Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تلجأ الكويت إلى الخيارات "الصعبة" لمواجهة شح السيولة؟ 

تحذيرات من السحب من الاحتياطي... وخفض العملة وفرض الضرائب بدائل مطروحة 

ارتفاع أسعار بيع النفط الخام أزال المخاوف المتعلقة بتوفير السيولة اللازمة لدفع الرواتب (أ ف ب)

يبدو أن الكويت تواجه خيارات صعبة مع اشتداد أزمة السيولة النقدية وصعوبة تدبير الأموال بعد أن كادت تنفد من خزائن الحكومة، في وقت يصعب فيه الاقتراض من الأسواق المحلية أو العالمية بسبب توقف الدين العام وأجواء رفض تشريعي للقانون، بينما يرجح كثيرون إمكانية اللجوء إلى الصندوق السيادي وتسييل بعض الأصول لسد عجز الميزانية بشكل عاجل. 

وعلى الرغم من أن أوساط حكومية رفيعة أبدت ارتياحها من الارتفاعات الأخيرة في أسعار بيع النفط الخام، مؤكدة أن تلك الزيادات ستسهم في تغطية العجز المالي بالموازنة خصوصاً فيما يتعلق ببند الرواتب، بحسب ما ذكرته صحيفة "القبس" الكويتية، حيث إن اقتراب أسعار النفط لمستوى 70 دولاراً للبرميل الواحد، أزال المخاوف المتعلقة بتوفير السيولة اللازمة لدفع الرواتب، التي كانت الحكومة قد أبدت أكثر من مرة تخوفها من حدوث هذا الأمر. 

وتشير الصحيفة إلى أن الحكومة قررت وقف عملية تبادل الأصول ما بين صندوق الاحتياطي العام وصندوق الأجيال، وذلك بعد أن قامت عملية التبادل بدور كبير في توفير السيولة اللازمة للصرف على عجز الموازنة خلال الفترة الماضية. 

وتعاني الدولة الخليجية الغنية بالنفط، إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ تأسيسها، بسبب تداعيات فيروس "كورونا" وانخفاض أسعار النفط المصدر الرئيس لأكثر من 90 في المئة من الإيرادات الحكومية، مما أثار مخاوف من اللجوء لتسييل أصول سيادية لسد عجز الميزانية. ولمواجهة الأزمة قررت الكويت خفض حجم النفقات في الميزانية العامة للسنة المالية 2020-2021 بنحو 945 مليون دينار (3.1 مليار دولار) في ظل تداعيات غير مسبوقة. 

كما أن السلطات عدلت تقديرات الميزانية الحالية، لتخفض المصروفات إلى 21.5 مليار دينار (70.4 مليار دولار)، والإيرادات إلى 7.5 مليار دينار (24.57 مليار دولار) بنسبة تراجع 53 في المئة عن التوقعات المستهدفة مطلع عام 2021/2020. 

وكان وزير المالية الكويتي خليفة حمادة، قد حذر في وقت سابق من أن "الإيرادات والمصروفات العامة في الدولة تعاني اختلالات هيكلية أدت إلى قرب نفاد السيولة من خزانة الدولة"، إلا أنه أكد "أن المركز المالي للكويت قوي ومتين، كونه مدعوماً بالكامل من صندوق احتياط الأجيال القادمة". 

قانون لتسييل الأصول 

وتقدمت الحكومة الكويتية، بمشروع قانون لمجلس الأمة (البرلمان) تطلب فيه سحب 5 مليارات دينار (16.6 مليار دولار) من صندوق الأجيال القادمة للتعامل مع أزمة السيولة في البلاد وسداد عجز الميزانية. وذكر مجلس الأمة في بيان، أن القانون نص على تعديل أحكام عمل الصندوق لتشمل جواز أخذ المبلغ سنوياً لمواجهة أي عجز يطرأ على الاحتياط العام للدولة. 

وكانت الكويت تستقطع سنوياً نسبة 10 في المئة من إيراداتها، وتُحول لصندوق الأجيال القادمة الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار التي تمثل الصندوق السيادي لدولة الكويت، إلا أنه بسبب جائحة كورونا تم وقف الاستقطاع لدعم الميزانية العامة إلا أن هذا غير كاف. 

