Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استقلال اسكتلندا مؤجل لجيل كامل وحان الوقت لبعض الواقعية

يصبح الجدال بشأنه أكثر صعوبة كلما اتضحت الأشياء المؤكدة والأخرى الملتبسة على غرار مفهوم الأمة

الوزيرة الاسكتلندية الأولى نيكولا ستورجين في باحة المسجد المركزي بغلاسكو (رويترز)

ماذا تسمي شيئاً يبدو حتمياً، لكنه فقد زخمه؟ لماذا؟ لأن ذلك الشيء هو حركة الاستقلال الاسكتلندي، بالطبع. ثمة حملة عنيفة لها جذور عميقة في إحساس اسكتلندا بهويتها القومية، وفي شعورها بالظلم الذي يُذكي الرغبة بالاستقلال، ومن المحتم ألا يفعل سوى التزايد في السنوات المقبلة. ومع ذلك، في لحظة الحاضر، لقد فقدت تلك الحركة بسرعة زخمها، ولم تعد حالياً مثيرة على غرار ما كانته سابقاً، بل ربما من دون أن نلاحظ ذلك تماماً. لقد حان الوقت للتفحص الواقع.

أولاً، لطالما اعتدنا أن نرى بوريس جونسون ونيكولا ستورجين باعتبارهما على طرفي نقيض، الأمر الذي جعلنا نخفق في ملاحظة الإجماع الذي توصلا إليه حالياً، ويتمثل في عدم إجراء استفتاء على الاستقلال حتى تنتهي الجائحة.

ومتى سيكون ذلك؟ متى سيكون الاقتصاد قد تعافى تماماً، وتراجع الخطر وعادت الحياة تماماً إلى مجراها الطبيعي كالمعتاد؟ مرة أخرى، هناك إجماع واضح على ذلك، بعد بضع سنوات، كيفما دارت الحال. ويمكن أن يحصل أي شيء حتى ذلك الوقت. إذا كان المحافظون ساذجين مثلما كانوا تاريخياً، فإنهم سيواصلون التعامل مع اسكتلندا كما لو كانت بلداً يجمع بين مواصفات المستعمرة ومختبر التجارب في الوقت نفسه، بالتالي سيؤجج ذلك الإذلال موجة الاستياء الاسكتلندي.

ومع هذا، ماذا لو سادت بعض الأصوات الأكثر دهاءً في دوائر المحافظين، وأُعيد إحياء آلية التعاون الموجودة فعلاً، وصار التعامل مع ستورجين ومارك دراكفورد (رئيس حكومة ويلز المحلية) يجري بطريقة تنم عن الاحترام، وذلك على سبيل التغيير، وربما يتم تبني بعض أشكال نقل السلطة التي اقترحها غوردون براون لاسترضاء حركة الاستقلال ونزع شوكة مطالب الحزب القومي الاسكتلندي؟ ماذا لو بدأت رئاسة الحكومة البريطانية تتعاطى مع رئاسة الحكومة المحلية الاسكتلندية كشريك لا يقل أهمية عنها، وتصبح علاقتهما أشبه بتلك التي تنشأ بين طرفي نظام ملكي مزدوج، بدلاً من أن تكون كالصلة التي تربط بين رئيس ومسؤول تنفيذي تابع له؟

حسناً، قد يكون ذلك مجدياً. إذ يملك بوريس جونسون ومايكل غوف مبادئهما المتعلقة بنزاهة المملكة المتحدة، ولكن وفق ما أورد غروتشو ماركس ذات مرة، إذا لم تعجبك (مبادئهما) فإن لديهما أخرى غيرها. إنهما سيفعلان أي شيء من أجل إنقاذ وحدة بريطانيا، ويشكل ذلك موقفاً تفاوضياً تستطيع ستورجين أن تستفيد منه إلى أقصى حد ممكن، شريطة ألا تضغط أكثر من اللزوم لمصلحة تحقيق مطالبها المتعلقة بالاستقلال.

في المقابل، لن ترغب ستورجين في أن تبالغ بالضغط بهدف تحقيق طلباتها. إذ يؤكد كل ما رأيناه عن عهدها الذي يستحق الإعجاب كرئيسة للحكومة الاسكتلندية، نهجها الحذر أساساً، الذي ينبع من التدرب على المحاماة و من المزاج الهادئ. وكذلك لا تريد بكل تأكيد أن تكون زعيمة الحزب القومي الاسكتلندي التي تخسر الاستفتاء الثاني، فتضع بذلك مشروع الاستقلال في مزبلة التاريخ على امتداد جيل كامل، مثلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولابد أنها تشعر بالوطأة الثقيلة للدروس المستقاة من تجربتي كيبيك وكاتالونيا، حيث بالغ الانفصاليون في زيادة أعبائهم حتى وصلت إلى مستوى فاق قدرتهم على النهوض بها. لن تحاول ستورجين فعل ذلك، وينبغي ألا تفعل، ولا حتى أن تفكر بالتحريض على استفتاء جديد، أو إجراء استفتاء آخر إذا لم تصل نسبة دعم الاستقلال إلى 60 في المئة فما فوق في استطلاعات للرأي بشأن القضية، بل أن تبقى (تلك النسبة) كذلك بشكل ثابت لأشهر عدة، إن لم تكن سنوات.

وفي هذا السياق، يُشار إلى أن الفترة الأخيرة قد شهدت تراجع التأييد للخروج من المملكة المتحدة إلى حوالى 50 في المئة، ما يعني أن الأمر حالياً ينطوي على مجازفة كبيرة بالنسبة إلى ستورجين. في الواقع، ربما لم يتبلور دعم كاسح للاستقلال في الحقيقة، على الإطلاق.

واستطراداً، إن تفويضها ليس قوياً تماماً بالقدر الذي تتصوره (ستورجين). إذ لم يفز الحزب القومي الاسكتلندي بالغالبية الكاملة في البرلمان الاسكتلندي، ولا بالغالبية الفائقة التي أعلن  بعض القوميين البارزين كأليكس سالموند الذي يمكن بلا ريب وصفه بالأخرق، أنها ضرورية في قضية الاستقلال بقدر ما كانت أيضاً قريبة تماماً. لقد فشل الحزب القومي الاسكتلندي للتو في الفوز بغالبية شاملة، واستعان بحلفائه في "حزب الخضر" بهدف الإلحاح في طرح الموضوع. ذلك هو الواقع، وعلينا ألا نراوغ، لكن حزب الخضر خارج الحكومة. وكذلك فشلت ستورجين بوضوح في تأمين التفويض الذي لا لبس فيه على غرار ما فعل أليكس سالموند في الانتخابات الاسكتلندية لعام 2011، حينما حقق فوزاً بخرق الأرقام القياسية، الأمر الذي أجبر ديفيد كاميرون على إعطاء الإذن بإجراء استفتاء آخر في 2014. ولو اعتمد الدستور البريطاني على أساس السوابق، فإن "عتبة" عام 2011 لم تتحقق بوضوح بعد.

واستطراداً، إن أولئك الذين صاغوا قانون اسكتلندا في 1998 كتوني بلير ودونالد ديوار، أدركوا جيداً ما يفعلونه، وقد ضمنوا ألا يكون هناك حزب قادر أن يحقق الغالبية الشاملة بسهولة. وكذلك تسبب صعود الحزب القومي الاسكتلندي والفشل التاريخي لحزب العمال، في إرباك تلك الخطط التي وضعها معدو القانون، ولكن ليس إرباكاً كاملاً. ومن يستطيع الحسم في شأن بقاء الحزب القومي الاسكتلندي في السلطة إلى أجل غير مسمى، سواء مع حليفه حزب الخضر أو من دونه؟

واستكمالاً للصورة نفسها، ثمة سبب آخر من شأنه أن يجعل حجة الاستقلال تفقد وهجها، يتمثل في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، بمعنى، إنه عملية تصلح كاختبار نموذجي عن الطلاق غير الودي. وتماماً مثلما حصل مع بريكست، فإن شروط الاستقلال الاسكتلندي، وهي أشياء حاسمة، ليست واضحة، ولا يمكن أن تحددها اسكتلندا وحدها. وبالفعل، من المفارقات الساخرة بما فيه الكفاية بالنسبة إلى حزب بُنِيَ على أساس فكرة حق تقرير المصير، تكون مسائل كالعملة النقدية، والحدود مع إنجلترا، وحرية الحركة للناس وما إلى ذلك، (تكون)  كلها أيضاً موضوع مباحثات تجريها لندن وبروكسل، وستؤدي إدنبره خلالها دور متفرج جروه غصباً عنه إلى ميدان التفاوض.

وبعبارة أخرى، كلما اتضحت الأشياء المؤكدة، وتلك التي تعد محل التباس، حول الأمة الاسكتلندية، يضحي الجدال لمصلحة الاستقلال أكثر صعوبة. قد يحصل في يوم من الأيام، لكن ربما كان الجميع على حق في عام 2014، ولن يُجرى قبل انقضاء جيل بأكمله.

© The Independent

المزيد من تقارير