Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصور الفرنسي جيليل جاستيلي يرى تونس بعيون طفولته

تتسم صور المعرض بالشاعرية أكثر من كونها توثيقية وتسكنها ملامح الظل والنور

مشهد تونسي نادر بكاميرا جاستيلي (الخدمة الإعلامية للمعرض)

يستضيف غاليري سلمى فرياني للفنون المعاصرة في العاصمة التونسية حتى منتصف يونيو (حزيران) المقبل معرضاً لأعمال المصور الفوتوغرافي جيليل جاستيلي تحت عنوان "في تونس". يضم المعرض عدداً كبيراً من الصور الفوتوغرافية لجاستيلي، وهي تمثل حصيلة جولاته المختلفة في أنحاء تونس. وجيليل جاستيلي مصور تونسي من أصول فرنسية، وعرف على نحو خاص بأعماله الفوتوغرافية التي توثق للأماكن الشهيرة والحياة في تونس. تتسم صور جاستيلي بالشاعرية أكثر من كونها صوراً توثيقية، يتجسد هذا المنحى في سلسلته الشهيرة عن العمارة التونسية ذات اللون الأبيض، وهي مجموعة من الصور قدمها تحت عنوان "المجموعة البيضاء". في هذه المجموعة اعتمد المصور التونسي على مقومات الظل والنور، متخذاً من هذا التباين بين الهيئة الهندسية للبنايات وما يجاورها من عناصر أخرى منطلقاً لرؤيته التصويرية، ما أضفى على هذه التركيبات الفوتوغرافية سمتاً حالماً، إضافة إلى ما تميزت به من تجريد واختزال.

 

ولد جاستيلي في تونس عام 1958 لوالدين فرنسيين، وتخرج في المدرسة الوطنية للتصوير الفوتوغرافي في باريس عام 1985. وفي عام 1984 قرر الانتقال والعيش في تونس التي طالما اعتبرها وطنه الأم. ومن خلال وجوده في تونس بدأ في تشكيل مجموعته الفوتوغرافية الأولى، لتتوالى بعدها مجموعاته المصورة التي استلهم معظمها من الطبيعة والعمارة التونسيتين.

أسرار المكان

تجول جاستيلي حاملاً كاميراه في أنحاء تونس، راصداً أهم معالمها، لا بعين السائح الغريب، بل بمشاعر العاشق الباحث عن أسرار عشقه للمكان. فصور مدينة الحمامات وهندسة المساجد في جزيرة جربة ومعالم مدينة المهدية الساحلية. وسجل مشاهداته لبيوت مدينة القيروان وأحيائها القديمة. يقول جاستيلي إنه حين عمد إلى تصوير العمارة التونسية سعى لالتقاط نقاء الجدران المغطاة بطبقات من اللون الأبيض، هذه الجدران التي طالما أثارت مخيلته وهو صغير.

هو يتعامل مع المباني كأشكال هندسية ممتدة ومتداخلة الخطوط والمساحات، كما تتجسد رؤيته الحالمة في أعماله، التي يؤكدها من طريق التشابك بين الخطوط الحادة لهذه الأشكال والأسطح المشبعة بالضوء. وحاول التقاط روح المكان النقية والمكثفة التي تذكره بأيام الطفولة كما يقول دائماً. تأثرت أعمال جيليل جاستيلي بخلفيته المتعددة الثقافات، فهو الفرنسي التونسي الذي اختار بمحض إرادته الإقامة والعيش في تونس، هذه البلاد التي عشقها. في أعماله ثمة اهتمام لافت بالتركيز على تأثيرات الضوء، وانعكاسه على المساحات والبنايات، فالظل هنا يقف على قدر المساواة مع الشكل، ومن ثم يؤلف جاستيلي قوام الصورة الفوتوغرافية التي يقدمها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معظم الصور التي يعرضها الفنان هنا، والتي يعود تاريخ أغلبها إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، تبدو خالية من البشر. أما في هذه الصور القليلة التي يظهر فيها أثرهم، فيتماهى وجودهم مع المكان كجزء منه أو مكمل لجمالياته. نرى هنا مجموعة من رجال القبائل وهم يتهيأون للمشهد، بينما تبدو الصحراء بفضائها المترامي كخلفية سوريالية لهم. في صورة أخرى يمكن أن تلمح شبحاً لأحدهم وهو جالس بين أطلال بناء قديم على مشارف الصحراء، أو نسوة واقفات يتأملن مشهد الأفق فوق سطح إحدى البنايات. يتلاعب المصور هنا بالظلال موظفاً الطبيعة المشرقة التي تتميز بها أجواء تونس لتحقيق هدفه. يمكننا أن نتبين ذلك على سبيل المثال في إحدى الصور التي يظهر فيها ما يبدو أنه محراب لمسجد في مدينة القيروان، فقد اكتفى المصور هنا بالوجود الطاغي لهذا الجدار ذي اللون الأبيض وعلاقته بالظل الممتد نحو مقدمة المشهد، بينما تتوزع أمام المحراب بعض أوانٍ خزفية صغيرة لا تكاد ترى.

تبدو صور جاستيلي غارقة في وحدتها وجمالها الأخاذ، سواء كانت الصورة تمثل أطلال بناء أثري في القيروان، أو جنة مورقة في إحدى جهات مدينة الحمامات البديعة. جيليل جاستيلي مصور يتجول في أنحاء تونس كي يلتقط هذه الإشارات والتفاصيل الصغيرة التي تخص تونس وحدها، غير أن هذه التفاصيل التي يسلط عليها الضوء في أعماله تعكس في جانب منها كذلك، ميله لاسترجاع بقايا الصور التي علقت في ذاكرته من أيام الطفولة التي عاشها في هذه الأماكن. عرضت أعمال جاستيلي في كثير من العواصم العالمية، ومثل تونس في عديد من المحافل الدولية المتعلقة بالتصوير الفوتوغرافي. وتتوزع مجموعاته الفوتوغرافية بين مؤسسات فنية عالمية، بينها متحف غوغنهايم في نيويورك، والبيت الأوروبي للتصوير، ومعهد العالم العربي في باريس ووزارة الثقافة التونسية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة