Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عبدالكريم الخطابي "شيخ مقاومي الاحتلال" في المغرب

لا يزال موضوع "جمهورية الريف" يثير تجاذباً بين المغاربة حتى اليوم

عبدالكريم الخطابي (مصدر مفتوح)

اشتهر تاريخ المنطقة المغاربية بأعلام المقاومة للاحتلال الأجنبي، فإلى جانب عمر المختار في ليبيا، والأمير عبدالقادر في الجزائر، يُعد محمد بن عبدالكريم الخطابي "شيخ مقاومي المغرب"، فقد ساهمت حنكته الحربية في إلحاق خسائر كبيرة بقوات الاحتلالين الإسباني والفرنسي، حتى لُقب بـ"أسد الريف".
ويتجاذب تياران الحديث عن تركة "الخطابي"، إذ يعتبره التيار الأول زعيماً وبطلاً تمكن من توحيد منطقة الريف وأذلّ قوات الاحتلال، في حين يراه التيار الثاني داعياً للفتنة عبر الخروج عن طاعة الدولة المركزية، وذلك بإنشاء جمهورية، ما يتعارض مع مبدأ الوحدة الوطنية.

نشأة الزعيم

ولِد محمد بن عبدالكريم الخطابي عام 1882 في مدينة أجدير، الواقعة في شمال المغرب، وعمل بعد تخرجه في جامع القرويين بمجالات التدريس والصحافة والترجمة إلى أن تم تعيينه من طرف السلطات الإسبانية في عام 1915 قاضي قضاة مدينة مليلة الخاضعة لسيادتها.
وبتعامله الدائم مع السلطات الإسبانية، بدأت تتسع معرفته بنوايا وأهداف الاحتلال، حيث قال في مذكراته "لم أعتبر يوماً الحضارة الغربية غاية السعادة والاستقرار، وكنت كلما ازداد احتكاكي بالإسبان والأوروبيين بصفة عامة، ازداد إيماني بأنهم يعيشون في حلم الاستعمار والاستغلال للغير واستعباده، فأزداد بُعداً عن حضارتهم، وعن كل ما يسمونه تقدماً ورقياً، بينما يسخرونه لمصلحتهم دون بقية الإنسانية".

اتُهم الخطابي بالخيانة العظمى إثر التخابر مع عميل ألماني، لم يكن سوى حفيد الأمير عبدالقادر الجزائري. وإثر ممارسة الحاكم العام الفرنسي للمغرب، المارشال ليوطي، ضغوطاً على السلطات الإسبانية، تم حبسه، إلا أن محاولته الهرب من السجن أُحبطت بعدما كُسرت رجله جراء سقوطه من أعلى بناية السجن. وباستخدامه للحيلة عبر ادعائه أن سقوطه ذلك كان محاولة منه للانتحار بسبب المحاكمة غير العادلة، تمكن من دفع السلطات الإسبانية إلى إخلاء سبيله.
عمل الخطابي خلال فترة سجنه التي امتدت لأربعة أشهر على ترتيب أفكاره وأولوياته والتخطيط للمستقبل، واضعاً التصدي للاحتلال الأجنبي لبلاده على رأس الأولويات.
وفي حديثه عن "زعيم الريف"، يقول الكاتب المغربي، عزيز أشيبان، إن "البطل زاوج بين التعليم المحافظ في منطقته، ثم في فاس، والتعليم العصري بإسبانيا، وكانت له كاريزما وملَكة في إقناع وتهيئة الرجال وتوحيد نضال القبائل، مكنته من الارتقاء إلى القيادة التي تربى في كنفها من خلال والده، رحمة الله عليه"، معتبراً أنه "كان متمرداً على الظلم ورافضاً للخضوع والمساومة. اكتسب خبرة في القضاء والإدارة وأمور الجيش (داخل الجيش الإسباني)، إضافة إلى الترجمة. وشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بالتفوق في أدبيات التفاوض الدبلوماسي، وبالحنكة في إعداد وترتيب الخطط الحربية وتوقع نوايا وردود فعل الأعداء". ويضيف الكاتب أنه "نجح أيضاً في التأسيس لإدارة منظمة وتدبير عقلاني بحسب نوعية الموارد اللوجيستية والبشرية المتواضعة المتاحة. وأسس لفكر ثوري إنساني وأحيى ذخيرةً من قيم الحياة الكريمة والشريفة".


خصوصية الظرفية

وكان المغرب قد شهد في بداية القرن العشرين حالة عدم استقرار عبر اتساع رقعة التمرد على النظام، بالإضافة إلى سعي زعماء القبائل إلى تقوية نفوذهم على حساب السلطة المركزية، وفي خضم ذلك كانت علاقة منطقة الريف بـ"المخزن" (السلطة المركزية) سيئة جداً. وساهم ضعف الدولة المركزية في تسهيل مهمة فرنسا وإسبانيا في احتلال المغرب في بداية القرن العشرين.
وكانت عائلة الخطابي تتمتع بحظوة لدى أهل منطقة الريف، ما ساهم، إلى جانب المكانة القيادية التي بات يتحلى بها الزعيم محمد بن عبدالكريم، في تمكنه من توحيد قبائل المنطقة، وإنهاء الصراعات التي كانت تعانيها تلك المنطقة. وانطلقت إثر ذلك شرارة "حرب التحرير الثانية" في صيف عام 1921، والتي عرفت مواجهات عدة مع قوات الاحتلال.

معركة أنوال

وتمكنت "المقاومة الريفية" من هزيمة قوات الاحتلال في محطات عدة، وذلك على الرغم من قلة مقاتليها وضعف تسليحهم مقارنةً بجيوش الاحتلال. وتُعد معركة أنوال التي جرت في يوليو (تموز) 1921، أبرز تعبير على فشل الجيش الاسباني، وأقوى حدث تاريخي يخلد قوة المقاومة المغربية ضد الاحتلال. وكان تعداد القوات الإسبانية يفوق الـ24 ألف مقاتل، في حين كان جيش الريف يضم 5 آلاف جندي فقط، وبعد خمسة أيام من الحرب تمكن المقاومون الريفيون من سحق الجيش الإسباني الذي فقد أكثر من 15 ألف مقاتل بمن فيهم قائد القوة المهاجمة الجنرال سلفستري. ويروي الخطابي في مذكراته عن المعركة أن الانتصار في أنوال مكنهم من الحصول على "200 مدفع من عيار 75 أو 65 أو 77، وأكثر من 20 ألف بندقية، ومقادير لا تحصى من القذائف، وملايين الخراطيش، وسيارات وشاحنات، وتموين كثير يتجاوز الحاجة، وأدوية وأجهزة للتخييم، وبالجملة، بين عشية وضحاها، بات لدينا كل ما كان يعوزنا لنجهز جيشاً، ونشن حرباً كبيرة، وأسرنا 700 أسير، وفقد الإسبان 15 ألف جندي ما بين قتيل وجريح".
وذكر وزير الإعلام المغربي السابق، محمد العربي المساري، في كتاب "محمد عبدالكريم الخطابي، من القبيلة إلى الوطن"، أن "الأحداث الجليلة التي شهدتها المنطقة (منطقة الريف) هي قصة ملحمة بدأت بـ18 بندقية، هزمت جيوشاً جرارة، وصل تعدادها في أحد الأوقات إلى 360 ألف مقاتل، كان عتادهم يمثل أحدث ما أنتجته الصناعة الحربية الأوروبية في ذلك الوقت"، معتبراً أن "تلك الحرب ضعضعت إسبانيا وكلفتها استقرارها وسمعتها، وكان وراء كل ذلك رجل هادئ بسيط، تلقى العلوم الشرعية ليجهز نفسه للمساهمة في بناء حياة يكتنفها السلم والعدل. إن التاريخ احتفظ للخطابي بصفحة مكتوبة بمداد البطولة، حيث يتردد اسمه برنين يشابه جلال أعظم الأولياء".
وبذلك الانتصار الهائل قويت شوكة منطقة الريف بعد أن أصبح لها جيش قوي بمعدات مهمة، الأمر الذي شجع "زعيم الريف" على إنشاء كيان مستقل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


"جمهورية الريف"

ومع تعاظم قوة حركة المقاومة الريفية، عمل الخطابي على تأسيس تكتل يمكنه تعميق هزيمة قوى الاحتلال. وفي ذلك الاتجاه، طرح "زعيم الريف" فكرة تأسيس "جمهورية الريف" خلال اجتماع حضره ممثلون عن كل قبائل المنطقة، وحظي الأمر بالإجماع، ومن تم تشكلت "جمعية وطنية"، ووضِع دستور يأذن بإقامة جمهورية يرأسها الأمير محمد بن عبدالكريم الخطابي.
وكان دور الجمعية الوطنية هو تنظيم المقاومة، وإدارة شؤون البلاد، ونص الدستور على تشكيل أربع وزارات، وجعل السلطة التشريعية والتنفيذية بيد الجمعية الوطنية التي يرأسها الأمير الخطابي. كما نص على أن رجال الحكومة مسؤولون أمام رئيس الجمهورية، والرئيس مسؤول أمام الجمعية الوطنية، التي اختارت قواعد دستورها وفق تقاليد الريف وعاداته المعروفة محلياً بـ"إزرفان".
 


إلا أن الحديث عن "جمهورية الريف" في المغرب يرتبط بنوع من الحساسية، وذلك من منطلق احترام الثوابث الوطنية التي ترفض كل توجهات الانفصال عن الدولة المركزية، لكن "قوى وشخصيات وطنية"، من بينها علال الفاسي، لم تعتبر الأمر عدولاً عن فكرة الملكية، باعتبار أن مؤسسيها رأوا في حينه أن السلطان محاصَر من طرف قوى الاستعمار، بالتالي يصعب التواصل معه، وتمكنوا من إيجاد حل وسط عبر إنشاء نظام مؤقت.  

نهاية الجمهورية

مع اقتحام القوات الريفية المحور الفاصل بين مناطق الإحتلال الإسباني - الفرنسي، لم تجد بداً من مواجهة القوات الفرنسية، وألحقت بها هزائم قاسية خلال عام 1925، وهو ما أرغم المقيم العام، المارشال ليوطي على تقديم استقالته.
ووقعت فرنسا وإسبانيا اتفاقية تحالف عسكري، أطبقتا من خلاله الخناق على منطقة الريف، وذلك عبر شن حرب ضروس غير متكافئة أنهكت "الجمهورية الجديدة"، ودفعت بالزعيم الخطابي إلى الإعلان عن الاستسلام في مايو (أيار) 1926 حقناً للدماء، وذلك بعد أن انتهجت القوات الاسبانية أسلوب "الإبادة الجماعية" بحق الريفيين مستخدمةً أسلحة كيماوية. وتم ترحيل الخطابي إلى مدينة فاس، ثم نُفي إلى جزيرة لاريينيون التي ظل فيها حتى عام 1947، وانتقل بعدها للعيش بمصر حتى وفاته عام 1963.

المزيد من العالم العربي