Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علي عبدالله صالح (7)

الأمير عبدالله والتويجري... وظهور احمد علي

الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح (سبأ اون لاين) 

خلال الفترة التي تلت حرب صيف 1994 انشغل "الرئيس" لايجاد معالجة للملف الحدودي مع السعودية وكان يرى في التخلص منه قضية حيوية لاستقرار العلاقات مع المملكة واستمرار حكمه لفترة طويلة، وقدرها خطوة ستسهم في تثبيت أوضاع البلاد، ولم يكن هناك ما يؤرقه داخليا بعد الحرب، ولم يبدِ أي حساسية تجاه ما كان يصله من أخبار عن حالات التذمر في الجنوب وكان يراها أمراً يمكن التعامل معه أمنيا، تاركاً شأنه لنائبه (الرئيس) هادي ومساعده الأقرب قائد "الفرقة" العميد علي محسن الأحمر.

كان صالح وتنظيمه السياسي (المؤتمر الشعبي العام) في حالة التماهي الكامل مع شريكه الأساسي حزب الاصلاح ذي التوجهات الدينية قبل وأثناء وبعد الحرب، لكنه بنصيحة والحاح من عبدالكريم الإرياني وعبدالعزيز عبدالغني ويحي المتوكل يسر انعقاد اول اجتماع للجنة المركزية للحزب الاشتراكي في شهر سبتمبر (أيلول) 1994، وكان هدف هذه المجموعة الليبرالية هو تخفيف الضغوط على الحزب الاشتراكي وانعاشه لإضعاف العلاقة العضوية بين صالح و"الإصلاح" الذي كانت قياداته تدعو الى إقصاء "الحزب" نهائياً من الحياة السياسية، وتزامن ذلك مع دعوات أميركية لتطبيع الحياة السياسية داخل البلاد، وخصوصا في الجنوب، وعدم ترك الساحة حكراً على التيارات الدينية.. وهكذا انعقدت اللجنة المركزبة وانتخبت الراحل علي صالح عباد "مقبل"، أمينا عاما لها بدلا عن علي سالم البيض، إلا ان القيود التي فرضتها الأجهزة الأمنية ومصادرة مقار "الحزب" واحتجاز أمواله والتعسف تجاه أعضائه، كانت عوامل لم تسمح بنشاط طبيعي للحزب.. ومع ذلك تمكن "مقبل" من الحفاظ على الحد الأدنى لنشاط وحيوية "الحزب".

كان من المعروف لليمنيين وللمتابعين لتفاصيل العلاقات بين اليمن والسعودية أنها كانت ضمن الإشراف المباشر لـ"لأمير سلطان" وزير الدفاع منذ بدايات الحرب الأهلية التي تلت قيام الجمهورية في 26 سبتمبر 1962، وتم لأجل ذلك إنشاء (اللجنة الخاصة بمجلس الوزراء) ترأسها بنفسه لمتابعة مجريات الحرب واتخاذ القرارات دون التقيد بالروتين الحكومي، ثم انتقلت مسؤوليتها الى "الأمير نايف" وزير الداخلية، وكانت تضم في عضويتها ممثلين عن كل الوزارات السيادية، وكان أشهر من تولى القيام بأعمالها هو المستشار بالديوان الملكي السيد "مصطفى ادريس"، وكان أشبه بـ"المخزن" الذي يحتوي كل ما يتعلق باليمن رجالا وسياسة ومواقف ومعلومات... ولم يكن "صالح" مرتاحاً للتواصل بعيدا عن عينيه بين "اللجنة" والكثير من كبار رجال القبائل الشمالية الذين اعتادوا احتكار العلاقات بين البلدين وانها يجب ان تمر عبرهم، وقد فهمت لاحقا من الدكتور "الإرياني" ان احد كبار المشايخ عاتب صالح على ما قال انه "اقتحام مصطفى نعمان" لساحة كان يراها حكرا عليه فيما يخص العلاقة مع المملكة.

