Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ورشة مؤتمر نظام الحكم... الثورة تنتصر

رسالة واضحة لكل المتطفلين وطالبي السلطة بلا استحقاقات

بثينة دينار وزيرة الحكم الاتحادي في السودان (اندبندنت عربية - حسن حامد)

لعل من الأهمية بمكان، فيما نحن نكتب عن انطلاق فعاليات الورشة التحضيرية لمؤتمر نظام الحكم، الانتباه باستمرار إلى ما ذكر به الأستاذ محمد الحسن التعايشي، عضو مجلس السيادة السوداني، ورئيس اللجنة التحضيرية العليا لمؤتمر نظام الحكم الذي انعقدت له ورشة فنية استمرت ثلاثة أيام بين 27 و29 أبريل (نيسان) الماضي، بقاعة الصداقة في الخرطوم، وهي ورشة شاركت فيها نخبة كبيرة من جميع أطياف المجتمع السوداني وممثلي قواه الحية، إلى جانب ولاة الولايات.

وقال التعايشي في كلمته أمام الأعضاء المشاركين في الورشة، "في هذا اليوم المهم من تاريخ أمتنا نخطو خطوةً كبيرةً في سبيل الإجابة عن السؤال الموضوعي المهم الذي ظل بلا إجابة ثابتة ومستدامة لعقود طويلة وهو: كيف يحكم السودان، وهي خطوة لم يكن بوسعنا الإقدام عليها لولا التضحيات الهائلة التي قدمها أبناء وبنات السودان في ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة، وأخص بذلك شهداء الثورة، وتأتي هذه الورشة في إطار تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان... إن إصلاح هذه الأرض وإنسانها والاستفادة القصوى من مواردها وسلامة توظيفها رهين بمدارسات العلماء ومناقشات الأساتذة مقدمي الأوراق والمشاركين في هذه الورشة التي ينبغي أن نخرج منها مسلحين بإجابات موضوعية ومنطقية حول 6 قضايا رئيسة متعلقة بالحكم في السودان".

ففي هذه الكلمة القوية يعيد التعايشي منذ البداية تذكيرنا دائماً بأصل الحكاية وحقيقة الأمر، وهي أن ما جعل التغيير ممكناً بالوصول إلى هذا العهد الجديد، هم فقط الشهداء والثوار في كل أنحاء السودان.

وفي تقديرنا أن في هذا التذكير المستمر من قبل الأستاذ محمد الحسن التعايشي رسالة واضحةً لكل المتطفلين وطالبي السلطة بلا استحقاقات، كما يذكرنا بأن إدارة السودان وحكمه هي فقط رهينة بمدارسات وأفكار العلماء أي أصحاب الاختصاص الحصري بالقول الفصل في قضايا بناء الدولة وشروط المواطنة والحكم، بعيداً من الانتهازيين وبقايا نظام البشير الذين يغيرون اليوم جلودهم ويبحثون عن فرص جديدة عبر شعارات جوفاء.

كذلك من المهم الانتباه إلى ما ذكرته وزيرة وزارة الحكم الاتحادي، رئيس اللجنة التنفيذية لمؤتمر نظام الحكم في السودان، الاستاذة بثينة دينار التي تتولى وزارتها إعداد وتنفيذ مؤتمر نظام الحكم، إذ أشارت إلى نقطة مهمة في كلمتها حين قالت في مخاطبتها أمام أعضاء الورشة "يأتي هذا التحضير في ظل ثورة وفرت لنا الحريات جميعها، وجعلت التعبير عما نريد ممكناً ومتاحاً بعد أن ظللنا نرزح تحت وطأة نظام مضطهد ومضطرب لا يحترم حق الآخر المختلف ولم يستطع إدارة تنوعنا الذي هو مصدر ثرائنا كشعب والذي من خلاله نستطيع أن نصبح علامةً فارقةً في ظل عالم تحكمه عناصر قوة؛ الفائز فيه من يستطيع توفير تلك العناصر".

وذكرت بثينة دينار، وزيرة الحكم الاتحادي، أيضاً بما وفرته الثورة من حريات جعلت مثل هذا المؤتمر التاريخي ممكناً، كما ذكرت الحاضرين بالاضطهاد والقمع الذين كان يمارسهما نظام الإخوان المسلمين الذي أطاحت به الثورة في يوم 11 أبريل (نيسان) 2019، لكنها أيضاً ذكرت بأمر مهم جداً كان النظام السابق يعمل على الضد منه، وهو: إدارة التنوع الثقافي والإثني للسودانيين وتضمينه في مواد الدستور والحكم، حيث إن القوة الحقيقية تكمن في القدرة على إدارة هذا التنوع بنجاح، ولا طريق لإنجاح إدارة ذلك التنوع سوى النظام الديمقراطي، والحكم الرشيد والتنمية المستدامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد كانت هذه الورشة اختباراً حقيقياً لنجاح وزيرة الحكم الاتحادي (وهي من مكون الحركة الشعبية جناح مالك عقار) في أول ممارسة دستورية لوزارتها التي نفذت هذه الورشة، حيث نجحت دينار في اختبار التحدي عبر السماح بإدارة التنوع الكبير لقوى الثورة وتوصيل جميع أصواتها في النقاشات والمداولات التي شهدتها أيام الورشة الثلاث.

وكان من أهم ملامح تنظيم النجاح في هذه الورشة، أن اليوم الأول تم فيه طرح الأوراق، فيما كان اليوم الثاني فرصة لتقسيم أعضاء الورشة الـ300 إلى مجموعات متخصصة في المجالات الستة كل مجال على حدة، وأخيراً في اليوم الثالث جرى نقاش عام لأوراق الورشة الست والخروج بالخلاصات والتوصيات.

وكان لافتاً مشاركة النساء بنسبة تفوق 40 في المئة التي كفلتها الوثيقة الدستورية للنساء، كما كان من بين النساء في هذه الورشة، رئيسات أقسام ومبتدرات نقاش. كما كان لافتاً أجواء النقاش الإيجابي والرضا العام الذي عزز نجاح هذه الورشة.

إن الورشة التحضيرية لقيام مؤتمر نظام الحكم تعتبر الجزء الأهم في مراحل الاعداد إلى ذلك المؤتمر، الذي يعتبر أول محاولة تاريخية وتأسيسية لإعادة ترسيم بناء الدولة السودانية منذ استقلالها.

وهنا بالضبط تكمن أهمية اتفاقية جوبا للسلام التي وفرت ولأول مرة اختباراً حقيقياً لمشاركة السودانيين جميعاً في إعادة بناء دولتهم عبر شراكة حقيقية لم تكن لتتوفر لولا تضحيات شهداء ثورة ديسمبر 2018.

وبانعقاد هذا المؤتمر، والمقررات التي سيتمخض عليها وضع أسس لحكم فيدرالي رشيد يسمح بتقاسم عادل للسلطة والثروة بين جميع السودانيين، ستكون ضربة البداية الحقيقية لفصل جديد في مشوار دولة المواطنة والحقوق.

لقد ناقشت الورشة 6 عناوين مهمة بخصوص الحكم الاتحادي عبر أوراق عمل شملت تلك الجوانب الستة بمعالجات خلاقة ومواد علمية محكمة، طرحت للنقاش والتداول من أجل الوصول إلى توصيات ومخرجات تكون بمثابة دليل إرشادي يتم استئناف طرحه من قبل حكومات الولايات عبر مجالس ومؤتمرات قاعدية في كل أنحاء السودان، عبر القوى الحية التي تنتخبها قوى إعلان الحرية والتغيير والقوى السياسية الموقعة على اتفاق جوبا للسلام 2020.

