Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخوف من الكلفة الاجتماعية لاتفاق محتمل بين تونس وصندوق النقد

قد تسهم الأزمة السياسية وغياب الاستقرار الحكومي في عدم نجاح المفاوضات بين الطرفين

رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي ملتقياً السفير الأميركي دونالد بلوم في 22 أبريل الحالي (صفحة رئاسة الحكومة على فيسبوك)

يتوجّه وفد حكومي تونسي في بداية مايو (أيار) المقبل، إلى الولايات المتحدة لبدء جولة جديدة، من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وطرح برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تنوي الحكومة التونسية تطبيقه، مقابل الحصول على خط تمويل الموازنة الحالية للبلاد التي تعاني أزمة مالية حادة.

واعتبر وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسي، علي الكعلي أن "الهدف من هذه الزيارة هو إقناع كل من صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، بضرورة مساعدة تونس، في برنامجها لإصلاح الاقتصاد الوطني، ومرافقتها في هذه الإصلاحات، وكذلك دعم العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة في مختلف المجالات".

فما هي أسباب لجوء تونس مجدداً إلى صندوق النقد؟ وما هي الكلفة الاجتماعية للإصلاحات والشروط التي سيفرضها الصندوق على تونس؟

لا خيار إلا الصندوق

تباينت المواقف إزاء توجه تونس مجدداً إلى الاقتراض الخارجي، وهي مثقَلة بالديون التي باتت تهدّد السيادة الوطنية، فهناك مَن يرى أن البلاد مُجْبَرة على هذا الخيار، كما هناك مَن يقول إن الحلول البديلة متوافرة غير أن التحالفات السياسية الراهنة لا تسمح بها.

أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي، رأى أن "تونس ليس لديها خيار غير اللجوء إلى صندوق النقد الدولي لتمويل الموازنة"، معبّراً عن أمله في أن تنجح في إقناع الصندوق بجدوى الإصلاحات التي تعتزم تنفيذها. وأضاف أن "بعثة صندوق النقد الدولي، اشترطت موافقة الاتحاد العام التونسي للشغل، ومنظمة الأعراف، إضافة إلى توقيع الدول الشريكة لتونس على الإصلاحات، بعد أن نكثت الحكومة التي كان يرأسها يوسف الشاهد في وقت سابق، الاتفاق مع الصندوق حول تجميد الأجور، والتخفيف من عدد من المؤسسات العمومية"، مضيفاً أن "الحكومة الحالية استجابت تقريباً لكل شروط الصندوق".
واعتبر الشكندالي أن "تونس مكرَهة على الذهاب إلى الاقتراض الخارجي، بخاصة أنها مطالَبة بتسديد قرض بقيمة 7.15 مليار دينار (5.2 مليار دولار) كديون خارجية، في وقت يعرف الاقتصاد ركوداً غير مسبوق".

التجاذبات السياسية قد تؤثر

ونبّه أستاذ الاقتصاد من أن "التجاذبات بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة) في تونس قد تؤثر في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي"، مشيراً إلى أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد بصدد إرسال إشارات إلى العالم، بأن هذه الحكومة (التي يرأسها هشام المشيشي) غير مستقرّة، ما قد يدفع صندوق النقد الدولي إلى تغيير موقفه منها".

وقال "لا يمكن للصندوق أن يبرم أي اتفاق مع حكومة يعرف مسبقاً أنها غير مستقرة"، مشدداً على أهمية الاتفاق الذي سيحدّد مصير تونس، في علاقتها مع شركائها الاقتصاديين"، داعياً الوفد التونسي إلى تحسين شروط التفاوض مع الصندوق، للتقليص من حدّة الكلفة الاجتماعية للاتفاق.

رفع الدعم عن المحروقات

وتابع أن "منظومة الإصلاحات يجب أن تكون متكاملة"، لافتاً إلى أن "الحكومة بدأت في رفع الدّعم عن المحروقات تدريجاً، وهو ما ستكون له كلفة اجتماعية عالية، لأن زيادة سعر المحروقات ستؤدي إلى زيادات موازية في مواد أخرى عدة".

وحمّل الشكندالي المسؤولية "للحكومة الحالية، التي وضعت تقديرات خاطئة لأسعار النفط في العالم، في موازنة 2021، واليوم يدفع المواطن التونسي كلفة هذا الخطأ في التقدير"، داعياً الحكومة إلى "وضع قاعدة بيانات دقيقة تحدّد الفئة التي تستحق الدّعم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحلول البديلة متوافرة ولكن

في المقابل، اعتبر عبد الجليل البدوي، مدير الدراسات في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "التحالفات السياسية الحالية، تحول دون اللجوء إلى الحلول الاستثنائية"، نافياً أن يكون اللجوء إلى صندوق النقد الدولي هو الحل الوحيد لتونس. وأضاف أن "تونس تحكمها اليوم لوبيات (مجموعات الضغط) الفساد والتهريب، وكان بإمكانها أن تبتكر حلولاً أخرى، غير الذهاب إلى صندوق النقد الدولي"، محذّراً من "الكلفة الإضافية التي سيتحملها المواطن التونسي، جرّاء الشروط المجحفة التي يضعها صندوق النقد الدولي، والتي تتحمّل تبعاتها الطبقة الفقيرة والمتوسطة".

ولفت البدوي إلى أن "الحلول تكمن في مقاومة التهريب ودمج الاقتصاد الموازي في الدورة الاقتصادية، ومنع تهريب الأموال إلى الخارج، وسنّ القوانين التي تُجرّم التهرّب الضريبي".

وشدد على أن "هذه الحلول لا يمكن أن تعتمدها الحكومة الحالية، كما فشلت الحكومات المتعاقبة في توخيها لأنها عاجزة في تقديره، ولأنها متورّطة مع لوبيات التهريب والفساد، وهي تلجأ إلى الحلول السهلة، كصندوق النقد الدولي، لإثقال المديونية التي بلغت حوالى 100 في المئة من الناتج المحلي الخام".

تسريح الموظفين وخفض الأجور

وحول الكلفة الاجتماعية للاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، أكد البدوي، أن "من بين نتائجها، التخلّي تدريجاً عن الوظيفة العمومية، من خلال تسريح الموظفين، ومنع الانتدابات، علاوة على خفض نسبة الأجور من الناتج الداخلي الخام"، لافتاً إلى أنه "كان يؤمَل أن تصبح هذه النسبة 12.5 في المئة في عام 2020، بحسب نصّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لعام 2016، إلا أن نسبة الأجور من الناتج الداخلي الخام، وصلت إلى حوالى 17 في المئة في عام 2020".

وأضاف أن "عنوان إصلاح المؤسسات العمومية التي تعاني عجزاً تجاوز ستة آلاف مليون دينار (2 مليون دولار)، يعني الدفع في اتجاه تخلص الدولة من أهم المؤسسات العمومية، التي تمثل في تقدير الصندوق عبئاً على الدولة، وعلى الرغم من التزام الحكومات المتعاقبة، بخصخصة بعض المؤسّسات العمومية الكبرى، إلا أن الاتحاد العام التونسي للشغل، عارض هذا التوجّه". واعتبر البدوي أن "الإصلاح يعني ضمنياً الخصخصة، من خلال فتح رأس مال هذه المؤسسات أمام القطاع الخاص، في إطار تعزيز الشراكة بين القطاعين (العام والخاص)، علاوةً على التوجه تدريجاً إلى تقليص عدد العمال في هذه المؤسسات".

يُذكر أن تونس تواجه أزمة متعددة الأبعاد، أبرزها سياسي من خلال الصراع المحتدم بين رؤوس السلطة في البلاد، (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان)، إضافة إلى البعد الاقتصادي، إثر الركود غير المسبوق في تاريخ تونس، بنسبة نمو سلبية بحدود 8 في المئة، الذي فاقمته جائحة كورونا، وكانت له تداعيات اجتماعية وخيمة، أبرزها تنامي نسبة البطالة لتناهز 17 في المئة، وتوقعات بارتفاع نسبة الفقر في البلاد لتبلغ 19 في المئة.

وأمام هذه المؤشرات، لم يعد أمام الطبقة السياسية، إلا أن تضع مصلحة تونس فوق الاعتبارات السياسية من أجل إنقاذ ما تبقّى.