بدا "صالح" مطمئنا بأن باباً خلفياً بعيداً عن اللجنة الخاصة يمكن فتحه ليتواصل مع ولي العهد "الأمير عبدالله" بعيدا عن القنوات المعروفة، خصوصا بعد المكالمة التي أجريتها مع "الشيخ التويجري" من دار الرئاسة في شهر رمضان (فبراير 1995) ولم يكن مطلعاً على الأمر في بداياته – حسب علمي - الا الدكتور الإرياني وعبدالعزيز عبدالغني، لكنه بقي حذرا في التواصل مع "الأمير" الذي صار صاحب القرار الأول كما هي تقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية حيث يكون رأس السلطة هو صاحب القول الفصل في شؤونها.. وأدرك "الرئيس" انه يستطيع استخدام علاقتي بالراحل الشيخ عبد العزيز التويجري التي هي أصلا امتداد لعلاقة "الشيخ" بوالدي، وكان يتعامل معي كواحد من أبنائه الذين هم ايضا كانوا يرون في النعمان أباً لهم، وكان منزله مفتوحا لي في كل زيارة اذهب فيها الى الرياض، ولم أكن أشعر الا كواحد من افراد أسرته الأقربين، وجاءت تسمية ابني عبدالعزيز تقديرا مني لعاطفته وصداقته ورعايته لوالدي، ونصحه الدائم واهتمامه ومتابعته لي، وحبي له ومكانته في نفسي، وكان معروفا عند الجميع في داخل المملكة وخارجها بحكمته ورؤيته العروبية، وأنه الأقرب الى ولي العهد "الأمير" عبدالله ورفيقه منذ بدايات تشكيل الحرس الوطني وظل الرجلان الى جوار بعضهما الى ان توفى الله التويجري.

في منتصف سبتمبر 1995 كنت عند "الرئيس" صباحاً، وكان عائدا في الليلة السابقة من زيارة الى الحديدة وقبل انتهاء المقابلة سألته ان كان بلغته أخبار حادثة الاعتداء على واحد من كبار ضباط الشرطة بعد ان هاجم منزله مسلحون يتبعون شيخاً قبلياً، بسبب خلاف اداري وقع بينهما اليوم السابق.. نفى صالح علمه بالأمر واستدعى شاباً ليسأله عن الأمر، فأكد له ان التقرير الأمني قد ثبت الحالة في المساء.. ولما انصرف الشاب، سـألته ان كان هذا نجله احمد، الذي كان اسمه قد بدأ في الظهور على سطح السياسة اليمنية بعد عودته من الولايات المتحدة حيث كان يدرس.. فأكد ذلك، فسألت "الرئيس" عن الموقع الذي يفكر فيه لنجله الأكبر، فقال انه لم يقرر بعد.. اقترحت عليه إرساله الى الأمم المتحدة لعام أو عامين ليقترب من المشهد الدولي، وكيفية صنع القرار واخراجه، وان يكون الى جوار الراحل السفير عبدالله الأشطل مندوب اليمن لدي المنظمة الدولية.. صمت صالح ثم رد بحسم (سيلتحق بالجيش)، وهو ما حدث بالفعل، إذ أرسل احمد بعدها الى الأردن حيث تخرج في إحدى الكليات العسكرية المرموقة فيها.

بعد أسابيع قليلة طلبني صالح الى دار الرئاسة، ووجدت معه الدكتور الإرياني الذي اخرج ورقتين من حقيبته وسلمني إياهما لقراءتهما.. وكانتا مطبوعتين دون ان تكونا موجهتين لأي مسؤول، وبدون توقيع وعلى ورق عادي لا يحمل شعار الدولة وهو ما يعرف دبلوماسيا ب Non Paper، وكان المحتوى عدة نقاط تؤكد الرغبه في البدء بحوار جاد دون شروط مسبقة لتسوية الخلاف الحدودي بين اليمن والسعودية، وضرورة وقف تدخلات "اللجنة الخاصة" في الشأن اليمني، ونقاط أخرى عن الاستعداد لتعزيز العلاقات بما يخدم البلدين على قدم المساواة.. وفي نهاية المقابلة طلب مني صالح إيصال الرسالة الى الشيخ التويجري وان له إما عرضها على "الأمير" او تمزيقها ان وجد انها غير صالحة.

غادرت صنعاء صباح اليوم التالي الى عاصمة عربية ومنها اتصلت بالشيخ التويجري، وأخبرته اني أحمل رسالة خاصة من الرئيس صالح الى الأمير.. طلب مني الانتظار لساعات ليعطيني ردا.. وبعدها اتصل وقال إن أحد مساعديه سيصل لمقابلتي واستلام الرسالة.. وصل المبعوث في اليوم التالي وسلمته الورقتين، وطلب مني ألا أغادر الى ان يصل الى الرياض ويبلغني بالرد.. وانتظرت الى حين أبلغني بأن الرسالة وصلت الى ولي العهد وان جوابا عليها سيصل خلال أيام، وعدت الى صنعاء وأبلغت "الرئيس" بتفاصيل ما حدث.. وكانت بداية الاتصالات غير المعلنة بينهما لتسوية ملف الحدود.

(وللحديث بقية).

المزيد من آراء