Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كلا يا بوريس... لا يعزى نجاح برنامج التلقيح البريطاني إلى الجشع والرأسمالية

إن قصة لقاح "أسترازينيكا" قصة تعاون يضم القطاعين العام والخاص وما يفعله رئيس الوزراء البريطاني فعلياً هو التقليل من شأن الدور الذي لعبته حكومته

رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون خلال زيارة له لأحد مراكز رعاية الأطفال (أ ف ب)

يعزى نجاح حملة التطعيم في المملكة المتحدة إلى الجشع والرأسمالية، كما قال بوريس جونسون بأسلوبه المتحذلق في اتصال مع نواب حزب المحافظين، مرتكباً بذلك حماقة غير مقصودة.

بعد أن أدرك خطأه، حاول رئيس الوزراء التراجع عن تعليقاته بسرعة، لكن بحلول ذلك الوقت، كان الضرر قد وقع. والظروف التي ارتكب فيها هذه الهفوة التي كانت مذهلة إن من حيث فظاظتها أو جهلها، ما جعل تسريبها أمراً مؤكداً.

أحكم داونينغ ستريت (مقر الحكومة البريطانية) الصمت المريب منذ ذلك الوقت، لكن لا بد أن أولئك المتملقين في محيط المحافظين سيهبون للدفاع عنه (ويطيلون بالتالي الجدل) عبر إصرارهم أنك لو وضعت اللغة المؤسفة التي استخدمها جونسون جانباً، فهو محق في الجوهر: هذا انتصار للرأسمالية.

فقد أنقذت العالم شركات تصنيع الأدوية العملاقة، التي يحفزها الربح، وأرباح الأسهم والمساهمين، من "أسترازينيكا" الإنجليزية – السويدية، و"فايزر"، و"موديرنا"، و"جونسون أند جونسون"، وغيرها. فلنتفق كلنا إذا مع غوردون "الجشع جيد" يا غيكو let’s all get down with Gordon “Greed is Good” Gekko.

وهنا يأتي دور الجهل.

يقسم برنامج التطعيم الحالي إلى ثلاثة أقسام، تشمل الأبحاث والتطوير، والتصنيع والتوزيع، وأخيراً، توصيل اللقاحات إلى الأشخاص.

فلندرس حالة لقاح "أكسفورد-أسترا". على الرغم من كل المد والجزر الذي عرفه هذا اللقاح، فهو يؤدي دوراً أساسياً في جهود المملكة المتحدة من أجل السيطرة على الجائحة. ويصادف أنه أيضاً اللقاح الذي عزز نظام مناعتي لكي يكون متأهباً إذا عانيت من الفيروس مجدداً. ولا ننسى أن هذا حال رئيس الوزراء كذلك.

جرت أعمال البحث في معهد جينر بجامعة أكسفورد، بدعم من مال الجامعة المرموقة الخاص في البداية، ولاحقاً بمساندة الحكومة. لذلك، عندما أثنى جونسون على الجشع والرأسمالية، كان يحرم إدارته من بعض الفضل الذي يعود إليها. لا بد أن هذه أول مرة يقدم فيها سياسي على تصرف كهذا.

عقدت الجامعة، وهي مؤسسة تعليمية لا تبغي الربح، شراكة مع "أسترازينيكا" من أجل الاستفادة من قدرة الأخيرة على التصنيع والتوزيع، وأفترض أن مقولة "الجشع جيد" ربما تدخل في المعادلة عند هذه النقطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن لا بد أن "أسترا" ستعترض على هذا الوصف، وربما اعتراضها محق. وسأدع تفسير هذه النقطة للبروفسورة لويز ريتشاردسون، نائبة رئيس جامعة أكسفورد، التي شرحت التفكير وراء ميزة فريدة في هذه الشراكة خلال خطاب ألقته العام الماضي.

"كنا مهتمين جداً بأن نضمن من ناحية أولى ألا نكون طرفاً في عملية اتجار خلال جائحة، ومن الناحية الثانية، ألا نكرر خطأ بداية أربعينيات القرن الماضي، حين اكتشف الأكاديميون في أكسفورد البنسلين، لكن سلموا كل الحقوق للشركات الأميركية. طلبنا أن يوافق أي شريك لنا على توزيع اللقاح، إن ثبتت فاعليته، بسعر التكلفة خلال الجائحة، وبشكل دائم في الدول النامية. وافقت شركة أسترازينيكا وهي تقوم بتجارب حالياً حول العالم وتخاطر بتصنيع اللقاح كي يمكن البدء بتوزيعه فوراً إذا ثبتت فاعليته".

سيتاح لـ"أسترا" أن تجني الأرباح بعد ذلك، وأن تكافئ مساهميها، لكن المقاربة أبعد ما تكون عن رأسمالية "الجشع جيد" التي أشار إليها جونسون، والتي صورها أوليفر ستون في فيلمه الساخر والقاسي "وول ستريت"، حيث نطق غيكو المذكور آنفاً، الذي أدى دوره مايكل دوغلاس، الجملة التي باتت سيئة الذكر.

لا يجب التقليل من أهمية ذلك الجزء من الصفقة: فالفيروس لن ينهزم سوى إن تمكنت الدول الفقيرة، والغنية أن تنشر حملات تطعيم ناجحة. ومن دون ذلك، سيكون من اليسير جداً بالنسبة لتكتل البروتينات الزيتية والحمض النووي الريبوزي أن يطور سلاسل جديدة يبتلي العالم بها من جديد.

يجب أن يؤدي لقاح "أسترا"، وثمن الجرعة منه 3 جنيهات إسترلينية وهو سعر التكلفة، دوراً مقدماً في هذه الخطة، وهو أرخص ثمناً بكثير من علاج "فايزر" الرأسمالي بوضوح، الذي تصل تكلفته إلى 15 جنيهاً إسترلينيا (حوالي 20 دولارا أميركيا) تقريباً. كما يتطلب هذا العلاج معدات متخصصة لحفظه في درجات الحرارة المطلوبة والمتدنية جداً.

وهنا نصل إلى آخر جزء من البرنامج: طرح اللقاح وتوصيله إلى الأفراد، وهذا ما تحقق بفضل جهود هيئة خدمات الصحة الوطنية NHS وموظفيها، لكن أيضاً، نعم، بمساندة من حكومة جونسون.

لذلك، من خلال تعليقاته، قلل رئيس الوزراء من أهمية الدور الذي اضطلعت به إدارته شخصياً، ليس في تطوير اللقاح فحسب، بل أيضاً في توصيله إلى الناس. وهذا أمر مذهل بحق. يمكن أن نتفهم شعور وزير الصحة مات هانكوك، وفريقه، بأنهم جرحوا.

اضطلعت هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وهي مؤسسة تمولها الدولة، بمهمة الاتصال بالمرضى عبر عيادات الأطباء لعرض اللقاح عليهم. كان موظفوها حاضرين في مراكز التطعيم من أجل غرز الإبر في يد الناس. يقدم الناس وقتهم، ليس بدافع الجشع، إنما خدمةً للمصلحة العامة.

كما يقوم جهاز الصحة، ووزارة هانكوك، بحملات إعلامية هدفها إقناع الرأي العام بفوائد التطعيم، ويصح الأمر نفسه بالنسبة لاسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية.

من الواضح أن قطاع الصناعة الخاص والقطاع المالي، قد لعبا دوراً مهماً، ومن الخطأ إنكاره أو التقليل من شأنه، لكن تطوير لقاح "أسترازينيكا" قصة تعاون ومشاركة، تتضمن استخدام رأس المال والخبرات العامة وغير الربحية والخاصة. ربما يهم جونسون أن يفكر بهذا الأمر. يبدو أن تصريحه نتيجة تفكير ليس فقط مفتقر إلى الدقة، بل بالٍ جداً.

© The Independent

المزيد من آراء