في هذا الملف". 

وتابع المفتي، "إثيوبيا مصرة على الاستمرار في خطوات الملء الثاني بطريقة أحادية، وفي تقديري أن مناورات حماة النيل بين الجانبين المصري والسوداني، إذا كانت حقيقية، فهي من أجل الحرب التي قد تستهدف اجتياح منطقة بني شنقول التي يقع سد النهضة ضمن أراضيها، وذلك عن طريق الهجوم البري، لأن الحرب الجوية واستخدام الصواريخ سيكون الخاسر فيها السودان، من ناحية أن استهداف إثيوبيا لسد الروصيرص سيكون مؤذياً أكثر من استهداف السودان لسد النهضة".

غرق وعطش 

وأشار ممثل السودان السابق في المفاوضات حول "سد النهضة" إلى أنه "على الرغم من أن الحرب عمل غير مستحب، ويدل على الحماقة، لكنه حق مشروع للخرطوم، لأن أديس أبابا أخلت بشروط الاتفاق الخاص بإقليم بني شنقول، الذي يعتبره السودان تابعاً لأراضيه ما يستوجب اتخاذ إثيوبيا، قبل بناء السد، موافقة الحكومة السودانية، بالتالي من حق الخرطوم استعادة أراضيها، بخاصة أن الوساطات لم تصل إلى أي نتيجة. كما أن مجلس الأمن الدولي لم يفعل شيئاً حيال ما تمارسه أديس أبابا، والذي يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين". ولفت إلى أن "إثيوبيا حصنت نفسها بإعلان المبادئ الذي وقعته مع الجانبين المصري والسوداني في الخرطوم عام 2015، بالتالي لا يستطيع أي من الطرفين تقديم شكوى ضدها، فقد أغلقت أديس أبابا كل الطرق القانونية". 

وبين أحمد المفتي أن "الملء الثاني للسد سيجعل حياة 20 مليون سوداني مهددة بالخطر، بسبب الغرق والعطش والتحكم بالقرار السيادي، حيث سيتم تخزين 74 مليار متر مكعب، إضافة إلى عدم الوثوق في مسألة أمان السد"، موضحاً أن "الحل الأمثل هو أن تتنازل إثيوبيا عن تعنتها وإصرارها في مواصلة استراتيجيتها الأحادية، لكن لا يوجد خيار أمام السودان ومصر غير استخدام القوة وهو حل مفروض على الجانبين ولا أحد يفضله، وبالتأكيد فإن الكفة من الناحية النظرية ستميل لصالحهما".  

تجاوز للقانون 

من جانب آخر، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الرشيد محمد إبراهيم، أن "إثيوبيا من ناحية عملية وفنية، ولكي تقوم بعملية الملء الثاني، كان لازماً عليها تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، وبالفعل قطعت شوطاً بعيداً في الأعمال الإنشائية، ما يعني أنها بدأت أعمال الملء. فهذا الإجراء ينسجم مع استراتيجيتها الخاصة بالسد في حال تم التوصل إلى اتفاق أم لا، وذلك بلا شك يمثل خطورة على السودان نظراً إلى غياب المعلومات الخاصة بملء وتشغيل السد". وأضاف إبراهيم، "من الناحية القانونية يُعد ما حدث من ملء تجاوزاً صريحاً لعدم تعاون إثيوبيا مع دولتي المصب في عملية التنمية التي يجب أن تتم في منطقة السد، أما من ناحية الأثر السياسي، فإن أديس أبابا بهذه الخطوة تكون اختارت الجوار غير الآمن لكونها مضت في عملية الملء دون الالتفات إلى أي اتفاق وتعاون، ما يجعل العلاقة متوترة وغير طبيعية، حيث ينظر السودان إلى إثيوبيا بأنها ليس الصديق المحتمل، بل العدو المحتمل، فضلاً عن تأثير ذلك على عملية التبادل التجاري، واستمرار التوتر على الحدود، وتباعد التنسيق السياسي على مستوى الاتحاد الأفريقي، والمواقف الدولية".

رفع الجاهزية

ولفت أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إلى أن "إصرار إثيوبيا على المضي قدماً في عملية الملء الثاني في موعده المحدد، مربوط بالتزامات الشركات الدولية المنفذة لأعمال السد حتى تتفادى أي نوع من الغرامات، إلى جانب حاجتها للإعلان عن إنجاز تغطي به قضية تأجيل الانتخابات"، مشيراً إلى أن "السودان اتخذ الترتيبات اللازمة لإمكانية تشغيل سد الروصيرص على طريقة السيناريوهات، وكذلك الحال بالنسبة لمصر التي استعدت أيضاً لهذه الخطوة من الناحية الفنية". 

ورأى إبراهيم أنه "لا يمكن عزل مناورات حماة النيل عما يحدث في السد، فهي بمثابة رسالة لإثيوبيا، كما أنها من حيث التوقيت والرقعة الجغرافية والمشاركة الواسعة لكل تشكيلات الجيش البرية والجوية والبحرية، فإنها تختلف عما جرى سابقاً من مناورات في مروي والإسكندرية، فضلاً عما تم من نقل لآليات عسكرية مصرية لأول مرة، كذلك حديث بعض العسكريين حول أن الهدف من هذه المناورات السودانية - المصرية المشتركة هو رفع الجاهزية القتالية والكفاءة ونقل المعركة إلى داخل أرض العدو، وهو مشهد واضح مقصده". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


خطوة مفاجئة 

وكان وزير الري السوداني ياسر عباس، أشار في وقت سابق إلى أن "الملء الثاني لسد النهضة من دون اتفاق أو إخطار يُعد خطوة مفاجئة جعلتنا نشك في النوايا الإثيوبية"، متهماً أديس أبابا بـ"المماطلة في الوصول إلى اتفاق، لتجعل ملء السد أمراً واقعاً". 

وزاد عباس "لا نتوقع نشوب حرب بين الدول الثلاث بسبب هذه الأزمة، لكننا سنعمل على حشد الرأي العالمي والإقليمي لضرورة مواصلة التفاوض الجاد للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن السد". 

من جهة ثانية، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن عملية الملء الثاني لخزان سد النهضة لن تؤثر على مصالح بلاده المائية، مطمئناً إلى أن "خزان السد العالي في أسوان يوفر رصيداً من الأمان"، لكنه حذر من أن "مصر لن تدخر أي جهد في الدفاع عن مصالحها المائية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحفاظ عليها في حال اتخذت أديس أبابا إجراءات أحادية بشكل غير مسؤول". 

وأنهى شكري، أخيراً، جولة على عدد من الدول الأفريقية، حاملاً رسائل من الرئيس عبد الفتاح السيسي حول تطورات ملف سد النهضة. 

وبحسب المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ، فإن جولة شكري "تأتي انطلاقاً من حرص مصر على اطلاع دول القارة الأفريقية على حقيقة وضع المفاوضات حول ملف السد، ودعم مسار التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل السد على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث (مصر، السودان، وإثيوبيا)، وذلك قبل الشروع في عملية الملء الثاني واتخاذ أي خطوات أحادية". وشملت هذه الجولة "كينيا، وجزر القمر، وجنوب أفريقيا، والكونغو، والسنغال، وتونس". 

كذلك، زارت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي، في وقت سابق عدداً من الدول الأفريقية، كما أطلعت سفراء الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي المعتمَدين لدى الخرطوم على تطورات مفاوضات سد النهضة، حيث شددت على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قبل الملء الثاني للسد، موضحة أن "موقف السودان ثابت من هذه القضية، وهو ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قبل مضي الجانب الإثيوبي قدماً في الملء الثاني".

المزيد من العالم العربي