في السودان لا ينفك المواطن يخرج من أزمة حتى يدخل في نفق آخر، وذلك على الرغم من المحاولات الحكومية العديدة للحد منها، لكنها تظل تطل برأسها من حين لآخر.
لكن معضلة الخبز الطاحنة التي بدأت قبل سنوات قليلة تكاد تكون المشكلة الوحيدة التي تتجدد بشكل يومي، ما جعل المواطن يشعر بعدم رضى، كون الخبز هو قوت لا غنى عنه.
وتأتي ندرة الطحين كسبب رئيس لهذه المشكلة، حتى تكاد تخلو رفوف المخابز من الخبز، وعندها لا يجد المواطن سوى العدم.
وعلى الرغم من وجود أكثر من أربعة آلاف مخبز في الخرطوم، إلا أن الأزمة استمرت لأشهر عدة، ومن ثم خرجت الجهات المسؤولة بقرار بيع الخبز بالكيلو، ما رفع سعر رغيف الخبز من جنيهين إلى أكثر من خمسة جنيهات للخبز المدعوم و25 جنيهاً للخبز غير المدعوم أو الذي يُعرف بالتجاري.
كل هذه الصعوبات التي عصفت بهذه المادة الأساسية خلقت سوقاً موازية للخبز وتتفاوت أسعاره من مكان إلى آخر، وبات يباع بُطرق غير صحية ولا قانونية، بعيداً عن أعين الرقابة.
السياسات التي أسهمت في خلق سوق موازية
سياسيات بيع الخبز الجديدة التي أقرت بيعه بالكيلو (المدعوم)، كان من شأنها أن تحل الأزمة، كونها تحفظ حق المواطن وصاحب المخبز، ولكن بسبب وجود سعرين للخبز مقسمين ما بين مدعوم وتجاري، وشح الدقيق بصورة عامة، جعل البعض يقوم بشرائه وبيعه في سوق موازية بأسعار أعلى ليشتريه المواطن الذي سئم الصفوف.
مشهد يُلحظ يومياً في شوارع الخرطوم... خبز يباع خارج المخابز وفي الشارع العام بأسعار مرتفعة، لتصبح تجارة الخبز هي الأبرز في السودان. فلا تباع هذه المادة من منافذها فقط، بل تباع داخل الأحياء سراً وكأنها من الممنوعات، والمواطن يشتري بالطرق السهلة.
أصحاب المخابز يدافعون
ومنذ بداية معضلة الخبز المستمرة منذ نظام البشير، لا يزال أصحاب المخابز يعتبرون أنفسهم الضحية، فخلال الأزمة أغلقت مئات المخابز أبوابها نسبة لانعدام الدقيق وندرته، وظهرت بعض الجهات التي تخزن الدقيق، وأسهمت بصورة مباشرة في تفاقم المشكلة. أما هذه الأيام فأصحاب المخابز يقومون ببيع الخبز بصورة طبيعية، وما زالت المشكلة مستمرة متفاقمة.
أحمد عزيز صاحب أحد المخابز في مدينة أمدرمان قال "إننا نقوم ببيع الخبز بحسب موجهات وزارة التجارة حيث يبلغ سعر الكيلو 50 جنيهاً، ونقوم بتجهيز الخبز بحسب حصة الدقيق الذي نحصل عليه كاملاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "ظهور سوق موازية ليس مسؤوليتنا، فنحن نبيع الخبز للمواطن العادي وأحياناً تتكفل لجان المقاومة بذلك، إذ يقومون بأخذ حصة الرغيف وبيعها لسكان الحي بشكل منظم لمنع خلق سوق سوداء، أما الذي يُباع في المحال التجارية الأخرى فهو خبز غير مدعوم يصنع في مخابز معينة، ونسبة لعدم دعمه فمن الطبيعي أن يكون بسعر أعلى، ويأتي المواطن ليشتري بحسب إمكاناته سواء كان مدعوماً أو غير مدعوم".
اختلاف في الآراء
البعض يرى أن وجود سوق موازية للخبز أمر ليس بالخطير، خصوصاً أن بيعه خارج الأفران يوفر الزمن والجهد بسبب طوابير المواطنين، وآخرون يعتقدون أن هذه السوق الموازية ستخلق أزمة في القريب العاجل بسبب عدم توحيد تسعيرة الخبز، التي ستفتح الباب للتجار الذين يبيعون الخبز المدعوم خارج الأفران في التحكم بسعر الرغيف وبيعه بأسعار عالية مقارنة مع سعره الحقيقي.
محمد الطاهر أحد الباعة الذين ينشطون في بيع الخبز في أحد الشوارع الرئيسة قال "أقوم بشراء الخبز من المخبز، وهو مدعوم، بسعر 50 جنيهاً للكيلو، وأقوم ببيعه بسعر 90 جنيهاً للكيلو، ولم أواجه أي مضايقات أو تهديدات لأنني لم أرتكب جريمة، فأنا أقوم فقط بتسهيل عملية الشراء للمواطن الذي لا يجد وقتاً للوقوف في الصفوف".
ضبط السوق
وكثفت وزارة التجارة خلال العامين السابق والحالي جهودها في توفير الدقيق من دون التركيز على ضبط السوق وعملية البيع ما بعد صناعة الخبز، ما أدى إلى ظهور أزمات ما بعد الأزمة.
وقال مصدر من وزارة التجارة إن "الخبز غير المدعوم لا يمكن احتكاره ولا ضبطه ولا حتى التحكم في عملية بيعه هذه الفترة، فبسبب الندرة والطوابير الطويلة في الأشهر الماضية جعلت الناس يتقبلون الأسعار، ولكن في حال بيعه بأسعار غير منطقية سنتدخل، أما الخبز المدعوم بواسطة الدولة فهو متوفر في المخابز ويكفي كل المواطنين، وتتم عملية البيع عن طريق لجان المقاومة التي بدورها تساعد في توزيعه بصورة عادلة".
نسبة الاستخلاص ورداءة الخبز المدعوم
وبعد انقسام الرغيف إلى مدعوم وآخر غير مدعوم، لاحظ البعض وجود اختلاف في جودة الرغيف غير المدعوم مقارنة بالمدعوم الذي يعد جيد الصنع، بينما الآخر تزيد فيه نسبة الاستخلاص فيه ما يجعله قليل الجودة.
وجاءت خطوة زيادة نسبة الاستخلاص للحد من عمليات ييع الدقيق في السوق السوداء لمصانع الحلوى والمطاعم الكبيرة، التي دخلت السوق بقوة وأحدثت فيه فجوة ليست بصغيرة.
لكن تلك الخطوة جعلت أصحاب المخابز يلوحون بالإضراب مرات عدة إن لم تعد النسبة القديمة للاستخلاص.
وفي ذلك الصدد، يقول المواطن أيمن دفع الله "سعر الشوال في السوق يعادل سعر عشرة شوالات مدعومة، لذلك يتحجج صاحب المخبز مرة بعدم توفر العمالة ومره بانقطاع الكهرباء والغاز، وأثناء ذلك يقوم بتسريب الدقيق إلى الأسواق ليبيع الشوال الواحد بسعر عشر زيادات، والاستخلاص أوقف تلك السوق".