Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العودة إلى الكتابة، فرمان الفكرة!

توقفت مرات عن الكتابة الصحافية ... لكن الحنين يشدك إلى الفكرة، فالمقالة فكرة

 لم أكن أدرك أن التوقف عن كتابة المقال مثل التوقف عن ممارسة شيء تعتاد عليه كالرياضة اليومية، فمن يتوقف عن الرياضة يفتقد اللياقة البدنية، ويصيبه الترهّل العضليّ، وكذا بالنسبة إلى كتابة المقال، أقول التوقف عن كتابة المقال، ولا أقول التوقف عن الكتابة كلياً، فلم أتوقف عن القراءة والكتابة بحكم عملي الأكاديمي وبحكم إدماني على البحث والقراءة والكتابة.

تقطّعت مقالاتي في السنوات الماضية بين صحف مختلفة وصفحتي على "فيسبوك" ومشاركات متواضعة وقصيرة على "تويتر"، وتوقفت مرات عن الكتابة الصحافية، وأوقفت عن الكتابة مرات أخرى، لكن الحنين يشدك إلى الفكرة، فالمقالة فكرة، والسنوات القليلة الماضية كانت مليئة بأحداث كبرى جسام، تطلبت التوقف والتفكير، والمراجعة والتدبير، لازلنا نعيش السكرة، ونبحث عن "الفَكرة"، فمن ربيع عربي "تخرفنَ" إلى حروب واقتتال أرعن، من العراق شمالاً وحتى ليبيا غرباً مروراً بسوريا الدامية، واليمن المنكوب، ولبنان الجريح، وخليج يرقب هنا ويداوي هناك، يعيش صراعات إقليمه ويتحاشى الصدامات المباشرة بداخله، "قدر الإمكان"!

لمن تكتب؟ توقّف؟ راقبْ؟ راجعْ؟ تدبرْ؟ تبصرْ؟ أقلعْ عن هذا الإدمان بل هذا الهذيان، الذي سبب لك كثيراً من الصداع وخلق لك أعداء الفكرة وأعداء الكلمة وأعداء الحرف وأعداءً بلا سبب للعداوة سوى الحسد!

أجيالٌ من الشباب تتوالى أمام ناظريك على مقاعد الدراسة في الجامعة، أكثرَ من ثلاثة عقود من الوقوف أمام الأجيال-أمام الأفكار، الوقوف أمام الطلاب هو الإدمان الحقيقي الذي لم أستطع التخلص منه حتى الآن، بعد العام الجامعي الماضي اتخذت قراراً بالتوقف عن التدريس رسمياً، مع إمكان التدريس من وقت إلى آخر! ذهبت إلى الزميل المسئول –الدكتور لافي الحربي- وصارحته بنيّتي التوقف عن التدريس، أرعبه التصريح، تزاملنا طويلاً، تذكر بأن لكل شيء نهاية، إلا الفكرة.

 ترعبك الفكرة! صحيح أن الشباب اليوم قادرٌ على البحث عن المعلومة بلمسة، ولكن مازال الإنسان وحده- حتى كتابة هذا المقال- قادراً على كتابة الفكرة، أي أن الإنسان وحده- حتى كتابة هذا المقال- القادر على استخلاص الفكرة من المعلومة. كرّرت عبارة "حتى كتابة هذا المقال" لأن ثورة الذكاء الصناعي فاقت حدود معرفتي بأميال وأبعاد، وأصبحت البرمجيات تستخلص التفكير من المعلومة conceptualization.

حتى مهنة الأستاذ الجامعي في طريقها للاندثار والتلاشي، هكذا يقول خبراء الذكاء الصناعي، لازلت من جيل يقف فاغراً فاه عند هذا المصطلح "الذكاء الصناعي": كيف يكون الذكاء صناعياً؟ كيف تصنع الذكاء؟

 ولاء وشعور بالمسؤولية يسمّرانك واقفاً متحركاً أمام سبورة الفصل أو شاشة عرض الفكرة، السبورة مهدّدة بالانقراض سريعاً، ولاء مرتبط بالرسالة، ومسؤولية تجاه الأجيال، أي أجيال هذه؟ لقد تجاوزك الزمن وتبدّلت أحوال التدريس، فجيل اليوم يعيش في عالمه الافتراضي، ويسكن في هواتفه النقالة. يلاحقك الولاء للفكرة بالاستمرار بالتدريس والتفكير باستئناف الكتابة. "يبشلك" مساعد الثبيتي بتوسلاته واتصالاته: يا مساعد، من يقرأ مقالاً اليوم؟ الشباب الذين أستهدفهم يقرأون كما يأكلون "فاست فود" "وجبات سريعة" يجادل بحماسة: فلتكتب أفكاراً سريعة إذن، فاست فود و"فاست ثوت"Thought! يتصل الأستاذ عضوان الأحمري-رئيس التحرير- عرفته ولم التقِ به قط "الطيب يسبقه ذِكْره"، تتردّد، تداهمك الفكرة، فتستأنف الكتابة.

المزيد من آراء