Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العلاقات الأميركية - الروسية... أزمة عابرة أم عداء دائم؟

واشنطن تستعد لفرض عقوبات جديدة ضد موسكو لكن باب التعاون مفتوح

مع تبادل الاتهامات بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على خلفية الكشف عن معلومات جديدة بتدخل روسيا في الانتخابات الأميركية، وإصرار موسكو على سحب سفيرها من واشنطن قبل أن تصدر تصريحات تحاول تهدئة الخلافات، تباينت التحليلات حول طبيعة الأزمة الحالية بين الجانبين ومدى انعكاسها على مستقبل العلاقة بينهما، فهناك من اعتبرها أزمة عابرة ستتجاوزها الأحداث لاحتياج كل طرف للآخر في ملفات أخرى، وهناك من وضعها في سياق عداء دائم بين واشنطن وموسكو سيتواصل طوال فترة حكم بايدن وقد يستمر بعده على الرغم من تركيز أميركا الآن على الصين أكثر من عدائها مع روسيا، فما الاستراتيجية التي تعتزم إدارة بايدن تطبيقها مع روسيا وكيف لها أن تحقق النجاح؟

عقوبات مرتقبة

قبل أسابيع عدة، تعهد بايدن بالانتقام من روسيا لتورطها المحتمل في اختراق كمبيوتر شركة "سولار ويندوز" الأميركية، ومن ثم التمكن من الدخول إلى أنظمة الكومبيوتر في العديد من الوزارات والوكالات الفيدرالية والشركات الأميركية الكبرى، أما الآن وبعد رفع السرية عن تقرير استخباراتي أكد تدخل موسكو في انتخابات 2020، يدرس البيت الأبيض فرض عقوبات جديدة على روسيا قد يعلن عنها الأسبوع المقبل، وسط تراجع جديد في العلاقات بين البلدين عكسه وصف الرئيس الأميركي جو بايدن للرئيس الروسي فلاديمير بوتن بأنه قاتل، ورد مماثل من بوتين وإن كان أكثر دبلوماسية.

وطوال أربع سنوات، لم يسمع الرئيس الروسي كلمة سيئة يقولها عنه رئيس الولايات المتحدة، ففي مقابلة تلفزيونية مع قناة "فوكس نيوز" عام 2017 رد ترمب باستخفاف على سؤال عما إذا كان يعتبر بوتين "قاتلاً"، معبراً عن احترامه للرئيس الروسي، وتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة بريئة جداً، لكن تولي بايدن السلطة في البيت الأبيض جعله يبدي رغبة في إبعاد نفسه عن الليونة التي اتسمت بها مواقف ترمب تجاه بوتين على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها إدارته ضد روسيا، كما اتخذ بايدن موقفاً متشدداً من روسيا، حين أعلن أن أيام صمت الولايات المتحدة على أفعال بوتين قد ولت.

إشارات متضاربة

وبينما دفعت التوترات المتصاعدة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إلى النقطة التي كانت عليها في نهاية حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، واستدعاء الكرملين السفير الروسي لدى الولايات المتحدة في خطوة هي الأولى من نوعها منذ نحو 20 عاماً، ومن دون الكشف عما إذا كان ذلك يعد قطعاً للعلاقات، استعمل بوتين لغة دبلوماسية أكثر، مشدداً على ضرورة تواصل العلاقات بين الدولتين النوويتين الأكبر في العالم، وعرض في الوقت نفسه إجراء مكالمة هاتفية مع بايدن لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك.

ومع ذلك، حذر ديميتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين من احتمال أن تزداد الأمور سوءاً، وأن رد روسيا على تصريحات بايدن سيكون واضحاً تماماً، في حين قالت جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، إن بايدن سيواصل السعي للتعاون مع روسيا في الجهود المبذولة لوقف البرنامج النووي الإيراني، كما سيتعاون على نطاق أوسع في منع انتشار الأسلحة النووية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا تزال علاقة موسكو بواشنطن مربكة للكثيرين، فقد تدهورت علاقات روسيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوياتها بعد الحرب الباردة عقب ضم موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية، والتدخل في الانتخابات الأميركية، وهجمات القرصنة على شبكات الكومبيوتر الأميركية، وقبل أشهر قليلة عقب سجن زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني بعد تسممه.

احتواء أم ضغوط

وفي وقت يرى بعض الباحثين في واشنطن أنه يجب على الولايات المتحدة أن تنحي جانباً مخاوفها في شأن النموذج الروسي الحالي في إدارة موسكو للشأن المحلي من أجل احتواء موسكو، وتحسين احتمالات المشاركة البناءة مع روسيا حول قضايا الاستقرار الاستراتيجي، مثل الحد من الأسلحة النووية وملف إيران، إلا أن آخرين يرون أن هذا المنطق يستند على مقدمات خاطئة لأن طبيعة إدارة الحكم المحلي لروسيا لها تأثير ضئيل على السياسة الخارجية، كما أن هذه الحجة تقوم على افتراض خاطئ بأن السعي وراء أجندة مؤيدة لحقوق الإنسان يتعارض بطبيعته مع المصالح الأميركية الأخرى، ويعني ذلك ضمنياً أن التدابير المصممة لتعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في الخارج لا جدوى منها في النهاية، بالتالي لا تستحق عناء استخدامها على حساب أولويات أخرى.

غير أن السياسة الداخلية لروسيا ترتبط مع سياستها الخارجية ارتباطاً وثيقاً تدركه السياسة الأميركية البراغماتية البحتة للتعامل مع أجندة حقوق الإنسان التي تركز على محاسبة الحكومة الروسية على انتهاكاتها كوسيلة قيمة لمتابعة المصالح الأميركية الأخرى في العلاقة بين الطرفين.

رؤى معاكسة

ولكن يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا منقسمتان بشدة، ليس فقط حول ملف الحريات وحقوق الإنسان، وإنما بسبب رؤيتهما المتضاربة للنظام العالمي، والمصالح الجيوسياسية والقيم التي يعتقد الكثيرون أنها تحتاج إلى إعادة ضبط، لكن أفضل ما يمكن تصوره بإيجابية، هو العمل المتواصل لتجنب حرب نووية تنهي الحضارة، والابتعاد عن أي تصعيد غير مقصود يمكن أن يؤدي إلى صراع عسكري.

ومنذ الاتصال الهاتفي الأول بين بايدن وبوتين، الذي تركز على تجديد اتفاقية "ستارت"، ظلت الخلافات قائمة حول ملفات عدة أهمها سجن زعيم المعارضة أليكسي نافالني، والاعتقال الجماعي للمتظاهرين، والقرصنة عبر الإنترنت، والتدخل في الانتخابات الأميركية، لكن العلاقات الأميركية الروسية تستحق كسر حلقة الهجوم والانتقام التي ميزت العلاقات الأميركية - الروسية على مدى العقود الثلاثة الماضية منذ انهيار جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، لكن ذلك يستدعي اتخاذ بعض الخطوات السياسية الواضحة التي قد يتخذها كلا الجانبين لتحقيق مصالحهما المشتركة.

هل من حل للنزاع؟

وبينما يؤكد بايدن أن الولايات المتحدة لن تسكت عن الأعمال العدوانية لروسيا التي ألحقت الضرر بالولايات المتحدة وخارجها، إلا أن أصواتاً تتحدث الآن من منظور حل النزاع، وتشير إلى أهمية تفهم أن بوتين لم يظهر من العدم، فقد جاء من رحم شعور العديد من الروس بالخطر جراء توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق أوروبا بعد تأكيدات من أنه لن يفعل ذلك، ثم قصف الولايات المتحدة صربيا الحليف الروسي عام 1999، وبناء أنظمة دفاع صاروخي في رومانيا وبولندا، ودعم الزعماء المناهضين لروسيا في كل من جورجيا بعد عام 2003، وفي أوكرانيا عام 2004، وبعد ذلك في عامي 2013 و2014، ثم دعم قيادات المعارضة في روسيا.

ووفقاً لبروس ألين، مدير مبادرة التفاوض مع روسيا في مشروع التفاوض بجامعة هارفرد، فإنه من المهم إدراك أن بوتين ليس وحده من شعر بالقلق من التصرفات الأميركية، وإنما أيضاً ميخائيل غورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفياتي، وبوريس يلتسين، أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولذلك فإن المشاكل في العلاقات الأميركية - الروسية لا تنبع فقط من فكرة أن بوتين يخشى الديمقراطية ويحتاج إلى عدو خارجي للبقاء في السلطة، فقد كانت أسباب المشكلات قائمة قبل بوتين، وستستمر لفترة طويلة بعد ذلك.

