Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقفل الصيدليات في لبنان؟

طرح رفع أسعار الأدوية تساؤلات وسط مخاوف المواطنين والغلاء الفاحش

يشعر اللبنانيون منذ فترة بارتفاع محدود في أسعار الأدوية (رويترز)

حتى اليوم، أقفلت 600 صيدلية في لبنان أبوابها والحبل على الجرار. هذا الرقم كفيل بكشف حجم المخاطر المحيطة بسوق الدواء في لبنان. وكلما اقترب موعد "رفع الدعم أو ترشيده" يزداد قلق المواطن من ارتفاع الأسعار، وفقدان أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة. في المقابل، يشعر المواطنون منذ فترة بارتفاع محدود في أسعار الأدوية، وتراوحت الزيادة بين ألف وألفي ليرة لبنانية. ويضع نقيب الصيادلة غسان الأمين هذه الزيادة في إطار "دعم بسيط يُخفف الأعباء عن الصيدلي".

رفع الأسعار مدروس

طرح رفع أسعار الأدوية جملة تساؤلات وسط مخاوف المواطنين والغلاء الفاحش الذي طاول السلع الأساسية. ويؤكد النقيب الأمين أن "الصيدلي إلى جانب المواطن دائماً". ويشرح كيفية حصول عملية رفع الأسعار، مصنفاً الأدوية إلى 5 فئات. وتعد الفئة الأولى هي الأرخص، وتتصاعد قيمتها وصولاً إلى الفئة الخامسة التي تعد الأغلى ثمناً.

يتحدث الأمين عن "زيادة بسيطة" طاولت الفئة الأولى، أما المجموعات الأخرى فلم تطرأ عليها أي زيادة "لعدم إزعاج المواطن في ظل الظروف الصعبة". وتشكل الفئة 20 في المئة من الفاتورة الدوائية، وتقسم إلى A1 وA2 وهي أدوية تُعرف بـ OTC، وتعطى بمعظمها من دون وصفة طبية وتتوافر بدائل رخيصة لها، وهي "لا تُشكل عبئاً على المواطن"، وفق الأمين.

يضع الأمين الزيادة بين ألف وألفي ليرة ضمن ما يمكن تسميته بـ "الدعم البسيط المتواضع للتخفيف عن الصيدلي وينقذه من الإقفال".

ويتخوف الأمين على مستقبل القطاع الصيدلي، لأن عدداً كبيراً من الصيدليات أقفل أبوابه، ويعود سبب ذلك إلى أن حصة الصيدلي بالليرة اللبنانية، ووفق سعر الدولار 1515 ليرة، لافتاً إلى أنه "لم تعد كافية لتأمين مصاريف الصيدلية كرسوم وبدلات الإيجار وغيره من التكاليف في ظل دولار بلغ حدود 13 ألف ليرة لبنانية في السوق الموازية للصرف.

واقع الصيدليات

في جولة على الصيدليات، نتحقق من فقدان عدد كبير من "الأدوية الأساسية" في قائمة الأدوية التي اعتاد عليها المواطن اللبناني. ويطلب الصيدلي "حجز اسمك على الطلبية من أجل الحصول على علبة دواء، والانتظار لأيام عدة قبل وصوله". في موازاة ذلك، تقنن صيدليات الدواء، وانتقلت إلى "بيع الدواء بالظرف الواحد وليس العلبة الكاملة"، كما أن عديداً من الصيدليات خلت رفوفها من بعض مجموعات الأدوية بسبب عدم توريد الشركات والوكلاء لها.

وتوضح إحدى مديرات الصيدليات أن "ارتفاع الأسعار لم يحصل بمستويات قياسية، وإنما جاء لإعادة التوازن وإنصاف الصيدلي". وتضيف "منذ سنوات، عندما خفضت الدولة أسعار الأدوية كان الدولار يساوي 1500 ليرة"، واليوم، لم تَعد حصة الصيدلي ذات قيمة، وأصبح مدخول الصيدلي محدوداً للغاية. وتشير إلى أن الصيدلي أُعطي ألف ليرة على كل دواء مدعوم دون 12 ألف ليرة، و2500 على الأدوية التي يصل سعرها إلى 25 ألف ليرة، موضحةً أن "المتممات الغذائية تًسعّر وفق سعر صرف السوق الموازية".

الدواء المستورد والدولار

يستورد لبنان الحصة الأكبر من الأدوية المستخدمة محلياً. وقد تأثرت أسعار هذه الأدوية بسعر صرف الدولار، وأسهمت فاتورة الدواء في استمرار نزف الدولار من لبنان.

يعلق نقيب مستوردي الأدوية في لبنان كريم جبارة على ما يُحكى عن "انقطاع الأدوية"، متحدثاً عن "تأخير في الاستيراد بسبب تأخير مصرف لبنان بالتحويلات الخارجية التي تستغرق أحياناً نحو أربعة أشهر إلى حين تحويل ثمن الفاتورة إلى الخارج". تأثر وصول الأدوية في تأخير الحصول على الأدوية. ويقول جبارة إن "المصدر في الخارج، لا يسمح لك باستيراد شحنة جديدة قبل دفع ثمن الشحنات السابقة"، وأدى ذلك إلى تأخير عملية استيراد الأدوية من الخارج إلى لبنان.

ويتأثر سوق الدواء أيضاً بعوامل أخرى، فإلى جانب الشح في الدولار، هناك العامل النفسي والخوف لدى اللبناني من انقطاع الدواء أو رفع الدعم عنه، وصولاً إلى ارتفاع الأسعار.

ويؤكد جبارة أن "الطلب على الدواء سيستمر بالارتفاع بسبب الخوف المبرر من المستقبل". ويفسر نقيب المستوردين ذلك الأمر بأن "الطلب مرتفع لأن الناس لم تخزن كفايتها بسبب قلة الكميات المتاحة"، وكلما انتشرت شائعات عن توقف الدعم أو شح "الاحتياطي الدولاري في المصرف المركزي" يتهافت الناس إلى الصيدليات للحصول على علب دواء احتياطية، لأن "هناك خوفاً من ارتفاع سعر الدواء".

التهريب الخطر

لا يتوقف انقطاع الأدوية على عنصر الخوف النفسي لدى المواطن، وإنما هناك ظروف أخرى تتصل بسوء التوزيع والتهريب. ويلفت جبارة النظر إلى أن "هناك أدوية مقطوعة من الأسواق".

في المقابل، "تشير الأرقام إلى أن مجموع الأدوية (العرض في السوق) والمبيعات في الصيدليات هو نفسه في السنوات السابقة، وتحديداً أدوية الأمراض المزمنة من السكري والضغط والقلب وغيرها التي ارتفع الطلب عليها مقارنة مع عامي 2020 و2019".

من هنا، يؤكد جبارة أن "الكميات المعروضة كافية نظرياً لتأمين حاجات المواطن، لأن عدد المرضى بالأمراض المزمنة لا يرتفع علمياً إلا ضمن مستويات محدودة بين 3 و4 في المئة سنوياً"، ولكن "هذه الكميات الكافية نظرياً، لا تصل إلى المريض".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن عدم المساواة في الوصول إلى الدواء، وتفاوت القدرة الشرائية بين غني قادر على التخزين وفقير يفتقد إلى حبة دواء، يوضح جبارة أن "هناك شقين للأزمة، شق التوزيع إلى يتصل بتوريد وتوزيع الدواء من الشركات إلى الصيدليات، وشق آخر هو صرف الدواء من الصيدلية إلى المريض".

لا يُغفل جبارة دور التهريب وتأثيره على سوق الدواء، إلا أنه يقلل من شأنه مقارنة مع العوامل الأخرى، لأن "عدد سكان لبنان قليل نسبياً مقارنة مع الدول المجاورة، وعندما سيكون سوقاً وسيطاً للتهريب ستتضاعف الكمية المستوردة، وهذا الأمر لا تبرزه الأرقام والإحصاءات".

يحمّل جبارة الدولة مسؤولية طمأنة الناس وحمايتهم من "السيناريو الأسوأ"، مؤكداً أنه لا يتم صرف الدواء بطريقة متوازنة بين الناس بسبب غياب السياسة الواضحة، لعدم وجود رقابة دقيقة على السوق، حيث "يمكن لأي شخص التنقل بين الصيدليات، وجمع الأدوية من دون التحقق من مدى استحقاقه وحاجته لها".

المنتج اللبناني البديل المرتجى

مع الخوف من الأبواب الموصدة على العالم الخارجي، بحث اللبناني عن بصيص أمل في إنتاج الشركات اللبنانية لأدوية رديفة عن تلك المنتجة والمستوردة من الخارج. إلا أن هذه الفرضية ليست وردية كما يعتقد البعض، لأن المصانع المحلية بحاجة إلى استيراد المواد الأولية التي تدخل في تركيب الأدوية. وتحتاج إلى الدولار أيضاً من أجل شراء الأدوية التي يتم تعليبها محلياً، ذلك أن سوق إنتاج الدواء في لبنان تقسم بين إنتاج الدواء بصورة كاملة، وتعليب الدواء الجاهز من الخارج.

لذلك، تتطلع سوق الدواء إلى تأمين "البدائل الدوائية ذات الجودة العالية" (الجينيريك) من أجل الاستمرار في توريد الدواء وإقصاء فرضية انقطاعه بسبب المخاوف من فشل المستورد في تأمينه من الخارج.

في المحصلة، يعد "الأمن الدوائي" جزءاً من الأمن الاجتماعي في لبنان، ويوماً بعد يوم، تزداد المخاوف من نتائج كارثية لرفع الدعم وترشيده على قدرة الاحتمال لدى المواطن اللبناني الذي ينظر إلى المستقبل بريبة، راجياً دواء يقي البلاد من حتمية الموت البطيء.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير