Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلطة الأراضي في غزة تدمر منازل للحفاظ على المشاع الحكومي

"أنتم تسرقون، مكان بيتكم المفترض فيه مسجد، وأنتم تجلسون على رمل ذهبي يقدر بملايين"

عائلة أحمد شنينو تجلس على بقايا ركام منزلها الذي دمرته سلطة الأراضي في غزة (إبراهيم المجايدة)

لم يكن لديها وقت للتفكير، الشرطة منتشرة في أرجاء البيت وخارجه، و"كف" الجرافة قريب جداً من حائط الغرفة التي ترقد فيها صغيرتها، دقائق وستبدأ عملية هدم منزلها، الخيارات محدودة أمام ياسمين، إمّا إنقاذ طفلتها، أو التوسل إلى الشرطي بعدم تجريف منزلها.

"سنهدم البيت، حتى لو فوق رأسك" قالها الشرطي الذي يحمل في يده الهراوة، وأيقنت ياسمين تماماً أنّ قرار تدمير منزلها لا تراجع فيه، "الله أكبر عليهم" تمتمت وهي تحاول إخراج ابنتها من الغرفة، قبل أن تنهار قواها أمام منفذ قرار هدم المنزل.

وبدأت الجرافة في مسح منزلها، عويل ياسمين وأطفالها الأربعة لا يكاد يسمعه سائق الجرافة، الذي هدم 10 منازل في غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزّة.

لا سؤال عن السبب؟

كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحاً، عندما دهمت قوّة من الشرطة، يفوق عديد عناصرها 60 مسلّحاً، برفقة كادر من سلطة الأراضي، منزل أحمد شنينو، زوج ياسمين، وأمرتهم بإخلاء المنزل، لتنفيذ عملية الهدم.

لم تسأل ياسمين عن السبب، فهي تدرك تماماً الموضوع، وسبق أنّ حرّرت سلطة الأراضي لهم ثماني مخالفات، لبناء منزل لا تتجاوز مساحته 30 متراً، مكوّن من غرفتين وحمام، وصالة صغيرة، في أرض مشاع حكومية.

بكاء بحرقة

تبكي ياسمين بحرقة، قبل أن تروي سبب إقامتهم في الأرض الحكومية "زوجي مريض وعاطل من العمل منذ بداية الانقسام، وسكنت فترة طويلة في الإيجار، حتى تراكمت الديون علينا، ولم أستطع تسديدها، فطردني صاحب الشقة، ثمّ توسلت إلى المسؤولين كثيراً، ولم أجد غير هذه الأرض الفارغة، لأقيم خيمة عليها، وبعدها شيّدت غرفة صغيرة لأسكن فيها".

لجأت أسرة شنينو إلى هذه الأرض قبل ثلاث سنوات، وزارتهم في خلالها سلطة الأراضي، وبعض الأجهزة الأمنية، وأجرت عليهم تحريات كثيرة، ثمّ سمحت لهم بالبقاء. وعلى الرغم من ذلك، أرسلت سلطة الأراضي إليهم، العام المنصرم، بعض المخالفات لإقامتهم في المكان، وعلى تلك الخلفية سُجِنَ زوجها أحمد أكثر من 35 يوماً.

عاطل من العمل

في الواقع الزوج أحمد عاطل من العمل، مثل عشرات الآلاف من العمال والخريجين الجامعيين، فنسبة البطالة في قطاع غزّة، تخطت حاجز الـ 60 في المئة، في ظلّ حالة الركود الاقتصادي، مع اشتداد أزمة تقليص الرواتب من قبل السلطة الفلسطينية. ويسير أحمد متمايلاً، الحزن على ملامحه "أنا أعمل في جمع الحجارة، (ما يعرف محلياً بالدبش)، على عربة يجرها حصان، وأقتات منها بما مقداره حوالي دولارين في اليوم، لكن حصاني مات، وأصبحت بلا عمل، الظروف في غزّة، صعبة جداً، ولا فرصة للحياة".

هدم واستفسار

ونُفّذ قرار الهدم، الذي أصدرته سلطة الأراضي، بحق أكثر من 10 بيوت، وأصبح بيت شنينو ركاماً، فوقه تعيش الأسرة منذ أيّام في الشارع العام، تواجه البرد ليلاً، والحرّ نهاراً، بلا مطبخ ولا مرحاض، ولا حتى أثاث منزلي، فذلك الأخير جرى تدميره في عملية الهدم.

وتجرأت الأسر التي هُدمت منازلها في الذهاب إلى بعض المسؤولين، من بينهم رئيس سلطة الأراضي في غزة، ماهر أبو صبحة، فكان رده "أنتم تسرقون 600 متر من الأراضي الحكومية، مكان بيتكم المفترض فيه مسجد، والأراضي وزّعت للموظفين وحقهم، أنتم تجلسون على رمل ذهبي يقدر بملايين"، بحسب ما قالته العائلات.

الأراضي الصفراء التي تسكن عليها العائلات، كانت سابقاً مستوطنات إسرائيلية، وبعد الانسحاب من قطاع غزّة العام 2005، أعيدت ملكيتها إلى الحكومة الفلسطينية، وبعد تولي حماس زمام الحكم في القطاع، مرّت بأزمات مالية كبيرة، وأصبحت عاجزة عن تسديد رواتب موظفيها ومستحقاتهم المالية.

المجلس التشريعي في غزّة، أقرّ في العام 2015 قانون توزيع أراض على الموظفين الذين لم يستلموا مستحقاتهم بسبب الأزمة المالية المستمرة، بحسب قيمة مستحقاته.

تبرير... ولكن؟

يقول رئيس سلطة الأراضي في غزّة ماهر أبو صبحة إنّ عدد سكان القطاع الأعلى في العالم، أُدرك تماماً حاجة المواطنين للسكن، لكن ذلك غير مبرر لسرقة الأراضي، لا يوجد فعلياً أراض لبناء مدارس أو عيادات صحية، بسبب حجم التعديات على المشاع الحكومي". وبيّن أبو صبحة أنّه أخذ على عاتقه وقف التعديات، مظهراً أنّ المعتدين على الأراضي يقومون ببيعها، أو البناء عليها، ولا يتمثل دوره في توفير مساكن للمواطنين.

علاج بعض التعديات

ويصّر أبو صبحة على أنه سيعمل على علاج بعض التعديات التي جرت خلال الأعوام الماضية، وينفي تماماً قوله إنّ هذه الأراضي ستكون تعويضاً للموظفين، ولفت إلى أنها أصبحت نادرة، ولم يتبقَ منها سوى عشرات الدونمات بسبب التعديات.

وأكّد أنّ عملية تعويض الموظفين متوقفة منذ سنوات، بعد بدء تنفيذ المصالحة الفلسطينية في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، نافياً أنّ تكون الأراضي التي أزيلت التعديات منها لا تقع ضمن التي خصصت لتعويض الموظفين.

المزيد من تحقيقات ومطولات