Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تعتمد سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع روسيا والصين

حريّ بلندن أن تبحث في إمكانية إعادة تقييم خططها الدفاعية. وفي هذا الصدد، قد يكون دق لندن وموسكو ناقوس الخطر المشترك من الصين مكسباً لكل منهما

تنظر بريطانيا إلى الصين "كدولة ناضجة يمكن التعامل معها، وتَعتبر سياستها الاستبدادية مقبولة إلى حد ما"، خلافاً لطريقة تعاملها مع موسكو (رويترز)

في غضون الأسابيع القليلة الماضية وبينما كان معظم الناس "العاديين" يتحدثون عن الجدول الزمني للحصول على اللقاحات وعن متى يُمكنهم الاجتماع بأكثر من أسرة واحدة داخل منازلهم أو حتى السفر إلى الخارج في العطل والأعياد، كان السياسيون والخبراء في السياسة الخارجية غارقين في سبر أغوار المراجعة الشاملة الصادرة عن الحكومة البريطانية وورقة قيادة شؤون الدفاع.

وأمل كثيرون أن يكون هذا هو الموقع الذي قد نعثر فيه على المخطط النموذجي لتوجهات بريطانيا العالمية – أو بالأحرى رؤية الحكومة التي ستحدد مكانة المملكة المتحدة في العالم، الآن وقد انسحبنا من بنى مؤسسات الاتحاد الأوروبي. ويُمكن القول إن هذه الآمال كانت في محلها إلى حد ما.

ولو أخذنا الوثيقتين معاً، لوجدنا أنهما أكثر واقعيةً، بمعنى أنهما أقل عقائدية، وأكثر بساطةً وتعاوناً، وأقل تفاخراً بنشيد "تحيا بريطانيا" ورمزيته، مما كان يتوخاه كثيرون - أو مما اقترحته (عمداً؟) بعض المشاريع المسبقة؛ والحمدلله، أقله، على ذلك. فالمطالبة المستمرة بدورٍ قيادي عالمي لا تملك المملكة المتحدة المؤهلات ولا التجهيزات اللازمة للاضطلاع به، باتت على مر الزمن مُرهقة بقدر ما هي افتراضية وتحمل في ذاتها عوامل إخفاق. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل بدأت دولتنا البريطانية أخيراً – مبدئياً لو كان هذا صحيحاً – في تقبل قدراتنا المحدودة كدولة متوسطة الحجم في طرف أوروبا الشمالي الغربي والتصرف من هذا المنطلق؟

حسناً، نعم – وكلا. للوهلة الأولى، تكرس المراجعة تناقضاً كبيراً في علاقات بريطانيا مع القوى الكبرى. وبرأيي، لا يزال هناك تباين صارخ في معايير تعامل المملكة المتحدة مع أقرب جاراتنا أي روسيا وطريقة تعاملها مع الصين، القوة الصاعدة الأكبر حجماً والأبعد مسافة.

وكما يرد في المراحل الأولى من المراجعة، "ستظل روسيا التهديد الأكبر للمملكة المتحدة". وستكون أكثر نشاطاً في المحيط الأوروبي" (لكن ليس على نحوٍ جيد، كما يُراد للقراء أن يظنوا)؛ وفي ذلك إشارة لا مناص منها إلى "هجوم سالزبري" (المنطقة الإنجليزية غرب البلاد حيث سممت المخابرات الروسية عميل روسي سابق بمادة نوفيتشوك) وتعهد صريح "بمواجهة كافة التهديدات التي يُمكن أن تنبثق من روسيا وردعها" و"محاسبة روسيا" لانتهاكها "الأنظمة والقواعد الداخلية". وهذا كله "حتى تتحسن العلاقات مع حكومتها" على الأقل – وكأن هذا الأمر في يد روسيا أصلاً.

وفي أعقاب نشر المراجعة، برهنت السفارة الروسية في لندن عن حس دعابةٍ نادر لما غردت بعبارة: "مرحباً بك في النادي [نادي الخصوم]، يا أيها الاتحاد الأوروبي!"، رداً على مقال لصحيفة "ديلي تلغراف" بعنوان: "لو استمر الاتحاد الأوروبي بالتصرف كدولة معادية، فستتعامل المملكة المتحدة معه على هذا الأساس". فمن وجهة نظر روسيا، ثمة جانب غير منطقي ومتعصب في الصورة الشاملة السلبية التي ترسمها المملكة المتحدة لروسيا، إلى درجة اكتفت معها موسكو بالعض على أسنانها والانتظار لتنقضي الأمور.

وفي هذه الأثناء وبينما كانت المملكة المتحدة تشن حملةً إعلاميةً شرسة على روسيا، استطاعت الصين الشيوعية، مع القليل من الجهد، وضع يدها على موقعٍ يُمكنها بواسطته تقويض جزءٍ كبير من اتصالاتنا وإنتاجنا للطاقة النووية بضربة واحدة. ولكن ليس هذا ما انعكس تحديداً في الإستعراض المتكامل. وأمام مفاجأة البعض ممن توقعوا موقفاً أكثر تشدداً إزاء الصين وخيبة أملهم، كانت نبرة الحديث عن بكين مدروسة بدقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فاستناداً إلى المراجعة، "ستكون الاقتصادات التجارية المفتوحة، كاقتصاد المملكة المتحدة، بحاجة إلى التعامل مع الصين والحفاظ على انفتاحها إزاء الاستثمارات والتجارة الصينية"، مع حماية نفسها طبعاً "من الممارسات التي تقوض الازدهار والأمن". وسيكون "التعاون مع الصين" "أمراً حيوياً لناحية معالجته التحديات العابرة للأوطان، لا سيما التغير المناخي".

إذن نحن أمام خلاصة الحالة التي رجحت كفتها على الجزء الأفضل من الأعوام العشرين الماضية، ومفادها بأن لندن تعتبر روسيا إمبراطورية الشر وقائدها في منزلة بين إيفان الرهيب وستالين. أما الصين، فتتعامل معها على أنها دولة ناضجة يُمكنها القيام بأعمال تجارية معها وتتقبل أساليبها الاستبدادية بشكل أو بآخر. وهذا ما لا ينطبق برأي لندن على روسيا، وحجتها أن هذه الأخيرة، كعضو في المجلس الأوروبي، صادقت على "قيمنا". ورداً على قمع الإيغور بشيجيانغ، كان علينا أن نُقوض على مضض الحقوق المصرفية وتقييد حرية سفر مجموعة من المسؤولين الرسميين إلى الأراضي البريطانية، ولكن هذه ليست طبعاً القصة بأكملها.

هناك أسباب أخرى لهذه المعاملة المختلفة، أو بالأحرى سبب أساسي واحد، ألا وهو أن الصين دولة كبيرة في طور النمو – وإن كان نموها بوتيرة أبطأ من السابق ومصحوباً بمشكلة سكانية [شيخوخة المجتمع]. أما روسيا، فهي الخلف المناوئ للاتحاد السوفياتي الذي كان عظيماً في الماضي وأضعفه انخفاض عدد السكان المنتشرين على مساحة شاسعة من الصعب السيطرة عليها. بكلام آخر، يمكننا أن نتخذ موقفاً وقحاً ورافضاً لروسيا ما نشاء، طالما أن قدرتها على إيذائنا محدودة جداً. لكننا بحاجة لأن نتخذ خطوات حذرة إزاء الصين ونُحاول إبقاء الخطوط البحرية مفتوحة، مقرين بإمكانية دفاعنا عن نمط الحياة في هونغ كونغ بفعالية أكبر، لو اعتمدنا طريقة النقل الجوي التدريجي لنصف سكانها بدلاً من مواجهة بكين.

وهذا مفاد جانب من بريطانيا المعولمة في المراجعة الشاملة. لكنني لستُ متأكدة ما إذا كان هذا المغزى الكامل في ما يخص الصين وروسيا. والسبب الذي يجعلني غير أكيدة هو أن إدانة روسيا محدودة نوعاً ما وثمة مجال مفتوح للتغيير. لكن تطور الصين في المقابل ليس مجرد موضوعٍ رئيسي، فهو يرخي بثقله على التقرير برمته

وحتى عندما لا تُذكر الصين على وجه التحديد، يبدو كأنها السبب غير المعلن لكل شيء آخر تقريباً، من "الاستدارة إلى منطقة المحيطين الهندي- الهادي" – وهو المصطلح الذي سيطبع المستقبل - وحتى العقد الحالي الذي لا يتحدث فيه أحد فعلياً عن الاصطفاف ضد الصين – وصولاً إلى التركيز الكبير على الطاقة البحرية، والتكنولوجيا والعلوم والشؤون السيبرانية، والمنافسة وحتى الحروب التي تُشن بوسائل أخرى. وعند هذا الحد، تظهر الصين بمظهر الحذرة باعتبارها القوة العالمية المفترضة والمرتقبة، فيما تظهر روسيا وكأنها إزعاجٌ إقليمي، مؤقت ربما.

وهذا يدفعني إلى التساؤل عن زمن، ربما عقد من الآن، قد تبدو فيه مصالح بريطانيا العالمية والمنطقة المحيطة بنا مختلفة قليلاً عما هي عليه اليوم. كبداية، الأرجح أن يكون فلاديمير بوتين، مصدر القلق الكبير (بالنسبة إلى الغرب)، قد غادر السلطة إلى غير رجعة. وقد لا تُصبح روسيا حينها "مشابهة لنا" بالضرورة، لكن مصالحها الجيوسياسية والأمنية ستبقى في الصدارة، وهذا ما لم يخفَ ترمب المعروف بواقعيته،  وستكون هذه المصالح أقرب إلى مصالحنا فيما تفرد الصين جناحيها أكثر على العالم.

نعم، يُمكن للصين أن تنهار تحت ضغط عملية التحديث الخاصة بها، لكن استفحال الفوضى فيها قد يُوقع المنطقة والعالم بمشكلات أكبر وأعمق من تلك التي يمكن أن تتأتى عن بسط سيطرة الجمهورية الشعبية على آسيا. والنتيجة واحدة، لكنني لا أراها بوضوح: المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي (أو ما سينتهيان إليه في ذلك الحين) يحشدان الجهود مع روسيا، بوصفها قوة أوروبية وكتلة كبيرة من أوروبا وآسيا. وبحلول ذلك الوقت، لن تعود رؤية الولايات المتحدة نفسها كقوة أساسية في الأطلسي أو الهادي أمراً مهماً، وستكون أوروبا قد وصلت إلى ترتيبات جديدة خاصة بها. وبحلول ذلك الوقت أيضاً، سيكون دور تركيا كحليف عكسري تلتقي مصالحه مع مصالح الغرب قد انتهى وستشهد الأيام تقهقرها، كما هو حاصل اليوم، لتصبح قوة إقليمية لها مصالحها التي تتقدم على مصالح الشعوب الأخرى.

وفي شبابي، كان ثمة موضوع سائد وقد بدا لي أكثر من مرة وكأنه نقاش أبدي حول ما إذا كانت بريطانيا ستبقى في "شرق السويس" أم لا. عجزتُ آنذاك وأعجز الآن عن استيعاب محاولات المملكة المتحدة إبراز ما تبقى من سلطتها خارج أوروبا. فـ"الاستدارة إلى منطقة المحيطين الهندي- الهادي" الذي يُفترض به أن يشكل ركن سياساتنا الخارجية- العالمية، يُؤثر بي لكن من دون أي حماسة. وفي المقابل، لو أدت تحذيرات مشتركة بشأن الصين إلى اتفاق روسيا وأوروبا على موقف جديد، فسيكون ذلك بمثابة استخدام عقلاني لنقاط قوة جميع الأطراف، قل مكسباً لكل طرف كما أُورد أخيراً في سياق آخر يجمع المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي. ولعل كل ما علينا فعله الآن هو الجلوس والترقب.

© The Independent

المزيد من آراء