Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستنجح مساعي التهدئة بين الفلسطينين وإسرائيل؟

ما هي أهم الإشكاليات والصعوبات المطروحة... والضمانات مطلوبة من الإدارة الأميركية؟

نجح الوسيط المصري في التوصل إلى تهدئة أولية، سيُبنى عليها لاحقاً، بين التنظيمات الفلسطينية وإسرائيل. وقد تم الإعلان عن بدء سريان التهدئة بين الجانبين مساء الخميس 21 مايو (أيار)، ليبدأ مسار تفاوضي ستقوده القاهرة على الجانبين في الفترة المقبلة من خلال التركيز على الخيارات الأمنية، مع التطرق للخيارات الاقتصادية والاستراتيجية التي سيطرحها كل طرف، وسيتطلب توسيع دور الوساطة لتضم دولاً أخرى إلى جانب مصر، وبمتابعة أميركية لتحديد واجهة الأحداث والتوصل لهدنة ممتدة وليس مجرد أشهر عدة فقط كما تردد.

صعوبات حقيقية

الحاجة إلى ضوابط، حيث تحتاج التهدئة الجديدة إلى ضوابط ومعايير وضمانات حقيقية من قبل الجانبين المصري والأميركي، فدور مصر سيكون مراقبة ومتابعة ما يجري على الجانبين، خصوصاً وأن خبرات مصر طويلة وممتدة وربما لا تتوافر لأي وسيط آخر، بما في ذلك المبعوث الأممي أو التركي المرفوض إسرائيلياً، والقطري الذي قد لا يملك خبرات استراتيجية حقيقية في التعامل، وإن كان لديه الحضور الاقتصادي في ملف الإعمار من خلال لجنة إعمار قطاع غزة. وبالتالي، فإن على القاهرة توفير الضمانات الحقيقية لكل طرف للاستمرار في التهدئة الممتدة.

كما أن الولايات المتحدة في حاجة إلى تقديم قوائم تحفيزية لكل طرف، وهو ما جرى للجانب الإسرائيلي، وسيمتد إلى داخل القطاع في الاستجابة غير المباشرة لإتمام بعض المشروعات المعطلة، وتقديم تسهيلات حقيقية بالتعاون مع المؤسسات المانحة أوروبياً. وهو ما قد يزعج السلطة الفلسطينية، خصوصاً وأن الرئيس محمود عباس يريد العودة إلى المفاوضات واستثمار ما جرى من خلال دور أميركي مباشر، وعدم التعويل على دور اللجنة الرباعية الذي ما زال يرواح مكانه.

عدم الاستقرار في إسرائيل

لا تزال إسرائيل تواجه أزمة حكم ممتدة واحتمال الذهاب إلى انتخابات خامسة وارد، وهو ما قد يعطل أو يعرقل مسار التهدئة الراهنة حال تغيير شكل الائتلاف وصعود دور بعض القوى اليمينية. ما قد يهدد استمرار أي تهدئة حقيقية، ويتطلب التعامل معها بواقعية، خصوصاً وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يريد أن يجني ثمار ما جرى، وهو ما لا يريده الجنرالات الذين شاركوا من قبل في مواجهات غزة. بالتالي، فإن عدم الاستقرار في الساحة الإسرائيلية قد يكون له تبعاته، وإن كان مخطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سيدفعه، ربما، إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني أو حكومة تكنوقراطية أو حكومة لأشهر عدة، والرسالة واضحة هي استثمار ما جرى سياسياً.

وجود قوى نافذة رافضة

يعتقد نافذون في بعض الفصائل في قطاع غزة، وخصوصاً في المستوى العسكري في حركتي "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، أن الاستمرار في المواجهة وإنهاك إسرائيل، كان يجب أن يستمر لأسابيع عدة مقارنة مع ما جرى في المواجهة 2014 التي استمرت 51  يوماً. وبالتالي، فإن هذه القوى قد تعمل على رفض بعض الضمانات، والعمل على اختبار الجانب الإسرائيلي دورياً. ما قد يعرقل تحقيق أي مكاسب أو تقدم، وقد يعطل الوصول إلى حلول مطروحة لمسائل معطلة، مثل إتمام صفقة تبادل الأسرى، أو بدء الحصول على تسهيلات اقتصادية أو مكاسب حقيقية نتاج الإنجازات التي تحققت في المواجهة. بالتالي، فإن هذه القوى النافذة ستدخل في مواجهات على المستوى السياسي. وهو ما ينطبق على القيادات العليا في "حماس" و"الجهاد". وفي المقابل، فإن المستوطنيين لن يعودوا إلى منازلهم، بل سيستمروا في طرح رؤيتهم في القدس ومناطق التماس في العيساوية وغيرها، وبالقرب من الأقصى. وهو ما سيؤدي إلى مزيد من المواجهات، وفي حال استمرار أعمال الحفر تحت الأقصى والبحث عن الهيكل المفقود وغيرها، فإن المواجهات ستتجدد، خصوصاً وأن المطلوب فلسطينياً إيقاف ما يجري من أعمال التهويد وتجميد مسار الترانسفير الراهن كأولوية. فهل ستستطيع الحكومة الإسرائيلية تحقيق ذلك؟

وجود قوى متابعة

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ظل وجود وسطاء كثر وأطراف إقليمية، فإن الوسيط المصري في حاجة إلى التركيز على مسارات ما سيجري في الساحة الداخلية في غزة، خصوصاً وأن إيران تتحين الفرصة للتدخل ولديها أذرعها القوية وارتباطاتها مع حركة "الجهاد"، وتردد أنها تمول حركة "حماس" وقدمت خلاصة خبراتها في تطوير منظومة الصواريخ. كما أن تركيا تبحث عن حضور في القدس، وهو ما يفسر الهجوم المستمر على الحكومة الإسرائيلية والتراشق بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونتنياهو. وهو أمر مرشح للتصعيد في ظل احتمالات دخول الأردن على الخط والعمل على تفعيل دور الاتفاق الثلاثي الذي يضم الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. ولكي تنجح التهدئة التي ستباشرها القاهرة، المطلوب هو إعادة تقييم دور الأطراف الأخرى الموجودة في القطاع، خصوصاً وأن القوى الرافضة في الساحة الفلسطينية تشير إلى عدم التطرق إلى أسباب ما جرى، وكان سبباً في تفجر الأوضاع. وهو الأمر الذي يجب الانتباه إليه، حيث الأصل مخطط التهويد ومشروع الاستيطان الرئيس المطروح. ومن دون ذلك فإن عوامل ومسببات المواجهات ستستمر، كما لا يمكن استبعاد الدور القطري الذي يعمل تحت مظلة قائمة منذ سنوات تعرف بلجنة إعمار القطاع التي باشرت كثيراً من المشروعات الخدمية، وقدمت عديداً من الخدمات، ولديها مشروعها في المشاركة في تدشين محطة الكهرباء وغيرها. بالتالي، فإن هذه القوى ستراقب ما سيجري، خصوصاً وأن القاهرة ستدخل القطاع ليس من الباب الاستراتيجي والأمني بعد مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتقديم 500 مليون دولار لإعادة إعمار القطاع. وهو ما سيوفر لمصر مرتكزاً في القطاع، قد لا يروق ذلك لأطراف عديدة في القطاع بل في رام الله. وهو ما قد يخلق بعض التوترات التي ستحاول التعامل القاهرة معها، وقد تؤثر على أي مسار إيجابي للتهدئة في الفترة المقبلة. ومن المؤكد أن رصد وتقييم ما يجري داخل القطاع لا ينفصل عما يجري في الضفة الغربية وتحفظات السلطة على فسح المجال أمام حركة "حماس" لقيادة العمل الوطني، أو أنها ستكون البديل السياسي المقبول في حال تخلي الحركة عن خياراتها العسكرية.

