انطلقت في الرياض أعمال الدورة الأولى لمؤتمر القطاع المالي، الذي يسعى إلى إبراز الموقع التنافسي للقطاع المالي للسعودية كونها أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وعلى الصعيد العالمي أيضاً، والإسهام في التعريف ببرنامج تطوير القطاع المالي ومبادراته لتحقيق "رؤية السعودية 2030"، بمشاركة وزراء ومسؤولين وكبار التنفيذيين في بنوك ومؤسسات مالية محلية وإقليمية وعالمية.
وكشف وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في كلمته "أن السعودية حققت فائضا في الميزانية قدره 27.84 مليار ريال (7.41 مليار دولار) في الربع الأول من عام 2019، وذلك مقارنة مع عجز 34.3 مليار ريال في الربع الأول من العام الماضي، وهو أول فائض في الربع الأول يسجل منذ عام 2014".
ومنذ عام 2017 شرعت السعودية في الإعلان عن أرقام الميزانية بشكل ربع سنوي، بهدف تعزيز مستوى الشفافية والمراقبة المالية وتحسين تقارير أداء الميزانية ليتوافق ذلك مع أهداف رؤية 2030.
وأضاف الجدعان أن "الإيرادات نمت في الربع الأول بنسبة 48% إلى 245.4 مليار ريال (65.4 مليار دولار)، بينما ارتفعت المصروفات بنسبة 8% إلى 217.6 مليار ريال (58 مليار دولار). وبلغت الإيرادات النفطية 169.1 مليار ريال بنسبة نمو 48% مقارنة بالربع المماثل من العام السابق، فيما بلغت الإيرادات غير النفطية 76.32 مليار ريال خلال الربع الأول مسجلة بذلك ارتفاعاً 46% مقارنة بالربع المماثل من العام الماضي.
وأشار الوزير السعودي إلى أن "الإيرادات غير النفطية ارتفعت في الربع الأول 2019 بأكثر من 3 أضعاف، مقارنة بالإيرادات غير النفطية المحققة في نفس الربع من 2014، إذ بلغت 76 مليار ريال".
وأوضح المسؤول السعودي أن "تلك النتائج تعكس التقدم الملحوظ في أداء المالية العامة منذ بدء تطبيق برنامج التوازن المالي"، مؤكداً أن "الحكومة تسير قدماً في تنفيذ برنامجها الشامل للإصلاح الهادف لضبط المالية العامة وتعزيز الشفافية، وتمكين القطاع الخاص".
وتعتزم السعودية زيادة الإنفاق 7% هذا العام في مسعى لتنشيط النمو الاقتصادي الذي تضرر بفعل أسعار النفط المنخفضة، وفقا لميزانية 2019.
في الوقت ذاته أكد وزير المالية أن "السعودية تتطلع من خلال رئاستها لمجموعة العشرين، أن يكون عام 2020 بداية لعقد جديد من التعاون بين أعضاء المجموعة من أجل قمة تعزز نمواً اقتصادياً قوياً ومتوازناً وشاملاً ومستداماً".
وأضاف أن "السعودية تسعى إلى دعم بيئة الحوار وتعزيز التعاون من خلال مناقشة سبل معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية في العالم، لذلك ستسهم في الحث على التركيز على المشكلات المشتركة لأعضاء مجموعة العشرين وبقية الدول، وتبادل الخبرات، لما فيه مصلحة دول المجموعة ولمنفعة العالم".
وبحسب وزير المالية السعودي، تعمل الرياض على صياغة جدول أعمال شامل للمسار المالي في مجموعة العشرين من خلال التشاور الوثيق مع الأعضاء والمنظمات الدولية، وسيتم التطرق إلى مجالات مثل: تعزيز مراقبة المخاطر العالمية، ومواجهة التحديات الضريبية المتمثلة في الاقتصاد الرقمي، وتعميق الشمول المالي، وتقييم أثر تطبيق التشريعات المالية على القطاع المالي، وأثر التكنولوجيا وتحسين بيئة الاستثمار في البنى التحتية.
ومن المنتظر أن تستضيف السعودية أعمال الدورة الخامسة عشرة لاجتماعات قمة قادة مجموعة العشرين 21 و22 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 في العاصمة الرياض.
وسجلت السعودية- أكبر مصدّر للنفط في العالم- عجزا خلال السنوات الأربع الماضية، في ظل تراجع أسعار النفط عن مستوياتها منتصف 2014. وكانت السعودية قد أعلنت أضخم موازنة في تاريخها لعام 2019، بإنفاق 295 مليار دولار، مقابل إيرادات بـ260 مليار دولار، متوقعةً عجزا قيمته 35 مليار دولار.
سياسات مالية محفزة لدعم النمو
وأكد الجدعان على تواصل الحفاظ على السياسات المالية المحفزة في السعودية، مع إعطاء الأولوية لدعم النمو الاقتصادي والقطاع الخاص من خلال تسهيل ممارسة الأعمال وإزالة المعوقات وتوفير التمويل وحزم المساعدات النوعية.
وذكر أن "المؤشرات تؤكد ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي غير النفطي ليبلغ 2.1 % في عام 2018، مقارنة بـ1.3 % في 2017، ونمو نشاط قطاع المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال الذي يشكل 10% من إجمالي الناتج المحلي الذي بلغ متوسط نموه خلال السنوات الخمس الماضية 3.3% سنويا".
وبيّن الجدعان أن "استمرار متانة وملاءة القطاع المالي ستسهم في قدرته على تحقيق دوره في التنمية ودعم مبادرات التحول وتوفير مزيد من المنتجات التمويلية والاستثمارية المتنوعة، وستؤدي خطط برنامج تطوير القطاع المالي إلى تطوير سوق مالية متقدمة".
وقال "إنه إدراكا لأهمية السوق المالية في كونها ركيزة التنمية الاقتصادية والمالية فسيستمر العمل في تطوير كل ما من شأنه تعزيز الثقة في السوق المالية السعودية، لتصبح من أكبر 10 أسواق مالية عالميا في 2030".
"كريدي سويس" يحصل على ترخيص في السعودية
وخلال جلسة حوارية على هامش المؤتمر، قال وزير المالية "يسرني إبلاغكم موافقة مجلس الوزراء هذا الأسبوع على ترخيص جديد لبنك أجنبي، وهو بنك كريدي سويس"، وأضاف "للمرة الأولى في تاريخ السعودية يتم إصدار صكوك لمدة 30 سنة، بقيمة تتجاوز 9 مليارات ريال".
وزاد "بدأنا بإطلاق حزمة تحفيزية للقطاع الخاص بقيمة 12.5 مليار ريال، وتم ضخ ملياري ريال منها، والعملية لا زالت مستمرة" مبيناً أن "الهدف من ذلك هو دعم نمو القطاع الخاص عبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لا سيما وأن دعم القطاع الخاص هو محرك النمو خلال السنوات المقبلة، لذا تعمل السعودية على تسهيل أعمال القطاع وتذليل العقبات أمامه وتقديم الدعم له".
وأضاف أن "السعودية تتخذ خطوات عديدة لتوفير عدد من المنتجات الادخارية، حيث سيتم الإعلان عن منتجات ادّخارية جديدة خلال أعمال المؤتمر"، مضيفا أن "الوزارة تعمل مع مؤسسة النقد العربي السعودي لتطوير قطاع التأمين في السعودية".
الفالح: ليس هناك حاجة إلى زيادة إنتاج النفط
وبدوره، قال خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، إنه "بعد استحواذ أرامكو (أكبر منتج للنفط في العالم)، على (سابك) نطمح أن تكون من أكبر الشركات في العالم".
وسجلت باكورة سندات أرامكو السعودية الدولية، البالغة 12 مليار دولار، نجاحاً غير مسبوق ألهب حماس المستثمرين حول العالم بعدما جذبت طلبات اكتتاب قياسية بنحو 100 مليار دولار، حتى التاسع من أبريل (نيسان)، في أول إصداراتها من السندات الدولية.
جاء بيع السندات في أعقاب استحواذ "أرامكو" على 70% في "سابك"، مقابل 69.1 مليار دولار من صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي السعودي).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الفالح أن "إنتاج السعودية من الخام سيظل في حدود التخفيضات التي تقودها (أوبك)، لكن أكبر بلد مصدر للنفط في العالم سيتجاوب مع حاجات عملائه". وقال الفالح إنه "سيكون هناك تغيير طفيف للغاية في إنتاج السعودية النفطي في مايو (أيار) مقارنة بالشهرين الأخيرين، وإن مخصصات خام أرامكو السعودية لشهر يونيو (حزيران) ستتقرر خلال أسبوعين".
وعلى جانب آخر، قال وزير الطاقة السعودي "إنه لا يرى حاجة إلى زيادة إنتاج النفط على الفور بعد أن أنهت الولايات المتحدة الإعفاءات الممنوحة لبعض مشتري الخام الإيراني"، لكنه أضاف أن "تركيز بلاده سيظل منصبّاً على موازنة أسواق النفط العالمية".
وقال الفالح "إنه يسترشد بالعوامل الأساسية لسوق النفط، لا الأسعار، وإن مخزونات النفط العالمية تواصل الارتفاع".
السماح للشركات الخارجية بالإدراج
ومن جهته، قال محمد القويز، رئيس هيئة السوق المالية السعودية إن "الهيئة تعمل حالياً على إطلاق أول مشتقات مالية لتمكين المستثمرين الأجانب"، معلناً البدء في السماح للشركات الخارجية بالإدراج في السوق المالية السعودية.
وفي كلمته أمام المؤتمر، أضاف القويز أن "وجود مستثمرين متنوعين في السوق يعمل على رفع كفاءته ويزيد من استقراره"، منوهاً بالجهود المبذولة في هذا الشأن في الآونة الأخيرة ضمن إطار خطة العمل على التنويع وليس التركيز على مستثمر بعينه.
وأوضح "أن مستوى التطور طبيعي إلى حد كبير، وفي أغلب أسواق العالم يتطور سوق الأسهم ويصل إلى مرحلة النضج ويعقبه تطوير سوق الدين، والسعودية في هذه المرحلة الآن"، وقال القويز "بدأنا في تغطية منحنى العائد مع إصدارات الدين الحكومية، والسنة الماضية كان فيه تحديث كامل للوائح الطرح، وإصدارات مضمونة بأصول".
وتابع "بالفعل مجتمع المستثمرين بدأ يتنوع وأغلب الطلب على أداوت الدين الحكومية من المستثمرين من خارج السعودية"، مؤكداً أهمية المحافظة على حصة صغار المستثمرين في السوق المالية لدعم السيولة وعدم تفضيل فئة على أخرى ولكن الهدف تنويع الاستثمارات.
وأوضح رئيس هيئة السوق المالية السعودية أن "عنصر الزكاة فيه تطور ملحوظ فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بالشركات ونعمل قدما فيما يتعلق بأدوات الدين".
مذكرة تفاهم لتأسيس "مركز فنتك السعودية"
في جانب آخر، وقّع محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي أحمد الخليفي، ورئيس مجلس هيئة السوق المالية محمد القويز، مذكرة تفاهم لتأسيس "مركز فنتك السعودية"، بالشراكة مع مركز الملك عبد الله المالي اليوم خلال مؤتمر القطاع المالي.
وبموجب المذكرة، سيحتضن مركز فنتك السعودية كل من لديه الاهتمام والشغف بقطاع التقنية المالية من خلال توفير مساحات خاصة للعمل المشترك ولتصميم النماذج المبدئية للحلول الابتكارية، ومختبر تقني مجهز وبرنامج مسرِّعة أعمال.
وبحسب بيان مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما"، فإن المركز، المزمع إطلاقه، يهدف إلى دعم رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة فيما يخص توفير مساحات العمل المتخصصة في قطاع التقنية المالية، وتوفير مختبرات تقنية بالشراكة مع أكبر الشركات والجهات الفاعلة في القطاع، إلى جانب إطلاق برامج مسرعات وحاضنات متخصصة في التقنية المالية.
كانت "ساما" أطلقت في عام 2018، مبادرة "فنتك السعودية" بهدف دعم منظومة التقنية المالية للنهوض بالسعودية لتصبح مركزاً للتقنيات المالية يحتضن منظومة مزدهرة ومسؤولة تشمل البنوك والمستثمرين والشركات والجامعات ومؤسسات الدولة، بما يسهم في دعم الشمول المالي وزيادة التعاملات المالية الرقمية.
ومن المتوقع أن يعلن خلال مؤتمر اليوم عن اتفاقيات بينية أخرى بين جهات القطاع العام في الشأن المالي، إضافة إلى اتفاقيات بين جهات من القطاع العام وأخرى من القطاع الخاص.
وتعتبر السعودية أكبر سوق مالية في الشرق الأوسط، وفق المؤشرات الدولية، ما يُعد عاملاً محفزاً للاستثمارات الأجنبية، ولذلك تسعى إلى تمكين أقطاب الصناعة المالية مثل شركات التمويل والاستثمار والتأمين والبنوك والشركات الكبرى من اللقاء والاجتماع في مكان واحد، بهدف تبادل الخبرات بين الممولين والمستفيدين، إضافة إلى تبادل التجارب والمعلومات، ومناقشة أبرز التحديات، وتسليط الضوء على الأنظمة والتشريعات، واستعراض أفضل الممارسات لتطوير القطاع المالي.
ويشهد المؤتمر الذي يعقد على مدى يومين، مشاركة نحو 3000 من ممثلي قيادات عالم المال والأعمال محلياً وإقليمياً وعالمياً، ويهدف إلى تعزيز المكانة المالية للسعودية، حيث يمثل نافذة للفرص الاستثمارية الواعدة في القطاع المالي التي توفرها مشاريع "رؤية السعودية 2030"، لا سيما مبادرات "برنامج تطوير القطاع المالي"، وفق مرتكزات البرنامج الثلاثة، وهي: تمكين المؤسسات المالية من دعم نمو القطاع الخاص، وتطوير سوق مالية متقدمة، وتعزيز وتمكين التخطيط المالي لدى شرائح المجتمع كافة.
وخلال المؤتمر ستعقد 21 جلسة تشمل المواضيع التي تهم القطاع المالي، انطلاقًا من 6 محاور رئيسة، وهي: بناء القدرات في القطاع المالي، والتحديات والفرص في سوق التأمين، والتمويل العقاري، والتمويل الإسلامي، وتنافسية القطاع المالي، والتقنية المالية.
و"برنامج تطوير القطاع المالي" يُعتبر أحد البرامج التنفيذية التي أطلقها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في أبريل (نيسان) 2017 لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، ويسعى إلى دعم تنمية الاقتصاد السعودي والإسهام في تحقيق أهداف البرامج الأخرى للرؤية، وذلك من خلال تطوير قطاع مالي متنوع وفاعل لدعم تنمية الاقتصاد الوطني، وتحفيز الادخار وتمويل الاستثمار.