"ماما حبيبتي، خايفة كتير... إذا متنا كلنا حطونا مع بعض بنفس القبر عشان أضل بحضنك. وخليهم يلبسوني أواعي العيد عشان ما فرحت عليهم". بيدٍ مرتعشة كتبت الطفلة الفلسطينية زينة الضابوس وصيتها، وهي تشعر باقتراب الموت الذي نجت منه، وسط الغارات التي شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على منطقة سكنها.
لم تكن تتخيل زينة 10 سنوات، أنها ستنجو من الغارات التي شنتها المقاتلات على منطقة حي الصفطاوي وسط مدينة غزة، في 20 مايو (أيار) الجاري، بأكثر من 40 صاروخاً موجهاً أسقطتها خلال خمس دقائق، مخلفة دماراً في منازل المواطنين والمحال التجارية والبنية التحتية للطرقات الرئيسة.
القصف كالزلزال
عن لحظة الغارات تقول زينة، "حين بدأت إسرائيل في القصف، كنت نائمة في غرفتي أنا وإخوتي، ومن دون أي إنذار شرعت الطائرات في تدمير المنطقة، لا أتذكر كيف قفزت نحو دفتر المدرسة، وأمسكت القلم وبدأت أكتب وصيتي، كنت أشعر بأنني أعيش آخر أنفاسي وأن الموت بدأ يقترب مني".
"تضيف، أصوات الغارات بدأت تعلو، وعند كل صاروخ يسقط في المنطقة، يهتز البيت وكأن زلزالاً قوياً يضرب الحي، كنت أقول في نفسي سنموت جميعاً كما الأطفال الذين قتلوا قبل أيام، ربما تنجو هذه الوصية وأدفن في جوار أمي".
خلال المواجهات العسكرية قتلت إسرائيل 248 فلسطينياً في قطاع غزة، بينهم 66 طفلاً، و39 سيدة، و17 مسناً، فيما أصيب 1948 آخرون بجروح مختلفة، وفق بيانات وزارة الصحة الفلسطينية.
كأنها يوم القيامة
وكأنها يوم القيامة، تصف زينة الحدث، قائلة "الخطر قريب جداً، من النافذة شاهدت الصاروخ وهو يسقط على البيوت، يدمرها بسرعة البرق، ثم الصاروخ التالي، تاهت مشاعري وتفكيري وقتها، وبدأت في البحث عن مكان آمن، هل أهرب نحو غرفة أمي، أو تحت السرير، وفي لحظة التفكير، قصفوا بجوار غرفتي، حينها أدركت بألا وجود لمكان آمن".
لم يسلم بيت زينة من القصف، فنتيجة صاروخ سقط بجوارهم تطايرت الشظايا على غرفتها لتخترق النوافذ محدثة دماراً في الزجاج والحائط، تستذكر زينة "خفت كثيراً على أهلي، وقلت في نفسي هل جاء دورنا، وإذا كان كذلك هل ستبقى الوصية ويقرأها المنقذون؟، أو ربما تحترق، إذا مت أريد أن أدفن بحضن أمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خمس دقائق مرت، توقف القصف وغادرت المقاتلات سماء المنطقة، إلا طائرات الاستطلاع بقيت ترصد وصوتها يعلو تدريجياً، عن لحظة ما بعد "وجبة الغارات المتتالية" تقول زينة "تحسست جسدي، ثم صرخت بصوتٍ عالٍ نعم ما زلت على قيد الحياة، نجوت حقاً، ثم نظرت حولي لأطمئن على أمي وأبي وبقية إخوتي، جميعنا بخير، هذا شيء غريب".
ربما نجونا
صمتت برهة من الزمن، شرد تفكيرها في الأحداث التي عايشتها، ثم سألت "كيف لنا أن ننسى الرعب والموت الذي عشناه؟ هل يجدي التفريغ النفسي؟ وهل يمكن أن تمسح هذه الأحداث من الذاكرة عندما أتقدم في العمر، كيف سأعيش طفولتي وسط هذا الخوف"؟
بارتجافة الصوت التي تصاحب الحديث أكملت زينة، "ربما نجونا هذه المرة، وبقيت وصيتي معي، لكن لا أعلم ماذا سيحدث لنا في الحرب المقبلة، لذلك احتفظت بالورقة، قد تكون هذه الكلمات شاهدة على الخوف الذي عشته، ودمار نفسيتي وربما تكون موضع تنفيذ".
إبادة جماعية
ووفقاً للمتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة، "فإنه في العدوان الأخير على القطاع، شطبت 15 عائلة فلسطينية من السجل المدني، بعد تعرضها لإبادة جماعية جراء قصف منازلهم بشكلٍ مباشر من دون تحذيرهم".
يقول عضو اللجنة القانونية في توثيق الجرائم الإسرائيلية لتقديمها للجنائية الدولية منتصر أبو سلطان، "إن الجيش استخدم القوة المفرطة في التصعيد الأخير، ولم يعتمد على مبدأ الضرورة العسكرية، الأمر الذي تسبب في ترويع المدنيين عند استهداف الأعيان المدنية، وهذا يصنف قانوناً بجرائم ترقى لتكون جرائم حرب، وضد الإنسانية".
يضيف، "إسرائيل تجاهلت اتفاقيات لاهاي المؤسسة لنظام محكمة العدل الدولية، واخترقت ميثاق روما المؤسس للجنائية الدولية، وتحللت من اتفاقية جنيف الرابعة التي تقضي بضرورة عدم ترويع المدنيين وحمايتهم، كما رصدنا مخالفات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني".