Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يسعى إلى ترسيم حدوده البحرية مع سوريا والأسد يتصل بعون

"يعتبر البعض أن دمشق لا تريد معالجة الموضوع وليس في حساباتها ترسيم الحدود مع لبنان لا براً ولا بحراً"

خريطة للحدود البحرية اللبنانية تظهر المناطق محل النزاع مع سوريا في الشمال وإسرائيل في الجنوب (اندبندنت عربية)

 عادت قضية ترسيم الحدود البحرية في لبنان إلى الواجهة، لكن هذه المرة من الجهة الشمالية. وانشغل الداخل اللبناني بما قيل إنه "قضم سوريا لأكثر من 750 كيلومتراً من الحدود اللبنانية للمنطقة الاقتصادية"، إذ أثار إعلان الحكومة السورية في 9 مارس (آذار) الماضي، توقيع عقد مع شركة "كابيتال" الروسية للمسح والتنقيب عن النفط، موجةً من الغضب، لا سيما بعدما تبين أن الحدود البحرية التي رسمها الجانب السوري، بخاصة في البلوك رقم 1، متداخلة بشكل كبير مع البلوك رقم 2 من الجانب اللبناني.

النزاع مع سوريا يعود إلى العام 2011

في عام 2011 رسّم لبنان حدوده البحرية مع سوريا، مستنداً إلى القانون الدولي والقواعد المعمول بها عالمياً لرسم الحدود البحرية، وأودع المرسوم الرئاسي لترسيم حدوده لدى الأمم المتحدة. في المقابل، تعاملت دمشق مع الترسيم الذي حصل وكأنه لا يعنيها، ورسمت خطها الخاص منطلقةً من الشاطئ أفقياً نحو الغرب. واعترضت في العام ذاته لدى مجلس الأمن، وسجل مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن السفير بشار الجعفري اعتراض بلاده لدى الأمين العام للأمم المتحدة، معتبراً أن "المرسوم اللبناني لا أثر قانونياً له ملزم تجاه الدول الأخرى ويبقى مجرد إخطار تعترض عليه الجمهورية العربية السورية". ونص كتاب الاعتراض السوري على أن حقوق سوريا محددة بالقانون رقم 28، تاريخ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003، المودَع لدى الأمم المتحدة والمتوافق مع قانون البحار لعام 1982.
وفي العام 2014 قدمت سوريا شكوى بحق لبنان إلى الأمم المتحدة، بعد أن فتحت الحكومة اللبنانية جولة التراخيص الأولى وعرض البلوك رقم 1 للمزاد واستدراج العروض. رد لبنان برسالة أرسلها وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل في 22 أبريل (نيسان) 2014 إلى السلطات السورية عبر السفارة السورية في لبنان، ذكّر فيها بالمرسوم رقم 6433 الصادر عام 2011 القاضي بترسيم الحدود البحرية الذي لم تسجل سوريا أي اعتراض عليه لغاية التاريخ المذكور في الرسالة. وأكد لبنان في رسالته التوضيحية التي أرسلها إلى سوريا على حقوقه السيادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة الشمالية التي حددها وفق القوانين الدولية، وسجل اعتراضه على الجانب السوري بسبب تداخل بلوكاته ضمن البلوكات اللبنانية الواقعة في حدود المنطقة الاقتصادية.
وبقي الخلاف بين لبنان وسوريا على الحدود البحرية الشمالية على هذه الحال من دون أي تطور باستثناء محاولة جديدة حصلت عام 2017 عندما أرسل وزير الخارجية حينها جبران باسيل مذكرةً إلى حكومة الأسد يطلب فيها عقد لقاءات مشتركة بين البلدين من أجل التباحث لتوحيد النظرة حول المنطقة المتنازع عليها، لكن الجانب السوري لم يُجب وبقي الملف عالقاً حتى فوجئ لبنان بالعقد الموقع مع الشركة الروسية وبدء العمل بموجبه بالمسح والتنقيب في مهلة 4 سنوات قابلة للتجديد.

الصمت الرسمي

لماذا سكت لبنان عن حقه طوال هذه الفترة؟ وهل من أسباب سياسية حالت دون متابعة الملف؟ يشرح بعض المطلعين على الملف أن أسباباً كثيرة متداخلة حالت دون ملاحقة الموضوع من قبل الجهات الرسمية المتعاقبة على السلطة. قد تكون الحرب في سوريا ومصير الأسد أحد هذه الأسباب، في وقت لا يمكن إغفال الانقسام السياسي حول العلاقة مع نظام بشار الأسد، بحيث كان التواصل مع النظام، والاعتراف به، مرفوضاً من قبل شريحة واسعة من اللبنانيين، والمفاوضات بشأن الحدود تتطلب حكماً موافقة مجلس الوزراء ورئيسه، الأمر الذي كان مستحيلاً بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، وصار مستحيلاً أكثر مع بداية الحرب في سوريا. وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية الأسبق جبران باسيل، أحد حلفاء النظام السوري في لبنان، في تغريدة جاء فيها، "منذ تموز 2010 وحتى عام 2017 وبينما كنت وزيراً للطاقة ووزيراً للخارجية أرسلت ما يزيد على 20 كتاباً رسمياً إلى المعنيين في لبنان وفي سوريا لحثهم على حل مشكلة الحدود البحرية بين البلدين، ولكن لا مَن يسمع ولا مَن يجيب في بيروت، لا بل إن طلبي رُفِض عام 2012".

 


في المقابل، يعتبر البعض أن سوريا لا تريد معالجة الموضوع، وليس في حساباتها ترسيم الحدود مع لبنان لا براً ولا بحراً، فهي حتى هذه الساعة لم تعترف بلبنانية مزارع شبعا لدى الأمم المتحدة، وعليه يفسر كثيرون أن الصمت الرسمي اللبناني، لا سيما بعد انتهاء الحرب فيها، مرتبط بهذه الاعتبارات نظراً إلى العلاقة الوطيدة بين السلطة السياسية اللبنانية الحالية ونظام الأسد، في وقت اعتبر كثيرون أن المقصود من إثارة الموضوع هو التحجج للذهاب والتفاوض مع نظام الأسد تمهيداً لعودة العلاقات السياسية المقطوعة منذ زمن. ولهذه الأسباب صعّد رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، المعروف بخلافه السياسي مع الأسد، مستبقاً إمكانية التحجج لإعادة التواصل الرسمي مع سوريا، أو إمكانية التغاضي عن المشكلة على قاعدة "ضرب الحبيب زبيب"، فدعا إلى حل المشكلة القائمة بالطرق القانونية والفنية. ولم يمانع جعجع التواصل مع الأسد "بغض النظر عما إذا كنا مع النظام أو ضده". وطلب من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحكومة تصريف الأعمال والقوى السياسية التي تقف وراءها إلى معالجة الموضوع قبل فوات الأوان. 

الأسد يتصل بعون

"اندبندنت عربية" اتصلت بالسفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي للاطلاع على حقيقية الموقف السوري، من دون أن تحصل على رد، في وقت أكدت مصادر مطلعة على الملف أن لا مانع لدى الجانب السوري لإجراء مفاوضات.
في غضون ذلك، وصل حجم الاعتراضات في لبنان إلى دمشق. وكشفت مصادر سياسية لـ"اندبندنت عربية" عن اتصال أجراه الأسد بالرئيس اللبناني ميشال عون الخميس (1 أبريل)، مستفسراً ومعترضاً على حجم الانتقادات التي طالته لا سيما من قبل بعض المقربين، وقد يكون الأسد عنى بذلك باسيل، الذي شمل بانتقاداته الجانب السوري وغرد قائلاً "هذه المشكلة بحاجة إلى حل قائم على حسن الجوار بين مسؤولين يكونون مسؤولين فعلاً في البلدين وليس على يد هواة في المصالح الاستراتيجية". رسمياً، نشطت اتصالات ولقاءات بين رئاسة الجمهورية اللبنانية ووزارتَي الدفاع والخارجية. وعُقد لقاء في مكتب وزيرة الدفاع زينة عكر للبحث بالسبل الآيلة إلى معالجة الموضوع من الناحية القانونية، وعُلم أن قيادة الجيش أرسلت كتاباً الى رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال ووزيرة الدفاع تمهيداً لتكليف وزير الخارجية بالتواصل مع الجانب السوري عبر القنوات الدبلوماسية، على أن يُتخَذ القرار المناسب بناءً على الرد السوري، فإما يذهب إلى المفاوضات المباشرة إذا رضي الجانب السوري، وإما إلى محكمة العدل الدولية إذا تعذرت المفاوضات. ويمكن إيقاف العمل في البحر مباشرةً بمجرد إرسال كتاب إلى الأمم المتحدة وآخر إلى الشركة الروسية يعترض فيها على العمل في "البلوك 1" نظراً لكونه في منطقة متنازع عليها مع سوريا.
وأكد وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة لـ"اندبندنت عربية" أن "الوزارة ستستعرض وتدرس كل المعطيات للبحث في إرسال مخاطبة جديدة إلى السلطات السورية لتذكيرها وإبلاغ الشركة الروسية أيضاً إذا اقتضى الأمر، بما سبق وأبلغتُ به دمشق عن موقف لبنان الرافض أن يتم التنقيب في المياه التي نعتبرها تابعة للجمهورية اللبنانية، وعدم الاقتراب من هذه المنطقة المتنازع عليها". وكشف وهبة أن قرار المفاوضات مع سوريا يحتاج إلى موافقة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، مؤكداً أن الطرفين يريدان التفاوض لحل هذه المسألة.


الملف لدى الجيش مدعم بالوثائق

في السياق، لدى الفريق الفني في الجيش اللبناني الذي تعود له مهمة ترسيم الحدود، ملفاً كاملاً وجاهزاً، يبرز حق لبنان في المنطقة المتنازَع عليها شمالاً، ويشرح بعض المطلعين على الملف أن التعامل مع سوريا حيث العلاقات قائمة وتبادل دبلوماسي وسفارات هو غير التعامل مع إسرائيل المصنّفة عدو للبنان. "الخلاف مع سوريا سهل"، وفق أحد العارفين بالملف، "ولا يحتاج إلى وسيط، فبمجرد الجلوس مع الجانب السوري على الطاولة يمكن أن نحصل على حقنا". ويشرح المصدر ذاته أن "تفسير قانون البحار لترسيم الحدود يختلف من دولة إلى أخرى وفق وضعها الجغرافي وهذا أمر طبيعي، وهذا ما حصل لدى ترسيم الحدود مع سوريا في عام 2011، ما أدى إلى منطقة متنازَع عليها ولم يبق من حل إلا الذهاب إلى المفاوضات. قرار المفاوضات يتخذه السياسيون في البلدين وعندما يتفقون على ذلك يكلف الجيش بها، والعارفون بتحضيرات الجيش يطمئنون إلى أن التحضيرات كاملة، وهو سيدافع عن الخط الذي سبق ورسمه حتى النهاية متى جلس على طاولة المفاوضات مع الجانب السوري، لكن الأمر يتطلب قراراً سياسياً لا يزال قيد البحث حتى إشعار آخر".

لماذا لا يطلب "حزب الله" المفاوضات من الأسد؟

وتستغرب مديرة "معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، الخبيرة في سياسات النفط، لوري هايتيان الصمت الرسمي اللبناني، وتقول "ننتظر منذ أسبوع موقفاً رسمياً لبنانياً حيال مباشرة سوريا التنقيب عن النفط شمالاً ضمن الحدود اللبنانية". وتعتبر هايتيان أن "لا تعقيدات في الملف شمالاً على عكس الحدود الجنوبية، لا سيما أنه يمكن إجراء المفاوضات مباشرة من دون أي وسيط"، لكنها تسأل في المقابل "هل الجانب السوري مستعد لهذه المفاوضات؟ وهل حصول المفاوضات يعني بت المشكلة بسرعة قبل انتهاء المهلة المحددة في عقد العمل مع الشركة الروسية؟ وهل يريد الجانب الروسي أن يرسّم الحدود مع لبنان؟". ولا توافق هايتيان القول بأن "السنوات الأربع المحددة في العقد تتيح لنا الوقت الكافي للعمل على مفاوضات مع سوريا". وتشرح أن "العقد يجبر الشركة الروسية على القيام بالمسح الجيولوجي وحفر البئر ضمن هذه المهلة ويمكن ألا تحتاج الشركة كل هذه المدة، كما حصل مع شركة "توتال" في البلوك رقم 4، حيث أنهت المسح والحفر قبل المهلة الزمنية المحددة في العقد معها". وتشدد هايتيان على "سرعة التحرك والاعتراض لدى الأمم المتحدة لحفظ حق لبنان حتى إذا ما بدأت المفاوضات أو تم اللجوء إلى محكمة دولية يكون لبنان على الأقل قد أثبت اعتراضه دولياً". وتدعو الخبيرة في سياسات النفط إلى "معالجة ملف الحدود البحرية مع سوريا من منطلق المصلحة الوطنية من دون أي خلفية سياسية داخلية، وتحييده عن أي خلافات سياسية عالقة بين البلدين"، معتبرةً أنه "يمكن لروسيا أن تساعد في هذا الملف طالما هي موجودة بقوة في سوريا، ويمكن لحزب الله أيضاً أن يساعد". وتسأل "ألا يمكن للحزب الذي حارب في سوريا وخسر شبابه هناك، أن يطلب من النظام السوري القبول بمفاوضات ترسيم الحدود، ويقدم خدمة من أجل لبنان هذه المرة وليس من أجل إيران؟".  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


لعدم صرف الأنظار عن الحدود الجنوبية

بانتظار معرفة مصير وحجم الاندفاعة الرسمية لاستعادة حق لبنان شمالاً، ومدى استعداد السلطة السياسية الحالية في بيروت للذهاب بعيداً في هذا الملف حتى لو اقتضى الأمر اللجوء إلى المحاكم الدولية، وبانتظار التأكد من حقيقة استعداد الجانب السوري لبدء التفاوض بهدف التوصل إلى حل حول المنطقة المتنازع عليها شمالاً مع لبنان، يبقى ملف الحدود البحرية جنوباً عالقاً وملحاً على وقع بدء إسرائيل العمل في حقل "كريش" واستخراج النفط منه. ويتخوف كثيرون أن يصرف ملف الشمال الأنظار عن الحدود الجنوبية، ويشرح خبراء أن عامل الوقت ليس لصالح لبنان جنوباً، في ما يمكن القول بأن الوضع ليس كذلك شمالاً، طالما التنقيب لن يبدأ قبل 4 سنوات وهي المدة المتفَق عليها في العقد الروسي – السوري، بالتالي يمكن للبنان العمل على حل هذه المسألة خلال تلك السنوات الأربع، أما جنوباً فيجب التحرك في أقل من أسبوع، قبل وصول الباخرة التابعة للشركة اليونانية إلى كريش، التي ستنطلق من سنغافورة متجهةً إلى البحر المتوسط.
يكشف المطلعون على ملف الحدود البحرية جنوباً، أنه "يمكن للبنان استباق بدء العمل في كريش عبر حفظ حقه وتسجيل المرسوم المعدل لدى الأمم المتحدة، الذي ينص على إحداثيات جديدة قدمها الوفد اللبناني المفاوض وتعتمد على الخط 29 بدلاً من 23، بحيث تصبح المساحة العائدة إلى لبنان 1430 كيلومتراً مضافة إلى الـ860 كيلومتراً المتنازع عليها سابقاً.
حتى الآن يتجنب السياسيون اللبنانيون المعنيون توقيع المرسوم المعدل تمهيداً لإرساله إلى مجلس الأمن في الوقت المحدد. ولا يزال المرسوم المعدل ينتظر توقيع وزير الأشغال ووزيرة الدفاع ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. وبحسب المعلومات لكل منهم أسبابه في عدم التوقيع، وهي كلها أسباب تقول مصادر مطلعة، لها علاقة بمستقبلهم السياسي. وإذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ووزير الأشغال ميشال نجار المحسوب على تيار المردة لا يريدان إغضاب رئيس البرلمان نبيه بري، فإن الكباش الأساسي هو بين قصر بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية) وعين التينة (مقر رئاسة البرلمان)، ففيما يدعم رئيس الجمهورية مبدأ توسيع رقعة المساحة التفاوضية مع الجانب الإسرائيلي لتعزيز موقع لبنان التفاوضي، يرى رئيس مجلس النواب أن توسيع المساحة التفاوضية من شأنه الإطاحة باتفاق الإطار الذي أبرمه مع الجانب الوسيط، أي الولايات المتحدة، ويعتقد أيضاً أن التأخير في حسم هذه المسألة سيؤدي في نهاية المطاف إلى بدء إسرائيل بعمليات التنقيب بمعزل عن الحقوق اللبنانية.
ماذا لو انقضت المهلة ولم يوقع المرسوم؟ سيناريوهات كثيرة يمكن أن يلجأ إليها المتمسكون بحق لبنان حتى آخر كيلومتر، وهم كثر.

المزيد من العالم العربي