Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الغواصات النووية" قوة الردع الاستراتيجية المتخفية

يتسم العصر الجديد باستثمار العديد من الدول في الردع تحت سطح البحر

تشكل الغواصات النووية قوة ردع استراتيجية (غيتي)

في 21 ديسمبر (كانون الأول) 2020، عبرت غواصة الصواريخ الموجهة الأميركية "يو إس إس جورجيا" التي تعمل بالطاقة النووية مضيق هرمز ودخلت المياه الضحلة للخليج العربي. تبعتها الغواصة الإسرائيلية "دولفين 2" التي عبرت قناة السويس إلى البحر الأحمر، متجهة إلى المياه القريبة من إيران. وأشار مراقبون وقتها إلى أن الهدف هو ردع الهجمات الإيرانية في الخليج. فوفقاً لبيان صادر عن القيادة المركزية الأميركية، تُظهر هذه الخطوة "التزام أميركا تجاه شركائها في المنطقة والأمن البحري مع إبقاء مجموعة كاملة من القدرات على استعداد للدفاع في حال بروز أي تهديد في أي وقت كان".

بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فإن الغواصة الأميركية الضخمة "جورجيا" هي واحدة من أربع غواصات تابعة للبحرية الأميركية جرى تحويلها لتحمل 154 صاروخاً تقليدياً جوالاً للهجوم البري من طراز "توماهوك" حوالى نصف قدرة الضربة الصاروخية التكتيكية لقوة بحرية كاملة، بمدى يتراوح من 1300 إلى 2500 كيلومتر. ويمكن لـ "جورجيا" حمل 66 جندياً من قوات العمليات الخاصة الرئيسة للبحرية الأميركية ونشرها خفية للعمليات السرية.

ويمكن للغواصة الإسرائيلية المتطورة "دولفين 2" البقاء تحت الماء لفترة تصل إلى 30 يوماً، بفضل محركات الدفع المستقل الهوائية. وقد ذكرت بعض التقارير أنها يمكن أن تحمل صواريخ كروز بمدى غير مؤكد يبلغ حوالى 1500 كيلومتر، مسلحة برؤوس حربية تقليدية أو نووية. ومن الناحية النظرية، إذاً يمكن أن تهدد السفينة أهدافاً برية بالقرب من الساحل الإيراني أثناء وقوفها في البحر العربي، أو حتى منشآت نطنز وأصفهان النووية الحساسة، إذا خاطرت بالإبحار إلى مسافة أبعد شمالاً إلى خليج عُمان.

ووفقاً للمحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية لدى معهد واشنطن، فرزين نديمي، فإن إرسال هذه السفن يمثل رسالة ردع للقادة في إيران، تحذرهم من عدم الإيعاز بشن هجمات ضد الأفراد أو الأصول الأميركية في المنطقة مع اقتراب الذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إذ إنه بعد وقت قصير من قيام القوات الأميركية باستهدافه وقتله في 3 يناير (كانون الثاني) 2020، أطلقت القوات الإيرانية صواريخ باليستية على قاعدة الأسد في العراق. مما تسبب بأضرار مادية في منشآت أميركية وإصابة عدد من أفراد الخدمة العسكرية الأميركية.

وكان الحرس الثوري الإيراني قد تبنى الهجوم، من دون أن يذكر قاعدة أربيل. وقال في بيان إنه أطلق "عشرات الصواريخ أرض- أرض على القاعدة الجوية المحتلة من الجيش الأميركي المعروفة باسم عين الأسد" في محافظة الأنبار، مشيراً إلى أن العملية جاءت "انتقاماً لاغتيال" سليماني.

تغيير قواعد اللعبة

في إطار سباق التسلح النووي بين القوى الكبرى الذي عاد إلى الواجهة خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الأسلحة النووية المثبتة في الغواصات أو ما يعرف بـ "الغواصات النووية" التي يشار إليها اختصاراً SSBN (غواصات الصواريخ الباليستية التي تعمل بالطاقة النووية)، سلاحاً رئيسياً يعمل كقوة ردع استراتيجية.

ويقول مراقبون إنه منذ حقبة الحرب الباردة، اختبأت الغواصات التي تحمل أسلحة نووية بهدوء في أعماق المحيط، حيث لعبت دوراً مهماً في فن الردع النووي الدقيق. ويسير منطق استخدام غواصات ذات قدرات أسلحة نووية كرادع تحت سطح البحر على النحو التالي: إذا ما أعلنت أن لديك رؤوساً حربية نووية مخبأة في البحر، يعرف عدوك أنه سيكون لديك دائماً وسيلة للرد، ومن ثم يهدف هذا التسليح تحت البحر إلى أن يكون بمثابة عامل مثبط للهجمات النووية الأولى.

ويعتبر أستاذ الاستراتيجية في الكلية الحربية البحرية في رود آيلاند بالولايات المتحدة، جيمس هولمز، إن الغواصات النووية تشكل تغييراً كبيراً في قواعد اللعبة في الحرب تحت سطح البحر. ويقول، "في الأساس أنت تضع إشعاراً لخصمك أنه إذا ما هاجم أولاً، سوف يستقبل وابلاً من الصواريخ الباليستية النووية". ويضيف، "من المهم أن نلاحظ أن البحر لا يزال معتماً للغاية. من الصعب اصطياد غواصة، لا سيما غواصة الصواريخ الباليستية، لأن هذه السفن لم تُبن لتكون هادئة جداً وحسب، بل إنها تصدر القليل من الأصوات إذ لا يمكن لأجهزة سونار العدو اكتشافها".

9 قوى نووية

بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تمتلك تسع دول هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وإسرائيل والمملكة المتحدة وفرنسا والهند وباكستان وكوريا الشمالية معاً حوالى 13400 سلاح نووي. ويشير التقرير السنوي للمعهد إلى أن هذه الدول إما تطور أو تنشر أنظمة أسلحة جديدة بما في ذلك الغواصات النووية أو أعلنت عزمها على ذلك، فكل من الولايات المتحدة وروسيا تنفقان مزيداً وتعتمدان بشكل أكبر على الأسلحة النووية في التخطيط العسكري المستقبلي، وتسعى الصين إلى اللحاق بهما. وتواصل كوريا الشمالية إعطاء الأولوية لبرنامجها النووي العسكري، وتجري اختبارات صواريخ باليستية متعددة.

والأسبوع الحالي، وجهت روسيا اتهامات إلى الولايات المتحدة بتجاوز الحد المسموح به من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية بمقدار 101 قطعة. ووفقاً للبيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية، الذي تناقلته وسائل إعلام روسية، فإنه بناء على تبادل الإشعارات بين موسكو وواشنطن بموجب معاهدة "ستارت" التي اتفق البلدان على تمديدها حتى 2026، تملك روسيا 517 قطعة سلاح في فئة "الصواريخ الباليستية المنتشرة العابرة للقارات، والصواريخ الباليستية المنتشرة للغواصات، والقاذفات الثقيلة المنتشرة"، في مقابل 651 قطعة من الأسلحة المماثلة لدى الولايات المتحدة.

ووفقاً لمعاهدة "ستارت" الجديدة، التي وقعها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما والرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، في 8 أبريل (نيسان) 2010، التي أصبحت بديلاً من "ستارت1" التي انتهت صلاحيتها في ديسمبر 2009، فإنه تلتزم واشنطن وموسكو بالحد من انتشار الأسلحة الهجومية الاستراتيجية. وحددت الاتفاق خفضاً بنسبة 30 في المئة للرؤوس النووية المنشورة والأغطية السفلية على قاذفات الصواريخ البالستية العابرة للقارات المنشورة وغير المنشورة، والقاذفات الثقيلة المجهزة للأسلحة النووية وقاذفات الصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات، والأخيرة أصبحت محوراً رئيساً متصاعداً في الردع الاستراتيجي بين القوى الكبرى بما في ذلك الصين.

الردع تحت سطح البحر

وتعد الغواصات النووية الأكثر تدميراً بين الأسلحة التي تتسابق الدول على حيازتها، إذ يتم حملها على منصة يُفترض أنها غير قابلة للكشف، وبالتالي غير معرضة للإحباط. وبحسب دراسة صادرة عن كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية بالتعاون مع مؤسسة كارنيغي للأبحاث في نيويورك، في فبراير (شباط) 2020، فإن العصر النووي الجديد يتسم باستثمار العديد من الدول في الردع النووي تحت سطح البحر، ففي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تشكل مركز التنافس الاستراتيجي، تمتلك أربع قوى كبرى، هي الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند، برامج غواصات نووية، بينما تسعى باكستان وكوريا الشمالية إلى أشكال أكثر بدائية من القوة النارية النووية التي تطلقها الغواصات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منذ نحو ثلاثة أرباع قرن، أدت الانفجارات التي وقعت في مدينتي هيروشيما وناغازاكي في أغسطس (آب) 1945 إلى تدخل العصر النووي في الشؤون العالمية، على الرغم من أن هذه الانفجارات، في نهاية الحرب العالمية الثانية، تُعد المثل الوحيد لاستخدام الأسلحة النووية في الحروب. ويقول الأستاذ لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدفاعية، ستيفان فرولينغ، في أستراليا، إنه حتى الآن اختارت جميع القوى النووية أن تترك أسلحتها النووية "مغلفة في شرنقة من عدم الاستخدام". وهكذا تستمر القوة التدميرية الفريدة للأسلحة النووية في التأثير على الشؤون الدولية بطريقة غير مباشرة، كقوة ردع.

ويشير فرولينغ إلى أنه لا يوجد نظام أسلحة يجسد هذا التهديد وبعيداً من الأنظار، أفضل من غواصات الصواريخ الباليستية التي تعمل بالطاقة النووية (SSBNs) التي جابت بلا انقطاع، على مدى ستة عقود، أعماق المحيطات الباردة في العالم.

وبحسب فرولينغ، فإن مهمات الردع المستمر في البحر ((CASD تبقى الدعامة الأساسية للقوات النووية في الولايات المتحدة وفرنسا، وهي الآن المنصة الوحيدة التي يتم نشر الأسلحة النووية البريطانية عليها. وعلى الرغم من الاستثمار الروسي الكبير في الصواريخ المحمولة براً، فإن الغواصات النووية تظل عنصراً مهماً في قواتها النووية. ولطالما اهتمت الصين بتطوير تكنولوجيا الغواصات النووية. وتردد مراراً أن إسرائيل أرسلت صواريخ "كروز" مسلحة نووياً على غواصاتها التي تعمل بالطاقة التقليدية. وهناك وافدون جدد محتملون إلى نادي الغواصات النووية، هم الهند وباكستان وكوريا الشمالية. وقد أبدت هذه الدول اهتماماً بنقل الأسلحة النووية تحت سطح البحر.

ومع نضج برامج هذه الدول، يعتقد المراقبون أن الردع النووي تحت سطح البحر لن يكون حكراً على القوى الكبرى، وستزداد أهمية أنظمة الغواصات النووية للنظام الإقليمي والاستقرار والردع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فعلى سبيل المثال، كشف قائد القوة البحرية للجيش الإيراني الأدميرال حسين خانزادة، العام الماضي، عن خطط لتصنيع غواصة نووية، قائلاً في تعليقات صحافية تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، إن "في حال غياب قوة رادعة واستعداد دفاعي، لا يمكن تحقق السلام، ولهذا فإن جميع دول العالم لها قوات مسلحة لإرساء الأمن والسلام". وأضاف أن بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية سيكون مهماً في ضرب قواعد العدو من مسافات بعيدة من دون أن يُكشف عن ذلك.

الحرب المضادة

وفي حين هناك تسع دول مسلحة نووياً، ستة منها معروفة أنها تحتفظ أو يعتقد أنها تخطط لنشر برامج أسلحة نووية تعتمد على الغواصات، فإن التطور المتواصل للتكنولوجيا والاستثمار المتزايد من جانب دول العالم في كل من الغواصات المتطورة وطرق أفضل لاكتشافها وتعطيلها، يطرح السؤال عما إذا ستظل الغواصات ذات القدرات النووية أداة مناسبة للردع النووي؟

وبحسب الدراسة الأسترالية - الأميركية، فإنه على الرغم من قوة الردع التي تمثلها هذه الديناميكية البحرية النووية المعقدة، لكنها تحمل مخاطرة كبيرة، نظراً إلى تقاطع القوات النووية تحت سطح البحر والحرب المضادة للغواصات (ASW) والمنافسة. ففي سباق التسلح الخاص بـ "الاختباء والسعي"، فإن التقنيات المدمرة، مثل استشعار المحيطات وتحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي، قد تغير إلى الأبد التوازن بين المختبئ والباحث، مما يتسبب في خلل الديناميات الاستراتيجية للردع النووي.

ويقول هولمز، "هناك كثير من التكهنات في مجتمع خبراء الغواصات في شأن التقنيات الجديدة التي قد تجعل العثور على الغواصات أسهل. إذا حدث ذلك، سيكون أحد تلك الظروف التي يمكن أن تغير حقاً وجه حرب الغواصات." ويضيف انه "إذا لم تتمكن من الغوص تحت الماء وإخفاء رادعك النووي، فسيصبح هذا كبيراً للغاية في الاستراتيجية النووية. إذ إن جوهر الردع النووي هو القدرة على الرد المُحصن، وإذا فقدت التخفي، فستواجه مشكلة حقيقية".

ويشير هولمر إلى أنه في تلك المرحلة، تكون الجوانب الثلاثة للردع النووي، الطائرات المأهولة والصواريخ الباليستية العابرة للقارات والغواصات، معرضة للخطر. عند هذه النقطة، يصبح الردع النووي معادلة أكثر تعقيداً.

المزيد من تقارير