Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لسان حال الناس في بريطانيا بمناسبة العناق الأول لهم بعد أكثر من سنة

شهدت إنجلترا بعض مظاهر تخفيف الإغلاقات العديدة التي استمرت على مدى الأشهر الإثني عشر المنصرمة، بيد أن الحضن بقي ممنوعاً. صوفي غالاهر تحادث أشخاصاً يرحبون بالتبدل الطارئ وأذرعهم مفتوحة لضم الآخر

السماح من جديد بالعناق في بريطانيا بعد فترة طويلة من الحجر الصحي يشكل خطوة هامة في العودة إلى الحياة العادية (رويترز) 

يوم الاثنين المنصرم سُمح للناس في إنجلترا وويلز ومعظم أنحاء اسكتلندا، في العودة إلى السفر لقضاء الإجازات، وفي اللقاء داخل الحانات والمطاعم مع أشخاص لا يسكنون معهم في بيت واحد. كذلك سمح لهم بإقامة حفلات زفاف تضم نحو 30 مدعواً. لكن هناك تبدل طرأ في هذا السياق على القيود التي فرضت لمكافحة فيروس كورونا، وهو تبدل يأتي كي يشير إلى مدى استثنائية السنة التي عشناها جميعاً. إذ بات بإمكاننا اليوم، أخيراً، معانقة الأشخاص الذين لا يعيشون معنا في نفس المنزل.

وعلى الرغم من قيام الوزير الويلزي الأول (رئيس الحكومة)، مارك درايكفورد، بتوجيه نصيحة لسكان ويلز دعاهم فيها إلى المحافظة على المباعدة الاجتماعية تجاه الأشخاص الذين هم من خارج فقاعة سكنهم، فقد أُخطر الناس في إنجلترا ومعظم أنحاء اسكتلندا بإمكانية تخليهم عن تدبير الحفاظ على مسافة مترين بينهم وبين أقاربهم وأحبائهم، وذلك بعد سنة قضيناها من دون كثير من الاحتكاك الجسدي (مع الآخرين).

استكمالاً، وإزاء تراجع خطر كورونا في إنجلترا من "مستوى أربعة" إلى "مستوى ثلاثة"، ومع تلقي 36 مليون شخص جرعتهم الأولى من اللقاح المضاد لـ"كوفيد"، وتلقي 20 مليون شخص الجرعتين المطلوبتين، قام رئيس الوزراء بوريس جونسون بإعلان هذه الخطوة (السماح بالعناق). بيد أنه لم يفته تكرار أن على الناس "التحلي بالمسؤولية" و"اعتماد الحس السليم" وهم يقومون بذلك (يمارسون العناق).

في هذا الإطار، وعلى الرغم من بقاء بعض المخاوف خصوصاً إزاء ما يُعرف بـ "المتحور الهندي" من "كوفيد"، وعلى ضوء استطلاع وكالة "إبسوس موري" Ipsos Mori الذي كشف أن معدل نصف الناس فقط يشعرون بالارتياح وهم يعانقون، فإن هناك بصيص أمل بالعودة شيئاً فشيئاً إلى الحياة الاعتيادية. وقد قام الناس بمشاركة (مشاهد) عناقاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، ومن هؤلاء جيريمي فاين (إعلامي مشهور)، الذي استخدم في السياق هشتاغ #HugYourMumDay (#يوم معانقة والدتك).

وبالمناسبة قالت الوزيرة الاسكتلندية الأولى (رئيسة الحكومة)، نيكولا ستيرجون، وهي تعلن الخطوة التخفيفية، "في الحقيقة أشعر بالتأثر وأنا أقول هذا... من يوم الاثنين يمكنكم معانقة أحبائكم من جديد، طالما أنكم تلتزمون الحدود المعقولة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السياق، وخلال حديث مع "اندبندنت"، تقول إيريان سوفيغيارتو، الطالبة من برايتون التي تبلغ الـ 18 من عمرها، إنها لم تعانق أحداً منذ أبريل (نيسان) 2020، إذ إن والديها وشقيقها يعملون في مهن أساسية، وقد اتخذوا قراراً بعدم العناق سعياً لإبقاء خطر انتقال الفيروس منخفضاً قدر الإمكان. وتردف إيريان "بصراحة لا يمكنني تذكر آخر مرة قمت فيها بالمعانقة. العودة إلى هذا الأمر الآن ستكون مذهلة".

قامت إيريان يوم الاثنين المنصرم بمعانقة جدتها التي لم تستطع لمسها منذ أبريل السنة الماضية. وكذلك عانقت أستاذتها في التصوير الفوتوغرافي. وعن الأخيرة، التي زامن يوم الاثنين أيضاً آخر يوم لها في المدرسة، قالت إيريان "لقد كانت لي عوناً كبيراً". وبعد قيام هذه الشابة بزيارة بيت جدتها، قالت، "من المذهل أن أعانقها من جديد. هذا الأمر في الحقيقة مثل أجمل شيء حصل معي في السنتين الماضيتين".

أما كريستين هاي، ابنة الـ 25 سنة، وهي من رينفروشير وتتابع العمل لإنجاز بحث الدكتوراه، فقد عانت الأمرين خلال الجائحة. وعن هذا تقول "وجدت نفسي أكثر عزلة ومعاناةً من رهاب الأماكن العامة (أغورافوبيا). أعتقد أنني خلال الشهر الأول تقريباً (من الجائحة) كنت أبكي كل ليلة. كان الأمر فظيعاً". هاي تعيش على بُعد 10 دقائق سيراً على الأقدام من منزل أمها وأبيها وشقيقتها، لكن أفراد هذه العائلة لم يقوموا بأي تواصل جسدي منذ مارس (آذار) السنة الفائتة (أي قبل الإغلاق الأول) لأن شقيقتها، البالغة من العمر 14 سنة، تعاني من نقص المناعة ومن متلازمة "داون" (من ذوي الاحتياجات الخاصة).

كان الأمر بمثابة فرصة لتنشق هواء منعش

"مكثَت عائلتي داخل فقاعة عيش واحدة مع جدي وجدتي، وأنا بقيت بعيدة عنهم"، تقول هاي. تردف "أعتقد أن ذلك كان من أصعب القرارات التي اتخذتها في حياتي. كان الأمر مؤلماً فعلاً. كنا صارمين (في اتباع قيود الحجر) والتزمنا كل تفاصيلها".

ويوم الاثنين قصدت كريستين منزل عائلتها كي تكون قريبة من شقيقتها التي وصفتها بـ "الرائعة". وعن شقيقتها هذه، تقول المتحدثة، "لقد تغيرت كثيراً وغدت، خلال الحجر، شابة رائعة". كما ذكرت كريستين لحظة لقائها بعائلتها ووصفتها بـ "فرصة لتنشق هواء منعش"، لأنها كانت لحظة مكثفة بالعواطف.

وتتابع هاي قائلة "على مدى الأشهر الـ 14 المنصرمة التزمت "وضعية نجاة"، وحاولت الصمود من أسبوع إلى آخر. والآن، إذ شارف الأمر على الانتهاء، فإن هذا يعني أن الإجهاد الذي تراكم في النفوس وكان كل شخص يتحايل عليه، سوف يفيض وينفرج".

في السياق ذاته، وبالنسبة إلى أليسون دورهام، وهي من أبيردينشير وتعمل في مجال رعاية الأطفال، فقد كان هناك سببان للاحتفال بـ 17 مايو (أيار) (أي يوم السماح بالعناق). السبب الأول تمثل بعيد ميلادها، وتجلى الثاني بإمكانية قيامها بمعانقة والدتها. عن هذا تقول "الأمر جعل من كل ذلك مناسبة استثنائية. فنحن لم نتعانق منذ ما قبل الإغلاق الأول في مارس (آذار) 2020". وبهذه المناسبة جاءت الوالدة إلى منزل أليسون، وكانت الأخيرة تتوق إلى اللحظة التي تتخلى فيها عن تدبير الاستقبال في الحديقة، فيمكنها الجلوس بقرب والدتها من دون الالتزام بمسافة فاصلة. وتصف أليسون تلك اللحظة قائلة، "كنت متأثرة، لكن في غاية السعادة. كان رائعاً أن أقوم بمعانقتها. وذاك مثل أجمل هدية في عيد ميلادي".

أما كارين رايلي، وهي من سوليهال بعمر الـ 59، فقد قضت يوم الاثنين 17 مايو، برفقة ابنتها الراشدة، التي لم يكن بوسعها معانقة أحد منذ مارس  السنة الفائتة. وعن تجربة الحجر الصحي تقول رايلي "لقد التزمنا جميع التدابير (لمكافحة كورونا)، إذ إن ابنتي تعمل قابلة توليد (أو ممرضة توليد)، أي أنها تعمل في الخطوط الأمامية، كما أنني من جهتي مريضة وأتعافى من سرطان الصدر، وأقوم برعاية والدي المسنين، البالغين من العمر الـ 83 والـ 94 سنة. لذا كنا متخوفين من الإصابة (بفيروس كورونا)". وبمناسبة يوم السماح بالعناق احتفل أفراد هذه العائلة معاً حول مائدة طعام داخل منزلهم.

في غاية الشوق كي أشعر بعناقنا المتبادل

إلى هذا تتطلع كارين رايلي أيضاً لأن تقوم يوم الثلاثاء بمعانقة والديها (اللذين تلقيا اللقاح) وذلك مناسبة الذكرى السنوية الـ 64 لزواجهما. وتشرح "نشعر أنها اللحظة المؤاتية لنا كي نتعانق. أعتقد أننا تعلمنا أن قضاء الوقت مع عائلتنا يمثل الشيء الأهم في الحياة، كما تعلمنا الاستفادة من كل يوم نعيشه والتمتع بالحياة". ووصفت السيدة رايلي لحظة اللقاء بالـ" اللحظة المؤثرة".

سيارا لورنس من جهتها، وهي من إبسوم في شوراي، وتبلغ الـ 41 من عمرها، فقد استقبلت في شقتها والدتها لأول مرة منذ أكثر من سنة. عن هذا الأمر تقول "آخر مرة عانقت فيها أمي كانت في مارس العام الفائت!" كما قالت لورنس، إن تلك اللحظة كانت "لحظة متميزة"، وذكرت أنها كانت تفكر منذ مدة أنه "لا يمكن أخذ الحياة باعتبارها أمر مفروغ منه".

في المقابل قامت صوفي، وهي من اسكتلندا، بقضاء يوم الاثنين 17 مايو، مع أقرب أصدقائها منذ 10 سنوات، ثم قصدت بيت جدها وجدتها لاحتساء الشاي، وقالت إن المناسبة "استلزمها وقت كي تتحقق". بيد أن صوفي كانت قلقة شيئاً ما قبيل العناق. وأوضحت، "إنني أقوم بكل شيء (كالتعقيم، ووضع كمامة الوجه، وإجراء الفحوص الدورية) للمحافظة على سلامة الجميع (وصحتهم). إذ لا شيء (أجمل) من التوق إلى عناق مديد، طال انتظاره". أردفت "قد يذرف المرء بعض الدموع، أو لا يذرف الدموع أبداً، إلا أنني في نهاية المطاف حققت أمنية عناقهم. لا توجد كلمات يمكنها وصف السعادة المتأتية من تلقيك عناق جدك وجدتك".

وقد يكون بعض الأشخاص قد شعروا  بالخيبة جراء عدم تمكنهم من العناق في اللحظة الأخيرة من ذلك اليوم 17 مايو. إذ إن إيمي كوين مثلاً، وهي في الـ 28 من عمرها، عليها الانتظار بعض الوقت الإضافي، كون غلاسكو عادت ووُضعت في حالة إغلاق من المستوى الثالث. وكانت إيمي تنوي زيارة والدتها، التي تعاني من تصلب في الأنسجة والشرايين، فتفاجئها بباقة زهور وبـ "عناق حار مديد، يشعرها بمدى شوقي للقيام بهذا الأمر"، لكن الآن عليها الانتظار حتى تخفف التدابير والقيود المفروضة.

بيد أن إيمي ما زالت تدرك أن عناق والدتها يستحق كل هذا الانتظار. فتقول "أتوق كثيراً للإحساس بعناقنا المتبادل. أعتقد أن الأمر سيكون مؤثراً جداً، لكن لا بأس، فهي دائماً تسبقني بالبكاء. لا يمكنني الانتظار! لن أتخلى عن هذا (العناق) أبداً".

ومع انتقال البلاد إلى المرحلة التالية من الإغلاق (ومظاهر تخفيفه بانتظار رفعه نهائياً) قام الخبراء بتذكير الناس بوجوب إبقاء انتباههم تجاه مظاهر الاحتكاك الجسدي. وفي هذا السياق قال البروفسور بيتر أوبنشو، من مجموعة "نيرفتاغ" Nervtag التي تعمل مع الحكومة، إن العناق ما زال يمثل "ممارسات ذات مخاطر عالية". بيد أن 17 مايو مثل لأشخاص كثُر لحظة هامة في مسار العودة إلى الحياة الاعتيادية التي يتوقون إليها، كما ذكر بالأيام التي كان فيها العناق سعادة يومية، لا مجرد مناسبة سنوية.

           

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات