Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العفو عن متهمي فترة الاضطرابات في إيرلندا الشمالية ينكأ الجراح

تساؤل عن مدى حكمة الاقتراح، في ظل حالة عدم يقين يعيشها الإقليم

أفراد عائلات ضحايا بالي مورفي بعد الاستماع إلى نتائج تقرير التحقيق (رويترز)

عندما خرج مايكل ستون من سجن "ميز" في صباح يوم كئيب ورمادي من أيام شهر يوليو (تموز) قبل21 عاماً، جاء ذلك كمؤشر على إغلاق معتقل له تاريخ مقيت وثيق الصلة بـ"فترة الاضطرابات"، وقد اعتُبِر (ذلك الإغلاق) أيضاً خطوة أساسية تتخذ من أجل وضع حد نهائي لسنوات طويلة من النزاع المرير.

في مارس (آذار) 1998، نفّذ ستون، وهو عضو منظمة "الموالين" شبه العسكرية (أفرادها من البروتستانت، وتؤيد البقاء تحت حكم التاج البريطاني)، هجوماً على مقبرة "ميلتاون" في غرب بلفاست، إذ فتح النار وألقى ثلاث قنابل يدوية، ما أدى إلى مصرع ثلاثة أشخاص وجرح 60 آخرين. وحينذاك كنت أنا وعديد من الصحافيين هناك، بهدف تغطية جنازة ثلاثة من أعضاء "الجيش الجمهوري الإيرلندي"، لقوا مصرعهم في جبل طارق برصاص عناصر من قوات "الخدمة الجوية الخاصة" يرمز لها بـ"أس إيه أس"، وهي من مجموعات النخبة.

ويُعد ستون الذي واجه حكماً بالسجن مدته ثلاثين عاماً، الأول بين مجموعة مؤلفة من حوالى 90 عنصراً من المجموعات شبه العسكرية، سواء "الموالين" أو"الجمهوريين" (أفرادها من الكاثوليك، وتدعو إلى استقلال إيرلندا) ممن أطلق سراحهم بموجب اتفاق "الجمعة العظيمة" (وُقّع بين الكاثوليك والبروتستانت في 1998)، بعدما قضى كثيرون منهم جزءاً بسيطاً من الأحكام الصادرة في حقهم، علماً أن بعضهم اعتُبروا مسؤولين عن ارتكاب فظائع مروعة.

وكذلك تضم صفوف الذين أُطلقوا من السجن، شون كيلي الذي تلقى تسعة أحكام بالسجن مدى الحياة، بسبب قيامه بتفجير أوقع تسع ضحايا في شارع "شانكيل"، وتورينس نايت الذي أدين بقتل 12 شخصاً، بمن فيهم 8 في حانة "رايزينغ صن" في منطقة "غريستيل" الواقعة في مقاطعة "ديري"، وذلك انتقاماً لتفجير "شانكيل".

وفي الإطار نفسه، يبرز جيمس ماكاردل الذي لم يؤدِ سوى سنتين من أصل حكم صدر ضده بالسجن 25 عاماً، بسبب دوره في تفجير "دوكلاند" في لندن 1996، ما أدى إلى مقتل شخصين. وكذلك تضم قائمة الذين خرجوا من زنزاناتهم مايكل غاراهر، الذي يعد واحداً من أكثر قناصي "الجيش الجمهوري الإيرلندي" دموية، إضافة لكونه قاتل لانس بومبارديير ريستوريك، آخر جندي بريطاني قضى في إيرلندا الشمالية. وفي عداد من خرجوا أيضاً من السجن، هنالك نورمان كوبي، وهو عضو في "قوة الموالين التطوعية" "أل في أف" الذي شارك في تعذيب جيمس مورغان، 16 عاماً، ثم قتله. وحلت المرة التالية التي رأينا فيها ستون في مايو (أيار) 1998 في "قاعة ألستر" في بلفاست، ضمن مسيرة نظمها "حزب ألستر الديمقراطي" "يو دي بي". واستقبله هناك غاري ماكمايكل، زعيم الحزب الشاب الذي اغتال الجيش الجمهوري الإيرلندي والده. وقد أقيم ذلك التجمع من أجل السلام، ودعم الاستفتاء الذي تمخض لاحقاً عن اتفاق "الجمعة العظيمة". وآنذاك، حصل ستون على إجازة لأربعة أيام من سجن "ميز" كي يشارك في المناسبة. وحاز حضوراً قوياً. إذ تدلت من الشرفة لافتة كبيرة معلنة أن "مايكل ستون يقول، نعم". وقد عاد ستون حالياً إلى السجن، غير أن اتفاق "الجمعة العظيمة" لم يكن ممكناً لولا الرجال الذين خاضوا تجربة السجن ومكثوا فترة من الزمن "وراء الأسلاك الشائكة"، سواء من الجمهوريين كجيري آدامز (زعيم حزب "شين فين" الذي اعتبر جناحاً سياسياً لـ"الجيش الإيرلندي السري") وجيري كيلي، زميله الآخر في حزب "شين فين"، أو من "الموالين" كديفيد إيرفين وبيلي هاتشينسون من "قوة ألستر التطوعية" (يو في أف) اللذان أصبحا في ما بعد، اثنين من قادة (الحزب الوحدوي التقدمي) "بي يو بي".

وحاضراً، ثمة تهديد بعودة الصراع إلى إيرلندا الشمالية في أعقاب تنفيذ "بريكست"، بالنظر إلى وجود خلاف حول بروتوكول إيرلندا الشمالية والحدود الممتدة عبر البحر الإيرلندي بين بريطانيا وإيرلندا. في الآونة الأخيرة، يشهد الإقليم حوادث شغب ليلية، إضافة إلى بروز مخاوف عميقة من أن "موسم المسيرات" المقبل قد يصبح مجدداً الميدان الذي تنطلق منه الاضطرابات بعد سنوات من الهدوء.

وعلى خلفية هذا التوتر، جاءت محاكمة اثنين من المظليين اللذين اتُهما بقتل جو ماكان في 1972، الذي كان عضواً في "الجيش الجمهوري الإيرلندي الرسمي" في الرابعة والعشرين من عمره، وهي محاكمة أثارت جدالاً كبيراً على الصعيدين القانوني والسياسي.

وآنذاك، انهارت المحاكمة في غضون أيام، مع تجنيب المتهمين اللذين رُمز إليهما بـ"الجندي أ" و"الجندي سي"، وقد تجاوزا السبعين من عمرهما، محاكمة طويلة قد تنتهي بإدانتهما. في المقابل، أدى القرار الذي اتخذه القاضي أوهارا في "محكمة بلفاست الجنائية" إلى جعل أسرة ماكان تشعر بغضب مشوب بالمرارة، وتتعهد بمواصلة السعي إلى تحقيق العدالة.

بدا من الواضح إلى حد بعيد أن صفحة القضية ستُطوى حين حكم القاضي بعدم قبول الإفادات التي قدمها الجنديان في أعقاب إطلاق النار، وقد أجريت مقابلة معهما من قبل وحدة قديمة تابعة للشرطة تدعى "فريق التحقيقات التاريخية" في عام 2010.

واستطراداً، ذكرت عائلة ماكان، أنها ستناشد المدعي العام فتح تحقيق في ملابسات وفاته، يكون مخولاً صلاحيات إصدار حكم بشأن القتل غير المشروع. في هذه الأثناء، أصر مايكل آغنيو، وهو نائب مدير الادعاء العام، على أنه مازال "مقتنعاً" بأن عرض القضية على المحاكم سيكون إجراء صائباً. وفي الواقع، ثمة فرصة ضئيلة في مضي المحاكمات قدماً إلى الأمام ضد أربعة آخرين من القوات المسلحة ما زالوا يواجهون اتهامات "قديمة".

واستكمالاً، لم يكن ممكناً إجراء مزيد من المحاكمات في ظل خطط الحكومة الرامية إلى منح عفو للمحاربين القدماء عن جرائم ارتكبت خلال فترة الاضطرابات. وهناك أيضاً مزاعم تفيد بأن الحظر على المحاكمات سيشمل أعضاء الجماعات شبه العسكرية، وسيجري الإعلان عن خطوة كهذه إلى جانب برنامج "الحقيقة والمصالحة"، في خطاب الملكة.

 بالتالي، تعرضت الخطة إلى الإدانة من كثيرين في المجتمعات الجمهورية الكاثوليكية والوحدوية البروتسانتية على حد سواء، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأحزاب السياسية في الجانبين. وبدت الحكومة كأنها تشير إلى حدوث تراجع جزئي. فقد حدد خطاب الملكة برنامجاً للتعامل مع الإرث الذي خلّفته "فترة الاضطرابات"، مع التركيز على جمع المعلومات بدلاً من إجراء ملاحقات قضائية. في المقابل، أُعطي تعهد بإجراء تشاور مع الحكومة الإيرلندية، والأحزاب السياسية، ومجموعات الضحايا، قبل إصدار أي تشريع جديد.

وفي اليوم نفسه، خلُص تحقيق في إيرلندا الشمالية حول مصرع عشرة أشخاص قتلوا في "بالي مورفي" في غرب بلفاست خلال إحدى عمليات الجيش (البريطاني) في أغسطس (آب) 1971، إلى القول إن الضحايا جميعاً كانوا مدنيين "أبرياء بالكامل". ووجد أن تسعة، من أصل الضحايا العشرة الذين ضمت صفوفهم كاهناً وأماً لثمانية أطفال، قد سقطوا برصاص الجنود. في المقابل، لم يستطع التحقيق تحديد هوية قاتل الضحية العاشرة.

 واتصالاً بذلك، أعرب جون تاغارت الذي أُصيب والده دانيال بجروح ناجمة من إصابته بـ13 طلقة، عن قناعته بأن ذلك الحكم جاء بمثابة "يوم عظيم للحقيقة والعدالة". وأضاف أن العائلات المفجوعة ستطعن في أي عفو قد تصدره المحكمة عن هؤلاء الجنود المتهمين.

وتابع تاغارت متسائلاً، "أود أن أتوجه مباشرة إلى الشعب البريطاني في هذه اللحظة. هل يمكنكم أن تتخيلوا ماذا كان سيحدث لو أن جنوداً بريطانيين قد قتلوا 10 مدنيين عُزّل في شوارع لندن، أو ليفربول، أو برمنغهام؟ هل كنتم ستتوقعون إجراء تحقيق في مقتلهم؟ هل كنتم ستتوقعون العدالة؟ أم هل كان سيسركم أن ينالوا عفواً؟".

وفي السياق نفسه، لاحظت السيدة جاستس كيغان، المحققة المعنية بالوفيات عند إصدارها الحكم، أنه في غضون يومين، أي في 9 و10 أغسطس، وضمن وقت قريب من تاريخ وقوع حوادث القتل في "بالي مورفي"، شهدت بلفاست وحدها 59 حادث إطلاق نار، و12 تفجيراً، و17 حالة وفاة، و25 حالة إصابة، و13 بلاغاً عن حوادث شغب، و18 محاولة إضرام حرائق بشكل متعمد، إضافة إلى بلاغات أخرى عن وقوع اضطرابات مدنية. فقد كانت هناك "بيئة متوترة وصعبة للغاية"، وفق تعبيرها.

وبطبيعة الحال، لا يبرر ذلك كله قتل 10 أشخاص، بيد أنه يساعد على وضع ما حصل في سياقه الطبيعي. وهناك أيضاً أرقام أخرى تستحق التأمل. إذ استمعت المحكمة إلى أدلة قدمها ما يزيد على 150 شاهداً طيلة حوالى 100 يوم. واشتمل هؤلاء الشهود على أكثر من 60 جندياً، وما يزيد على 30 مدنياً، وعدد من الخبراء في علم المقذوفات، وعلم الأمراض التشريحي، وأيضاً في الهندسة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وفي سياق متصل، اعتذر بوريس جونسون "من دون تحفظ" باسم حكومة المملكة المتحدة، عن تلك الحوادث التي شهدتها "بالي مورفي"، وذلك في أعقاب مكالمة أجراها يوم الثلاثاء الماضي مع آرلين فوستر، رئيسة الحكومة المحلية في إيرلندا الشمالية.
وهناك اعتراف من الأطراف كافة، بما فيها الحكومة، والأحزاب السياسية في كل من إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، وكبار الضباط السابقين مثل اللورد دانات، القائد السابق للجيش، بأنه كان على العائلات المفجوعة أن تنتظر نتيجة التحقيق وصدور الحكم، كل هذا الوقت الطويل.
في المقابل، مهما بلغ مدى هذا التأخر، فإن قدراً من الجهد قد بُذل بهدف تحديد حقيقة ما جرى قبل ما يزيد على 50 عاماً، وهذا ما تستحقه أسر الضحايا.

ومن الممكن تماماً أن يؤدي مرور الوقت والنقص في الأدلة إلى إفلات أولئك الذين كانوا مسؤولين عن قتل الأبرياء على طرفي النزاع، من العدالة. ونحن نعلم أيضاً أن كثيرين ممن حوكموا وسُجنوا، أُطلق سراحهم لاحقاً لأن ذلك جاء متناسباً مع تمكين عملية السلام من النجاح، بالتالي السماح بتنفيذ اتفاق "الجمعة العظمى".وكخلاصة، لا يسع المرء إلا أن يفكر في أن عفواً شاملاً من النوع الذي جرى اقتراحه، من شأنه أن يُذكي من جديد الغضب والانقسامات المريرة التي  شهدتها "فترة الاضطرابات"، وفي وقت تواجه فيه إيرلندا الشمالية مرة أخرى فترة من التوتر وعدم اليقين.   

© The Independent

المزيد من آراء