Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مؤرخ أميركي خرج من أسره في إيران وينتقد محاولة التقارب معها

مثقفون يرون في تسيو وانغ مفكراً جديراً بالنقاش

السجين الأميركي السابق في طهران شيوي وانغ بعد عودته لوطنه (رويترز)

بعد حوالى سنتين ونصف من تجربة السجن المرة في إيران، خرج الأميركي تسيو وانغ إلى الحرية. ووصل الدارس السابق للتاريخ في جامعة "برنستون" الأميركية على متن طائرة إلى زيورخ (سويسرا) في نهاية 2019، في سياق عملية تبادل مقابل إطلاق العالِم الإيراني مسعود سليماني الذي سجنته أميركا بسبب اختراقه القانون لمصلحة طهران. وفي المطار، تلاقى برهة مع سفير إيران في سويسرا الذي لم يتوانَ عن استفزازه بالإشارة إلى أن سجنه الإيراني "أفاده" في تعلّم اللغة الفارسية! لم ترق تلك "النكتة" السمجة للمؤرخ وانغ، وقد درس التاريخ من جامعة "برنستون"، الذي عانى الأمرين في سجون طهران. ولاحت السانحة له بالرد حينما أخذ السفير الإيراني بالاحتجاج على اعتقال سليماني أصلاً. حينها، انبرى وانغ معلقاً باللغة الفرنسية "أرجو المعذرة، لكني لم أخترق أي قانون في إيران. لقد ذهبت إلى هناك بإذن من وزارة الخارجية الإيرانية يسمح لي بإجراء بحوث فيها. وعلى نقيض ذلك، اعتُقِلْتُ وأجبرتني الاستخبارات الإيرانية على الاعتراف بأني جاسوس". ولم يؤثر ذلك في السفير الإيراني، بل علق على تلك الكلمات مشيراً إلى أن وانغ "قد تعلم الفرنسية أيضاً".
واتهمت طهران وانغ بالتجسس لصالح الولايات المتحدة. وبحسب ما أوردته وكالة فارس للأنباء، فإن القضاء الإيراني صنّف وانغ "من العناصر الأميركية المتغلغلة، ويحمل جنسيتين ودخل البلاد عبر النفوذ بشكل خاص". مؤكداً أنه "تلقى توجيهات من الأميركيين بشكل مباشر، واعتقل بعد كشف نشاطه".

 

وذكرت مجلة "ذا أتلانتيك" في تقرير موسع كتبه غريم وود أن وانغ منذها، صمم على عدم الصمت. وبعد أن عاود الإمساك بزمام حياته الخاصة، خصوصاً عودته إلى أسرته وابنه الصغير، عمل بدأب على إبراز معنى أن يعيش الإنسان تجربة تحوله رهينة، مع كل الدروس المرّة المتصلة بها. وعاود وانغ العمل على رسالته لنيل درجة الدكتوراه في جامعة "برنستون". وكذلك ثابر على استعمال "تويتر" للتصدي لمزاعم السياسة  الإيرانية.

مسار مميز لإنسان مختلف

وبسبب انقطاع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين واشنطن وطهران منذ أزمة الرهائن في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، تغيب عن أميركيين كثيرين وقائع التجربة السياسية في إيران. وينطبق ذلك حتى على رسميين يتعاملون مع الشأن الإيراني. وكلما حدث تغيير مهما بدا هيّناً تجاه إيران من قِبَل الرئيس جو بايدن، ينبري وانغ لمهمة التصدي والنقد، مستنداً إلى تجربته المريرة في المعتقل الإيراني.

ومثلاً، بيّنت إدارة بايدن أنها بصدد تحريك العلاقات مع طهران، بما في ذلك إعادة النظر في الاتفاق النووي الذي أُبرِمَ إبّان ولاية الرئيس باراك أوباما وانسحبت منه إدارة الرئيس دونالد ترمب. في ما مضى، مال وانغ إلى تأييد علاقات طبيعية بين بلاده وطهران، بل أخبر ذلك حتى من استجوبوه في سجون طهران، وقد ردوا بأنه يحاول تخريب الحكومة الإيرانية من الداخل. لاحقاً، انتقد وانغ نفسه على ذلك الميل، منتقلاً إلى تأييد ممارسة الضغوط  المؤلم على حكومة طهران، اقتصادياً وعسكرياً. ويعتقد أن وضع السلطة في إيران يتأرجح على الحافة، ما يعني أن إضعاف حكومة طهران كفيل بجلبها إلى طاولة التفاوض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول "ذا أتلانتيك" يصعب وصف وانغ بالشخص العادي. إذ ولد صينياً في بيجين. ثم سافر إلى الولايات المتحدة في سن العشرين ونال الجنسية الأميركية في 2009.

درس تاريخ منطقة جنوب آسيا في "جامعة واشنطن"، وتعلم الهندية عبر العيش في الهند. وقد تخرج من "جامعة هارفرد"، بعد أن درس تاريخ آسيا الوسطى. انتقل إلى أفغانستان عاملاً في صفوف "الصليب الأحمر" لمدة سنة. ثم التحق بـ"جامعة برنستون"، وانخرط في دراسات لنيل الدكتوراه، تحت إشراف مواطن سابق في الاتحاد السوفياتي يدعى ستيفن كوتكين. ويتميّز كوتكين بالأسلوب الصارم في تأهيل من يشرف عليهم، ويفضل التعامل مع دارسين يجيدون غير لغة، ويحثهم على دراسة التاريخ عبر التفاصيل الدقيقة التي غالباً ما لا يلتفت المؤرخون إليها.

