Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جواد الأسدي: المسرحيون العرب يعيشون عزلة منذ سنوات

يعود إلى دمشق بعرض جديد ويرى أن المسرح سيكون الضحية الأولى لوباء كورونا 

المخرج العراقي جواد الأسدي عاد إلى دمشق ليقدم مسرحية جديدة (اندبندنت عربية)

بين بغداد ودمشق وبيروت تمتد خشبة مسرحه التي ما فتئ جواد الأسدي يتنقل بين كواليسها الاجتماعية والسياسية، نابشاً في كوابيسها وأحلام أناسها، ومنقباً في متاهات شخصياتها وأقنعتها الدرامية منها والحياتية، جاعلاً فن المسرح مرادفاً لفلسفته في الإخراج المسرحي. هذه الفلسفة كونها عبر سنوات طويلة من الدأب والبحث المضنيين، ناهلاً من معين معرفي وجمالي لا ينضب، ومطلاً في الآن ذاته على عيون النصوص في المسرح العربي والعالمي، ناسجاً بيديه زاوية نظر مغايرة في قراءة النص، وكتابته، وإعداده للفرجة العامة.

المنصة الأولى التي انطلق منها المخرج والكاتب العراقي كانت خشبة أكاديمية الفنون في بغداد، والتي قدم عليها عرض تخرجه "الليلة نلعب" عام 1972 عن نص للكاتب السوري وليد إخلاصي. لكن العرض الذي أطل منه على رؤيا فنية أكدت حضوره في فن الإخراج المسرحي- كما يخبرنا - كانت مسرحية "الحفارة" عام 1979. العرض هذا حققه مع فرقة المسرح العمالي في دمشق، عن نص للكاتب الروسي أليكسي أربوزوف (1908- 1986) ولعب بطولته آنذاك كل من "بسام كوسا، ونجاح العبد الله، وموفق الزعيم، وسليم تركماني، وصبحي الرفاعي، وندى حمصي".

يستذكر الأسدي تلك الأيام بشغف كبير "لقد فكرتُ ملياً في استعادة المدينة التي تركت في نفسي أثراً عميقاً من ناحية المكنوز الثقافي والجمالي. حقيقة الأمر أريد أن أقول إنني ابن المسرح السوري، فلقد ترعرعت وأزهرت عروضي لأول مرة في الحياة الثقافية السورية. ودمشق اليوم وبرغم ما وقع عليها من ألم ومرارة ووجع، تظل مدينة حياة ومعرفة وثقافة. فمنذ أيام وأنا في دمشق أستعيد النوافذ والشرفات والشوارع التي مشيت على أرصفتها، أستعيد المقاهي والمسارح والبيوت التي دخلتها في سابق السنوات. باختصار صرتُ أمشي في الشام وأصفرُ، كما لو أنني أغنّي بيني وبين نفسي".  

مسار مسرحي

أخرج الأسدي للفرقة العمالية أيضاً "ماريانا بينيدا" عن نص الإسباني فيدريكو غارسيا لوركا (1898-1938) و"حكاية زهرة البغدادية" عن نص من تأليفه. هذه العروض رسخت حضوره اللافت في الحياة الثقافية السورية مطلع ثمانينيات القرن الفائت. يعلق الأسدي على تلك الأيام ويقول "شعرتُ وقتها كأنما دمشق المدينة فتحت لي أبوابها السبعة، دمشق شارع بغداد ومسرح القباني والحمراء، وبيوت أصدقائي ممدوح عدوان، وفواز الساجر، وسعد الله ونوس، وسعيد حورانية، وسعيد مراد، وسعيد البرغوثي، هؤلاء الذين كانت لقاءاتي بهم شبه يومية. وكانت تنطلق من تلك الأمسيات الشامية الدافئة حوارات لا تنتهي، ومساجلات ثقافية وفكرية ومعرفية ما زالت ترن في أذني أصداء ضحكاتها وأصوات من حضروها، لتتبلور فيما بعد خطوتي التالية على الأرض السورية، والتي تمثلت في تجربتي مع فرقة المسرح الوطني الفلسطيني في عرض "العائلة توت" عن نص للكاتب الهنغاري استيفان أوركيني (1912- 1979)، بحيث حققت هذه التجربة مع كلٍ من زيناتي قدسية، وعبد الرحمن أبو القاسم، ومفيد أبو حمدا".

 تتالت بعدها تجارب جواد مع المسرح الفلسطيني في عرضين هما "ثورة الزنج" عن نص للكاتب معين بسيسو (1928- 1984)، و"خيوط من فضة" (الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج- 1985). وتوج الأسدي تجربته الفلسطينية بعرض "الاغتصاب" عام 1990 عن نص اقتبسه سعد الله ونوس، وفيه فكك ابن حي الكرادة البغدادي عبر بنية درامية نفسية طبيعة العلاقة بين الجلاد والضحية وتبادل الأدوار بينهما. وكان هذا العرض بمثابة حدث فني كبير في الحياة الثقافية العربية، ولقي ترحيباً مثلما واجه نقداً إيديولوجياً في كل من دمشق وبيروت والقاهرة. وانضم بعده صاحب كتاب "مسرح النور المر" (الفارابي- 2015) إلى أسرة المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وحقق لفرقته ثلاثة عروض هي "مغامرة رأس المملوك جابر" عن نص لسعد الله ونوس و"ييرما" عن نص للوركا، و"تقاسيم على العنبر" عن قصة "العنبر رقم ستة" لأنطون تشيخوف، وفيها جميعاً حقق الأسدي معادلة جديدة مع الممثل على الخشبة، تاركاً المساحة حرة لاكتشاف قدرات وملكات خلاّبة لطلابه، يكون فيها المخرج في قلب اللعبة المسرحية، وجنباً إلى جنب مع التأليف وصياغة الفضاء المسرحي.

علاقة هذا الفنان والكاتب مع دمشق علاقة لا تنتهي، كان قد ختمها عام 2006 بعرضٍ للذكرى وكان بعنوان "حمام بغدادي" عن نص من تأليفه، وبطولة كلٍ من فايز قزق والراحل نضال سيجري (جائزة أفضل تمثيل في مهرجان القاهرة التجريبي). ويعود الأسدي اليوم إلى دمشق، حاملاً مشروعه الجديد "أنسوا هاملت"، النص الذي كتبه، أخيراً، عن محنة المثقف العربي، وأزمته الوجودية في عالم مضطرب يطالبه بصكوك غفران، ويدقق في فئة دمه السياسية والدينية. وعن هذه العودة يقول جواد الأسدي "للأسف الشديد، وبعد أن انتهيت من تقديم عرض "الاغتصاب" غادرتُ دمشق إلى بيروت، ولم أستطع أن أكون شاهداً حقيقياً على السنوات العشرين التي غبتُ فيها عن الشام. لكن ورغم كل التهدم الذي حدث في الحياة العامة، ورغم واقع الحرب الذي كان ولا يزال يأكل قلب دمشق التي تعرضت لعملية كسر ظهر. أقول رغم هذا كله، شعرت منذ وصولي إلى هذه المدينة أن ثمة دماً مسرحياً وثقافياً جديداً يتفتق من شباب ممثلين ومخرجين جدد، وهناك فنانون يقدمون أعمالهم وعروضهم في دار الأوبرا، وأستوديوهات المعهد المسرحي، وخشبة المسرح القومي. فرغم هذه العاصفة السوداء التي مرت، فإن المثقفين هنا يقاتلون بشراسة من أجل استعادة النهوض مرةً أُخرى. لا شك أن العديد من المثقفين والفنانين غادروا سورية، وهناك من اعتزل، أو رحل، لكن ما لاحظته بعد طول غياب أن إيقاع الحياة الثقافية متدفق وعنيف".

بيروت مدينة الحرية

كان الأسدي من جملة المخرجين العرب الذين شهدوا مرحلة صعود عروض "مسرح بيروت" في عين المريسة، المكان الذي يطلق عليه الأسدي "بيت السحر والجمال"، إذ كان لمسرح بيروت إمكانيات عبقرية في جذب مخرجين كبار من أمثال فاضل الجعايبي وتوفيق الجبالي وعز الدين قنون. يعود المخرج العراقي إلى تلك الأيام ويقول "لحسن الحظ كنتُ واحداً من هؤلاء الذي فتنتهم بيروت، فقدمتُ على مسرحها الشهير عرضين هما (تقاسيم على العنبر) و(الاغتصاب)، وهذا العرض كان قد أحدث دوياً هائلاً في الأوساط الثقافية اللبنانية. ثم أسست (مسرح بابل) في شارع الحمراء، وقدمتُ العديد من العروض مع ممثلين وفنانين لبنانين، كان أبرزها (نساء الساكسفون) عن نص (برناردا ألبا) للوركا، وبالتعاون مع عايدة صبرا وجاهدة وهبة، ورفعت طربيه، ونادين جمعة، وإيفون هاشم. فكانت (نساء الساكسفون) بالنسبة لي بمثابة تأسيس حياة مسرحية مجاورة للحياة المسرحية السورية، وأفق لرؤيا أكثر معاصرةً ونضجاً".

تتالت بعدها عروض الأسدي البيروتية، فأخرج مسرحية "الخادمتان" عن نص الفرنسي جان جينيه (1910- 1986) وبشراكة مع كلٍ من رندة أسمر، وجوليا قصار، ورينيه ديك. وعن خصوصية تلك التجربة في مسرح بابل نسأل الأسدي ويجيب "مسرح بابل كان بالنسبة إليّ حلماً عظيماً للتخلص من سطوة مؤسسات الدولة هنا وهناك، أن أكون حراً باختيار النص المناسب لي وللناس، وأن أعبر عن وجهة نظري الحقيقية في تعرية الواقع العربي والإنساني. هذا أمر في غاية الأهمية والروعة. تخيل أن تكون خارج القيود الاجتماعية والسياسية التي تفرضها عليك المؤسسة الرسمية. خصوصاً أن بيروت كانت مدينة حرية، مدينة بطبعها تتلقف الحار والمختلف، إضافة لخبرات فنانيها ومثقفيها الجمالية والبصرية المختلفة في سياقاتها ودربتها عن خبرات الآخرين. بيروت ومثقفوها وشغفهم الكبير في ما يخص كتابة حياة ثقافية لبنانية مختلفة. كانت بيروت في طليعة المدن العربية في ما يخص هذا الاشتغال، وفي بيروت هناك شعراء وكتّاب مسرح وممثلون كبار ساندوا التجربة، وقرأوها إبداعياً، ناهيك عن جمهور بيروت المجنون والهائل. فبيروت هي المدينة العربية الوحيدة التي يمكن لكَ أن تفتح فيها شباك تذاكر وتراهن عليه، وعلى دعمه للفن والفنانين".

ولكن كيف توقفت تجربة "مسرح بابل" ولماذا؟ يخبرنا الأسدي: "لقد وقعت تجربة "بابل" في فخ التمويل الذي يخص دفع رسوم الإيجار للمكان، فلم أستطع الاستمرار في الدفع بل في الدفاع عن المكان وحدي. لقد كان إغلاق "مسرح بابل" بالنسبة لي اغتيالاً وتدميراً لجسدي، فأُصبتُ بكآبة قاتلة وإحباط كبير، تركتُ وقتها كل شيء، وأغلقتُ المسرح وغادرتُ إلى المغرب".

تهميش المسرح

كيف يقرأ الأسدي اليوم واقع المسرح العربي، وأين يحدد جوهر الأزمة التي يمر بها؟ يقول: "جوهر الأمر هو في هذا النسيج الملتبس داخل المؤسسة الثقافية العربية، هذه المؤسسة التي لم تعطِ أهمية استثنائية كي يساهم المسرح في إعادة بناء مجتمع مدني من طراز جديد. ولذلك ظل المسرح من وجهة معظم السلطات العربية عبارة عن هامش إعلامي لا يزهر إلا عندما يطبّل للدولة ولبرامجها الإعلامية والسياسية. ولهذا ظل المسرح خارج التفويض والحياة الاجتماعية والإنسانية في بلداننا العربية". ويتابع الأسدي شارحاً "لذلك تلاحظ أن معظم المجتمعات العربية أصبحت مهزومة ومحرومة من حياة مدنية، فهناك الفكر الديني المتعصب، والشديد الانغلاق، ناهيك عن التمويل الذي كان على وجه العموم يذهب إلى كل شيء ما عدا الثقافة. ناهيك عن إغلاق عدد كبير من المسارح ودور السينما في العالم العربي، تمهيداً لإنسان عربي جديد يتباعد بشكلٍ كبير مع مفردات الثقافة والمسرح بشكلٍ حقيقي. من هنا أعتقد أن المسرح العربي يعيش منذ عشرين عاماً عزلةً قاتلة، تسببت في دفع حياة الناس في هذه المنطقة من العالم، إلى المزيد من السواد والوجع والمرارة، وكأنما الأبواب تُسد باباً بعد باب أمام حركة التنوير الفكري والمسرحي والثقافي".

من الملاحظ أن المهرجانات المسرحية العربية شهدت فوراناً في الفترة الماضية، فكيف يعلق الأسدي على هذه المفارقة؟ يقول "لديّ إحباط كبير في ما يخص سقوط المهرجانات المسرحية العربية في فخ مؤسسات الدولة هنا وهناك، من ناحية البروباغندا. فمعظم هذه المهرجانات تحول إلى ما يشبه الملعب الكبير لعدد كبير من العروض المفككة والبدائية والساذجة، ولم تعد هناك عروض عربية مزعزعة إلا ما ندر. لم يعد هناك بحث جمالي استثنائي على الخشبة، وبخاصة في الربع قرن الأخير. فمهرجانات المسرح كانت منذ عشرين عاماً في أوج جمالها المعرفي والبصري، غنيةً ببعدها الروحي، لكننا شهدنا في العقدين الأخيرين حالاً من التدجين التدريجي لإعطاء فرص لعدد غير قليل من عديمي الموهبة. إضافة إلى شح التمويل، والتغيير في بنية إدارات المهرجانات في كثير من المرات، ومجيء مديرين جهلة وأميين. وهذا ما أدى إلى سقوطٍ مدوٍ لهذه المهرجانات المسرحية في أكثر من بلدٍ عربي".

مسرح أوروبا

يستحضر الأسدي هنا سنوات دراسته في صوفيا، ونيله شهادة الدكتوراه هناك في مجال الإخراج المسرحي "كان لدي الوقت في بلغاريا لحضور مهرجانات عديدة في أوروبا الشرقية والتجول في كل من أفينيون وباريس وروما. فقد رافقت الحركة المسرحية هناك عن كثب، وتوضحت لدي فكرة مهمة جداً، وهي أن الدول في أوروبا الشرقية، وعلى الرغم من فقرها، فإن المؤسسات الثقافية فيها تمكنت من صنع مشهد ثقافي وجمالي جذب جماهير من الناس إلى شباك التذاكر. فالاعتقاد الجميل لدى هؤلاء الناس أن المسرح هو الخبز الحقيقي لحياتهم الإنسانية، وأن المسرح ما هو إلا كتابة الحياة بطريقة مغايرة للتسطيح والجهل والأمية. فالمسرح بات في عرفهم منقذاً جمالياً، يمنح الناس المزيد من اللذة مع العرض والممثلين. ولهذا فإن الكتابة والإخراج المسرحيين أثمرا في الغرب والشرق الأوروبيين، وأنتجا كبار الكتّاب من مثل تشيخوف وبيكيت وجينيه. فهذا القاموس المسرحي المتفرد هو الذي حوّل حياة الناس من حياة عادية وباهتة إلى تحضر استثنائي. وهذا ما شاهدته بأم عيني أثناء عملي في كييف بأوكرانيا مع ممثلات أوكرانيات على عرضي "نساء في الحرب" أو عملي مع ممثلين إسبان في فالنسيا في عرض "مغامرة رأس المملوك جابر". أذكر أنني عندما قدمتُ عرض "حمّام بغدادي" في إيرلندا، جاء جمهور هائل لحضوره. وما أقصده أن هناك صرحاً حضارياً عظيماً في ما يخص الفنون والثقافة الأوروبية. وعلى خلفية هذا الصرح، وبعد سنوات طويلة تأسست مجتمعات قامت على الجمال المعرفي والإنساني، والنهوض المدني ببشرها وتراثها وحضارتها. في هذا الوقت وقعت مجتمعاتنا العربية في فوضى التزوير والكذب والرشاوى، ما أوصل الإنسان العربي إلى مستوى ضحل من التدني المعرفي. ويبدو أنه ليس هناك في الأفق من إشارات واضحة لإعادة تقويم وبناء، لأنه صار للجهلة والأميين والمتعصبين المكانة الأولى في معظم مجتمعاتنا العربية".

الوحش الفتاك

فرض وباء كورونا إيقاعاً جديداً على مسارح العالم، فكادت تغلق أبوابها، واكتفت بعروض عبر الأون لاين، فما رأي الأسدي في ذلك؟ يقول: "فكرة الأون لاين هي ضد حياة المسرح الحقيقية، لأن المسرح يعيش ويزدهر مع المتفرج الذي يأتي إليه. فالممثلون والمخرج والجمهور يصنعون حواراً مباشراً، فيه لذة عالية من تبادل الأفكار. إلا أن فكرة المسرح عبر الأون لاين أتت نتيجة هذا الجُرَذ الكبير، هذا الوحش المطبوخ والملتبس الذي يُدعى كورونا، هذا الوباء العجيب الذي اجتاح العالم، وأقام حدوداً جديدة بين بقاعه المترامية. وكأنما كورونا ليس عقاباً للمسرح، بقدر ما هو عقاب للحياة، وللفقراء. لا أستطيع أن أجزم بشكلٍ نهائي أن هناك طباخين لفكرة  الوباء وهي تريد أن تحيل البشر مرةً أخرى إلى قطعان. في الماضي كانت هناك حروب طائرات ودبابات، واليوم تحولت إلى هذا النوع من حروب الأوبئة الفتاكة، وذلك للحصول على التمويل، واصطياد الثروة الجديدة ذات اللمعان الكوروني، والتي أطاحت بعددٍ هائل من الناس في شتى أرجاء الكوكب. دعني أعترف أن لديَّ إحساساً قوياً بأن طبخة سُم تُطبخ في مكان ما من هذا العالم، والضحية الأولى لها سيكون المسرح. ففكرة الحظر وحجز الناس في بيوتهم، وسياسة التباعد الاجتماعي، وعدم القدرة على التجمهر، هي في حد ذاتها فكرة نفي لروح المسرح وطبيعته. دعني أقول إن فكرة المسرح عبر الأون لاين أشبه بغريق يلوح بيديه قبل أن تلتهمه المياه إلى الأبد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن كيف يواجه المسرح كل هذا؟ يجيب "المسرح اليوم مثل عالم مسجون، فالكتابة والإخراج والتمثيل تعيش حالة من الثبات الحقيقي (الستاتيك). ونحن جميعاً مثل مخلوقات تخربش على جدار دموي. أظن أن الوضع اليوم أصبح أصعب بكثير من أي وقت مضى. لقد أسقط كورونا الحياة الاقتصادية في فخ كبير، فكيف للمسرح أن يعيش؟ ومن يمول المسرح؟ فإذا كان الناس، لا سيما في بلادنا يعيشون حالة من الجوع الحقيقي، فعن أي مسرح تتحدثون؟".

مسارح بغداد والحرب

يعيش الأسدي حالة من الاغتراب والمرارة في بلاده، ويقول في هذا السياق "أعتقد أن من وضع العراق والمسرح العراقي، بل والثقافة العراقية برمتها في هذا المأزق الخطر الذي نعيشه اليوم، هو هذه الحروب القديمة - الجديدة والمتجددة، والتي تديرها السلطات والحكومات المتتالية في العراق منذ ثلاثين عاماً حتى الآن. إننا  نشهد منذ ذلك الحين حالة من العماء المعرفي والإنساني، تلاها انهدام للشخصية العراقية التي كانت فيما مضى أنموذجاً للثقافة والوعي والكرامة والنزاهة. لقد كان الإنسان العراقي كنزاً إنسانياً عظيماً بعكس ما صار عليه الآن، وعندما أقول الآن يعني أنني اعتدتُ على تاريخ طويل من النكسات والهزائم، بدءاً من الحرب مع إيران، مروراً باحتلال الكويت، وصولاً إلى انهيار الدولة في عام 2003 مع قدوم الجيش الأميركي الذي نصّب شخصيات ملتبسة وغامضة في السلطة، فتحولت الثروة في العراق إلى رهينة في أيدي هؤلاء. وبينما يجوع العراقيون بطريقة غير مسبوقة، تُسرق ثروات العراق، والذين يسرقونها هم  للأسف أبناؤها أولاً".

لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد  في بغداد الآن جيل جديد وشاب حقيقي وساخط، ولديه الرغبة الهائلة في النهوض الثقافي والمسرحي. لكن هذا الجيل مكبّل، وكُتِب عليه أن يناطح ترسانة إسمنتية صلبة وعملاقة لا يمكن أن تتحرك، وهي جدار السلطة. هذه السلطة التي لا تجد أي معنى لفكرة المسرح، ولا أي معنى لأي شيء. لقد وضع العراق كله في سجنٍ كبير. للأسف هذا هو الواقع العراقي اليوم، ومع ذلك في أحيان كثيرة حين نلتقي كمسرحيين ومثقفين عراقيين نشعل شمعة أمل من أجل إضاءة فسحة ما من العتمة التي تحيط بنا من كل حدبٍ وصوب!".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة