Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا صنفت الاستخبارات الأميركية الصين كأكبر خطر يهدد الولايات المتحدة؟

بكين تنظر إلى واشنطن كقوة عالمية متراجعة ما يشجعها على التصرف بعدوانية

أفريل هاينز مديرة الاستخبارات الوطنية التي تشرف على كل أجهزة الاستخبارات الأميركية (رويترز)

في وقت تواجه الولايات المتحدة عدداً لا يحصى من التهديدات التقليدية وغير التقليدية، بدءاً من روسيا وكوريا الشمالية وإيران والمنظمات الإرهابية، وانتهاء بتغير المناخ والأوبئة والهجرة، إلا أن الاستخبارات الأميركية الرئيسة تتفق في أن الصين هي أكبر خطر يهدد الأمن القومي للولايات المتحدة، فما السبب وراء ذلك؟ ولماذا أصبحت أجهزة الاستخبارات الأميركية أكثر قلقاً من الطموحات الاستراتيجية الصينية؟ وكيف ستتعامل أميركا مع هذا الخطر الذي يهدد بانقسام العالم إلى كتلتين تدور إحداهما في فلك واشنطن بينما تدور الأخرى في فلك بكين؟

خطر حالي ومستقبلي

قبل أيام قليلة، قدم عدد من مديري أجهزة الاستخبارات الأميركية الرئيسة مثل وكالة الأمن القومي "أن أس أي"، والاستخبارات المركزية "سي آي أي"، ومكتب التحقيقات الفيدرالية "أف بي آي"، والاستخبارات الدفاعية وغيرها، شهاداتهم في الكونغرس حول التهديدات والمخاطر التي تواجه الأمن القومي الأميركي خلال العام المقبل، ضمن تقييم سنوي لمجتمع الاستخبارات لتحديد الرؤى المختلفة من التهديدات.

لكن ما أثار اندهاش البعض أن قادة مجتمع الاستخبارات أجمعوا على الأولوية التي تمثلها الصين كخطر حالي ومستقبلي بشكل متزايد، ليس فقط كمنافس قريب يتحدى الولايات المتحدة في مجالات متعددة، بل أيضاً كأداة ضغط دولية تسعى إلى مراجعة وإعادة صياغة معايير النظام الدولي التي أرسيت عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، بما يتلاءم مع استبداد النظام الصيني، بحسب ما قالت أفريل هاينز مديرة الاستخبارات الوطنية التي تشرف على كل أجهزة الاستخبارات الأميركية.

ليس استهانة بروسيا

وفي حين أن الصين هي المنافس الرئيس الآن للولايات المتحدة، إلا أن ذلك لا يعني الاستهانة بروسيا التي تواصل جهودها، بحسب تقييمات الاستخبارات الأميركية، لتقويض النفوذ الأميركي وتفكيك التحالفات الغربية، مثل حلف "الناتو" أو حتى الاتحاد الأوروبي عبر أساليب مختلفة تتضمن العمل السري، ونشر المعلومات المضللة والحروب الإلكترونية، فضلاً عن مبيعات الأسلحة إلى دول مرتبطة بالغرب، مثل بيع صواريخ "أس-400" إلى تركيا.

وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن أجهزة الاستخبارات الروسية منزعجة من كشف عملياتها السرية وتسليط الأضواء عليها في وسائل الإعلام العالمية وكأن ذلك هدفها، وتُظهر هذه العمليات نجاح حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القضاء على المنافسين والمنشقين كنوع من المواجهة الحاسمة مع الغرب الذي يدعمهم، بينما تتدخل الاستخبارات الروسية في الانتخابات الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من تراجع قوة روسيا، إلا أن المجتمع الاستخباري الأميركي يرى أن تصرفاتها تُظهر أنه لا يزال بإمكانها الإضرار بالولايات المتحدة ولا ينبغي الاستهانة بها على الرغم من إدراكهم أن دافع موسكو للتدخل في الانتخابات الأميركية، هو الرغبة في التوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة بشأن عدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، والاعتراف بنطاق نفوذ روسيا في دول الاتحاد السوفياتي السابق، بما في ذلك أوكرانيا.

المنافس الاستراتيجي الأول

لكن، على الرغم من التهديد الروسي الدائم، فإن الصين هي المنافس الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة والغرب عموماً، وفقاً لتقديرات الاستخبارات الأميركية التي تعتبر أن الصين تنظر إلى الولايات المتحدة بالطريقة نفسها التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى روسيا، وهو أنها قوة عالمية متراجعة ما يشجعها على مزيد من التحدي، وربما العدوانية في المستقبل، على الرغم من أن الصراع الرئيس في العلاقات بين الجانبين يتمحور حالياً حول قضيتين رئيسيتين، هما المنافسة العالمية بينهما كقوتين عظميين، واستخدام التكنولوجيا أو إساءة استخدامها.

