Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجتمع الدولي يفتقد الشريك اللبناني الحكومي لتفادي الانهيار

هيل يزور بيروت ولافروف في القاهرة وطهران والحريري إلى موسكو والفاتيكان

مظاهر عديدة للاهتمام الدولي بتطورات الوضع في لبنان ستبرز خلال الأيام المقبلة (أ ف ب)

التحركات الدولية والعربية في اتجاه لبنان تتواصل وتتكثف على الرغم من عدم نجاحها عند اتخاذها أحياناً شكل مبادرات مثل المبادرة الفرنسية، أو تدخلات أو نصائح أو ضغوطاً من أجل تسريع قيام حكومة تتولى إقرار وتنفيذ الإصلاحات البنيوية وفق برنامج مع صندوق النقد الدولي تدعمه الدول المانحة، فكلما ازداد الاهتمام الخارجي بلبنان كلما اكتشفت عواصم الدول المعنية مدى تعقيدات الأزمة التي يغرق فيها البلد. 

المجتمع الدولي يبدي اهتماماً بإنقاذ لبنان من الحفرة الاقتصادية التي أوقعته الطبقة السياسية فيها، لكن الدول القادرة والنافذة تفتقد إلى "شريك" يعمل معها من أجل الإنقاذ، ولجعل لبنان في وضع آمن على كل الصعد، لأن هناك حدوداً للمؤسسات التي تعنى بمساعدة القطاعات اللبنانية المختلفة المتضررة من التدهور الاقتصادي ومن إفلاس مالية البلد، مهما قدمت من مساعدات إنسانية وإغاثية، خصوصاً بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) الماضي. هذه المشكلة الكبرى التي تعاني منها البعثات الدبلوماسية الأجنبية في بيروت، التي تقدم دولها مساعدات لمؤسسات لبنانية تشكل ركيزة الدولة مثل الجيش اللبناني، تبحث عن اللاعبين المحليين القادرين على مشاركتها في الإنقاذ، كما أكد أكثر من دبلوماسي لـ "اندبندنت عربية".

زيارة هيل: عودة للاهتمام؟ 

وإذا كان موضوع تمويل رواتب الجيش مثالاً صارخاً على محدودية ما يمكن للدول أن تقوم به في حال الانهيار الكامل، على الرغم من مواصلتها دعمه بالعتاد والتدريب والتقنيات، في ظل غياب حكومة بصلاحيات كاملة، فإن أسئلة كثيرة تطرح حول التصور الدولي للتعاطي مع لبنان إذا بقي الفراغ الحكومي على حاله. وفي انتظار درس الاتحاد الأوروبي للإجراءات التي أشار إلى نيته اتخاذها ضد معرقلي الحكومة، يترقب بعض الوسط السياسي والرسمي زيارة وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى بيروت خلال الساعات المقبلة، فالمسؤول الأميركي الذي سينتقل قريباً من الإدارة إلى عمل خاص يقوم بآخر زيارة له إلى المنطقة من أجل العودة بتقرير إلى الإدارة الجديدة التي تعيد رسم سياستها الشرق أوسطية، وهو خبِر لبنان منذ النصف الثاني من التسعينيات مستشاراً سياسياً ثم قائماً بأعمال السفارة، ثم سفيراً وصولاً إلى منصبه العالي الأخير في الخارجية، وبالتالي يدرك تفاصيل تداخل العوامل الداخلية مع العوامل الخارجية لأزمته السياسية والاقتصادية والمالية كافة. 

تتوزع المقاربات للزيارة على اتجاهين، الأول يقول بأن واشنطن أعادت تقويم موقفها إزاء لبنان، وانتقلت من اللامبالاة حياله وتسليمها للدور الفرنسي فيه والاكتفاء بدعم مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون الإنقاذية، إلى العودة للاهتمام به نظراً إلى أن انهياره الاقتصادي واضمحلال الدولة فيه يحمل أخطاراً كبيرة لها أبعاد إقليمية، بدءاً من تحوله إلى ساحة تستقطب التطرف وتجذب إليه "داعش" و"القاعدة"، وتؤدي إلى توسع نفوذ "حزب الله" فيه أكثر، بحيث يسيطر عليه في شكل كامل يدفع اللاجئين للانتقال إلى أوروبا. ولذلك لا بد من أن تضغط واشنطن من أجل الحلول وإنقاذ البلد من الانهيار الكامل، وهيل يزور بيروت لاستكشاف ما يمكن للإدارة أن تقوم به على هذا الصعيد. وعبر عن هذه القراءة في ندوة مغلقة عقدت قبل أيام مع الباحث اللبناني الأميركي في "معهد واشنطن للشرق الأوسط" بول سالم، متوقعاً أن تسعى واشنطن إلى دعم المعالجة للأزمة الاقتصادية على أن يبدأ ذلك هذه السنة، وتترك معالجة عناوين الأزمة السياسية إلى العام 2022، نظراً إلى أنها ستشهد الانتخابات النيابية ثم الرئاسية.

ويعتبر مصدر سياسي مقرب من أحد كبار المراجع في بيروت أن الزيارة دليل إلى أن النظرية القائلة بأن واشنطن غير مهتمة بلبنان غير صحيحة، وأن المسؤول الأميركي سيتناول، كما تردد الأوساط السياسية كافة، موضوع جمود مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بعدما طرح الوفد اللبناني المفاوض خريطة جديدة لحقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر، تضيف أكثر من 1403 كيلومترات مربعة إلى حقوق لبنان المتنازع عليها، والتي كانت سابقاً محددة بـ860 كيلومتراً مربعاً، وقد انطلقت المفاوضات بوساطة أميركية مطلع الخريف الماضي لمحاولة إيجاد تسوية حولها.

تعقيد التفاوض على الحدود البحرية 

لكن المصدر نفسه أوضح لـ "اندبندنت عربية" أن علينا نحن اللبنانيين أن نلاقي الاهتمام الأميركي بوضعنا إما على مفترق تشكيل حكومة ذات صدقية كما يسميها الدبلوماسيون الأميركيون، أو على مفترق التفاوض على الحدود البحرية مع إسرائيل، في وقت تمت ملاقاة المسؤول الأميركي بموقف متشدد في هذه المسألة بتوقيع وزير الأشغال ميشال نجار على مرسوم تعديل الحدود البحرية للمطالبة بزيادة حقوق لبنان البحرية، ورفعه لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب للتوقيع عليه، على الرغم من نصائح أميركية بعدم إصدار هذا المرسوم لأنه يعقد التفاوض مع إسرائيل.

أما القراءة الثانية للموقف الأميركي، فهي وإن كانت ترى أن الزيارة استكشافية أيضاً، تعتقد أن تهيؤ الجانب الأميركي لرسم سياسته الشرق أوسطية الجديدة لا يعني العودة إلى الاهتمام بلبنان، مع أن هناك "لوبي" لبناني في واشنطن يدفع في هذا الاتجاه، فالزيارة تتم في وقت تقوم استراتيجية الأمن القومي الأميركي لإدارة الرئيس جو بايدن على تقليص وجود بلاده، لا سيما العسكري في سوريا والعراق والخليج، من أجل التركيز على الصراع مع الصين والتأزم مع روسيا وتعزيز التنسيق والتحالف مع أوروبا، والتعاطي مع الملف النووي الإيراني. 

ويرجح أصحاب هذه القراءة أن يكتفي هيل بالاستماع إلى من سيلتقيهم من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين، وإلى تكرار النصيحة بتشكيل حكومة قادرة على التفاوض سريعاً مع صندوق النقد الدولي على تنفيذ برنامج إصلاحي مدعوم منه، ويقنع المجتمع الدولي بتقديم الدعم. لكن هيل سيكتفي بذلك وسيكون لسان حاله في حال لم يقم الجانب اللبناني بما عليه، "تدبروا أموركم". 

ويرى سياسي لبناني على تواصل مع الجانب الأميركي أن توقيع مرسوم تعديل خريطة الحدود البحرية لرفع مساحة الحقوق اللبنانية قبل ساعات قليلة من وصول هيل سيكون له أثر سيئ على الزيارة.

موسكو تستقبل الحريري 

لكن مظاهر أخرى للاهتمام الدولي بتطورات الوضع في لبنان خلال الأيام المقبلة، منها الزيارة المرتقبة للرئيس المكلف سعد الحريري إلى موسكو، والتي تسبق زيارته المعلنة إلى الفاتيكان في 22 أبريل (نيسان)، فالحريري سيلتقي الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف في روسيا. واستقباله على الرغم من أنه ليس رئيس حكومة مكتملة الصلاحيات، بل مكلف بتشكيل الحكومة، تعبير صريح عن دعم القيادة الروسية لخيار طرحه الحريري وأكدت الخارجية الروسية مراراً مساندتها له، أي تأليف حكومة اختصاصيين غير حزبيين من دون حصول أي من الفرقاء السياسيين على الثلث المعطل فيها، حتى لا تحصل عرقلة لمهمتها بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي في سرعة. 

وتوصلت موسكو إلى قناعة من خلال اتصالاتها الأوروبية ومع الجانب الأميركي أيضاً، ومع الدول العربية الخليجية، بأن أياً من هذه الدول لن يوفر مساعدات مالية عاجلة للبنان يحتاجها بقوة إذا لم تكن صيغة الحكومة كما يطرحها الحريري. وفي وقت ينظر مراقبون إلى تحديد موعد للحريري وهو ما زال في خلاف مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على صيغة تأليف الحكومة، على أنه دعم لوجهة نظره، فإن استقباله كأنه رئيس للحكومة إشارة ضاغطة على الفريق الرئاسي الذي سعى في الآونة الأخيرة إلى إقناع المسؤولين الروس بوجهة نظره، وأن الحريري يسعى إلى ضرب صلاحيات رئيس الجمهورية كموقع مسيحي أول في السلطة عبر حرمانه من تسمية الوزراء المسيحيين، ويصنف الفريق الرئاسي زيارات الحريري الخارجية بأنها مضيعة للوقت وهرب من تشكيل الحكومة.

موسكو تستقبل قيادات لبنانية بينها جنبلاط وباسيل

لكن لزيارة الحريري إلى موسكو أهميتها، فإضافة إلى حرص بوتين على لقائه مع أن الأزمة الحكومية مستمرة، فقد سبقها بحث الوزير لافروف الوضع اللبناني مع نظيره المصري سامح شكري خلال زيارته القاهرة الإثنين في 12 أبريل.

وكرر شكري الذي كان التقى كبار المسؤولين والقادة السياسيين اللبنانيين خلال زيارة لبيروت في 7 أبريل، أن بلاده تأمل بتشكيل حكومة اختصاصيين تخرج لبنان من أزمته، فيما أعلن لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع شكري أن موسكو تنتظر زيارة الحريري "خلال الأيام المقبلة". وقال إنه سيتم أيضاً استقبال ممثلين آخرين للقوى السياسية اللبنانية الرئيسة في موسكو. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكانت الخارجية الروسية وجهت دعوة إلى رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية لزيارة روسيا. ورجح مصدر سياسي لبناني على صلة بالمسؤولين الروس أن يكون في عداد من ستستقبلهم موسكو رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.

وقال وزير الخارجية الروسي "سنحثهم على إدراك مسؤوليتهم تجاه شعبهم وتشكيل حكومة تعكس توازن المصالح لجميع أطياف المجتمع اللبناني". وأضاف، "موسكو تعتقد أن الأزمة الحالية في لبنان لا يمكن حلها إلا من قبل أبناء البلد أنفسهم بمشاركة جميع الفئات السياسية والعرقية والطائفية، من دون أي وصفات مفروضة من الخارج، حتى في ظل الوعد بنوع من المساعدة المالية".

وعلمت "اندبندنت عربية" أن لافروف سيستكمل محادثاته حول الأزمة الحكومية في لبنان في طهران التي يزورها الثلاثاء 13 أبريل، حيث ينتظر أن يطرح مجدداً في لقاءاته مع المسؤولين الإيرانيين الجهود المطلوبة لتسهيل قيام الحكومة برئاسة الحريري، بعد أن كان تبلغ من نظيره محمد جواد ظريف معارضة الجانب الإيراني لحصول أي فريق على الثلث المعطل في الحكومة، وسيبحث معه استكمال الجهود من أجل إزالة العقبات أمام ولادتها. 

الحريري ولقاء البابا

أما الزيارة المرتقبة للحريري إلى الفاتيكان واستقبال البابا فرنسيس له كما أعلن مكتبه الإعلامي، فهي تكتسب دلالتها، مثل زيارة موسكو، من أن الكرسي الرسولي وافق على لقاء زعيم "المستقبل" بعد مضي أسبوعين من طلبه الزيارة، في خرق للبروتوكول البابوي الذي يقوم على استقبال رؤساء الدول ورؤساء الحكومات. 

وسيشمل برنامج زيارته لقاء أيضاً مع وزير الدولة (رئيس الوزراء) في الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين. وتعتبر مصادر مواكبة للزيارة أن استجابة البابا إشارة إيجابية في الظرف الاستثنائي الذي تمر فيه الأزمة اللبنانية، بخاصة لأن للفاتيكان دوراً عبر الكرادلة الذين يعينهم البابا في العواصم الكبرى، ويشكلون شبكة دبلوماسية واسعة النفوذ تتيح له التنسيق مع الدول المعنية بالوضع اللبناني، فهو حالياً ينسق عن قرب مع المسؤولين الفرنسيين حول الوضع اللبناني ويستطيع رفع مستوى هذا التنسيق وتوسيعه مع الدول الأخرى استناداً إلى قلقه على لبنان لما يمثله من رسالة وفق قناعات الفاتيكان، كما أن البابا مطلع على التواصل الدائم والتلاقي في المواقف بين الحريري والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي حيال الأزمة الحكومية، وهو يطلعه دورياً على العراقيل التي تواجه ولادة حكومته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير