يبدو أن الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان لم تعُد تتّسع لداخله المثقل، بعد أن أتت على كل مفاصل الاقتصاد والحياة العامة، حتى باتت تتوسّع لتضرب ما تبقّى للبلاد من علاقات في الخارج.
العلاقة مع المحيط العربي، بخاصة الخليج، التي تُعدّ جزءًا من إنجازات فترات سابقة، لا يبدو أنها قادرة على احتمال ما احتمله اللبنانيون في الداخل كثيراً، وهو ما كان جلياً في رد الفعل على تصريحات لبنانية رسمية لم يهدأ حتى الساعة، إذ أثار شربل وهبة، وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، استياءً شعبياً ورسمياً في السعودية كما في لبنان، بعد أن قال في ظهوره الأخير عبر لقاء تلفزيوني، عقب قراره بإنهاء الحوار مع ضيف سعودي، قائلاً "هذا برنامج؟ ما راح أقبل، أنا بلبنان يهيني واحد من أهل البدو؟".
أبسط الأعراف الدبلوماسية
بعد ساعات من حالة وصفها المتعاطون معها بـ"العنصرية"، استدعت الرياض السفير اللبناني، لتعرب عن رفضها "الإساءات الصادرة من مسؤول لبناني".
وقالت الخارجية في بيانها، "إشارة إلى التصريحات المسيئة لوزير خارجية الجمهورية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة خلال مقابلة تلفزيونية، تطاول فيها على المملكة وشعبها، فإن وزارة الخارجية إذ تعرب عن تنديدها واستنكارها الشديدين لما تضمنته تلك التصريحات من إساءات مشينة تجاه المملكة وشعبها ودول مجلس التعاون الخليجي الشقيقة، لتؤكد مجدداً أن تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية، ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين".
وأضافت، "نظراً إلى ما قد يترتب على تلك التصريحات المشينة من تبعات على العلاقات بين البلدين الشقيقين، فقد استدعت الوزارة سفير الجمهورية اللبنانية لدى المملكة للإعراب عن رفضها واستنكارها الإساءات الصادرة من وزير الخارجية اللبناني، وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص".
عون: وزير الخارجية لا يمثل الحكومة
في المقابل، لم يصدر من بيروت موقف واحد، بل موقفان، ليس من ضمنهما وزارة الخارجية والمغتربين، إذ تولّى قصر بعبدا مهمة إدارة الأزمة السياسية المتوقعة لكن بطريقة أقل دبلوماسية.
فعلى ما يبدو أن إبعاد التراشق عن القصر كان أولوية رئاسة الجمهورية، بعد أن غرّد الرئيس ميشال عون فور تصاعد الخطاب بنص مقتضب قال فيه "ما صدر عن وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبة مساء أمس من مواقف يعبّر عن رأيه الشخصي، ولا يعكس موقف الدولة والرئيس عون"، فيما لم يرد لبنان الدولة في نص البراءة من "الإساءة".
رئاسة الجمهورية: ما صدر عن وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه الى محطة "الحرة" مساء امس من مواقف يعبر عن رأيه الشخصي ولا يعكس موقف الدولة والرئيس عون
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) May 18, 2021
الإساءة التي لم يسمِّها الرئيس وترك مهمة تفسيرها للبيان الرئاسي، الذي بدوره تجاهل الجانب العنصري الذي يصعب تبريره كما يصعب تجاهله، وسلّط الضوء على جوانب أكثر تنافياً مع "أبسط الأعراف الدبلوماسية" كما تصفها الرياض، إذ لفتت الرئاسة النظر إلى أن ما قاله شربل عن علاقة السعودية بتنظيم "داعش" الإرهابي هو "رأي شخص ولا يعبّر عن موقف الدولة اللبنانية".
فيما دافعت بشكل ضمني عن الوزير الذي لا يمثّل حكومته، بوصف ما تعرّض له "حملة إعلامية مبرمجة بالرغم من التوضيح الذي صدر عن الوزير المعني بأنه لم يسمِّ دول الخليج في معرض كلامه"، مؤكدة أن الحملة هدفت للإساءة إلى العلاقة الأخوية القائمة بين البلدين.
لبنان "الموقفان"
الموقف اللبناني الثاني كان شعبياً وسياسياً، إذ أبدى قطاع واسع من المواطنين استياءهم من توظيف مفردة "البدو" في سياق سياسي بغرض الإسقاط العنصري.
وصدر عن رئيس الحكومة الأسبق، سعد الحريري، أحد أبرز تلك المواقف، الذي وصف التصريح بأنه من "مآثر العهد في تخريب العلاقات اللبنانية"
صدر عن المكتب الاعلامي للرئيس سعد الحريري الآتي:
اضاف وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبي مأثرة جديدة الى مآثر العهد في تخريب العلاقات اللبنانية العربية،
(١/٤)
— Saad Hariri (@saadhariri) May 17, 2021
أما رئيس حزب القوات، سمير جعجع، فقال إنه "كان يفترض بالوزير وهبي أن يكون وزير خارجية لبنان واللبنانيين فانتهى به الأمر بوزير خارجية حزب الله"
كان يفترض بالوزير وهبي ان يكون وزير خارجية لبنان واللبنانيين فانتهى به الأمر بوزير خارجية "حزب الله"، وهذا في الشكل، وأما في محتوى مواقفه فقد وقع أقله في مغالطتين كبيرتين.
— SAMIR GEAGEA (@DRSAMIRGEAGEA) May 18, 2021
أما عضو مجلس النواب نهاد المشنوق، فقد وصفه بـ"وزير الغباء الخارجي"
#شربل_وهبه وزير الغباء الخارجي.
لن نسمح لهذا العهد أن يقضي على #لبنان.
وتصريح وزيره لا يمثّل لبنان. pic.twitter.com/eNqohC6fBe
— Nohad Machnouk (@NohadMachnouk) May 17, 2021
فيما علق نديم الجميل، "شربل وهبة المؤتمن على علاقات لبنان الخارجية داس مصلحة البلد العليا، وتناسى أنه وزير خارجية الدولة لا وزير خارجية الدويلة!"
ندفع اليوم ثمن معاداة ومهاجمة الدول الشقيقة اكثر من اي وقت مضى، فالعزلة العربية والدولية غير مسبوقة.
شربل وهبة المؤتمن على علاقات لبنان الخارجية داس مصلحة البلد العليا، وتناسى انه وزير خارجية الدولة لا وزير خارجية الدويلة!
شربل وهبة اقله استقيل!
— Nadim Gemayel (@nadimgemayel) May 18, 2021
أما علي جابر، مدير مجموعة "إم بي سي"، فقد وصف المسؤول اللبناني بـ"الساذج، والعنصري، والمعادي للمصلحة الوطنية"
كلام وزير الخارجية شربل وهبة اقل ما يقال عنه انه ساذج، وعنصري، ومعادي للمصلحة الوطنية و يعبر، ليس عن رأي شخصي، بل عن حالة فكرية هدامة تسود الطغمة الحاكمة ومن يحميها وهم ينحرون اللبنانيون في بلدهم وخارجها كل يوم. لن تصطلح الامور بدون اعتذار رسمي من رأس النظام.
— Ali Jaber (@alimouinjaber) May 18, 2021
في حين قال الإعلامي جمال فيّاض "ليه يا ربي وصلنا إلى هذا الدرك؟ ألهذا الحد أنت غاضب علينا؟"
من ضمن شروط الإنهيار التام للدولة، أن يكون لديك وزير خارجية إنفعالي قليل الحيلة، فاقداً الديبلوماسية ضعيف الحيلة أمام الإستفزاز من إي شخص أتى !!
ليه يا ربي وصلنا الى هذا الدرك؟ ألهذا الحد أنت غاضب علينا؟
اللهم نستغفرك لما فعله السفهاء منّا …
— jamal fayadجمال فياض (@jamalfayad) May 18, 2021
وقال المذيع في قناة العربية طاهر بركة
جرت العادة على أن يتدارك المسؤولون الكبار في دولة ما تصرفات أو تصريحات مواطنين أو جماعات محلية ضد دول أخرى ويسارعوا إلى نزع فتيل الأزمة وترطيب الأجواء. العكس صحيح في حالة لبنان، إذ يسارع المقيمون والمغتربون في كل مرة لمحاولة رأب الصدع الذي يحدثه بعض سياسييهم#شربل_وهبة_لا_يمثلنا
— طاهر بركة (@taherbaraka) May 18, 2021
وكان أبرز المواقف الرسمية التي صدرت من سعوديين، هي تغريدة لوزير الثقافة الأمير بدر بن فرحان، عندما علق بصورة
من ماضينا العريق ننطلق نحو مستقبلنا المزدهر pic.twitter.com/OrjTYO5w41
— بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود (@BadrFAlSaud) May 18, 2021