Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعطي بريطانيا "حكومتها الفاسدة" مكافأة غير مستحقة على اللقاح؟

نفذ بوريس جونسون حقاً وعده بترك "الجثامين تتكوم عالياً بالآلاف" على الرغم من أن الرقم الحقيقي كان بعشرات الآلاف

ما نراه حالياً في بريطانيا مع برنامج التلقيح، هو نسخة موسعة من نظام صحي عمل سلفاً بشكل جيد و "ليس هناك أي ابتكار من قبل الحكومة" (رويترز)

نُقل عن بوريس جونسون قوله في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما كانت الموجة الثانية من جائحة كوفيد كوفيد-19 قد بدأت، "لا مزيد من الإغلاقات اللعينة. دع جثث الضحايا تتكدس بالآلاف".

سينظر كثيرون إلى كلماته القاسية هذه، التي نفى نفياً قاطعاً أنه قد نطق بها، على أنها كانت طريقة تعبير غير موفقة، إذ أخطأ فيها باختيار الصور المجازية؛ غير أنهم قد يخفقون في ملاحظة الحقيقة البغيضة بأن ما قاله كان عبارة عن تكهن دقيق إلى حد بعيد بالنتائج التي ستترتب على سوء تقديره. ولعل العنصر الوحيد الذي لم يكن دقيقاً في ما قاله عن تكدس الجثث بالآلاف هو الرقم، إذ تبين أن العدد الصحيح كان يقدر بعشرات الآلاف من الضحايا.

واللافت أن ما حدث لم يكن متوقعاً فحسب، بل تم توقعه فعلاً والتحذير منه سلفاً. وكانت "سايج" (المجموعة العلمية الاستشارية للطوارئ) قد قالت في 21 سبتمبر (أيلول)، إن "حزمة من القرارات الحاسمة، الهادفة إلى تخفيض فوري لانتشار الوباء، كانت مطلوبة". وقد أيد تلك التوصية كل من مات هانكوك ودومينيك كامينغز ومايكل غوف، بيد أن جونسون رفضها.

ويمكننا الآن أن نقدر بشيء من الدقة عدد حالات الوفاة التي تسببت بها أفعاله في ذلك الوقت. ففي الأشهر الخمسة بين أكتوبر 2020 – وهو الشهر الذي كان رئيس الوزراء يتحدث فيه - و31 مارس (آذار) 2021، لقي قرابة 87049 شخصاً حتفهم في بريطانيا جراء إصابتهم بكوفيد-19 التي أكدتها فحوص مخبرية، وذلك حسبما أفاد مكتب الإحصاءات الوطني. وكان عدد الوفيات مرتفعاً للغاية بسبب نهج الحكومة المتردد حيال الإغلاقات التي كانت تفرضها تارة، وترفعها تارة أخرى، الأمر الذي وفر للفيروس فترات طويلة من القدرة على الانتشار بحرية.

يأمل جونسون والمحافظون في أنهم سيتمكنون من جعل الناس ينسون الإخفاقات المتعددة التي شهدها العام الماضي، وذلك من خلال مطالبة رئيس الوزراء وحزبه بالاعتراف بفضلهم الحصري في نجاح برنامج التلقيح. قد يكونون على حق فعلاً في ذلك، نظراً للشعور السائد لدى الناس بالارتياح كونهم قد باتوا في مأمن من خطر الموت الكريه بهذا الفيروس أو من المرض المنهك الذي ينجم عن الإصابة به. وإذا لعب المحافظون أوراقهم على نحو صحيح، فإن هذه قد تكون "لحظة حرب الفوكلاند" بالنسبة لهم، التي ستتكفل بإبقائهم في السلطة لعقد آخر أو أكثر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومهما كانت الأكاذيب التي قيلت لنا عمن دفع التكلفة ولماذا دفعها ومتى، في سياق الجدال حول تجديد شقة جونسون في داونينغ ستريت، فإنها تبدو تافهة بصورة سخيفة، بالمقارنة مع مسائل الحياة والموت هذه. إن الفضل الحقيقي في قصة النجاح الخاصة باللقاحات قد يعود إلى خبرة العلماء وقوة "خدمة الصحة الوطنية" وتجربتها الواسعة، بيد أن جونسون كان يمسك بالمقود ويمكنه أن يدعي ببعض المصداقية أنه قد حقق انتصاراً.

غير أن هذا الانتصار غامض، لأن كل شيء آخر بدأته الحكومة اتسم بعدم الكفاءة المزمنة، وفاحت منه رائحة الفساد، مثل آلية الفحص والتتبع التي فشلت فشلاً ذريعاً بعد أن كلفت 37 مليار جنيه استرليني، وكذلك عملية الشراء المريبة، سريعة المسار، لمعدات الوقاية الشخصية لكبار الشخصيات بقيمة 8 مليارات جنيه استرليني. وقد فشلت المحاولات الرامية لوقف انتشار الفيروس في أنحاء البلاد فشلاً ذريعاً. وأظهرت الدراسات أن الشطر الأكبر من السكان الأكثر فقراً الذين يرجح أنهم تعرضوا لمخالطات اجتماعية كثيرة في البيت أو في العمل، ربما كانوا يرغبون في حجر أنفسهم إذا ثبتت إصابتهم بنتيجة الاختبار، غير أنهم لم يستطيعوا تحمل ثمن البقاء في الحجر من دون عمل. وعليه لم تزد نسبة الأشخاص المستعدين في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة ليفربول لإجراء الاختبار عن 4 في المئة فقط. 

في هذه الأثناء، يتعرض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للتشهير هذا الأسبوع بسبب إنهائه الإغلاق في بلاده في وقت سابق لأوانه. إلا أن أخطاءه بالكاد تختلف عن تلك التي ارتكبها جونسون في بريطانيا العام الماضي.

ما نسرده هنا ليس مجرد تاريخ قديم. ويكمن الخطر في أن بريطانيا سترسخ موقع رئيس وزراء وحكومة بلغت درجة فسادها وعدم كفاءتها حداً غير مسبوق وذلك في موجة من الامتنان الذي لا يستحقونه لوضع الفيروس تحت السيطرة. وهذا ما يعني أن من المهم اكتشاف مدى جدارتهم بهذا الامتنان ومدى المبالغة في تقدير مساهمتهم الحقيقية.

كانت الهيئات الصحة العالمية تعتبر بريطانيا قبل انتشار الفيروس واحدة من أفضل دول العالم استعداداً لمواجهة جائحة ما. وما نراه حالياً مع برنامج التلقيح هو نسخة موسعة كثيراً من نظام صحي عمل سلفاً بشكل جيد، وليس هناك أي ابتكار سريع المسار.

لم يعرب أحد عن دهشته في السنوات الماضية من التوزيع السنوي للقاحات الإنفلونزا وغيرها لملايين البشر، إلا أن الوزراء يتحدثون اليوم وكأن ذلك يحصل فقط بفضل جهودهم الحثيثة.

لا شك في أن الأسئلة التي ستوجه لدومينيك كامينغز، وهو المدير السابق لمكتب رئيس الوزراء، حين يمثل أمام اللجنة البرلمانية المعنية في 26 مايو (أيار) الحالي، ستتركز على الأخطاء الفادحة المتسلسلة، المتعلقة بالإغلاقات والتي يزعم كامينغز أن جونسون قد ارتكبها، لكن سيكون من المهم بقدر مماثل اكتشاف الدور الذي لعبه جونسون بالفعل في برنامج التلقيح وإلى أي مدى يستحق الثناء على نجاحه.

وبالنسبة لارتفاع عدد الوفيات، يزعم جونسون ومن يدافعون عنه أنه لم يكن بمقدوره أن يتكهن بالقفزة السريعة في عدد الإصابات والوفيات في النصف الثاني من العام الماضي، وذلك لأنها كانت ناجمة عن سلالة "كنت" من فيروس كورونا المعروفة أيضاً باسم "بي 117" والقادرة على نشر العدوى بشكل فائق السرعة، علماً بأن التعرف عليها تم في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي عندما اجتاحت بريطانيا والعالم، لكن هذه حجة مراوغة باعتبار أن فيروس كورونا، بصرف النظر عن درجة سمية سلالاته، يحتاج على الدوام إلى الاتصال بالبشر.

وأدى رفض جونسون النصيحة العلمية، ومناشدة الوزراء له، لفرض إغلاق في سبتمبر الماضي، إلى ضمان توفر الكثير من الاتصالات البشرية للفيروس الفتاك. هكذا تضاعف عدد الإصابات بكوفيد-19 أربع مرات، إذ زادت من 128 ألف حالة في سبتمبر لتبلغ 483 ألف حالة في أكتوبر. أما الخيار المفضل لدى جونسون – وهو عمليات الإغلاق في المناطق ونظام الطبقات – فكان مخزياً، حيث غلبت عليه الفوضى وتعامل مع الوباء كما لو أن الفيروس كان سيظهر قدراً من الاحترام للحدود البلدية بين المناطق.

تم التعرف على سلالة "كنت" بادئ الأمر في منطقة قريبة من كانتربري، ومن المرجح بقوة أنها كانت بلدة مارغيت التي تبعد عنها نحو 15 ميلاً، وذلك عند فحص عينة جينية أخذت في 20 سبتمبر. ولم تشخص قدرتها على الانتشار بسرعة فائقة إلا بعد 10 أسابيع لاحقة في شهر ديسمبر. إلا أن هذا ليس عذراً مقنعاً لأن تطبيق إغلاق أكثر إحكاماً في وقت أبكر كان من شأنه أن يمنع الفيروس القائل من التحول، الذي يعتبر عملية يتطلب تحقيقها نسبة عدوى مرتفعة لتوفير فرص كافية للتجربة والخطأ، بهدف خلق سلاسة أكثر خطورة لجهة مهاجمة الضحايا.

وأدت المخالطات الاجتماعية غير المقيدة إلى انتشار فيروس "بي 117" بسهولة وسرعة ليجتاح ساحل مقاطعة "كنت" في الجانب الجنوبي من مصب نهر التيمز، وصولاً إلى لندن وما وراءها. وحسبما ذكر مكتب الإحصاء الوطني فإن "السلالة الجديدة تفشت بسرعة، ونسبتها التي كانت تقدر بـ3 في المئة من الحالات في إنجلترا في نهاية أكتوبر، وصلت إلى 96 في المئة في بداية فبراير (شباط)".

وفي حين تكدست الجثامين فعلاً، شهد يوم واحد في يناير (كانون الثاني) تسجيل رقم قياسي بلغ 1368 وفاة بسبب الإصابة بكوفيد-19. وإذا كانت مسؤولية جونسون عن حملة التلقيح مهزوزة غير أكيدة، فإن الذنب الذي يتحمله بسبب هذه الوفيات الجماعية لا يقبل الشك.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء