Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حين ينطق الوزير اللبناني بلسان حزبه وزعيمه لا بلده

نسي وهبة تماماً حجم حاجة بيروت الآن تحديداً إلى الدعم العربي والدولي

وزير خارجية لبنان شربل وهبة (أ ف ب)

امتاز وزراء تعاقبوا على تولي مسؤولية علاقات لبنان الخارجية بحضور محترم، وبقدرة فائقة على إدارة علاقات بلادهم مع المحيط العربي وبقية العالم بدبلوماسية عالية على الرغم من اختلاف الظروف وتعقدها، وفي أشد الأوقات صعوبة التي مر بها البلد.

ويذكر اللبنانيون والعرب من هؤلاء الوزير الراحل حميد فرنجية في مطلع عهد الاستقلال، والوزير شارل مالك الذي أسهم في وضع الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، والوزير فؤاد بطرس الذي قاد الدبلوماسية اللبنانية في أعقد ظروف التدخل السوري في الشؤون اللبنانية، والوزير جان عبيد الذي لقبه الوزير الراحل الأمير سعود الفيصل بعميد وزراء الخارجية العرب.

كان هؤلاء وغيرهم يتمتعون بميزة لم تتوفر لغيرهم ممن تعاقبوا بعدهم على تولي المسؤولية. فقد تمتعوا بثقافة عالية والتزام وطني يتخطى حدود العصبيات والحزبيات الصغيرة، كما أنهم ورثوا أفضل ما أنتجه النظام من مؤسسات وإدارات رسختها على نحو خاص تجربة الرئيس فؤاد شهاب في الحكم، ومن سبقهم كان مشبعاً بحس وطني استقلالي عروبي تميزت به نخبة واسعة، أسهمت في تحقيق الاستقلال وإدارة شؤون دولته.

تغيرت إدارة العلاقات الخارجية للبنان مع توغل السيطرة السورية ثم الإيرانية إثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وأدى انتقال النفوذ السوري المباشر إلى عهدة النفوذ الإيراني إلى تحول في نوعية الوزراء الذين يتم اختيارهم لتولي حقيبة الخارجية. مرت هذه الحقبة بمرحلتين حتى الآن. في الأولى تولى وزراء ينتسبون إلى الثنائي الشيعي مسؤولية الوزارة، إلا أنهم حافظوا إلى حد ما على سقف سياسي كان يحدده خصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي هذه المرحلة لم نشهد خروقات والتزم مسؤولو السياسة الخارجية نصوص البيانات الوزارية من دون التنطح الى اجتهادات إضافية، وانصرفوا في المقابل إلى ترتيبات تعزز حضور فريقهم في هذا الموقع الدبلوماسي المهم.

في المرحلة الثانية، ومع إمساك "حزب الله" بموقع رئاسة الجمهورية لدى فرضه الجنرال السابق ميشال عون رئيساً للدولة إثر عامين من التعطيل، انتقل منصب وزير الخارجية إلى عهدة حزب عون المتماهي مع "حزب الله" ومن وراءه، وبدأ تسديد الفواتير المتراكمة. لم تعد البيانات الوزارية التي تنال الحكومات الثقة على أساسها هي المقياس، وصارت بيانات الحزب المذكور دليل العمل للوزراء الجدد. لم ينص أي بيان وزاري على دعم قتال "حزب الله" في سوريا واليمن والعراق ولا على تكليفه إعلان الحرب والسلم مع إسرائيل، ونصت كل البيانات التي هي برنامج عمل الحكومة، على التزام المواثيق العربية والتضامن العربي وإرساء أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب والتزام قرارات الشرعية الدولية. لكن شيئاً من ذلك لم يتم الإيفاء به مع الوزراء الجدد، بل مع الحكومات التي تولت السلطة خلال عهد عون. فالحكومات تحولت إلى تجمعات متناقضة، والسياسة الخارجية أديرت بما يخدم إيران ومحورها. وقفت السياسة الخارجية اللبنانية إلى جانب النظام السوري ضد الإجماع العربي، وإلى جانب إيران ضد السعودية ودول الخليج العربي، ولم ينس أحد رفض وزير خارجية لبنان في حينه إدانة العدوان على "أرامكو"، مع أنه لم يكن مطلوباً منه تسمية إيران كطرف متهم...

لم يحصل ذلك صدفة، وما تفوه به الوزير شربل وهبة، أخيراً، ليس زلة لسان. إنه تعبير عن التحاق رئاسة الدولة اللبنانية الكامل بالمحور الإيراني وممثله في لبنان، ووهبة ليس إلا ناطقاً من بين ناطقين باسم هذه الرئاسة والنهج السياسي الذي تلتزمه. قبل وهبة الذي جاء إلى موقعه الوزاري مباشرة من القصر الجمهوري، حيث شغل منذ 2017 منصب المستشار الدبلوماسي لرئيس الجمهورية، تبرع الوزير العوني والمبعوث الخاص إلى النظام السوري، بيار رفول، بالإعلان عن ارتباط حزبه بالحوثيين ومحور الممانعة في معرض التبشير بانتصار هذا المحور بعد رفع الحظر الأميركي عن الحوثيين. وقبله أيضاً لم تتردد نائبة رئيس الحزب العوني مي خريش في تفضيل إيران على السعودية رداً على سؤال صحافي مباشر...

لم يعد الأمر مسؤولية حكومية وطنية ودبلوماسية بالنسبة لموظفي التيار العوني. لا دبلوماسية ولا وطنية تعلو على المصلحة الحزبية الخاصة. وهذه المصلحة تقتضي القيام بأي شيء، ولو على حساب اللبنانيين ومصير بلدهم، من أجل حفظ الموقع في السلطة.
كان يمكن للوزير شربل، أن يقدم أطروحة حضارية لما يحتاجه لبنان، لكن ذلك يدخل في باب التمنيات. فالوزير الذي أنكره سيده خلال ساعات، ليس إلا تعبيرًا تفصيليًا في سلطة تمعن في خراب بلدها قبل أن تبدع في تخريب علاقات لبنان مع الخارج. ومع سلطة كهذه لن يأمل اللبنانيون بحضور وزراء من وزن آخرين رحلوا ويجري نسف إرثهم المضيء.

المزيد من آراء