Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"شيطان التفاصيل" يكمن في تنازل بايدن عن "براءات" لقاحات كورونا

يعد تدهور الأوضاع في الهند دليلا حيا على الحاجة أيضا إلى العلاج والاختبارات وتوفير الأوكسجين

ترددت أنباء حول توجه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى رفض التنازل عن حقوق الملكية الفكرية (أ ب)

على الرغم من العلامة التاريخية الفارقة، والثناء الواسع الذي ناله الرئيس الأميركي جو بايدن من خبراء ومسؤولي الصحة حول العالم لتأييده اقتراحاً عمره ستة أشهر للتنازل عن حقوق الملكية الفكرية لصناعة اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، فإن أسئلة عدة ما زالت مثارة حول ما إذا كانت هذه الخطوة كافية لإنهاء وباء كورونا بالسرعة اللازمة، وما إذا كانت الدول الأخرى الغنية ستدعم خطة بايدن، بخاصة أن الانتهاء من مفاوضات نقل التكنولوجيا وتوفير القدرات الإنتاجية اللازمة للمحتاجين قد تستغرق شهوراً، بينما يحصد الموت كل يوم آلاف الضحايا.

تفاؤل حذر

أحد أسباب التفاؤل الحذر بخطوة الولايات المتحدة على الرغم من إيجابيتها، هو أنها ركزت على حقوق الملكية الفكرية للقاحات، ولكن من دون أن يشمل ذلك التنازل عن براءات اختراع أدوات طبية أخرى ضرورية لاحتواء انتشار الوباء، مثل العلاجات ومعدات الحماية الشخصية وأدوات الاختبار الخاصة بالكشف عن المرض، والتي كانت كلها ضمن الاقتراحات الأصلية التي تقدمت بها الهند وجنوب أفريقيا خلال اجتماعات منظمة التجارة العالمية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويُعد تدهور الأوضاع في الهند، دليلاً حياً على الحاجة الملحة ليس فقط للقاحات ولكن للعلاج والاختبارات وتوفير الأوكسجين، وجميعها تشتمل على حواجز الملكية الفكرية، في الوقت الذي ترغب فيه شركات التصنيع المختلفة في التحرر من خوف مقاضاتها لانتهاكها براءات الاختراع والأسرار التجارية وبيانات التجارب السريرية، كما تريد الحكومات أن تشعر بأنها ليست مهددة بفرض عقوبات تجارية ضدها.

تنازل أوسع

ولهذا فإن التنازل الأكثر شمولاً عن حقوق الملكية الفكرية في كل ما يتعلق بالوباء سيسمح للمصنعين في دول مثل الهند بتسريع الإنتاج الضخم في غضون شهرين إلى ثلاثة، بدلاً من الانتظار لعام أو أكثر، وهو ما يعني إمكانية إنقاذ عشرات الآلاف من براثن الموت حول العالم وتوفير الحماية من انتشار طفرات جديدة شرسة من كوفيد-19، تكون أكثر فتكاً.
ومع ذلك، فإن المدافعين عن الشؤون الصحية حول العالم لا يقللون من أهمية قرار الرئيس الأميركي، الأربعاء الماضي، والذي كان بمثابة رفض نادر وجريء للوبي صناعة الأدوية الأميركية القوي، لأن الاقتراح سيمنح الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية الحق في تجاوز تراخيص الملكية الفكرية على اللقاحات في حالات الطوارئ الوطنية.

تحول كبير

وعلى الرغم من تأخر الولايات المتحدة في الاستجابة بشكل إيجابي للمقترحات التي طُرحت في منظمة التجارة العالمية، فإن قرار بايدن يفي بوعد قطعه في يوليو (تموز) الماضي، عندما قال حين كان مرشحاً رئاسياً عن الحزب الديمقراطي آنذاك، إنه لن يدع براءات الاختراع تقف عقبة في طريق إيصال اللقاحات إلى العالم، الأمر الذي يُعد تحولاً كبيراً ومهماً في الجغرافيا السياسية لفكرة إيصال اللقاحات إلى العالم، بما قد يدفع حلفاء رئيسين للولايات المتحدة مثل اليابان وأوروبا إلى أن تحذو حذوها.

عراقيل محتملة

غير أن التقارير الإخبارية التي ترددت حول توجه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى رفض التنازل عن حقوق الملكية الفكرية، تعكس ما قد يرقى إلى أكبر نزاع بين الولايات المتحدة وألمانيا منذ تولي بايدن منصبه. وتعتقد ميركل أن الخطة ستكون لها انعكاسات خطيرة على عملية إنتاج اللقاحات، بما في ذلك إنتاج لقاح "فايزر" الذي تشارك فيه شركة "بيونتيك" الألمانية.
وعلاوةً على الموقف الألماني، يخشى البعض أن يظل التنازل الأميركي قاصراً على حقوق اللقاح، وهذا ما أوضحته الممثلة التجارية الأميركية في منظمة التجارة العالمية كاثرين تاي، محذرةً أيضاً من أن المفاوضات الخاصة بنقل التكنولوجيا والإنتاج ستستغرق وقتاً، نظراً إلى تعقيدات القضايا المطروحة وضرورة الموافقة بالإجماع، وهو ما يثير أسئلة حول مقدار وسرعة نقل التكنولوجيا، وما إذا كانت الدول الأكثر احتياجاً لمواجهة الوباء مثل الهند ستكتسب القدرة على تصنيع اللقاحات وتوزيعها بسرعة.

الشيطان في التفاصيل

ولعل أكثر الأسئلة شيوعاً هو، "هل سيكمن الشيطان" في التفاصيل؟ أي هل ستضمن الولايات المتحدة أن يظل التنازل عن حقوق براءات الاختراع واسع النطاق، ويوفر الأمان القانوني اللازم لإشراك مزيد من المنتجين في هذه العملية من أجل إنتاج اللقاحات والقيام بالتشخيص والعلاج، أم ستمضي الولايات المتحدة قدماً في تنازل ضيق للغاية لا يفي بمقتضيات لحظة الوباء؟
ويعتقد المتفائلون أن تركيز بايدن واهتمامه بحماية الأمن القومي للولايات المتحدة، هو الدافع الحقيقي لقراره التنازل عن حقوق براءات الاختراع بهدف الحيلولة دون عودة الوباء إلى الولايات المتحدة من خلال سلالات جديدة ناشئة مثل تلك الموجودة في الهند ودول نامية أخرى شهدت هذه الطفرات نتيجة غياب اللقاحات، إذ تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أنه من بين 700 مليون لقاح تم توزيعها حول العالم، كانت نسبة 0.2 في المئة منها فقط من نصيب البلدان منخفضة الدخل.
ويرى بعض المراقبين أن أحد أسباب دعم الولايات المتحدة التنازل عن حقوق براءات اللقاحات وليس العلاجات أو عمليات التشخيص، هو أن اللقاحات في الأسواق الخارجية تحمي الأميركيين، بينما لا تفعل ذلك العلاجات ومستلزمات التشخيص في الأسواق الخارجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


دروس الماضي

ويبدو أن دروس الماضي لعبت دوراً مهماً في قرار الرئيس الأميركي الأخير، حيث أقرت ممثلة الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية، أن بايدن لم يرغب في تكرار الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية أثناء وباء فيروس نقص المناعة البشرية (إيدز)، حيث أدت السياسات والإجراءات المختلفة إلى تقييد الحصول على الأدوية واحتفاظ شركات الدواء المصنعة ببراءات اختراع أدوية مكافحة المرض لعدة سنوات، ما أدى إلى وفيات ومعاناة غير ضرورية.

مقاومة شركات الأدوية

وفي حين يستند اقتراح تنازل بايدن عن حقوق الاختراع إلى اتفاقية حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة (تريبس)، نتيجة أزمة فيروس الـ"إيدز"، تظل هناك أسئلة جدية حول مدى شفافية نهج إدارة بايدن، في ظل مساع متوقعة من شركات الأدوية الكبرى إلى عرقلة تنفيذ هذا التنازل أو المشاركة في إنتاج اللقاحات، بخاصة بعد ما بدأت أسعار أسهم بعض شركات الأدوية الكبرى مثل "فايزر" و"موديرنا" في الانخفاض عقب الإعلان عن التنازل مباشرة.
وعلى الرغم من أن مليارات الدولارات التي أُنفقت على تطوير اللقاحات بسرعة، جاءت من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، فإن ذلك لم يمنع مجموعة تجارة صناعية متخصصة في الأبحاث الصيدلانية من أن تشجب هذه الخطوة، واعتبرت أنها ستزرع الارتباك بين الشركات العامة والخاصة، كما ستزيد من إضعاف سلاسل التوريد المضطربة بالفعل، وتعزيز انتشار اللقاحات المزيفة.

16 مليار دولار

ويراهن بعض الخبراء على إمكانية استخدام 16 مليار دولار أميركي لوضع الأساس لتوسيع نطاق التصنيع الدولي والمحلي، وهي أموال خُصصت بالفعل لتصنيع اللقاحات ضمن خطة الإنقاذ الأميركية التي اعتمدها الكونغرس بقيمة 1.9 تريليون دولار لتمويل توزيع اللقاحات وسلاسل التوريد.

ولا يزال من غير الواضح أين ستتم معظم عمليات التصنيع أو مدى السرعة التي يمكن أن تنطلق بها، حيث أشارت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إلى أن المسؤولين الأميركيين يدرسون ما إذا كان عليهم تعزيز تصنيع اللقاحات الأميركية الحالية والتركيز على تصديرها بدلاً من نقل المعرفة إلى الخارج، لكن تظل المشكلة في ما يفعله بايدن الآن، إذ استغرقت بعض مفاوضات منظمة التجارة العالمية ثمانية أشهر، وهو ما يجب ألا يتكرر في ظل أزمة صحية طاحنة.

المزيد من تقارير