Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كورونا يسحق دلهي وذعر وفوضى في مستشفياتها

انهار نظام الرعاية الصحية تحت ضغط غير مسبوق، تقول ستوتي ميشرا من العاصمة الهندية

عاملان صحيان يرعيان أحد مرضى "كوفيد- 19" في مستشفى مؤقت في دلهي (رويترز)

طوال خمسة أيام، توجّه سونيل كومار غوبتا كل صباح إلى مستشفى مؤقت لمرضى كورونا في ضواحي العاصمة دلهي حيث يقف في الخارج منتظراً تحت أشعة الشمس الحارقة وفي يده كيس مملوء بطعام جلبه معه من المنزل، علّه يعرف ما إذا كانت زوجته ما زالت على قيد الحياة.

كان يُفترض أن تكون شيلا غوبتا، واحدة من مرضى كورونا المحظوظين بعدما نجح زوجها سونيل كومار غوبتا في إدخالها إلى مركز الرعاية "ساردار باتيل كوفيد" الذي تتولّى إدارته القوات شبه العسكرية في الهند، علماً أنه مستشفى للطوارئ وواحد من المرافق الصحية القليلة جداً في العاصمة الوطنية الذي تتوافر فيه أسرة لضحايا موجة كورونا الثانية المدمِّرة، التي تعصف بالبلاد.

وفي غمرة ارتفاع حاد في الإصابات تجاوزت معه البلاد ما مجموعه 20 مليون إصابة مسجّلة، من بينها 355 ألف حالة شهدها يوم الثلاثاء الماضي، انهار نظام الرعاية الصحية في دلهي.

يومياً، تصارع العائلات واقع الأمور للحصول على إمدادات طبية أساسية بأيّ وسيلة ممكنة، فحتى المستشفيات ومنشآت "كوفيد" على شاكلة مركز الرعاية "ساردار باتيل كوفيد" المتمركزة في جنوب المدينة الثري، تواجه حالاً متكرِّرة من الإرباك بشأن إمدادات الأوكسجين الخاصة بها.

على غرار كثيرين غيره، جاء غوبتا بزوجته إلى المركز الواقع في مدينة تشاتاربور بعدما قوبل طلبه بالرفض من جانب عشرات المستشفيات الموزّعة في أنحاء منطقة العاصمة الوطنية، ولم تفلح في مساعدته لوحات متابعة رسمية إلكترونية وخطوط مساعدة يُفترض بها أن توجِّه المواطنين خلال الأزمة الصحية. يقول الزوج بنبرة تسليم يائسة، "اتصلت بكل الأرقام المتوافرة على الإنترنت، ولم أجد أسرة شاغرة".

والآن، بعدما وجد أخيراً سريراً لزوجته، يقول إن الخدمات هنا في المركز سيئة جداً لدرجة أنه يود أن يأخذها مجدداً إلى البيت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"ماتت امرأة ترقد في سرير إلى جوار زوجتي في المركز، وتُركت لساعات من دون أن يلتفت إليها أحد. الأطباء مشغولون، ويُترك المرضى من دون أن يأتي أحد للاطمئنان عليهم طوال ساعات، أخبر غوبتا "اندبندنت".

"لم تحصل زوجتي على الأوكسجين سوى مرة واحدة فقط بعد ثلاثة أيام، وكانت تواجه صعوبات في التنفس، وانخفض مستوى الأوكسجين لديها حتى 69 [يُعتبر مستوى 95 فما فوق طبيعياً]. لكنّ أحداً لا يعتني بها"، قال غوبتا بحزن.

غوبتا الذي يبلغ 39 سنة من العمر، ويعمل سائق سيارة أجرة، يرى إنه يتعرّض للتمييز من جانب المسؤولين عن إدارة المركز.

يقول شارحاً وجهة نظره، "الفقراء محرومون من الخدمات الطبية. إذا كان لديك معارف هنا، تستطيع أن تدخل إلى المركز وتعتني بمريضك. يقولون إنهم يوفرون الطعام والماء. ولكن في المقابل، لم أتمكّن حتى من رؤية زوجتي".

وفق غوبتا، الطعام الذي يجلبه معه من المنزل لا يصل إلى زوجته إلا بعد ساعات.

"كانت زوجتي على بعد أمتار قليلة مني، أعطيت الطعام للحارس كي يوصله إليها، ولكنها لم تستلمه إلا بعد مضيّ أربع ساعات"، كما يقول، فيما الدموع تنهمر من عينيه. هكذا هو مستوى سوء الإدارة في هذا المركز، ولكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ لا أسرة متاحة في أي مكان".

مستشفى الطوارئ، الذي أُشيد بإنشائه "في وقت قياسي" العام الماضي عندما ضرب "كوفيد- 19" الهند للمرة الأولى، أُغلق في فبراير (شباط) من العام الحالي بعدما أعلنت الحكومة الهندية انتصارها على الجائحة العالمية.

منذ ذلك الحين، غرقت البلاد في أزمة جراء الارتفاع المخيف في الحالات، وفي 26 أبريل (نيسان) الماضي أعيد افتتاح المرفق الذي يضم 500 سرير، وذلك بعد مرور أيام عدة عانى خلالها مرضى "كوفيد- 19" فترات انتظار طويلة خارج معظم المستشفيات في دلهي، حيث توفي العشرات عند البوابات وهم يلهثون علّهم يلتقطون بعض الأنفاس. قيل لهم إن الأسرة في وحدات العناية المركَّزة والأسرّة المجهَّزة بالأوكسجين في المدينة ممتلئة.

إلى الآن، مرّ أكثر من أسبوعين منذ أن توجّه أرفيند كيجريوال، رئيس الحكومة الإقليمية في دلهي، إلى سكان المدينة وأعلن نفاد أسرة العناية المركزة والمجهزة بالأوكسجين في العاصمة، مستنجداً بناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، تقديم الإغاثة الطارئة. ولكن على الرغم من أن أكثر من 40 دولة عرضت على الهند مساعدات دولية في الأيام التي تلت تلك المناشدة، لم تشهد منشآت الرعاية الصحية في دلهي تحسناً يُذكر.

على مدار الساعة، تفتح محارق الجثث والمقابر أبوابها لاستقبال الضحايا، فيما ما زال مرضى كورونا يلقون حتفهم خارج المستشفيات في انتظار سرير، أو في الحجر الصحي في المنزل. حتى أن كثراً من هؤلاء لن يردوا في حصيلة وفيات "كوفيد" الرسمية للبلاد، فيما صار توافر اختبارات الكشف محدوداً جداً.

خارج كل مستشفى من ستة مستشفيات زارتها "اندبندنت" في الأيام القليلة الماضية، تصطفّ سيارات الإسعاف، فيما يصل مريض جديد كل بضع دقائق. وفي الداخل، تمتدّ طوابير طويلة من المرضى ومقدّمي الرعاية الصحية، بعدما وسّعت مستشفيات حكومية كثيرة مضطرة مناطق الانتظار بغية منع الازدحام خارج البوابات.

في "مستشفى باترا" بجنوب دلهي، لاحظ كثيرون يوم السبت الماضي انخفاضاً مفاجئاً في مستويات الأوكسجين التي يحظى بها أحبتهم، ولم يُخطروا بأن الأوكسجين ينفد من المستشفى إلا بعدما تواصلوا مع الموظفين طلباً للمساعدة. يومذاك، توفي 12 مريضاً، من بينهم طبيب، في المستشفى.

"كنّا في جهل تام بما كان يحدث. عندما دنوت من الموظفين، طلبوا مني أن أذهب لتأمين أسطوانة أوكسجين لوالدي، "يقول ناكول (اسم وهمي)، الذي نقل والده البالغ من العمر 56 سنة من مدينة نويدا إلى المستشفى الخاص على أمل العثور على رعاية طبية أفضل.

"أتفهّم أن الموظفين مشغولون، لكن أحداً لم يخبرنا مسبقاً أن مشكلةً كهذه قد تحدث. أقلّه، كان عليهم تنبيهنا، لكنَّنا لم نكتشف الأمر إلا عندما كاد الأوكسجين أن ينفد. أسرعت، وبذلت كل ما في وسعي وحصلت على أسطوانة لوالدي، لكنه [الآن] في وحدة العناية المركزة ويحتاج إلى مزيد من الأوكسجين"، أضاف ناكول.

كثير من العاملين في مجال الرعاية الصحية بلغوا طريقاً مسدوداً، بعدما أثقلت كاهلهم أزمة كورونا، مستنفدةً طاقتهم تماماً.

في مستشفى آخر في جنوب دلهي مخصَّص للنساء الحوامل والأطفال، كانت "اندبندنت" شاهدة على اندلاع شجار بين طبيب وقريب لأحد المرضى يوم الاثنين، فيما دق المستشفى ناقوس خطر نقص الأوكسجين.

وقال الطبيب الذي طلب عدم نشر اسمه، "لدينا سيارة إمدادات أوكسجين على بعد أربعة كيلومترات، ونحن في انتظار وصولها. يبذل موظفونا قصارى جهدهم لمساعدة الناس. أحياناً، أحمل أسطوانات على ظهري وأنقلها إلى الداخل، لا أعرف ماذا يسعني أن أفعل أيضاً في هذه الحالة".

شأن آلاف المرضى الذين تُغرق مناشداتهم العاجلة منصة "تويتر" في الهند كل يوم، تواصل المستشفيات نفسها الاعتماد على نداءات "أس أو أس"SOS  (Save Our Souls ) المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي في سبيل إمدادها بالأوكسجين، حتى مع إصرار الحكومة الهندية على أن البلاد بصفة عامة لا تكابد نقصاً في الغاز المنقذ للحياة.

خارج "مستشفى لوك ناياك جاي براكاش نارايا" في قلب نيودلهي، في محاذاة نصب غاندي التذكاري الشهير في المدينة، يصطف عشرات الأشخاص في انتظار التقدّم بطلب لأفراد أسرهم كي يُنظر في أمر حصولهم على سرير في جناح "كوفيد".

وضعوا لوحة خارج المبنى تفيد بأن الأسرة الشاغرة غير متوافرة وأن كل الأسرة البالغ عددها ألف و400 سرير في المستشفى، ممتلئة.

يقول أحد الحراس إن الرقم الموجود على اللوحة لم يتغيَّر منذ أيام، ومن المتعذر أن نعرف متى ستتحسن الأوضاع.

© The Independent

المزيد من صحة