Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تعاني العنصرية بصورة جدية

أصحاب البشرة الملونة يرون أن معالجة التمييز العرقي في المملكة المتحدة لن يتحقق بسرعة

أظهرت حركة "حياة السود مهمة" وتظاهراتها أن العنصرية ثقافة متغلغلة في مجتمعات غربية كثيرة (غيتي)

كشف استطلاع للرأي جديد مولته "اندبندنت" أن شريحة كبيرة من البريطانيين تعتقد بوجوب أن تشرع المملكة المتحدة في التصدي لمشكلتها المستفحلة المتمثلة في العنصرية.

ورأى كثيرون ممن شاركوا في ذلك الاستطلاع أن مؤسسات بريطانية عدة، بدءاً من الحكومة والشرطة ووسائل الإعلام، وصولاً إلى الأسرة الملكية، تشكل مؤسسات عنصرية. ووفق الدراسة الاستطلاعية التي أجرتها مؤسسة "بي أم جي" BMG بطلب من "اندبندنت"، فإن نسبة الأشخاص الذين لديهم هذا الرأي (عنصرية المؤسسات البريطانية) تزيد على نحو لافت في أوساط السود والآسيويين والأقليات الإثنية (الذين يعرفون في بريطانيا بمجتمع الــ"بايم" Bame، اختصاراً لعبارة Black, Asian & Minority Ethnic).

وبالتزامن مع نشر تقرير "هيئة النظر في العنصرية والتمييز العرقي" بعد مرور أربعة أشهر على الموعد الذي يُفترض نشره فيه، جاءت الدراسة الاستطلاعية الجديدة كي تُبين أن قرابة ثلث الأشخاص المستطلعين المتحدرين من أقليات إثنية (31 في المئة)، يرون في حزب المحافظين حزباً عنصرياً. في المقابل، يتبنى 20 في المئة من عموم البريطانيين (من مختلف الأعراق) ذلك الرأي، الأمر الذي يُشير إلى اختلاف في وجهات النظر مرده إلى تمايز في واقع العيش.

إذ رأى واحد من كل ثلاثة بريطانيين (33 في المئة) أن قوى الشرطة عنصرية، فيما ترتفع نسبة أصحاب هذا الرأي إلى 42 في المئة، بين المستطلعين المتحدرين من أقليات إثنية. كذلك كشف الاستطلاع أن ما يناهز ثلث البريطانيين المتحدرين من أقليات إثنية (33 في المئة) يعتقدون أن الصحف الشعبية في بريطانيا عنصرية، فيما شاركهم هذا الرأي أكثر من ربع البريطانيين من مختلف الأعراق (28 في المئة).

وعلى نحوٍ مماثل، بشأن سؤال الاستطلاع عن التماثيل والنصب التاريخية وأسماء الشوارع المرتبطة بماضي بريطانيا الاستعماري، رأى قرابة نصف المستطلعين المتحدرين من أقليات إثنية إنهم يودون إزالتها وتغييرها، وقد وافق على ذلك قرابة خُمس البريطانيين من الأعراق كافة (22 في المئة).

ورأت نسبة واحد من كل أربعة بريطانيين من أوساط الـ"بايم" (السود والآسيويين وأبناء الأقليات الإثنية)، أن الأسرة الملكية البريطانية عنصرية. وفي المقابل، وافق 22 في المئة من إجمالي البريطانيين (من مختلف الأعراق) على ذلك الرأي الذي جاء متزامناً مع دخول الأسرة الملكية البريطانية في قلب سجال حول العنصرية، إثر مقابلة أجرتها الإعلامية الأميركية أوبرا وينفري مع ميغان ماركل والأمير هاري، دوقة ودوق ساسكس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السياق عينه، شرعت منظمة "صندوق دعم رونيميد" Runnymede Trust للأبحاث في مظاهر التمييز العرقي، في مساءلة واقع العنصرية في بريطانيا على مدار 50 سنة.