مطالب كل طرف بقائمة تحفيزية

سيطلب الطرفان (التنظيمات الفلسطينية وإسرائيل) قائمة تحفيزية للاستمرار في التهدئة. فحركة "حماس" ستسعى للحصول على مكاسب اقتصادية مكررة في كل مواجهة، إضافة للعمل على الحصول على تسهيلات في الصيد والتنقل ودخول البضائع والسلع وتنظيم حركة المعابر وغيرها من الإجراءات. وفي المقابل، ستعمل إسرائيل على تنفيذ متطلباتها الأمنية، ومنها إتمام صفقة السلاح المعطلة التي وافق الكونغرس الأميركي عليها أخيراً. وستطلب دعماً استثنائياً في تطوير وتفعيل أنظمة الدفاع الصاروخية، وأهمها "مقلاع داوود" و"السهم" و"حيتس" و"أرو" و"السماء الحمراء"، على أساس أن هذا المطلب من أهم المطالب الأمنية الراهنة، ويتطلب سرعة التفاعل معه. أي أن الجانبين سيعملان على الاستثمار في التهدئة لتحقيق الاستجابة لمطالبهم التي كانت معطلة، في الفترة المقبلة.

اختلاف الأهداف

يمكن القول، إن حركة "حماس" خرجت من المواجهة الأخيرة بعديد من المكاسب السياسية والاستراتيجية، وهو ما سيعطيها القدرة على المناورة والمشاركة في صنع القرار الفلسطيني. ومن دون مراعاة ذلك لاحقاً في أي تحرك فلسطيني بل وأوروبي، فإن "حماس" قد تنقلب على كل ما يجري. وفي ظل تنامي مقدراتها العسكرية، فإن الحركة ستعمل على عكس ما سيجري. بالتالي، فإن الولايات المتحدة، ومصر الوسيط الراهن، سيعملان على الضغط على السلطة الفلسطينية لإعادة ترتيب الحسابات السياسية في الضفة والقطاع. وقد يُعاد التأكيد على ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وبناء شرعيات سياسية جديدة، وعلى اعتبار أن كل الشرعيات الراهنة لمؤسسات النظام الفلسطيني منقوصة.

الحاجة لحسم القضايا المركزية

تحتاج أي تهدئة جديدة إلى نموذج إلزامي للجانب الإسرائيلي، لعدم تكرار أي سياسات انفرادية، ليس في القدس فحسب، وإنما في مخطط 2050 الذي ينفذ في قطاعات مختلفة ومن دون ضوابط محددة. وهو الأمر الذي سيجدد المواجهات الدورية بين "حماس" وإسرائيل، ويتطلب وضع آلة قياس للاستقرار وإلزام كل طرف ما سيتم طرحه والقابل للتغيير وفق حالة التهدئة أو الهدنة، وحسب مواعيدها المستحقة التي سيتم تحديدها. وعلى الرغم من ذلك، لن تكون تهدئة لمدة سنوات بل من 10 إلى 12 شهراً قابلة للتمديد حسب الاستقرار الراهن الذي قد يقره الوسيط المصري وسيعمل عليه.

ماذا بعد؟

تحتاج التهدئة الراهنة إلى النظر إلى كل الأطراف المعنية، ومحاولة تحييد دورها وتقليل تدخلها السياسي والاستراتيجي والعمل على أرضية راسخة، وإلا فإن أي تدخل من أي طرف وفقاً لحساباته وتقييماته سيؤدي إلى تبعات عديدة وسيؤثر على مسار ما يجري. وهو ما يجب الانتباه إليه.

ومن دون استئناف الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية بوساطة أميركية وبدور مباشر منفرد من إدارة الرئيس جو بايدن، أو من خلال الرباعية الدولية، فإن الأمور لن تُضبط، خصوصاً مع مخاوف عودة التوتر بين الضفة الغربية والقطاع. ما قد يؤدي إلى إشكاليات أخرى يجب التنبه إليها.

وفي حال استمرار مخطط التهويد والاستيطان، في القدس وغيرها، فإن الأمور لن تتسم بالاستقرار،  بل قد تتجدد المواجهات ولو بصورة غير دورية. ما سيعيق الاستمرار في الهدنة إلى أطول مدى ممكن، كما يسعى الوسيط المصري بدعم وتأييد من الوسيط الأميركي.

المزيد من تحلیل