وبحسب بيانات حكومية، سابقة تقدر السيولة بصندوق احتياطي الأجيال بنحو 30 مليار دينار (100 مليار دولار) في نهاية السنة المالية الماضية 2019-2020. 

ورفعت الحكومة الكويتية توقعاتها لعجز الميزانية العامة إلى 14 مليار دينار (45.68 مليار دولار) خلال العام الحالي الذي ينتهي في مارس (آذار) المقبل، مقارنة مع 7.7 مليار دينار (25.12 مليار دولار) المقدرة مطلع العام، فيما يبلغ العجز بمشروع الموازنة للعام المقبل 2022/2021 نحو 12 مليار دينار (40 مليار دولار). 

الإنفاق على المشاريع 

ويبدو أن أزمة السيولة في الكويت قد أوقفت طرح مشروعات جديدة، فيما اكتفت بالصرف على المشروعات الموجودة. وبحسب المتخصصين في الاقتصاد الكويتي، فإن صعود أسعار النفط سيكون "مؤقتاً"، وبالتالي فإن التقاط الأنفاس حول انفراجة في الأسواق لا يعول عليه، خصوصاً في ظل التقلبات السعرية، مما قاد الحكومة إلى أهمية ضبط الإنفاق والمصروفات. 

إلى ذلك يثير عدد من المتخصصين ضرورة معالجة الخلل الاقتصادي وهيكلة الإصلاحات المستمرة التي تضمن الاستقرار المالي على المدى البعيد. 

مخاطر اقتصادية مستمرة 

إلى ذلك قال الباحث الاقتصادي والمالي فهد الشريعان، إن أي سحب من الاحتياطي العام سيكون له أضرار اقتصادية عنيفة، إذا لم تتوافر الرؤية الواضحة والدراسة الوافية من جميع الجوانب وعدم الانتباه للأضرار المترتبة على ذلك، لذا يجب تحديد مدة وآلية تعويضه في توقيت محدد، فالمفترض أنه يجب أن يكون هناك تدعيم للاحتياطي وليس سحباً، موضحاً أنه من الأفضل للدولة التوقف قدر الإمكان عن السحب من الاحتياطي الذي ينبغي أن يترك لأوقات الطوارئ. 

وأضاف "الشريعان"، أن "الظروف الاقتصادية التي تمر بها الكويت بسبب التراجع الحاد في الإيرادات النفطية وكذلك الأزمة الصحية العالمية التي تفرض التعامل مع آثار جائحة كورونا بما قد يؤثر بالسلب على الاحتياطي العام، وإلى شح السيولة النقدية، قد يترتب عليه عجز في تمويل الميزانية العامة". 
وأوضح أن الحكومة الكويتية طلبت من مجلس الأمة إحالة مشروع بقانون يقضي بجواز سحب مبلغ من احتياطي الأجيال القادمة لمواجهة أي عجز يطرأ على الاحتياطي العام بالدولة، ولكن حتى الآن لم يتم تحديد كيفية السحب وطريقته، هل هو من العوائد أم من الأصول السيادية؟ 

وأكد أن هناك سوء إدارة تسبب في الوصول إلى حالة مستعصية للاقتصاد، ولكن هناك حلولاً تحتاج إلى مجهود كبير، واستدراك هذا الوضع يكمن في ضرورة القيام بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، وهذا ليس مستحيلاً، ولكن قد يواجهه صعوبات، مشدداً على أن حاجة الحكومة لإقرار قانون الدين العام ما زالت ملحة حتى تستطيع الاعتماد عليه في الاقتراض سواء من بنوك محلية أو خارجية. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبعات مالية عند السحب من الاحتياطي 

من جهته ذكر محمد رمضان، الباحث الكويتي في الشؤون الاقتصادية، أن السحب من احتياطي الأجيال له تبعات مالية، وهذه التبعات تكمن في الانتقال من مرحلة الحرص على تنمية احتياطي الأجيال قدر الإمكان إلى مرحلة أن نحافظ فقط على احتياطي الأجيال من الهبوط، يعني سحب 5 مليارات دينار (16.6 مليار دولار) سنوياً وفق مشروع الحكومة لن تستهلك احتياطي الأجيال، ولكنه لن ينمو مع وجود هذا السحب المستمر سنوياً. 

وأضاف رمضان "وصل احتياطي الأجيال إلى أعلى رقم تاريخي له، إذ وصل إلى 581 مليار دولار، بحسب تقديرات وكالة (فيتش) في تقريرها الأخير لنهاية 2020، وهذا السحب ينقلنا إلى تلك المرحلة، فلو استمر العجز ولم نسيطر على تخفيف الالتزامات، فمن الممكن أن نصل إلى مرحلة أخرى، وهي أن نبدأ نستنفد الاحتياطي فتصير الخمسة مليارات دينار غير كافية، ونضطر إلى أن نسحب عشرات المليارات سنوياً، ونحن بعيدون عن هذه المرحلة حالياً، لكن حينها سنكون قد وصلنا لمرحلة أصعب".
 
وحول كيفية تسديد طلب التمويل لتسديد العجز المرتفع في حالة رفض مجلس الأمة مقترح القانون المقدم، أوضح محمد رمضان، أنه إذ رُفض سيكون هناك بديل، وهو قانون الدين العام، وطبعاً من الأساس الحكومة لم تبعث رسالة بأن السحب الاحتياطي هو البديل عن قانون الدين العام، لكن السحب من الاحتياطي يساعد على تخفيف أعباء الدين العام. 

وتابع "مشروع الدين العام المقدم يستهدف اقتراض 20 مليار دينار (66.2 مليار دولار)، وبالطبع هذا رقم كبير لكنه لن يكفي إلا لمدة ثلاث أو أربع سنوات، وهذا ليس له معنى بأنك فقط تدفع رواتب، وهذا شيء سيئ جداً وخطير، حتى لو كانت الفائدة منخفضة". 

مجلس الأمة والقانون 

وأشار رمضان إلى أنه إذا رُفض القانون، فهنا يمكن للقيادة السياسية حل مجلس الأمة وتغيير النظام الانتخابي وإقرار قانون الدين العام والاستدانة فوراً بموجب هذا القانون، وبعدها لا يمكن إلغاؤه حتى لو حاول المجلس إلغاء القانون لا يستطيع لأن له آثاراً وتربت عليه آثار، وبالتالي لا يُلغى، فالحل موجود وسهل بهذه الطريقة. 

يشار الى أن قانون الدين العام القديم انتهت صلاحيته في عام 2017، ولكن حين تقدمت الحكومة بمشروع قانون دين العام لاقتراض 20 ملياراً (66.2 مليار دولار)، بدلاً من 10 مليارات دينار (33.1 مليار دولار)، ولفترات وآجال تصل إلى 30 سنة بدلاً من 10 سنوات رُفض، فلا تستطيع الكويت أن تقترض كحكومة إلا عن طريق هذا القانون الذي أوقف أساساً، فلا بد أن يقر قانون يسمح للحكومة بالاستدانة ولم يُقر إلى الآن، وفق "رمضان". 

وفي رده على أسباب تأخر الإصلاح الاقتصادي بعد ظهور أزمة تراجع النفط، قال رمضان "إن تأخر الإصلاح بسبب سوء الإدارة الحكومية دائماً في الكويت ووجود البرلمان الذي شغل الحكومة بقضايا سياسية ومطالبات ومكتسبات كان من المفترض ألا تكون مشغولة بها.. الحكومة والمجلس يتشاركان في هذه المشكلة وهي تأخر الإصلاح، فجبهة الحكومة تصور أن النواب هم السبب، وبالتالي هذا ما يعطل عجلة التنمية، وهذا غير صحيح؛ فقد جاءت مجالس متعاونة مع الحكومة، ولم نر أي إصلاح، فتم إثبات أن الحكومة والمجلس مشتركان في توقيف عجلة التنمية". 

وفيما يتعلق بآثار أزمة السيولة على الاقتصادي المحلي، أكد أن أزمة السيولة لو تسببت في إصلاحات اقتصادية داخلية فبهذا سيكون لها آثار إيجابية وليست سلبية؛ لأنه عادة في الكويت إذا توفرت السيولة لا يهتمون بالاقتصاد المحلي، وبالتالي يصير لديك مشكلة، ولكننا الآن نرى بوادر اهتمام كبيرة بالاقتصاد المحلي، خصوصاً مع تداعيات أزمة كورونا، لكن نأمل أن تجعل الأزمة الحالية اهتماماً أكبر بالاقتصاد المحلي وتنفيذ خطط التنويع المطلوبة من القطاعات غير النفطية. 

خطورة على الاقتصاد 

من جهته قال، عيد الشهري، المحلل الاقتصادي ومؤسس شركة "الأجيال القادمة للاستشارات"، إن السحب من احتياطي الأجيال القادمة يسبب خطورة للاقتصاد والثقة في العملة، وبالتالي يقلل جاذبية الاستثمار للسوق المحلي. وأوضح أن الحلول المطروحة حالياً هي تعميق خفض المصروفات والتقشف على صعيد الميزانية العامة أو رفع أسعار إيجارات أملاك الدولة. 

ويرى أن اللجوء للبنوك المحلية قد لا يكفي لتمويل العجز بسبب قيود البنك المركزي على التمويل لطرف واحد، لأن البنك لا يستطيع تمويل أكثر من 15 في المئة لعميل واحد، أما البنوك الخارجية، فتفرض فائدة أعلى من السندات. لذلك تعتبر السندات أوفر للمال العام من البنوك. 

وأضاف أن فرض ضرائب جديدة يعتبر أحد البدائل الذي قد تلجأ إلى إليه الحكومة أيضاً، إلى جانب قيام البنك المركزي باللجوء لتخفيض قيمة الدينار. 

وتحدث الشهري أن انعدام ثقة المجتمع في كفاءة الحكومة، والرواتب العالية لموظفي الحكومة هما سبب في عدم الثقة في أصحاب القرار، إذ كيف يطلب المسؤول الإصلاح وراتبه عال نسبياً، لافتاً إلى أن أزمة السيولة ستظهر في تأخر الدفعات الحكومية من وزارات الدولة إلى شركات القطاع، وهو يسبب خسائر للاقتصاد المحلي. 

عجز بقيمة 18 مليار دولار 

وتحولت ميزانية الكويت لتسجل عجزاً بقيمة 5.41 مليار دينار (نحو 18 مليار دولار) خلال الـ10 أشهر الأولى من العام المالي 2020-2021، وسط تداعيات الجائحة وانعكاسها على تراجع كبير في إيرادات النفط (المصدر الرئيس للدخل بالدولة). 

وبحسب تقرير شهري سابق لوزارة المالية الكويتية، فقد حققت الميزانية فائضاً خلال الفترة المقارنة من العام المالي السابق بقيمة 1.59 مليار دينار (5.26 مليار دولار)، وتبدأ السنة المالية في الكويت مطلع أبريل (نيسان)، وتنتهي في مارس (آذار) من العام التالي، وفق قانون الموازنة. 

وتراجعت الإيرادات بنسبة 50.5 في المئة على أساس سنوي خلال الفترة المنتهية في يناير (كانون ثاني) الماضي، إلى 7.85 مليار دينار (26 مليار دولار)، مقابل 17 مليار دينار (56.3 مليار دولار) في الفترة المقارنة من عام 2019/2020. 

وهبطت الإيرادات النفطية بنسبة 57.7 في المئة إلى 6.7 مليار دينار (22.2 مليار دولار)، من 15.86 مليار دينار (52.53 مليار دولار) بالفترة المماثلة من العام السابق. 

وعلى صعيد بند المصروفات العامة والالتزام، أشارت البيانات إلى تراجعها بنسبة 3.2 في المئة إلى 13.26 مليار دينار (43.92 مليار دولار)، مقابل 13.71 مليار دينار (45.4 مليار دولار) بالعشرة أشهر المقابلة من عام 2020/2019. 

اتخاذ بدائل مقبولة 

وكان رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق علي الغانم، قد أشار في بيان سابق، إلى أنه لا يجوز للجيل الحالي أن يمس ثروة الأجيال القادمة وتحميلهم كلفة سوء إدارة الاقتصاد على مدى سنوات سابقة، داعياً إلى اتخاذ بدائل مقبولة ومجدية اقتصادياً.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد