Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا وُلدت "أيقونات" حراك الجزائر

قصتا سيدة المكنسة التي تسعى إلى تنظيف البلاد من الفاسدين وصاحب عبارة "يتنحاو قاع"

أسرا قلوب الجزائريين عندما نطقا جهراً بما يكنه شعب بأكمله، قلبا موازين القوى في بلد حكم فيه رئيس لعقدين من الزمن، وطمع محيطه في المزيد. هما شخصان عاديان من قلب حراك 22 فبراير (شباط) استيقظا ليجدا نفسيهما أيقونتين من دون أن يخططا للأمر مسبقاً. شاب أربعيني بشعار "يتنحاو قاع" أي فليرحلوا جميعاً، وستينية بمكنسة خضراء اللون، تُطارد رؤوس النظام وتنظف البلاد من فسادهم.

 

صرخة عفوية

في ليلة 11 مارس (آذار) 2019 أطلق الشاب سفيان بكير تركي (33 سنة)، صرخة عفوية، أمام شاشة تلفزيونية عربية، كانت مراسلتها ترصد أجواء الشارع بعد قرار الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة يوم 18 أبريل (نيسان) 2019، التي رأى فيها الرأي العام "تمديداً لولاية رابعة" وليس عدولاً عن الخامسة، فقال "يتنحاو قاع".

صرخة صدرت من الوجدان، فلخصت إرادة الملايين من الجزائريين ورغبتهم، لتنتشر منذ ذلك التاريخ كالنار في الهشيم، وتتحول إلى شعار موحد، يُلخص كل المطالب المرفوعة في كل الجمعات، التي وصلت إلى عشر حتى الآن. شعار "يتنحاو قاع" من أجرأ الشعارات التي يجري تداولها في الانتفاضة الشعبية، جاء مزلزلاً لنظام بوتفليقة بعدما تسرب بين المتظاهرين في أرجاء الجزائر، وهو يُردد اليوم بحماسة وشجاعة كبيرتين في كل مكان، وحتى خارج الوطن من قبل أفراد الجالية المقيمة في المهجر.

ويبدو أن هذا الشعار بات مزعجاً لبعض الجهات في السلطة الحاكمة حالياً، التي تعتقد أنه مطلب تعجيزي وغير قابل للتحقيق، وهو ما ذهب إليه قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح عندما قال في أحد خطاباته "يتعين على الجميع فهم جوانب الأزمة وحيثياتها وإدراكها كافة، خلال الفترة المقبلة، لا سيما في شقيها الاقتصادي والاجتماعي، اللتين ستتأزمان أكثر إذا ما استمرت هذه المواقف المتعنتة والمطالب التعجيزية". وفي القراءات المقدمة لخطاب صالح، فإن شعار "يتنحاو قاع" هو المقصود بهذا الوصف، لكن الشارع يتمسك به كأحد المطالب الشرعية.

 

سيدة المكنسة

لأن لكل انتفاضة شعبية أبطالها ومشاهيرها، فلحراك الجزائر شخصيات مميزة أيضاً، والسيدة زهية مرزوق، واحدة من بين هؤلاء، فهي حاضرة في الصفوف الأمامية في كل مسيرة شعبية، وبمجرد أن تسمع أهازيج المتظاهرين حتى تهرول للانضمام إلى الجموع، وهو ما حولها إلى أيقونة لحراك الجزائر المناهض للنظام القائم في البلاد، من دون منازع.  فتقول مازحة في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "أنا من مواليد شهر أغسطس (آب) 1964، وبرجي الأسد ولهذا لا أخاف من أحد".

 

الحاجة زهية، ترتدي اللباس التقليدي "الحايك"، وتلف نفسها بعلم الجزائر، وتسير في الشوارع متجولة بمكنستها الخضراء التي اشتهرت بها، وجعلت منها رمزاً من رموز الحراك الشعبي. فكرة حملها لمكنسة جاءت عقب حديث جمعها مع شباب، عبروا لها عن سخطهم من عدم رحيل رموز نظام الرئيس السابق بوتفليقة، حيث تسرد في روايتها "قالي لي أحد الشباب أن هؤلاء لا يرغبون في الرحيل، فتوجهت مباشرة إلى متجر يقع قرب ساحة البريد المركزي، في العاصمة الجزائرية، وقمت بشراء مكنسة حتى أنظف البلد من الفاسدين".

"لا يهمني أن أدخل إلى السجن، ليس لي ما أخسره، الشبان الجزائريون هم أولادي ومن واجبي الدفاع عنهم"، بلغة التحدي والإصرار تسير الحاجة زهية من دون أن تكترث لأحد. فقوتها وإصرارها وشجاعتها تجعلها قدوة لكل المتظاهرين الذين يلتفون حولها في كل مرة للاطمئنان على حالها، فهي مثال للحيوية والتحدي.

وعلى الرغم من تعرضها للظلم على يد السلطات العمومية وتحديداً من قبل والي العاصمة المقال عبد القادر زوخ، بعد تنفيذ أمر بتهديم منزلها في منطقة بوزريعة في أعالي العاصمة، لتجد نفسها في العراء بين ليلة وضحاها، لولا عطف الأقارب والأحباء الذين يستضيفونها في منازلهم، إلا أنها ترفض المتاجرة بقضيتها، وتُصر على مساندة مطالب الحراك لغاية تحقيقها كلها.

خلال مشاركتها في المسيرات، تنظر الحاجة زهية إلى الشبان والدموع تغمر عينيها، فرغبتها في رؤيتهم يعيشون حياة أفضل من تلك التي عاشتها هي شخصياً، تبدو على محياها. وبالنسبة إليها تحوز الجزائر كفاءات وطاقات شبابية، بإمكانها أن تقود البلاد إلى برّ الآمان. منذ بداية الحراك، تحرص المرأة الجزائرية، على المشاركة بقوة في كل المسيرات إلى جانب الرجال، برفع الألوان الوطنية وارتداء العلم، وترديد الهتافات التي تصدح بها حناجر المتظاهرين في الشوارع لرحيل النظام.

 

ركن الخطباء

إن كان الشاب سفيان والحاجة زهية يتصدران المشهد بعدما ولدا من رحم الحراك الشعبي في الجزائر، بطريقة عفوية، إلا أن بروز أسماء جديدة غير مستبعد في ظل استمرار المسيرات المليونية السلمية. وبات "ركن الخطباء... منبر من لا منبر له"، وهو عبارة عن فضاء مفتوح على الهواء في ساحة موريس أودان، في قلب العاصمة الجزائر، فرصة للكثير من المواطنين للتعبير عن آرائهم بكل حرية في القضايا التي تشغل البال، وهي الفكرة التي تعود إلى الناشط السياسي، إلياس فيلالي، والتي تلقى تجاوباً منقطع النظير كل يوم جمعة، حيث باتت مكاناً مخصصاً لإلقاء كلمات من المشاركين في المسيرات بشكل عفوي ومباشر، ومن ذلك المكان انتشرت مقاطع فيديو عدة لأشخاص ألهبوا الساحة بخطب، تناولوا فيها أوضاع البلاد التي تعيش محطات تاريخية فارقة.

المزيد من العالم العربي