يعاني الأهالي في مسيرة تربية أطفالهم وتحسين سلوكهم وجعلهم أطفالاً سعداء في الوقت ذاته. هذا التحدي يتطلب جهداً من الأهل الذين تقع على عاتقهم مسؤولية توازن الطفل وتربيته وسعادته، وجعله فرداً صالحاً سليماً وسعيداً في البيت والمدرسة والمجتمع عامة.
لذا يلجأ الأهل إلى المختصين في مجال التربية وعلم النفس والعلاجات المسماة بديلة لصحة نفسية واجتماعية للطفل. بعض الأطفال يكون التعاطي معهم أصعب من غيرهم بحسب شخصيتهم من ناحية والبيئة التي يعيشون بها من ناحية أخرى. ويحتاج تهذيب سلوك الطفل إلى وقت وصبر ودراية.
للتعمق أكثر في سلوك الطفل وكيفية صقله مع الحفاظ على هويته وشخصيته تتحدث الإخصائية النفسية العيادية والمعالجة النفسية سهير هاشم لـ "اندبندنت عربية" عن خبرة 10 سنوات في هذا المجال.
تقدم سهير فيديوهات على صفحتها على "إنستغرام" بعد أن تابعت أسئلة الأمهات، ووجدت أن لديها المعلومات والإجابات، ففكرت منذ 3 سنوات بصفحة تكون بمثابة مرجع للأمهات وإجابات عن هواجسهن وتساؤلتهن للتعاطي مع أولادهن، بهدف نشر الوعي حول تربية الطفل، ثم توسعت إلى مواضيع متعلقة بالمراهقين وبالأزواج.
سلوك الأطفال مع كورونا
في البداية تخبرنا سهير أن لكل حالة طريقة معينة في العلاج والتعاطي معها بحسب كل طفل وكل أهل وكل عائلة، ولا يوجد وصفة واضحة معممة تستخدم في علاج الحالة ذاتها في العلاج النفسي. فالعلاج النفسي يفصَّل على كل حالة بعد أخذ كل الأمور المحيطة بها وخصوصيتها، ولا يوجد وصفة سحرية. ومن المهم معرفة أنه يحتاج مجهوداً من الأهل بعد عمل المعالج بحيث تساعد البيئة المحيطة.
أثرت فترة الحجر بسبب انتشار كورونا في الأولاد وتعبيرهم عن الانزعاج الذي ظهر في طرق مختلفة. تقول سهير "لاحظنا وجود عدائية زائدة، وغرابة الأطوار والضجر، كما لاحظنا لدى بعض الأطفال من 3 إلى 9 سنوات التصاقاً مفرطاً بالأهل بسبب الابتعاد عن المدرسة والنشاطات الاجتماعية والوجود الدائم للأهل في المنزل، حتى إن بعض الأطفال عانوا قلق الانفصال بعد فك الحجر ولا يتقبلون الابتعاد. إضافة إلى خوفهم من المرض والوسوسة، بخاصة أن بعض الأهالي كانوا يتحدثون كثيراً عن المرض والوفيات أمام أطفالهم".
وتشير إلى أنها كانت تنصح الأهل بعدم ذكر كل التفاصيل أمام الأولاد لأنها لا تفيدهم ولا تساعدهم في حياتهم اليومية، لأن هذا يزيد توترهم ومخاوفهم، بخاصة أن الفيروس غير مرئي ولا يستطيع الطفل فهم ماهيته. وعندما يخاف من شيء غير مرئي تكون نسبة الخوف أعلى من شيء قادر على رؤيته. وتقول إن بعض الأولاد أصبح لديهم وسواس بغسل اليدين واستخدام المعقمات، وهذا يعود للطريقة التي أُخبر بها الطفل عن الفيروس.
تعتبر سهير أنه من الجيد أن يذكر الأهل للطفل أنها فترة استثنائية نمر بها، وتفهم مشاعرهم وجعلهم يعبرون عنها من دون إنكارها، وحتى الأهل يمكن أن يعبروا عن انزعاجهم حتى يشجعوا الأولاد على التعبير بشكل طبيعي.
أي سلوك يحتاج إلى علاج؟
تعتبر سهير أنه من الممكن معرفة أن سلوكاً معيناً بحاجة لعلاج عندما يبدأ سلوك الطفل بالتغير بشكل يؤثر في حياته اليومية في الطعام والشراب والنوم والنشاطات، فيظهر لا مبالاته أو يجنح للانزواء والمشاعر السلبية، كذلك توقفه عن حب رفاق كان يحبهم، كلها دلائل يظهرها الطفل ولا يستطيع كتمانها، وإذا استمر هذا التغير أو هذه العوارض فترة أكثر من أسبوعين متواصلين، ورافقته بشكل دائم داخل وخارج البيت على الأهل حينها استشارة متخصص ليرشدهم إلى التصرف السليم بحسب الحالة، وليس بالضرورة بدء جلسات علاجية مباشرة مع الطفل، فأحياناً تحل المعضلة من خلال الأهل فيتحسن الطفل إذا كانت الحالة غير متطورة. لذا تنصح سهير الأم أن تثق بإحساسها عندما تلاحظ أي تغيير.
وليتحسن وضع الطفل يجب أن يكون الفريق الذي يتعاطى مع الحالة مكوّناً من عدة أشخاص، المعالج والأم والأب والطفل. ويجب على الأهل التعاون التام للمساعدة على الوصول إلى نتيجة.
أسس تربية طفل سعيد
تجد سهير أنه لتربية طفل سعيد ومرتاح مع نفسه يجب أولاً عدم إهانته، كي لا يفقد ثقته بنفسه. والابتعاد عن المقارنة بين الأخوة حتى المقارنة الإيجابية، لأنها تجعله يشعر أن الأهل يفضلون إخوته عليه. ويجب احترام قدراته وعدم التقليل من قيمته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكذلك الابتعاد عن الحب المشروط حتى في الأمور الصغيرة مثل "إذا قبلتني تحصل على حلوى، أو إذا نجحت أهديك لعبة، فالعلاقة مع الطفل يجب أن لا تكون مشروطة بأي طريقة". ويجب أيضاً عدم السخرية من الطفل وانتقاده بشكل سلبي لشكله ووزنه وعلاماته في المدرسة. ويجب احترام أسراره الصغيرة فلا ننشرها لأنه يفقد ثقته إذا حصل. "وعلينا أن نخبر أطفالنا عن حبنا لهم، ونعطيهم 10 دقائق في اليوم على الأقل خاصة بهم باللعب على الأرض، مع التقارب الجسدي معهم بالعناق، ونخبرهم عن حبنا لهم وأهميتهم بالنسبة لنا. كل هذا يخلق استقراراً نفسياً للطفل. ومن البديهي الابتعاد عن العنف والضرب ومشكلات الأهل".
العلاج بالحديث أثناء النوم
من أساليب العلاج تذكر سهير ما يدعى sleep talk therapy ويطبق على الأطفال من عمر 3 سنوت وحتى 12 سنة ليكون فعالاً. وهو رائج جداً اليوم في الولايات المتحدة الأميركية، ويساعد على تغيير سلوك الطفل بشكل غير واعٍ، وتستخدم مع الأطفال الذين يعانون التبول الليلي وما يولده من عدم ثقة بالنفس، والذين يتعرضون لتغيير في حياتهم من مدرسة أو بيت، ويكونون حساسين على التغيير.
وعن كيفية استخدام هذه التقنية تقول إن الأهل يختارون السلوك الذي يجب تغييره لدى الطفل، ويستخدمون جملاً قصيرة ويرددونها بشكل دائم، ويهمسونها في أذن الطفل بطريقة إيجابية بعد أن يغفو الطفل بأربعين إلى خمسين دقيقة، لمدة دقيقتين، حين يكون لا وعيه فعالاً. كأن يقال للطفل "أنت طفل جيد تنظف أسنانك".
وتعتبر سهير أنها تقنية آمنة، لأنها من دون أدوية، ولا شيء فيها مضر للطفل. لكنها شخصياً لا تستخدمها، وتفضل العلاج مع الطفل على نطاق الوعي.
وتشير إلى أن هذه التقنية إذا ما استخدمت مع الطفل يجب أن يوصي بها متخصص مدرب، لأنها حساسة والتعامل مع لا وعي الطفل دقيق، ويجب اختيار الكلمات التي يقولها أو يهمسها الأهل له وهو نائم ويستخدمونها وهو صاحٍ. وتعتبر سهير أن هذه التقنية ليست طريقة أساسية في العلاج، إنما طريقة تكميلية، ولا تحل محل العلاج.
المعالجة الإيحائية
في السياق ذاته توضح المعالجة بالطاقة وأستاذة الريكي ميراي حمال التي تعلّم الأمهات كيف يتواصلن مع العقل اللاواعي لأطفالهن، أنه قبل النوم العميق، وعندما يكون الدماغ على موجة ثيتا، بعد أن يغفو الطفل بنحو 40 إلى 50 دقيقة، وهي تلاحظها من حركة العيون من تحت الأجفان، وهي فترة يلتقط فيها العقل الباطني ما يسمعه.
وتعتبرها ميراي مفيدة إذا كان لدى تروما معينة، أو كان يومه مزعجاً، فتهمس الأم بصوت منخفض في أذن طفلها كلمات لها علاقة بالحب والأمان، وكم هو محبوب ومميز وجيد ورائع وفريد محمي وبخير. وإن حصل خلاف بين الأهل يجب أن تفسر له أنه ليس السبب وأنها مسؤولية الأهل، بحسب الموقف. ويجب أن تكون التأكيدات باللغة الإيجابية، لأن العقل الباطن يسجّل.
وتعتبر أن هذه الطريقة نافعة أيضاً إذا كان الطفل يتعرض للتنمر، وغير مرتاح في المدرسة، وعلامته ليست جيدة، أو منزعج من وجود مولود جديد وأي تغيير داخل البيت، أحياناً يشعر أنه السبب، أو يظن أنه ليس ناجحاً بسبب كلمة ما قيلت له في المدرسة، وإذا شعر أنه أقل من أصحابه في اللعب أو الدرس، فإذا علق في عقله الباطني تصبح حقيقة راسخة لديه، ويجذب طوال عمره وقائع تشبه ما ثبت في عقله.
تقول ميراي إنه بهذا الهمس أو الإيحاء "نعيد برمجة عقله لحذف المعتقد السلبي، ووضع تأكيدات إيجابية يصدقها العقل الباطني فتترسخ ويعمل على أساسها. فنهمس له أنت ناجح وكفؤ وكامل ومتكامل ومحبوب، خصوصاً إذا كان يشك في نفسه، أو كان يشعر بالإحراج بسبب حدث ما، مثل التبول اللاإرادي إذا سبب له خجلاً وجعله يتعرض للتنمر، نحاول أن نساعده ونبدل ما صدقه عن نفسه بمخاطبة وعيه أولاً وقبل أن ينام، وأثناء نومه في لا وعيه، ونقول له إن كل شيء بخير لنتأكد أنها تثبت في عقله الباطني".
التكرار والملاحظة
تقول ميراي إن هذه التقنية هي بمثابة تصحيح مسار السلوك. ويجب دوماً العودة إلى السبب الأساسي للتصرف أو لرد فعل الولد ونلاحظ أسباب القلق أو الأرق أو التراجع أو الخوف.
وتخبر أن مدة المثابرة على فكرة معينة تكون بحسب المشكلة، قد تكون لأيام عدة نحو 21 يوماً، وإذا كان ما زال يعيد الفكرة يعني أنها تزعجه، وأن جهازه لم يقبلها بعد. عندما يتوقف التحدث عنها من تلقاء نفسه من دون محاولة إسكاته يكون على الأرجح قد تخلص منها.
وتشير إلى إمكانية تعليم الطفل أن يقول لنفسه تأكيدات قبل النوم وعندما يستيقظ، فيردد أنه كفؤ ومحبوب ومميز ومحمي وممتن.
يقوم الأهل عادة بهذا الهمس بكثير من الحب ولمصلحة الطفل، لكن جلّ ما تخشاه ميراي إذا كانت هناك مشكلات بين الأهل أو طلاق أن يستخدم أحد الطرفين الطفل في مشكلاتهما ضد بعضهما البعض، وهذا مؤذٍ للأطفال سواء في الوعي واللاوعي.