وصل وانغ إلى طهران في 2015، مع إذن رسمي بدراسة اللغة الفارسية في مؤسسة تعليمية مقرها شمال طهران. وفي البيانات التي تقدم بها بهدف نيل ذلك الإذن الرسمي، أوضح وانغ إنه يسعى للاشتغال الوثائقي على تاريخ مجموعة من التركمان الرُحل قطنت على الحدود قبل ما يزيد على مئة عام. ولم تبدِ جامعته تحفظات حيال موضوع الدراسة. وفي إيران، فُتِحت له ملفات الأرشيف الوطني. وانكب على عمله بدأب وشغف. وكذلك وجد وثائق مكتوبة بخط اليد بصورة ردئية، فدفع مالاً للحصول على نسخ منها كي يعمل لاحقاً على تحقيقها.

بعد مرور بضعة أشهر على ذلك النوع من العمل في إيران، فوجئ باستدعائه إلى قسم البوليس مع الطلب إليه بأن يصطحب جواز سفره معه. ومنذ اللحظة الأولى، تحقق من استجوابه من كونه ليس صينياً، فثمة علاقات جيدة تربط بيجين وطهران. وإذ أيقنوا أنه أميركي، بات أمر اعتقاله وارداً. وأُخِذَ منه جواز سفره، لكن سُمِحَ له مغادرة قسم الشرطة. ولم يطل به الأمر كي يجد نفسه معتقلاً داخل سجن "إيفن" المرعب.

ورطة الاعتراف

في السجن، عُذّب واعتُديَ عليه جسدياً. وعومِل بإذلال. ولم يتورع أحد المستجوبين عن تذكيره بأن قد لا يرى زوجته وابنه إلى الأبد. ووُجّهَتْ إليه تهمة سرقة وثائق.

وفي لحظة انكسار، خيّل إليه أن الاعتراف قد ينقذه من سجنه. وأُرغِم على توقيع ورقة كُتِبَ عليها إقرار بأنه جاسوس أميركي. وبدلاً من إنهاء سجنه، صدر ضده حكم بالسجن عشر سنوات. وسرعان ما أدرك أن سجانيه لا يهتمون ببراءته أو عدمها. إذ أخبروه بصلافة أنه معتقل ليكون جزءاً من عملية تبادل. وتبلور في ذهنه أن النظام الذي يسجنه لن يغير سلوكه إذا قدمت الولايات المتحدة تنازلات له، لأن تصرفاته تنجم عن طبيعته نفسها. وقبل تجربة سجنه، اعتقد وانغ أن سبب سوء العلاقة بين واشنطن وطهران يرجع إلى عدوانية أميركية ألحقت أذى بإيران، ما يعني أن دفء العلاقة بين البلدين قد يغيّر ذلك الأمر. لكنه أدرك أن الرهان على اعتدال الحكومة الإيرانية ليس سوى "سراب".

وذكرت "ذا أتلانتيك" أنه أثناء سجنه، سُمِح له بمخالطة سجناء إيرانيين، بعضهم سُجن لأسباب سياسية. وتعرف منهم إلى وقائع في تجربة إيران. وإذ أتقن أحد السجناء الفرنسية، فإنه لم يتأخر في تعليم وانغ تلك اللغة. وقضى زمناً مع إيرانيين أطول من سواه من المعتقلين الأميركيين. وفوجئ وانغ بأن الإيرانيين ممن يدعون إلى علاقات مفيدة في الاقتصاد والثقافة مع بلدان أخرى، قد يلقون في السجن. واستنتج أن النظام يؤيد ممارسة تلك النشاطات في الخارج، على أمل أن تؤدي إلى تخفيف العقوبات عنه، لكنه يحظرها داخل إيران.

وفي النهاية، رتّبت إدارة ترمب عملية تبادل تشمل وانغ، بل التقاه وزير الخارجية السابق مايك بومبيو. وسرعان ما صُدِمَ وانغ بأن "جامعة برنستون" لا تبدي تعاطفاً معه. إذ أصر مسؤولوها على أن ينجز رسالة الدكتوراه في موعدها الأصلي، على الرغم من معرفتهم بما جرى معه في إيران، وأن جهوده الأكاديمية قد نُسِفَتْ في سياق سجنه. ولم يصغ أولئك المسؤولون الذين ضمت صفوفهم رجل دين إيرانياً ومسؤولاً حكومياً إيرانياً سابقاً، إلى ما حاول وانغ إخبارهم به عن مآل عمله في إيران وتجربة سجنه فيها.

وكذلك أخبره أحد أساتذة "جامعة برنستون" أن موقف الجامعة منه يتعلق بإدارة ترمب، وتسلل جواسيس أميركيين إلى إيران. ورد وانغ بإنه اعتقل قبل انتخاب ترمب رئيساً بحوالى ثلاثة أشهر!

وحاضراً، ما زال وانغ قيد معاناة نفسية متصلة. لقد خرج من إيران، لكنها لم تخرج منه! وكذلك تؤرقه إمكانية أن تعمد إدارة بايدن إلى إعادة الدفء للعلاقة مع طهران، ما يعني بالنسبة له تقديم مكافأة لطهران على سلسلة طويلة من الجرائم بحق أميركيين وإيرانيين وغيرهم. بالتالي، يُعرب وانغ عن دهشته لوجود متعاطفين مع نظام إيران، ملاحظاً أن بعضهم يحمل ضغينة تجاه أميركا نفسها. ولا يتردد في إظهار مدى غضبه على مدار الساعة، حيال من يظنون أن ميل إيران إلى معاداة أميركا يشكّل أمراً قابلاً للتغيير.

المزيد من متابعات