ومع تزايد نموها الاقتصادي واكتسابها الكثير من الثقة، أصبحت الصين أكثر قوة وحزماً على الساحة الدولية، وتبدي تحدياً للولايات المتحدة، ولا تتفق بكين مع قواعد النظام والقانون الدولي والهيئات والمنظمات الدولية مثل محكمة العدل الدولية، والأمم المتحدة التي أنشأتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وترغب في تقويض هذا النظام والتخلص منه جزئياً أو كلياً لكسب ميزة على الغرب.

عالم ثنائي القطبية

ومع ذلك، فسوف يتعين على الصين إذا نجحت في تغيب النظام الدولي القائم حالياً، أن تأتي ببديل قابل للتطبيق مثل الرأسمالية الاستبدادية التي تستخدمها بالفعل داخل الصين، لكن هذا النظام قد يكون من الصعب قبوله وتسويقه لدى بعض البلدان، بخاصة في الديمقراطيات الليبرالية، لكن الدول الأخرى التي ليست لديها مؤسسات ديمقراطية قوية، قد تتقبلها وترحب بها، ما يعني أن الأمور قد تنتهي إلى عالم ثنائي القطبية تقود فيه الولايات المتحدة تحالفاً من الديمقراطيات الليبرالية، بينما تقود الصين كتلة من الدول الاستبدادية.

وما يشير إلى رغبة الصين المحمومة في تحقيق هذا الهدف، ما يراه كثيرون من الصينيين في أن بلادهم صعدت إلى مكانة القوة العظمى التي كانت تتمتع بها قبل قرن ونصف القرن، عندما قوضتها الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي، وما قاله الرئيس شي جين بينغ من أن صعود الصين وتعثر الولايات المتحدة على ما يبدو، يعني أن العالم يمرّ بتغيرات نراها مرة كل قرن.

الصين ستواجه تعقيدات

ولكن وفقاً لتقديرات مجتمع الاستخبارات في الولايات المتحدة، فإن محاولة بكين للسيطرة على العالم تواجهها تعقيدات كثيرة وقد تكون عملية طويلة ومحبطة بسبب نقاط الضعف الاقتصادية والبيئية والسكانية، فعلى الرغم من أن الصين بدأت في الانفتاح وإصلاح اقتصادها عام 1978، وبلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي حوالى 10 في المئة سنوياً، ما أدى إلى انتشال أكثر من 800 مليون شخص من براثن الفقر، وإضافة تحسينات كبيرة في الخدمات الصحية والتعليمية، إلا أن هذا النمو بدأ في التراجع خلال السنوات الأخيرة ويواجه النمو الاقتصادي الصيني حدود هيكلية أهمها الشيخوخة السريعة لسكان الصين بعد سنوات من سياسات التقييد الإنجابية وسياسة الطفل الواحد.

ففي عام 1980 كان في الصين ثمانية أشخاص في سن العمل لكل شخص واحد في سن التقاعد، ولكن مع استمرار الاتجاهات الديموغرافية الحالية، فإن نسبة السكان في الصين ستكون شخصين في سن العمل مقابل شخص واحد في سن التقاعد بحلول عام 2040، وهي نسبة تقيد بشدة التقدم الاقتصادي.

قلق عسكري محدود

ولا تبدو الولايات المتحدة في قلق كبير من تنامي القوة العسكرية الصينية إلا في ما يخص التوازن المحتمل في منطقة شرق آسيا مع القوات الأميركية، فأميركا هي البلد الوحيد الذي يستطيع خوض غمار حروب ضخمة وبعيدة من حدودها، وهي الدولة الوحيدة أيضاً التي يمكنها توجيه ضربات عسكرية في أي مكان على سطح الأرض خلال ساعة زمنية واحدة عبر قواعدها العسكرية البالغ عددها 587 وتنتشر في 42 بلداً في أرجاء المعمورة، كما أن القوات البحرية والجوية الأميركية أقوى منفردة من الدول الـ10 التالية لها مجتمعة، هذا الفارق الشاسع في ميزان القوى، لم يحدث تاريخياً من قبل في أي وقت، وهو ما يجعل الولايات المتحدة مطمئنة لسنوات مقبلة عدة قبل أن تتمكن الصين من اللحاق بها خلال عقدين أو أكثر.

نهج التجسس الصيني

ومع ذلك، يبدو مجتمع الاستخبارات الأميركي قلقاً من الأفعال الصينية ضد الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة وبخاصة ما يتعلق بسرقة الصين للتكنولوجيا الأميركية، فوفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، كانت هناك زيادة مذهلة بنسبة 1300 في المئة في تحقيقات التجسس الاقتصادي الصيني في السنوات الأخيرة، ويعمل المكتب حالياً على أكثر من 2000 قضية ترتبط بالصين، مع فتح قضية تجسس صينية جديدة كل 10 ساعات.

وما يثير المزيد من التوجس في واشنطن، أن الصين تتبع نهجاً حكومياً شاملاً للاستخبارات والأمن القومي إذ لا شيء محظوراً، وكل مواطن مطالب بمساعدة النظام، بسبب قانون يُلزم جميع الصينيين والكيانات الصينية، بالتعاون مع الإدارات العسكرية والأمنية ومشاركة أي تقنية أو معلومات قد تكون لديهم إمكانية للوصول إليها.

الحروب الإلكترونية

وتتمتع خدمات وشركات الأمن الصينية بمهارة عالية في سرقة التكنولوجيا من الولايات المتحدة من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب، تتراوح من الهجمات السيبرانية الإلكترونية إلى الذكاء البشري التقليدي، كما يمكن أيضاً استخدام قدرات الحرب الإلكترونية في بكين لجمع المعلومات الاستخباراتية أو استهداف عمليات في الولايات المتحدة أو التأثير فيها.

وبحسب الاستخبارات الأميركية، تستخدم الصين برامج علنية وسرية في محاولة لتشكيل البيئة السياسية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى بطريقة تراعي مصالح بكين الدولية، وعلى سبيل المثال، لم تكن روسيا وحدها التي حاولت تعزيز الانقسامات خلال الاضطرابات الاجتماعية في الولايات المتحدة عام 2020 فقد لعبت الصين دوراً كبيراً في ذلك أيضاً.

وبينما تعتبر واشنطن والعديد من الدول الحليفة للولايات المتحدة أن جهود بكين لنشر شبكاتها من الجيل الخامس (5 جي) حول العالم تمثل تهديداً للأمن القومي من قبل جميع الدول المعنية، فإن الصين تتمتع بقدرات إلكترونية قوية يمكنها توظيفها لإحداث اضطرابات محلية مؤقتة في البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة كشكل من أشكال الترهيب والتهديد أو الردع للولايات المتحدة وشركاتها الخاصة التي تتولى تشغيل وإدارة نحو 90 في المئة من البنية التحتية الحيوية للولايات المتحدة، ما يستلزم التعاون بين الحكومة والشركات والصناعات الخاصة في التعامل مع التهديدات السيبرانية.

طموحات استراتيجية

وفي حين تتشابه بعض أساليب روسيا والصين، فإن الطموحات الاستراتيجية الأكثر شمولية وبعيدة المدى لبكين هي التي تميزها عن موسكو وتقلق كبار مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأميركية.

وبينما يقول بعض الخبراء إن أفضل استراتيجية أميركية تجاه الصين هي الاعتماد على مجموعة من الدول الأخرى لكبح جماح بكين وطموحاتها الاستراتيجية، إلا أن آخرين يعتبرون أن بكين لا تهدد واشنطن بشكل مباشر على الرغم من المشاعر المحمومة المعادية للصين التي تنتشر الآن في واشنطن.

نقطة ضعف

ويستند هؤلاء إلى أن نقطة الضعف الأكبر في جمهورية الصين الشعبية هي جغرافيتها، ذلك أن الصين محاطة بأكثر من 12 دولة، معظمها كان في صراع أو على خلاف مع بكين، فعلى مدار القرن الماضي، دخلت بكين في حروب مختلفة مع فيتنام، وروسيا (الاتحاد السوفياتي)، وكوريا، واليابان، والهند، والفيليبين، ولا يزال الخلاف ساخناً مع نيودلهي حتى أشهر ماضية.

ومقارنة بذلك تتمتع الولايات المتحدة، بجيرة هادئة مع المحيطات شرقاً وغرباً ومع كندا، والمكسيك في الشمال والجنوب، وجيران مسالمين في شمال وجنوب المحيط الهادئ.

ويضيف هؤلاء أن القوة العسكرية الأميركية تفوق بكثير القوة العسكرية للصين، كما أن بكين لا تلحق بركب الإنفاق العسكري الذي يجعلها قوة عسكرية منافسة، فقد بلغت النفقات العسكرية للصين في العام الماضي نحو 250 مليار دولار، أي ما يعادل 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما أنفقت أميركا 785 مليار دولار أي 3.8 في المئة.

نظرية أسبرطة أثينا

وفيما عزا المؤرخ اليوناني القديم ثيوسيديدز حرب أسبرطة وأثينا (431-404 قبل الميلاد) إلى الصراع الحتمي بين القوة الصاعدة وتمثلها أثينا، والقوة الحاكمة المهيمنة وتمثلها أسبرطة، يعتبر بعض علماء السياسة الدولية أن هذه النظرية تنطبق على المواجهة الحتمية بين الصين كقوة صاعدة والولايات المتحدة كقوة حاكمة مهيمنة.

لكن أصواتاً أخرى في الولايات المتحدة ترى أن الحرب بين الصين والولايات المتحدة ليست حتمية بل يجب مقاومتها بشدة لأن التعاون بين البلدين ضروري للغاية لحل مشكلات عالمية عديدة مثل تغير المناخ والصحة العالمية والنمو المستدام والعديد من مشكلات العالم الأخرى، ويخشى هؤلاء من أن أية أيديولوجية إمبريالية تخلق عدواً لتبرير التضحيات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الهائلة اللازمة للحفاظ على الهيمنة العالمية، وإذا كان هذا العدو في السابق هو الاتحاد السوفياتي، فإن من يحتل الآن دور العدو هي الصين، وهو أمر خطير على مستقبل العالم ومصالح بلدانه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل