Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فرنسا تقرض السودان 1.5 مليار دولار لسداد ديونه لصندوق النقد

الخرطوم تعتبر المشاركة في مؤتمر باريس تأكيداً لعودتها القوية والمستحقة إلى المجتمع الدولي

تتناول إحدى جلسات المؤتمر القطاع المصرفي في السودان (أ ف ب)

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الاثنين، أن بلاده ستشطب كامل الديون المستحقة على السودان، بهدف تحرير هذا البلد الذي يشهد انتقالاً ديمقراطياً من "عبء الدين".

وكشف عن اتفاق لتسوية جميع متأخرات السودان، ومن المتوقع أن يؤكد صندوق النقد ذلك بنهاية يونيو (حزيران).

وقال ماكرون، إنه في ما يتصل بفرنسا، "نحن نؤيد إلغاء كاملاً لديون السودان المستحقة لدينا" وتبلغ "نحو خمسة مليارات دولار".

وأشاد ماكرون بـ"الثورة" التي شهدها السودان لمناسبة مؤتمر دولي يهدف إلى تخفيف ديون هذا البلد بحضور خمسة عشر من قادة الدول الأفريقية والأوروبية والخليجية والمنظمات الدولية.

واستقبل ماكرون لهذه القمة بعد ظهر الاثنين، كلاً من رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، ونظرائه المصري والإثيوبي والرواندي. كما حضر رؤساء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأفريقي ووزراء خارجية إيطاليا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والكويت وممثلو الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقبيل القمة أكد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، الاثنين، أن بلاده ستساعد السودان المثقل بالديون في سداد متأخراته من الديون لصندوق النقد الدولي من خلال إقراضه 1.5 مليار دولار.

وقال الوزير، إن فرنسا ستعمل من أجل "تخفيف عبء الدين عن السودان في أقرب وقت ممكن"، مشيراً إلى أن الرئيس ماكرون سيؤكد هذا التعهد أثناء مؤتمر ثنائي يُعقد في وقت لاحق الاثنين، بالتزامن مع انطلاق أعمال المؤتمر الفرنسي لدعم السودان اقتصادياً وسياسياً، بعد إنهاء عزلته الإقليمية والدولية بإزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب في ديسمبر (كانون الأول) 2020، وذلك في خطوة تسعى للإسهام في خلق وجذب شراكات استثمارية أجنبية مباشرة بين السودان ودول العالم، وإعفائه من ديونه التي تقدر بنحو 56 مليار دولار، فضلاً عن عبوره مرحلة الانتقال بسلاسة.

السعودية  تخفف أعباء الديون

وفي الإطار ذاته، وجه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، بدعم السودان لمعالجة المتأخرات وتخفيف أعباء الديون لدى صندوق النقد الدولي.

وأعربت المملكة عن دعمها جهود تخفيف أعباء ديون السودان، مؤكدة أهمية تعزيز الاستثمارات فيه ودعم كافة القطاعات التي تحقق تطلعات شعبه.

وأعلنت السعودية، الاثنين، عن منحة للإسهام في تغطية الفجوة التمويلية للسودان لدى صندوق النقد.

وألمانيا تقدم 90 مليون يورو

أعلنت ألمانيا، الاثنين، عن مساعدة بملايين اليورو، لتخفيف ديون السودان.

وأعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن بلاده ستشطب 360 مليون يورو من الديون الثنائية مع الدولة الأفريقية.

إضافة إلى ذلك، ستقدم برلين ما يصل إلى 90 مليون يورو لمساعدة السودان على تسوية متأخرات ديونه مع صندوق النقد الدولي.

وقال ماس إن "الحكومة السودانية بحاجة إلى الهامش المالي اللازم لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وتخفيف عبء الديون، وتنفيذ السودان لبرنامج المراقبة لصندوق النقد الدولي يلعبان دوراً محورياً".

وشدد الوزير على أن عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي التي بدأت في السودان كانت "شاقة لكنها توفر فرصة تاريخية لمزيد من السلام والآفاق الاقتصادية والحرية للشعب".

ودعت واشنطن وصندوق النقد الدولي، أكثر من 20 دولة إلى تقديم الدعم الكامل لعملية تخفيف ديون السودان، بالنظر لما أحرزه من تقدم في تنفيذ إصلاحات على مستوى الاقتصاد الكلي.

ويطرح السودان في هذا المؤتمر، الذي ينعقد بمبادرة من ماكرون، 18 مشروعاً استثمارياً في مجالات مختلفة تشمل الزراعة والطاقة والتعدين والبنى التحتية وتقنية المعلومات ومشروعات التأهيل الأساسية في الموانئ والخطوط الجوية والبحرية والسكك الحديدية، إضافة إلى مشروعات الأيلولة على ساحل النيلين الأزرق والأبيض، ومنطقة مشروع الجزيرة الذي يعد أضخم مشروع زراعي في أفريقيا، فضلاً عن 26 مربعاً ومنطقة لإنتاج الطاقة.

البرهان يدافع عن العلاقات مع إسرائيل

وعلى هامش المؤتمر، دافع رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان عن العلاقات بين السودان وإسرائيل، مشدداً على أن الأمر "لا علاقة له بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم".

واعتبر البرهان لقناة "فرانس 24" أن قيام دولة فلسطينية هو الحل للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وفي يناير (كانون الثاني)، وقّعت الخرطوم اتفاقاً مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة التي شطبت بعد بضعة أشهر من ذلك السودان من قائمتها للدول الراعية للإرهاب.

ووصف البرهان العلاقات مع الدولة العبرية بأنها "تصالح مع المجتمع الدولي ومن ضمن المجتمع الدولي إسرائيل".

واعتبر أن "ما يحدث في غزة أمر مؤسف في حق الأبرياء والمدنيين العزل"، مجدداً التأكيد على أن السودان يدعم "الحل المبني على (إقامة) الدولتين والحل المبني على قرارات الشرعية الدولية".

أزمات مركبة 

وحول أهمية هذا المؤتمر ونتائجه المرجوة، يقول أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية بروفيسور حسن بشير محمد نور، "هذا المؤتمر مهم جداً، ويشكل نقلة نوعية في الجهود المبذولة لمساعدة السودان في تخطي أزماته المركبة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وخصوصاً بعد رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فضلاً عن أهمية فرنسا كمنظم لهذا المؤتمر، باعتبارها دولة محورية في الاتحاد الأوروبي، وتأثيرها الدولي والإقليمي، إضافة إلى دعم مؤسسات التمويل الدولية، وخاصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للمؤتمر". وأكد أن انعقاد المؤتمر في ظل تصاعد وباء كورونا مؤشر مهم على جدية المجتمع الدولي في مساعدة السودان ودعمه. 

وأضاف، "الآمال كبيرة أن يحصل السودان على دعم مقدر، وكذلك في جانب تخفيف عبء الديون، وذلك انطلاقاً من الإشادة بجهوده في عمليات الإصلاح الاقتصادي، ما يجعله مؤهلاً للاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (هيبيك)، لكن في رأي صندوق النقد أنه على الرغم من الإجراءات التي قامت بها الحكومة مثل رفع الدعم عن الوقود والكهرباء ورفع قيمة الجنيه الجمركي، وما تم من خطوات إصلاحية لمعالجة عجز الموازن العامة، فإن السودان لم يصل بعد إلى نقطة اتخاذ القرار الخاصة بمبادرة الدول الفقيرة، والتي من المنتظر أن يصل إليها نهاية مايو الحالي، لتصل ديونه (150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي حالياً) إلى الحد الذي يمكنه من القدرة على سدادها، بالتالي يصبح مؤهلاً لتلقي القروض". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع محمد نور، "مسألة تخفيف عبء الديون لن تتم فوراً، فقد تستمر لخمس سنوات، وبشكل عام فإن الأمل معلق على إعفاء البلاد من الديون المستحقة لصندوق النقد الدولي، وموافقة دول نادي باريس على تخفيف عبء ديونها البالغة نحو 12 في المئة من إجمالي الديون، فضلاً عن مساهمة الدول ذات القروض الثنائية في تخفيف ديونها كالصين مثلاً، لكن هناك ديوناً غير قابلة للإعفاء بحكم أنها ديون تجارية تمت بموجب اتفاقيات محددة. كما أن المشكلة الكبرى تتعلق بسداد الفوائد وجزاءات الديون وليس أصل الدين"، معتقداً أن تخفيفها في حد ذاته خطوة في غاية الأهمية من ناحية رفعه من قيمة الصادرات، ناهيك بإلغائها. 

وبين أن السودان أعد لهذا المؤتمر مشروعات ذات قيمة مضافة في قطاعات الطاقة والزراعة (بشقيها النباتي والحيواني) ومصافي البترول والبنى التحتية، يتوقع أن تجد قبولاً لدى المستثمرين، لكن مسألة الاستقرار السياسي في السودان تشكل نقطة أساسية لإنجاح هذه الجهود، فاندلاع حروب أو اضطرابات قبلية سيكون له انعكاسات سلبية، كذلك من الأهمية بمكان تكملة عملية السلام بالتوصل إلى اتفاق مع حركتي عبدالعزيز الحلو وعبدالواحد محمد نور، ليتم في نهاية المطاف الانتقال الديمقراطي بسلاسة عبر انتخابات عامة. 

وخلص أستاذ الاقتصاد السياسي، إلى أن حصول السودان على أي دعم من النقد الأجنبي في هذا المؤتمر، يعد مؤشراً جيداً ومفيداً للاقتصاد السوداني الذي يعاني استفحال الأزمات، فمن شأنه أن يسد فجوات الوقود والغذاء والدواء، وغيرها، في ظل ضعف قدرات القطاع الخاص وقلة إيرادات الدولة. 

التزامات ووعود 

في السياق نفسه، أوضح المحلل الاقتصادي السوداني محمد الناير، أن نجاح هذا المؤتمر يتوقف على مدى استعداد السودان من خلال المشروعات التي أعدها للمستثمرين، فإذا كانت جيدة ومؤثرة من حيث الجدوى، وبالفعل يحتاج إليها الاقتصاد السوداني، فمن المؤكد أنها ستجد القبول، بالتالي ستجذب العديد من المستثمرين والشراكات الإقليمية والدولية، فضلاً عن أن إيفاء المجتمع الدولي بالتزاماته وفق مواقيت زمنية محددة يمثل عاملاً مهماً في طريق النجاح. 

وتابع الناير، "أما إذا كان هذا المؤتمر كالمؤتمرات السابقة التي كانت عبارة عن وعود من دون أن تقدم شيئاً ملموساً لإيقاف حالة التدهور في اقتصاد البلاد، فمن الأجدى والأفضل للحكومة الانتقالية أن تبحث عن حلول داخلية بإيجاد برنامج وطني يعتمد على الموارد الطبيعية المتاحة في البلاد، من دون النظر إلى ما يقدمه الخارج من هبات، لكن إذا حصل السودان على منح وقروض من قبل المجتمع الدولي، فتكون إضافة إلى هذا البرنامج". 

وطالب المحلل الاقتصادي الحكومة السودانية في حال استقطابها مشروعات استثمارية، بأن تلتزم بشكل صارم بتنفيذها كما قدمت وفق البرنامج المتفق عليه، وعدم توجيه الدعم لمشروعات أخرى لم يتم اختيارها، كما أنه لا بد أن تتبع الحكومة السياسات التي تخفف العبء المعيشي عن المواطن، بحيث يكون محور الاهتمام. 

الاندماج الدولي 

وأشار رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك في تصريحات صحافية، إلى أن مؤتمر باريس يهدف إلى تأكيد عودة السودان القوية والمستحقة إلى المجتمع الدولي، مضيفاً "نحن ذاهبون إلى هذا المؤتمر لكي نوفر للمستثمرين الأجانب فرص الاستثمار الحقيقية والجيدة في بلادنا". 

ونوه بأن حكومته توافقت على معالجة ديون البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي قبل التوجه إلى باريس، حيث من المؤمل أن تبدأ عملية إعفاء الديون لأن السودان وبشهادة صندوق النقد الدولي مؤهل تماماً ليستفيد من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون. 

تهيئة المناخ 

وفي إطار تهيئة المناخ الاستثماري في البلاد، أجاز مجلسا السيادة والوزراء في وقت سابق، تعديلات جوهرية على قانون الاستثمار لتيسير الإجراءات وتحفيز المستثمرين على الدخول في شراكات مع نظرائهم السودانيين أو تبني مشروعات منفصلة تضمن توفير عوائد مقدرة للحكومة السودانية. 

وتضمنت أهم التعديلات تفعيل نظام النافذة الواحدة لتقديم خدمة للمستثمرين في مكان واحد وفق إجراءات بتوقيت زمني محدد، كما عالج القانون الجديد العديد من النزاعات الخاصة بالأراضي والتي كانت تنشأ في السابق بين المستثمرين والأهالي الذين يدعون ملكية الأرض ويمنعون أي جهة أخرى من إقامة مشروعات عليها. 

كما حدد القانون أولويات الاستثمار والمسؤولية المجتمعية، فضلاً عن معالجة العلاقة بين الإدارة المركزية والأجسام الموازية في الولايات والمشروعات ذات البعد القومي. 

إزالة التشوهات 

يشارك السودان في هذا المؤتمر، الذي يستمر يومين، بوفد من 31 مسؤولاً حكومياً، يتقدمهم رئيسا مجلسي السيادة والوزراء، فضلاً عن عديد من رجال الأعمال السودانيين، حيث يركز خطاب الوفد السوداني على تسليط الضوء على القضايا ذات الصلة بالأزمة الاقتصادية والمخرج وفقاً لرؤية الحكومة السودانية وتطمينها للمؤتمرين حول جديتها في إزالة التشوهات كافة التي تعترض مسيرة الاقتصاد. 

ويناقش المؤتمر في ثلاث جلسات، موضوعات السودان الجديد، وتحديث الخدمات المصرفية والالتزام، فضلاً عن انعقاد موائد مستديرة حول الفرص المتاحة في أربعة قطاعات رئيسة هي البنى التحتية والزراعة والطاقة والتعدين وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. 

ومن المقرر أن ينعقد مؤتمر مماثل في واشنطن، وآخر في طوكيو، وكذلك في الخليج، فضلاً عن تنظيم لقاء تفاكري حول تلك المؤتمرات قبل نهاية العام الحالي.

اقرأ المزيد