إذ ذكرت مديرتها، الدكتورة حليمة بيغوم، أن المنظمة شعرت في بعض الأحيان أن أبحاثها حول مظاهر التمييز لاقت "آذاناً صماء". وفي حديث مع "اندبندنت"، أوضحت بيغوم أنه "مع نتيجة هذا الاستطلاع، فإن نسبة لافتة من البريطانيين، بغض النظر عن أصولهم الإثنية، تبدو موحدة الموقف ومتوافقة في اعتبار عدد من مؤسسات الدولة، مؤسسات عنصرية في بنيتها". وتابعت السيدة بيغوم "وجود مؤسسة عنصرية واحدة يعني وجود مؤسسات عنصرية عدة. (إذ في النهاية) نحن نتكلم عن هيئات عامة، يعتمد عليها في حياته كل شخص منا يومياً، وذلك من أجل صحته، وتعليمه، وشؤونه الإدارية، وأمنه".

وكانت وزيرة شؤون المساواة في حكومة الظل (من حزب العمال)، مارشا دي كوردوفا، قد دعت إلى نشر "التقرير عن حال العنصرية" الذي ترأس عملية إعداده الرئيس السابق لجمعيات العمل الخيري طوني سيويل، في أسرع وقت ممكن، لأن "معالجة العنصرية البنيوية في المملكة المتحدة تشكل مهمة لا يمكن تأجيلها" بحسب تحذير (دي كوردوفا). يشار إلى أنه كان قد تقرر أصلاً نشر التقرير المذكور في أواخر 2020. وذكرت السيدة حليمة بيغوم أن "التأجيل المتكرر في نشر تقرير سيويل يستدعي مخاوف جدية من أن تكون نتائجه تخضع لـ"ترتيبات إخراجية" من قِبَلْ الحكومة، بغية إظهار الصيغة النهائية "المُبيضة" منه عبر استنتاج يورد ببساطة أن العنصرية المؤسساتية غير موجودة في المملكة المتحدة". تابعت بيغوم، "لحسن الحظ يأتي هذا الاستطلاع الجديد ليشير إلى أن الشعب البريطاني سيكون مرتاباً جداً لو جاء تقرير سيويل بنتائج كهذه، بالتالي، إن حصل ذلك، لن تحظى الحكومة والمسؤول عن التقرير إلا بما يستحقانه من عدم اكتراث". وكذلك قالت الدكتورة بيغوم إن الخوض في هذه النقاشات لم يكن سهلاً ضمن مشهد الإعلام البريطاني، الذي يبدو في جزئه الأكبر غير منحاز إلى الرأي العام بخصوص مسألة العنصرية في المملكة المتحدة.

وأوضحت السيدة دي كوردوفا أن نتائج الاستطلاع الجديد أظهرت مدى "ابتعاد الحكومة عن الواقع" (في مسألة السعي إلى المساواة). ففي حديث مع "اندبندنت"، قالت دي كوردوفا إن "نتائج هذه الدراسة الاستطلاعية تظهر مقدار عدم مبالاة حزب المحافظين بمسألة المساواة بين الأعراق. إذ إنهم مهتمون أكثر ببث الشقاق ونشر الخوف، بدل معالجة مظاهر الإقصاء الممنهج للسود والآسيويين والمتحدرين من أقليات إثنية". وأردفت دي كوردوفا، "على بوريس جونسون الكف عن نفي العنصرية البنيوية في مجتمعنا، والبدء بمعالجة مسائل اللامساواة والتمييز العرقي التي تكبح تطور الناس".

وخلال الأيام المنصرمة، صَدَر نقد شديد اللهجة طاول عدداً من فروع قوى الشرطة جراء أسلوب تعاملها مع التظاهرات، إذ برزت في ذلك السياق مخاوف مطروحة من طريقة معاملة الأقليات. وتناول المسألة نفسها ريمي جوزيف- سالزبوري الذي يترأس فريقاً توجيهياً ضمن "شبكة مراقبة أفعال الشرطة" التي تمثل ائتلافاً يراقب تصرفات الشرطة في مختلف أنحاء المملكة المتحدة. وأفاد سالزبوري بأنه "ما زال أمام بريطانيا طريق طويل جداً كي تسلكه في مواجه العنصرية المتأصلة فيها. وفي هذا الإطار، ستكون خطوة أساسية أن يُصار إلى الاعتراف بأن العنصرية لا تسود بين الأفراد وحسب، بل إنها عنصرية بنيوية ومؤسساتية وتُمارس ضمن توجه الدولة. إذ يعني ذلك أنها مُتمركزة في الأعماق، وتُستنسخ وتسود في مؤسسات اجتماعية أساسية، كمؤسسات التعليم، والشرطة، والتوظيف، والإسكان وغيرها. بالتالي، تشكل الحكومة والدولة عاملين أساسيين في صون نظام العنصرية".

 "مواجهة العنصرية قد تتطلب تغييراً بنيوياً ومؤسساتياً بغية تحقيق التغيير في مجتمعاتنا، وليس ثمة دليل يشير إلى استعداد من هم في السلطة للإقدام على ذلك. إذ إن الهجمات الحكومية على حركتي "النظرية النقدية في الأعراق" Critical Race Theory (حركة بدأت في كليات الحقوق بالجامعات الأميركية في أواسط الثمانينيات من القرن العشرين) و"حياة السود مهمة" Black Lives Matter، تشير إلى عدم وجود مصلحة لدى من هم في السلطة كي يسعوا إلى مواجهة العنصرية. أكثر من ذلك، ثمة دليل ضعيف يظهر اهتمام المعارضة في تلك المسألة". وكذلك تحدث الدكتور جوزيف - ساليسبوري عن جهود السلطة (الحكومة البريطانية) الرامية إلى تمرير "مشروع قانون الشرطة والجرائم والمحاكمات والمحاكم"، الذي "يثير قلقاً بالغاً" ويتجاهل مسألة تعرض جماعات الملونين لقسوته أكثر من غيرهم.

وفي حديث مع "اندبندنت" الأسبوع المنصرم، أورد السير كير ستارمر، زعيم حزب العمال البريطاني، أن القانون المقترح "شكل قلقاً". وكذلك وجه ناشطون في هذا الإطار، كتاباً الى الحكومة البريطانية يطالبها بمراجعة مشروع القانون، والتحذير من أنه قد يسهم في ترسيخ اللامساواة العرقية.

وبالعودة إلى الدراسة الاستطلاعية التي أجرتها "بي أم جي" ومولتها "اندبندنت"، فإنها تأتي في أعقاب ما أدلى به دوق ودوقة ساسكس (هاري وميغان ماركل) ضمن مقابلتهما المدوية مع أوبرا وينفري، من أن أحد أفراد الأسرة الملكية، ليس الملكة ولا دوق أدنبره، عبر عن قلقه تجاه مقدار اللون الداكن الذي ستكون عليه بشرة ابنهما آرشي. وخلال المقابلة رأت ميغان، أول شخصية مختلطة العرق تتزوج من فرد من أفراد الأسرة الملكية الحديثة، أن ابنها لم يُعتبر أميراً نظراً لإرثه الأسود، وحتى إنه لن يمنح حماية أمنية.

ورأى رئيس قسم الاستطلاعات في "بي أم جي"، روبيرت ستروذيرس، أن "استطلاعنا يظهر أن واحداً من كل خمسة بريطانيين يعتبرون الأسرة الملكية عنصرية، ما يشكل معدلاً يرتفع على نحو لافت في أوساط الأشخاص المتحدرين من أقليات عرقية". وتابع ستروذيرس، "في جانب آخر، يُبين استطلاعنا أكثرية واضحة تستمر في تأييد وجود المَلَكية في المملكة المتحدة، بيد أن هذا التأييد ينخفض إلى أدنى من النصف في أوساط الأقليات العرقية. ويمثل ذلك اتجاهاً ثابتاً يتبدى في معظم الأسئلة التي نطرحها بشأن ذلك الموضوع".

"على الرغم من التركيز الذي حظي به هذا الموضوع (العنصرية) إثر مقابلة ميغان وهاري، فإن الأسرة الملكية ليست وحدها على الإطلاق معنية بالأمر. وفي الحقيقة، يُظهر استطلاعنا أن نسبة قليلة من الأشخاص تعتبر الأسرة الملكية أسرة عنصرية، بالمقارنة مع الرأي نفسه تجاه مؤسسات أخرى عدة". ويوضح ستروذيرس تلك المسألة، "مثلاً، ثمة عدد متعادل تقريباً من الأشخاص يعتبرون أن حزب المحافظين لديه مشكلة تتعلق بالتمييز العرقي، حتى أن هناك نسباً أعلى من الأشخاص يرون المشكلة ذاتها (العنصرية) سائدة في وسائط التواصل الاجتماعي، والصحافة المطبوعة، والشرطة". إذ يُظهر الاستطلاع أن ضعفي عدد الاشخاص في الأوساط غير البيضاء، بالمقارنة مع الأوساط البيضاء، يوافقون مع ميغان، بمعدل 45 في المئة، فيما يبلغ ذلك المعدل (الموافقة مع ميغان) في أوساط البيض 21 في المئة. ويُبين استطلاع "بي أم جي" أن الأشخاص الذين صوتوا ضد مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، هم من الناحية الإحصائية يميلون أكثر لاعتبار العائلة الملكية عنصرية.

 

 

ويظهر أن حملة عام 2016 التي روجت لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، شددت في دعاويها على المطالبة باسترداد "السيادة" البريطانية. في هذا الإطار، يظهر أن ثلث البريطانيين الذين يعتبرون العائلة الملكية عنصرية، قد صوتوا لمصلحة البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء بريكست. في المقابل، لم يبرز رأي مماثل بشأن وجود عنصرية العائلة المالكة إلا لدى 7 في المئة ممن الذين صوتوا لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي. وفي السياق ذاته، عُلم الأسبوع المنصرم أن قصر باكينغهام يبحث في تعيين "مدير لشؤون التنوع" ما يشكل اعترافاً واضحاً "بوجوب بذل (مزيد من الجهد)" في معالجة المخاوف من وجود تمييز عرقي داخل المؤسسة الرسمية. وكذلك عُلم أن ما أدلى به دوق ودوقة ساسيكس (هاري وميغان) في مسألة العرق، سيُنظر به في سياق المعالجات.

وتأتي نتائج الاستطلاع الجديد بعد مطالبة من ناشطين في حملات مكافحة العنصرية، عقب ما أدلى به هاري وميغان من اتهامات، بإسقاط امتيازات الأسرة الملكية البريطانية تماشياً مع قانون المساواة العرقية، وأن "يسري على أفراد هذه الأسرة ما يسري على بقية أفراد المجتمع" (من معايير وقوانين). وقد امتنع قصر باكينغهام عن إصدار بيان حول نتائج الاستطلاع، حينما سألت "اندبندنت" مصادره عن هذا الأمر. وكذلك جرى الاتصال بـ"داونينغ ستريت" (الحكومة) بهدف الحصول على تعليق.

وأطلق "المجلس الوطني لقادة الشرطة" في بريطانيا، يوم الاثنين المنصرم، حملة بشأن تعيين مسؤول مستقل يتولى وضع خطة جديدة للعمل في مسائل الدمج ومكافحة العنصرية في أوساط الشرطة، ضمن مواجهة تحديات مزمنة في العلاقة بين السود والشرطة.

استطلاع "بي أم جي" أجرى مقابلات عبر الانترنت بين 16 و19 مارس (آذار)، مع عينة تمثيلية بلغ تعدادها 1498 راشداً بريطانياً.      

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير