Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتجه نحو إصلاحات هيكلية لإنعاش الاقتصاد

وسط اضطراب مؤشرات النمو وتراجع الإنتاج في القطاعات الحيوية  

شهد نمو الاقتصاد التونسي انخفاضاً حاداً خلال السنة الماضية نتيجة تداعيات كورونا (أ ف ب)

يتواصل تأثر نسبة نمو الاقتصاد التونسي في الثلاثية الأولى من عام 2021 بالأزمة الصحية، إضافة إلى التراجع الحاد في قطاعات حيوية مثل الفوسفات.

وكانت نسبة نمو الاقتصاد التونسي قد شهدت انخفاضاً حاداً خلال السنة الأخيرة نتيجة تداعيات جائحة كورونا، وأثرت تداعيات الأزمة في القطاعات المصدرة والموجهة للسوق الداخلية، وتعمّق تأثير الصدمة الخارجية بتأثيرات داخلية ومنها تعطل قطاعات حيوية مثل الفوسفات ومشتقاته والطاقة، إضافة إلى الهشاشة الهيكلية للاقتصاد التونسي.

ويتحتم على تونس الترفيع في النمو والناتج المحلي بتوفير إطار ملائم لإنعاش الاقتصاد لتوضيح الرؤية للمتعاملين الاقتصاديين، ومن ثم التسريع في الإصلاحات الهيكلية المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي.

نسبة تدهور الناتج المحلي الاجمالي 12 في المئة

كشف محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، أن الناتج المحلي الاجمالي في تونس لم يشهد تراجعاً مثل المسجل حالياً منذ العام 1962، إذ نزل إلى مستوى تسعة في المئة، بينما كان مقدراً بثلاثة في المئة. وبذلك بلغ حجم تدهور الناتج المحلي الاجمالي 12 في المئة. وقد أثر هذا التراجع في الاقتصاد المنظم والاقتصاد الموازي، في حين انخفضت نسبة الاستثمار لتصل إلى 12 في المئة.

وبلغت نسبة الادخار ستة في المئة. ويتحتم على الدولة التونسية مواجهة هذا التدهور الناتج عن أزمة "كوفيد-19" بالرفع من مستوى الاستثمار وحجم التصدير والاستهلاك، وهي المحركات الثلاثة للتنمية، وعناصر معطلة حالياً في تونس وفق المحافظ.

ارتفاع إنتاج النفط الخام

تواصل تراجع إنتاج الفوسفات في بداية 2021 نتيجة الاعتصامات، ولم تستفد البلاد من الارتفاع النسبي في الأسعار العالمية، بينما ارتفع إنتاج النفط بنسبة 18 في المئة، وإنتاج الغاز الطبيعي 37 بالمئة.

في المقابل، ذكر محافظ البنك المركزي أنه لئن وقع التمكن من خفض نسبة انكماش الاقتصاد التونسي إلى 6.8 في المئة في الثلاثية الأولى من 2021 مقابل 8.8 في المئة لـ 2020، فان ذلك لا يعني القدرة على خفضه بقية السنة في ظل التراجع الحاد للاستثمار والإنتاج.

وتراجع عجز الميزان التجاري خلال الأشهر الأربعة الأولى لعام 2021 بـ 8.7 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، ليعود إلى مستوى 4.421 مليون دينار (1.637 مليون دولار).

وبعد أن عرفت المبادلات التجارية تراجعاً سنة 2020 على مستوى الصادرات بلغت 11.7 في المئة، وعلى مستوى الواردات 18.7 بالمئة، سجلت انتعاشة خلال الأشهر الأربعة الأولى لسنة 2021، مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، إذ بلغت 21.4 في المئة بالنسبة للصادرات، و13 في المئة من الواردات، إلا أنها بقيت دون المستوى.

كما تقلص عجز ميزان الطاقة بـ 257 مليون دينار (95.18 مليون دولار) ليعود إلى 1455 مليون دينار (538.88 مليون دولار)، اثر انخفاض الواردات (19.7 في المئة) لتشمل خاصة مشتريات الغاز الطبيعي، مع دخول حقول جديدة للغاز حيز الإنتاج، وتضاعف الإتاوة من الغاز الجزائري.

انحدار الميزان الغذائي

تدهور الميزان الغذائي بـ 574 مليون دينار (212.59 مليون دولار) مقابل 3 ملايين دينار قبل سنة، ويعود ذلك أساساً إلى تراجع مبيعات زيت الزيتون بنسبة 22.8 في المئة، متأثرة بالكمية وبأسعار اليورو. بينما شهدت واردات المواد الغذائية زيادة بنسبة 22.7 في المئة والمواد الاستهلاكية بنسبة 20.8 في المئة والمواد الأولية ونصف المصنعة 20.5 بالمئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدى تأزم الوضع الاقتصادي في تونس إلى صعوبات جمة لتعبئة موارد خارجية في شكل استثمارات مباشرة ورؤوس أموال أجنبية متوسطة وطويلة المدى، وسجل تراجع مهم في دخول رؤوس الأموال الأجنبية لتبلغ 811 مليون دينار (300.37 مليون دولار)، فحسب في الثلاثية الأولى من سنة 2021، مقابل 5 مليار دينار (1.8 مليار دولار) عام 2020 التي اتسمت بقرض أداة التمويل السريع المسند من طرف صندوق النقد الدولي بقيمة 2.1 مليار دينار (801 مليون دولار) خلال أبريل (نيسان) 2020.

كما نبّه محافظ البنك المركزي التونسي من ارتفاع نسبة التداين إلى درجة وصول تونس إلى مرحلة التداين لخلاص الديون، وقال إنه حذّر في السابق من هذا المنعرج الخطير. ويتوقع لأن يبلغ قائم الدين الخارجي متوسط وطويل المدى 85.1 مليار دينار (31.5 مليار دولار). ومن أهم الاستحقاقات لعام 2021 خلاص أصل ثلاث قروض رقاعية بمبلغ 250 مليون دولار في شهر أبريل الماضي، و500 مليون دولار في شهر يوليو (تموز) و500 مليون دولار في أغسطس (آب) 2021.

استقرار نسبي للدينار

في حين تميز سعر صرف الدينار باستقرار نسبي منذ سنة 2020، إذ تم تداول الدينار التونسي بين 2.70 و2.90 مقابل الدولار. وبين 3.15 و3.30 مقابل اليورو.

ويعود ذلك إلى عوامل عدة، عادت بالإيجاب على السيولة بالعملة الأجنبية في سوق الصرف المحلية، أهمها انخفاض نسق الدفوعات بعنوان الواردات في ظل تقلص النشاط الاقتصادي جراء جائحة كورونا، مما قلص عجز الميزان التجاري مقابل استمرار تدفق موارد بالعملة الأجنبية بعنوان تحولات التونسيين بالخارج بنسق جيد، وإقدام المتعاملين الاقتصاديين على بيع مواردهم بالعملة مقابل الدينار، في ظل استقرار الدينار وإدارة رشيدة لدورة القروض من قبل البنوك.

ومكنت هذه العوامل من تراكم وضعيات صرف لدى البنوك خلال 2020 بلغت معدل 30 مليون دولار يومياً. وعلى الرغم من مراكمة البنوك لوضعيات صرف سلبية خلال الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2021، فقد ظلت منخفضة في حدود 25 مليون دولار يومياً، مقارنة بالمستويات المرتفعة جداً المسجلة خلال 2017 و2018 التي بلغت أحياناً 300 مليون دولار يومياً.

مسار تنازلي لإعادة التمويل

من جهة أخرى، حذر مروان العباسي محافظ البنك التونسي من حجم إعادة تمويل الاقتصاد، وقال إنه يشهد حالياً مساراً تنازلياً، إذ بلغ الحجم الإجمالي لإعادة التمويل ما يناهز 8.3 مليار دينار (3.07 مليار دولار) يوم 30 أبريل 2021، بعد أن بلغ مستويات قياسية في 2018، إذ أدخل البنك المركزي أداة جديدة للتدخل في السوق النقدية، وهي عمليات إعادة تمويل لمدة شهر بهدف توفير التمويل اللازم للمؤسسات الاقتصادية، بما يمكنها من مجابهة تداعيات الأزمة الصحية.

وبلغ قائم هذه العمليات 863 مليون دينار (319مليون دولار) في أبريل (نيسان) 2021. ومكن المسار التنازلي للتضخم الذي بلغ 4.8 بالمئة، البنك المركزي من مواصلة تخفيف سياسته النقدية بخفض أول بـ 100 نقطة أساسية في مارس (آذار) 2020 في أسعار الفائدة الرئيسية، تلاه خفض بـ 50 نقطة في نهاية سبتمبر (أيلول) 2020، لتستمر في مستوى 6.25 بالمئة.

ويضيف العباسي بأن البنك المركزي يحرص على مواصلة الجهود المبذولة لدعم المنحى التنازلي للتضخم، بهدف الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن واستقرار الاقتصاد، مؤكداً بأن الأخطار المحيطة بالتضخم نشطة وتتبع أفاق ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الأولية والسلع والضغوط على ميزان الدفوعات والزيادة في كُلف الإنتاج.

وتجدر الإشارة إلى أن التصنيف السيادي لتونس شهد تدهوراً بسبب الظروف السياسية والأمنية منذ العام 2011، وتفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي. وقد صنفت "فيتشرايتنغ" تونس "ب 3" سلبية في 23 فبراير (شباط) 2021. أما "موديز" فصنفت تونس "ب" سلبي في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، في حين صنفت "I&R" تونس بـ "-بب" مستقرة في 22 يوليو 2020.

وتأثر ذلك بتقلص هامش التحكم في المالية العمومية والقطاع الخارجي والتحديات التي تواجهها الحكومة لتنفيذ الاصلاحات الهيكلية، والحفاظ على الشركاء المانحين وقدرة الدولة على تغطية حاجاتها بكلفة مقبولة.

وقد فسرت "موديز" تصنيفها الأخير بضعف الحوكمة في مواجهة القيود الاجتماعية المتزايدة التي تحول من دون تنفيذ الإصلاحات، والتي من شأنها تحقيق الاستقرار وعكس المسار التصاعدي الملحوظ للدين العمومي.

كما اعتبرت أن التحكم في المالية العمومية يستوجب اتفاقاً من مؤسسات المجتمع المدني لتنفيذ الإصلاحات، وهو ما يبدو عملية طويلة الأمد، معربة عن قلقها من استمرار أخطار إعادة التمويل.

المفاوضات مع صندوق النقد الدولي

من جهة ثانية، ذكر العباسي أن تونس انطلقت بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف امضاء اتفاق متكامل يتزامن فيه الحصول على قرض مع القيام بإصلاحات هيكلية للاقتصاد، ويمتد إلى ثلاثة أسابيع أخرى تقدم تونس فيه مقترحاتها لصندوق النقد الدولي وتحدد مطالبها، وتقدم برنامجاً زمنياً للإصلاحات الهيكلية. وقال إن تونس لن تستطيع الخروج إلى السوق المالية العالمية للاقتراض من دون إمضاء اتفاق مع صندوق النقد، وهو ما تسعى إليه.

في المقابل، رأى الاقتصادي غازي معلى أن تونس ستشهد في الأيام المقبلة لحظات مصيرية في تاريخها، فهي مطالبة بتوقيع اتفاق أولي وصفه باتفاق نيات مع صندوق النقد الدولي، للتمكن من الخروج إلى السوق المالية العالمية للاقتراض، ولن تتمكن من ذلك في حال عدم موافقة صندوق النقد. في حين تواجه المفاوضات مع الصندوق صعوبات أساسها عدم موافقة المنظمة الشغيلة في تونس على الإصلاحات الهيكلية المطلوبة للاقتصاد من قبل صندوق النقد.

وأعرب الاتحاد العام التونسي للعمل عن رفضه لها، وأن الوفد الذي انتقل إلى واشنطن غاب عنه الأمين العام للاتحاد العام نورالدين الطبوبي، في مؤشر واضح إلى عدم موافقة المركزية النقابية لبرنامج الإصلاح الذي حمله الوفد.

وذكر معلى أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي راسل صندوق النقد الدولي، معبراً عن رفض المنظمة الشغيلة في تونس لبرنامج الاصلاح الذي تعرضه الحكومة التونسية أثناء مفاوضاتها، وهو مؤشر خطير إلى تعثر المفاوضات.

اقرأ المزيد