وشملت القوى المشاركة في الورشة الفنية التحضيرية لمؤتمر نظام الحكم 300 عضو شكلوا أطيافاً مختلفة للقوى الحية للشعب السوداني، حيث عبروا عن جميع أطياف الشعب ومناطقه، وعبروا في الوقت ذاته عن اختيارات قوى الثورة الجديدة (قوى إعلان الحرية والتغيير وأطراف العملية لاتفاق جوبا) إلى جانب توزع الأعضاء المشاركين في الورشة على جميع قوى المجتمع السوداني؛ القادة السياسيين، والشباب، والمرأة، ومنظمات المجتمع المدني، والإدارة الأهلية.

وتضمنت الورشة في أوراقها الست أطراً للنقاش غطت النواحي التالية: مستويات الحكم الإقليمي الفيدرالي (وهذه تشمل: الهياكل والصلاحيات والتشريعات والعلاقات الأفقية والرأسية في ظل الحكم الإقليمي الفيدرالي)، والحدود والتقسيمات الجغرافية، والموارد الاقتصادية والبشرية التنمية والخدمات، والحكم المحلي، والحكم الذاتي والتحديات البيئية.

وبعد الانتهاء من هذه الورشة، ستنظم حكومات الولايات في كل أنحاء السودان مؤتمرات قاعدية في محليات كل ولاية للمزيد من النقاش والتوصيات، وصولاً إلى انعقاد مؤتمر نظام الحكم بعد ذلك في الخرطوم، والذي سيتعين عليه اتخاذ قرارات سيادية وتشريعات توضع موضع التنفيذ.

وبانعقاد مؤتمر نظام الحكم في الخرطوم، سيكون هو الخطوة الثالثة من تنفيذ بنود اتفاقية جوبا للسلام، بعد توسيع مجلس السيادة الانتقالي تعزيز عضويته ببعض قادة أطراف العملية السلمية مثل مالك عقار، ود. الهادي إدريس، إلى جانب وتكوين الحكومة.

لقد كانت الورشة الفنية التحضيرية لمؤتمر نظام الحكم والنجاح الذي شهدته فعالياتها نموذجاً واضحاً لاتفاق الإرادة الحرة للسودانيين في ظل مبادئ ثورة ديسمبر 2018 المجيدة، حيث لقيت استحساناً كبيراً من جميع المراقبين للأوضاع السياسية في السودان، كما ساهمت في دعم وتمويل الورشة العديد من الجهات الداعمة لاتفاق جوبا للسلام، كالمركز الثقافي البريطاني والعديد من المؤسسات.

وفي ظل استكمال الشروط المعززة لإنفاذ مخرجات اتفاقية جوبا للسلام، ثمة مؤتمرات أخرى مهمة ينتظر أن تعقد في الأيام القليلة القادمة (إلى جانب مؤتمر نظام الحكم)، كالمؤتمر التشاوري لأصحاب المصلحة في شرق السودان، والذي عليه استكمال ما لم يتم التطرق له في بنود اتفاق مسار الشرق، ومؤتمر الخرطوم، إلى جانب مؤتمر منطقة غرب كردفان.

وهذه المؤتمرات سيشكل تمويلها ودعمها من قبل المانحين والرعاة والضامين لاتفاقية جوبا للسلام، وعلى رأسهم السعودية، فرصةً تاريخيةً للمضي قدماً باتجاه تعزيز قوى الثورة وتهيئة البيئة الصحية للمضي قدماً في أطوار التغيير والجديد وتسريع وتيرته الصاعدة لاستكمال المرحلة الانتقالية بنجاح.

إن الورشة الفنية التحضيرية لمؤتمر نظام الحكم شكل نجاحها الملحوظ فارقاً جوهرياً دالاً ومنعطفاً كبيراً في طريق تحقيق مكتسبات الثورة وتجسيد انتصار إرادة الثورة على قوى الثورة المضادة، وما تعد به تلك القوى الظلامية من عودة للقبائلية والطائفية. 

اقرأ المزيد

المزيد من آراء