Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كواليس تعثر جهود الوساطة بين إسرائيل وغزة

يتمسك الطرفان بالوقف المتزامن للقصف و"حماس" تشترط على تل أبيب عدم المساس بالمقدسات والإفراج عن معتقلي الأحداث الأخيرة

مع دخول جولة التصعيد الحالية بين الإسرائيليين والفلسطينيين يومها السادس، لا تزال الجهود الدولية والإقليمية، غير قادرة على تحقيق "اختراق يذكر" على صعيد التهدئة حتى اللحظة، إلا أن مصادر مصرية مطلعة تحدثت إلينا عن "أجواء جادة بين طرفي الصراع ربما تقود إلى تهدئة طويلة خلال الساعات المقبلة مع تبلور الخطوط العريضة للاتفاق".

ومن بين الجهود الدولية، تصدرت تحركات القاهرة أبرز الأطراف الإقليمية في رعاية اتفاقات التهدئة الأخيرة، من خلال زيارات مكوكية واتصالات مباشرة مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني "متعثرة حتى الآن" لإنهاء العمليات العسكرية، التي أسفرت حتى اليوم السبت، عن مقتل نحو 140 شخصاً، بينهم 39 طفلاً و22 امرأة، وأكثر من 1000 جريح في غزة وحدها، وفق حصيلة وزارة الصحة في القطاع، فيما تجاوز عدد الرشقات الصاروخية التي استهدفت إسرائيل 2300 صاروخ، أسفر بعضها عن مقتل عشرة إسرائيليين بينهم طفل وإصابة 560 آخرين، وخسائر مادية واسعة.

 وبحسب مصادر مصرية مطلعة، فإن جهود وساطة القاهرة التي نشطت مع اليوم التالي من جولة التصعيد الأخيرة (بدأت الاثنين الماضي)، باتت تؤتي نتائجها بعدما شهدت الأيام الأولى من المباحثات في تل أبيب إصراراً إسرائيلياً على المضي قدماً نحو إتمام تحقيق أهداف العملية العسكرية قبل الحديث عن أي هدنة مرجحة. فما الذي حدث في تلك الوساطة التي قادتها القاهرة؟

أيام من الوساطة "الصعبة"

وفق المصادر التي تحدثت إلينا، بدأت الجهود المصرية لوقف التصعيد بين الطرفين مع اليوم التالي من إعلان تل أبيب حملة قصف واسعة على قطاع غزة لاستهداف ما قالت إنه "مئات الأهداف لحركتي حماس والجهاد الإسلامي"، إذ كثّفت القاهرة من اتصالاتها مع إسرائيل والفصائل الفلسطينية، إلا أن تصاعد وتيرة الأحداث "حال دون التهدئة السريعة".

وقال أحد المصادر، "تركّزت مناشدات القاهرة الأولى  عبر الاتصالات الأمنية والدبلوماسية على مطالبة تل أبيب بوقف الإجراءات الاستفزازية في الأراضي المقدسة، المتمثلة في إجلاء أُسر حيّ الشيخ جراح بالقدس ووقف استفزازت المستوطنين والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، فضلاً عن ضرورة وضع حدّ للاعتقالات في صفوف الفلسطينيين التي شهدتها احتجاجات الأيام الماضية في القدس، كما طالبتها بوقف الغارات على قطاع غزة من دون شروط، وضرورة الموافقة على هدنة غير مشروطة، إلا أن إسرائيل تمسّكت بمواقفها، وباءت المحاولات بالفشل وتواصل التصعيد".

وتابع، بعدها "قررت القاهرة إرسال وفود أمنية في زيارات مكوكية بدأت الخميس (13 مايو/ أيار) إلى طرفَي الصراع لتكثيف التحرك نحو محاولة الإنهاء السريع لتطور الأحداث".

ومنذ الثامن من مايو الحالي، تصاعدت حدة التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع اندلاع الاشتباكات في منطقة المسجد الأقصى وحيّ الشيخ جراح في القدس، حيث تنفذ إسرائيل إجراءات لطرد عائلات فلسطينية من منازلهم.

وبحسب المصدر ذاته، في الزيارة الأولى للوفد الأمني المصري إلى تل أبيب، الخميس الماضي، اقترح "هدنة مؤقتة لوقف الأعمال العسكرية، كمرحلة أولى نحو هدنة طويلة لأكثر من عام، لكنه واجه تعنّتاً إسرائيلياً، إذ رُفضت كذلك هدنة لساعات للأعمال الإنسانية في قطاع غزة"، مشيراً إلى أن تمسّك طرفي الصراع بمواقفهما المسبقة، قادت في نهائة المطاف إلى عودة الوفد الأمني إلى الأراضي المصرية.

 

والخميس الماضي (رابع أيام التصعيد)، وصل وفدان أمنيان مصريان إلى تل أبيب وغزة للتباحث بشأن الاتفاق على شروط التهدئة بين الطرفين، إلا أنه ووفق المصادر لم يتمكّنا من تحقيق اختراق لجهة إنهاء جولة التصعيد. وأرجع أحد المصادر، تعثّر الجهود المصرية إلى تشبّث الطرفين بالوقف المتزامن لعمليات القصف وطلب "حماس" من الوسطاء المصريين، "الضغط على تل أبيب لوقف العمليات العسكرية، والتعهد بالتخلي عن أي أعمال استفزازية من شأنها المساس بالمقدسات الإسلامية في القدس وكذلك الإفراج عن كل المعتقلين الفلسطينيين في الأيام الأخيرة".

في المقابل، تمسّكت تل أبيب بالمضي قدماً في إتمام عملياتها العسكرية لحين تحقيق أهدافها المرصودة قبل الحديث عن أي هدنة محتملة، وضرورة الضغط على "حماس" والفصائل في القطاع للوقف الفوري لإطلاق الصواريخ.

وبحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن" الأميركية عن عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، فإن الأخيرة "علمت من الوسطاء أن إسرائيل أعطت الانطباع بأنها غير مهتمة بوقف إطلاق النار". وأضاف الرشق أن الحركة أبلغت الوسطاء الدوليين، ومنهم القاهرة والدوحة والأمم المتحدة، "أن عليهم التحدث مع إسرائيل لوقف العدوان أولاً، وبعد ذلك حماس ستقرر"، مشيراً إلى أن الحركة قادرة "على إعالة أنفسنا على المدى الطويل والرد على العدوان مهما استغرق الأمر".

وبالتزامن مع تلك التحركات وانتهاء زيارة الوفد الأمني المصري إلى تل أبيب الخميس الماضي، غرّد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في اليوم ذاته، عبر حسابه على "تويتر"، قائلاً إن لدى إسرائيل "أهدافاً كثيرة جداً، ولا يوجد حد زمني لعملياتها العسكرية". وأضاف: "أقول صراحة: سنواصل الدفاع وسنواصل الهجوم حتى يتم وقف إطلاق النار، وسنضمن صمتاً طويل الأمد".

من جانبه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في اليوم التالي (الجمعة)، أن المواجهة مع "حماس" في القطاع "لم تقترب من النهاية". وأضاف "قلت إننا سنوجّه ضربات قاسية جداً لحماس، ونحن نفعل ذلك"، مؤكداً "قادة الحركة سيدفعون ثمناً باهظاً، وسنفعل كل شيء من أجل استعادة الأمان لمدننا ولمواطنينا".

ووفق المصادر المصرية، كان مقترح القاهرة للتهدئة يتضمن تنسيقاً مشتركاً بينها وواشنطن لمراقبة وقف الأعمال العسكرية وخفض التوتر، مع استمرار التفاوض على هدنة طويلة إلى جانب تعهّد مكتوب بعدم التصعيد مستقبلاً.

"بارقة أمل" خلال ساعات

بحسب المصادر المصرية، لم تتوقف محاولات القاهرة عن الضغط على طرفي الصراع لتحقيق هدنة عاجلة وإنهاء الأعمال القتالية، إذ تابع الوفد الأمني زياراته المكوكية إلى تل أبيب يوم الجمعة (14 مايو) بحثاً عن الوصول إلى تهدئة، وذلك بالتزامن مع تصاعد الضغوط الدولية لوقف الأعمال العسكرية.

وذكرت المصادر المصرية أن القاهرة وانطلاقاً من دورها التاريخي في القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، واصلت محاولاتها أملاً في الوصول إلى هدنة قريبة، وأن الاتصالات المكثفة التي تجريها عواصم دولية وإقليمية عدة مع طرفي الصراع (إسرائيل والفصائل المسلحة في غزة) نجحت في الوصول إلى نقاشات جادة بشأن احتمالات التهدئة خلال الساعات المقبلة، بعد الاتفاق على الخطوط العريضة للتفاهم المرتقب.

ولم يوضح المصدر تلك الخطوط التي توافقت عليها الأطراف. لكن تقارير إعلامية إسرائيلية نقلت عن مصادر دبلوماسية، ترجيحها "توقف العمليات العسكرية بداية الأسبوع الجديد".

في المقابل، نقلت تقارير فلسطينية عن مصادر محلية، أن الجهود الدبلوماسية بدأت تأخذ منحى جدياً خلال الساعات الأخيرة، من خلال الوسطاء من الولايات المتحدة ومصر والأمم المتحدة، إلا أن التوصل إلى اتفاق "لم يتبلور بعد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوافقت تصريحات المصادر المصرية مع إعلان البيت الأبيض مساء يوم الجمعة، التركيز في الوقت الراهن على استخدام الولايات المتحدة "علاقاتها في المنطقة" لحل الأزمة، وذلك بعدما بحث نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية هادي عمرو، مع المسؤولين الإسرائيليين سبل تخفيف التوتر، مما يمهّد للوصول إلى تهدئة "قابلة للاستمرار".

وصرّحت متحدثة البيت الأبيض جين ساكي، "دعوني أقول إن هدف الإدارة الأميركية والرئيس جو بايدن وفريقنا الأمني هو العمل نحو التهدئة والسلام. هذا هو المحور الرئيس لحديثنا مع القادة الفلسطينيين والإسرائيليين وقادة المنطقة المؤثرين. نحن نراقب الوضع عن كثب، الكثير من المحادثات أجريناها خلف الكواليس، وهذه قد تكون الطريقة الأنسب لتهدئة الأوضاع".

من جانبه، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الفلسطينيين والإسرائيليين بالسماح بجهود الوساطة، بغية التوصل إلى وقف فوري للقتال. وناشد الجانبين وقف المعارك على الفور، محذّراً من أن يخلّف القتال أزمة إنسانية وأمنية لا يمكن احتواؤها.

 

في غضون ذلك، وبحسب ما ذكرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يوم الجمعة، فإن التطورات غير المسبوقة التي شهدتها جولة التصعيد الحالية، لا سيما المواجهات الآخذة في الاتساع في إسرائيل بين اليهود وعرب الداخل، بات أمراً يقلق القادة الإسرائيليين، مع خشية خروج الأوضاع عن السيطرة. وكتبت الصحيفة تقول إن كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين توصّلوا إلى الاستنتاج بأن العنف في الداخل يمثّل تهديداً أمنياً لا يقل خطورة عن القتال في غزة، موضحة أن تلك التطورات فرضت على تل أبيب إعادة النظر بشأن مقترحات الوساطات الدولية الجارية.

وبالتوازي مع تلك التطورات، يناقش مجلس الأمن الدولي غداً الأحد في جلسة علنية، تفاقم العنف بين إسرائيل والفلسطينيين بعد التوصّل إلى حل وسط بشأن اعتراضات الولايات المتحدة على اجتماع يوم الجمعة. وذلك بعدما اجتمع مجلس الأمن المكون من 15 دولة عضواً مرتين هذا الأسبوع في جلستين مغلقتين بشأن أسوأ الأعمال القتالية في المنطقة منذ أعوام، لكنه لم يتمكّن حتى الآن من إصدار بيان عام.

دور مصري "إنساني"

وفي الأثناء، واصلت مصر فتح أبوابها لاستقبال الجرحى الفلسطينيين من قطاع غزة نتيجة التصعيد الأخير، لعلاجهم في مستشفياتها خلال الساعات المقبلة. وقال بيان للسفارة الفلسطينية في القاهرة اليوم السبت، إن 10 سيارات إسعاف مصرية وصلت إلى معبر رفح لنقل جرحى الهجمات الإسرائيلية، إذ خصصت  مستشفيات ثلاثة لاستقبالهم وعلاجهم وهي العريش وبير العبد والإسماعيلية.

وأعلن السفير الفلسطيني في القاهرة دياب اللوح تشكيل لجنة لاستقبال جرحى العدوان على قطاع غزة الذين أصيبوا خلال الأيام المنصرمة، موضحاً أن السفارة تتابع التنسيق مع وزارة الصحة والأجهزة المعنية المصرية لبدء نقل الجرحى وعلاجهم.

 

من جانبه، أوضح أحمد السبكي، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرعاية الصحية المصرية في بيان، أنه جرى رفع درجة الاستعداد بـ3 منشآت صحية تابعة للهيئة، وذلك حال الحاجة إلى إخلاء للجرحى والمصابين من غزة. وقال السبكي إن المستشفيات على أتم الاستعداد لاستقبال المصابين وتوفير الرعاية الطبية لهم ضمن خطط الدولة وتوجيهات الحكومة، مشيراً إلى أن ذلك يجري بالتنسيق مع وزارة الصحة.

وبدأ أخطر تصعيد بين إسرائيل ونشطاء غزة منذ 2014 الاثنين الماضي، بعدما أطلقت حركة "حماس" صواريخ على القدس وتل أبيب، ردّاً على اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية وفلسطينيين بالقرب من المسجد الأقصى في القدس، وقادت إلى تصاعد التوتر بين اليهود في إسرائيل والأقلية العربية التي تشكّل 21 في المئة من سكان إسرائيل.

وخلال بضع ساعات، بدأت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية قصف أهداف للمسلحين في غزة وقال الجيش الإسرائيلي إنه "لا يمكن استبعاد" سقوط قتلى أو جرحى مدنيين في القطاع ذي الكثافة السكانية العالية. وتصاعد القتال بشدة منذ ذلك الحين، فأطلقت الحركات الفلسطينية مئات الصواريخ صوب تل أبيب، ونفّذت إسرائيل مئات الضربات الجوية على غزة.

المزيد من الشرق الأوسط