Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حيوان مهدد بالانقراض... موجود فقط بأهوار العراق

"القضاعات خجولة وتخشى الظهور أمام البشر، لذلك يصعب رصدها"

تنتشر القضاعات في معظم دول العالم، وهي من الثدييات البرمائية التي تنتمي الى فصيلة العرسيات، وتعيش في البحيرات والمستنقعات وقرب ضفاف الأنهار، وتفيد المنظمة العالمية للحفاظ على القضاعات (IOSF) بوجود سبعة أجناس منها تنتمي الى 13 نوعاً، أحدها القضاعة ذات الفراء الناعم التي لا تعيش في بقعة أخرى من العالم غير أهوار جنوب العراق التي تتميز بطبيعتها الساحرة ووفرة التنوع الأحيائي.

على اللائحة الحمراء

على مدى مئات السنين كانت القضاعات ناعمة الفراء من الحيوانات الشائعة في الأهوار قبل أن تتضاءل أعدادها تدريجياً حتى أدرجها الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ومواردها (IUCN) على اللائحة الحمراء للحيوانات المهددة بشدة بخطر الإنقراض، ولأعوام غير قليلة ساورت الشكوك خبراء الحياة البرية بأن هذا الحيوان انقرض تماماً من بيئته الأصلية، لكن القضاعات ذات الفراء الناعم سجلت في الآونة الأخيرة حضوراً لافتاً في بعض مناطق الأهوار وسط توقعات بازدياد أعدادها واتساع نطاق انتشارها.

خبير الحياة البرية الدكتور عمر الشيخلي قال لـ "اندبندنت عربية" "لغاية عام 1979 كانت القضاعات ذات الفراء الناعم منتشرة في كل مناطق أهوار جنوب العراق، لكنها صارت تتواجد فقط في منطقة حدودية نائية من هور الحويزة، وتعيش على شكل مجموعات صغيرة"، مبيناً أن "بعض المجموعات ارتحلت قبل أعوام الى الجانب الإيراني من هور الحويزة بحثاً عن الغذاء والمياه العميقة نسبياً، لكن السيول التي تدفقت خلال الأسابيع القليلة الماضية من الجانب الإيراني دفعتها باتجاه الجانب العراقي من الهور".

مواصفات جينية متفردة

وأشار الشيخلي الى أنه "خلال عام 2014 أظهرت دراسة بأن عدد القضاعات المتبقية في الجانب العراقي من هور الحويزة يتراوح ما بين 150 الى 200 قضاعة، وثمة مؤشرات ترجح ازديادها، ومن المحتمل انتشارها في مناطق أخرى من الأهوار، وخصوصاً هور الحمّار"، مضيفاً أن "القضاعات العراقية انعزالية وخجولة وتخشى الظهور أمام البشر، لذلك يصعب رصدها، والمنظمات البيئية المعنية بالحياة البرية تستعين بقوات حرس الحدود في رصدها، وقبل أيام تحققت مشاهدة لقطيع يتألف من تسع قضاعات".

ولفت الشيخلي الى أن "القضاعة ملساء الفراء تستوطن أهوار العراق منذ آلاف السنين، ولا وجود لها في أي مكان آخر من العالم، وجرى إثبات ذلك قبل عامين للمرة الأولى، إذ حصل تحليل عينات من الحمض النووي (DNA)، ورسم الخارطة الجينية للحيوان من قبل جامعة (Pisa) الإيطالية"، موضحاً أنه "عند مقارنة النتائج مع خرائط جينية لحيوانات مشابهة تعيش في الهند وباكستان ظهرت فروقات واختلافات".

الصيد من أجل الفراء والشهرة

فضلاً عن موجات الجفاف القاسية التي أضرت بالتنوع الاحيائي في مناطق الأهوار، فإن الصيد الجائر يعد من أفدح المخاطر التي أدت الى تناقص أعداد القضاعات خلال العقود السابقة، ولم يزل الصيد باستخدام البنادق وأجهزة الصعق الكهربائي يهدد بفناء ما تبقى، إذ طالما هناك من يدفعون آلاف الدولارات في أوروبا وأميركا لشراء معاطف فاخرة مصنوعة من فراء القضاعات، فإن هذا الحيوان سيبقى ملاحقاً من قبل صيادين بارعين في تقفي أثره وسلخ جلده.