استراتيجية السلام

ولبدء عملية المصالحة بين واشنطن وموسكو، يجب على المفاوضين رؤية الصورة الكاملة، والخروج من دائرة الصراع الكامل بين الفعل ورد الفعل، إذ يمكن للرئيس بايدن أن يستخدم استراتيجية أشبه بتلك التي استخدمها الرئيس جون كينيدي عام 1963 تحت اسم استراتيجية السلام، إذ يمكن له أن يواصل إدانة الاستبداد في روسيا، والتأكيد أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي في وجه أي عدوان روسي، ولكنه من المهم أن يعترف بأن كلا الجانبين ساهما في الصراع المأساوي بين البلدين، بهدف السعي لفرص أوسع للتعاون في شأن العديد من الملفات مثل وباء كورونا وتغير المناخ والفضاء، والانتقال والمرور في القطب الشمالي، والقرصنة السيبرانية وغير ذلك من قضايا أخرى.

ويتفق باحثون آخرون، ومنهم يوجين رومر العضو السابق في مجلس الاستخبارات الوطنية الأميركي في أن علاقة الغرب مع روسيا تحتاج إلى بعض التغيير، ذلك أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا عالقة معاً في عداء متبادل منذ سبع سنوات حينما اندلعت الثورة في أوكرانيا، لكن مع تولي الرئيس بايدن السلطة في البيت الأبيض، حانت لحظة صياغة سياسة مشتركة مستدامة وفعالة تجاه روسيا.

تصورات مختلفة

وعلى الرغم من حقيقة اتفاق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل عام على أن روسيا تشكل تهديداً خطيراً، لا تزال هناك اختلافات كبيرة بين الحليفين في شأن هذه القضية، ففي حين يسود في واشنطن الرأي القائل إن العلاقة العدائية مع روسيا موجودة على المدى الطويل ويجب مواجهتها بشكل مباشر، هناك تصورات أوروبية مختلفة حول أفضل السبل للتعامل مع روسيا، نظراً لتنوع التجارب التاريخية بين الدول الأوروبية واختلاف موقعها الجغرافي، ولأن القادة الأوروبيين منخرطون بالفعل مع مشاكل مزعجة أخرى.

وعلى الرغم من أن النهج الواقعي للعودة إلى تحدي روسيا هو أفضل خيار متاح حالياً، فإنه يتطلب تنازلات معينة بين طرفي المحيط الأطلسي، إذ ينبغي على صانعي السياسة في الولايات المتحدة قبول فكرة أن علاقة الاتحاد الأوروبي بروسيا ستكون مختلفة اختلافاً جوهرياً عن علاقة الولايات المتحدة، وأنه ستكون هناك دائماً مجموعة متنوعة من الآراء داخل الاتحاد الأوروبي حول جارتها الشرقية.

مواجهة مستمرة

كما سيتعين على صانعي السياسة الأوروبيين قبول أن العلاقة مع روسيا لن تتحسن في المستقبل المنظور، وأنها نتاج عوامل هيكلية، وأن المواجهة مع روسيا ستظل قائمة لفترة من الزمن، بالتالي فإن المهمة التي تواجه التحالف عبر الأطلسي هي إدارة هذه العلاقة بمهارة وعزم ومسؤولية وإبداع وعقل متفتح.

وفي حين أن استخدام سلاح العقوبات المنسقة والردع الدفاعي والأمني مهمان في التعامل مع روسيا من أجل لجم محاولات تدخلها في الانتخابات أو شن عمليات قرصنة على المؤسسات الرسمية والخاصة في الغرب، إلا أنه من المهم ترك الباب مفتوحاً للحوار الموضوعي المستمر في كل مجالات الخلاف مع موسكو من دون اعتبار ذلك مكافأة على سلوك روسيا السيئ أو أنه تنازل من الغرب، ولكن في الوقت نفسه، فإن مستوى الحوار وما يمكن أن يحققه سيكون مؤشراً مهماً على صدق روسيا واستعدادها لإدارة خلافاتها مع الغرب.

المزيد من تقارير