ويبدو أن تنامي اهتمام المنظمات البيئية العالمية بالقضاعات ناعمة الفراء عاد على الحيوان بنتائج بعضها عكسية، ومن التداعيات ما يرتقي الى فضائح، إذ قال الشيخلي "في الفترة الأخيرة ظهر ناشطون مدعّون يدفعون مبالغ لصيادين محترفين من أجل أسر قضاعاتٍ حية، ثم يأتي الناشطون بالقضاعات في أقفاص حديدية ويصورون عملية إطلاقها الى الطبيعة كسباً للشهرة"، مؤكداً أن "المنظمات البيئية الرصينة ترفض شراء قضاعاتٍ حية من صيادين حتى لا يتشجعوا على اصطياد المزيد منها".

الصدفة تقود الى اكتشافٍ علمي

لم تكن القضاعة ملساء الفراء معروفة في الأوساط العلمية قبل مجيء الرحالة والكاتب الاسكتلندي كافين ماكسويل (1914-1969) الى الأهوار في العام 1956 برفقة الرحالة والكاتب ويلفريد ثيسيجر (1910-2003)، إذ اشترى ماكسويل قضاعة من أحد أبناء الأهوار أطلق عليها اسم (كحلاء)، وقد نفقت بسبب المرض قبل موعد رحيله، فحزن لأجلها كثيراً، ولمواساته بفقدها أهداه صديقه ثيسيجر قضاعة أخرى صغيرة، فأخذها ماكسويل الى وطنه، وعاملها كحيوانٍ منزلي أليف، وتعلق بها بشدة، وأطلق عليها اسم (مجبل)، وعن طريق الصدفة اكتشف العلماء في لندن أن الحيوان الذي بعهدة ماكسويل غير مصنف علمياً، وقد علق ضمن كتابه (قصبة في مهب الريح) على ذلك بقوله "الحيوان الوحيد الذي جلبته معي من الأهوار تبين أنه جديد على العلم".

ومنذ ذلك الحين صارت القضاعة ناعمة الفراء تعرف علمياً باسم (Lutrogale Perspicillata Maxwelli) نسبة الى ماكسويل، والذي ذكر في الصفحة الأخيرة من كتابه أن "(مجبل) يستحق حقاً كتاباً خاصاً به، وأرجو أن تتاح لي فرصة وضع الكتاب عندما لا تضطرب في ذهني ذكريات السنة التي قضاها معي"، وقد أوفى ماكسويل بوعده للقراء وبرهن على وفائه الاستثنائي للقضاعة عند إصداره كتاب (خاتم المياه الصافية).

خطر الانقراض

ليست القضاعة وحدها مهددة بالانقراض في مناطق الأهوار التي تشغل مساحات واسعة من ثلاث محافظات عراقية هي البصرة وذي قار وميسان، إذ تضم بيئتها العديد من أنواع الثدييات والطيور والأسماك التي يداهمها خطر الانقراض، وثمة أنواع اختفت بشكلٍ مؤكد من بيئة الأهوار والمناطق المتاخمة لها، مثل الأسد عديم اللبدة الذي قال عنه قنصل روسيا القيصرية في البصرة الكسندر أداموف في كتابه (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) الصادر في سانت بطرسبرغ عام 1912 "الأسد عديم اللبدة الذي كان قبل 50 عاماً يثير بزئيره الفزع في نفوس المسافرين على السفن التي تمخر عباب دجلة ليلاً أصبح في الوقت الحاضر مجرد اسطورة".

وإذا كانت الأسود القوية المفترسة قد مُنيت بالهزيمة، فالقضاعات المسالمة ناعمة الفراء لا تبدو أكثر قدرة على الصمود عندما يشتد صراع البقاء.

المزيد من تحقيقات ومطولات