Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح رسائل مصر والسودان في دفع إثيوبيا نحو "تفاوض جاد" حول سد النهضة؟

تحركات عسكرية ودبلوماسية مصرية والسيسي يؤكد من الخرطوم على "حتمية" الوصول إلى اتفاق قبل موعد الملء الثاني

ركزت محادثات السيسي في الخرطوم إلى جانب ملف سد النهضة، على قضايا الأمن في البحر الأحمر والتطورات على الحدود السودانية - الإثيوبية (موقع الرئاسة المصرية)

على مدار الأيام الأخيرة، تكثفت الحركة بين القاهرة والخرطوم، وتوجت بزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم السبت 6 مارس (آذار) الحالي، إلى العاصمة السودانية، حيث صدر إعلان رفض مصر والسودان "سياسة فرض الأمر الواقع، والإجراءات الأحادية" في ما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي على نهر النيل، وذلك بعد إصرار أديس أبابا عزمها المضي قدماً في الملء الثاني لخزان السد المثير للجدل، في موعد قررت أنه سيكون في الصيف المقبل.

وبعد أيام من زيارة رئيس أركان الجيش المصري، الفريق محمد فريد على رأس وفد رفيع من قادة القوات المسلحة المصرية، السودان، واستقبال وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيرته السودانية مريم الصادق المهدي بالقاهرة، جاءت زيارة السيسي الأولى إلى الخرطوم منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، فيما يسعى البلدان إلى كسر الجمود الدبلوماسي حول سد النهضة، ولملمة خياراتهما أمام ما اعتبره مسؤول حكومي مصري، "حتمية مواجهة التحديات المصيرية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والقاري وإعادة الزخم إلى العلاقات التاريخية بين البلدين".

ووفق بيانات رسمية متطابقة من القاهرة والخرطوم، فإن زيارة السيسي، التي لم تتجاوز مدتها الخمس ساعات، شملت عقد مباحثات منفصلة مع كل من رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ونائبه الأول محمد حمدان دقلو، وكذلك رئيس الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك، وركزت إلى جانب ملف سد النهضة، على قضايا الأمن في البحر الأحمر والتطورات على الحدود السودانية، حيث تصاعدت المناوشات العسكرية مع القوات الإثيوبية، فضلاً عن العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية بين البلدين، وسبل تعزيز دعم القاهرة للمرحلة الانتقالية في السودان.

توافق بشأن سد النهضة

أكد السيسي والبرهان خلال المؤتمر الصحافي المشترك على "رفض سياسة فرض الأمر الواقع والإجراءات الأحادية" في ما يتعلق بسد النهضة الإثيوبي على نهر النيل. وقال الرئيس المصري "اتفقنا على رفض سياسة فرض الأمر الواقع وبسط السيطرة على النيل الأزرق عبر إجراءات أحادية لا تراعي مصالح مصر والسودان كدولتَي مصب، عبر تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة من دون التوصل إلى اتفاق".

ومنذ عام 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا وتخشى القاهرة والخرطوم آثاره عليهما. وأخفقت الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق.

وعلى الرغم من حض مصر والسودان، إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد حتى التوصل إلى اتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو (تموز) 2020، أنها أنجزت المرحلة الأولى من ملء الخزان البالغة سعته 4.9 مليارات متر مكعب، التي تسمح باختبار أول مضختين في السد. ثم أعلنت إثيوبيا انتهاء المرحلة الأولى من ملء الخزان. كما أكدت عزمها على تنفيذ المرحلة الثانية من ملء بحيرة السد في يوليو المقبل.

وأكد السيسي على ضرورة العودة إلى المفاوضات بين الدول الثلاث "بوساطة رباعية تضم الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفقاً للاقتراح الذي قدمه السودان ووافقت عليه مصر"، مشدداً على ضرورة التوصل إلى اتفاق قبل موسم فيضان نهر النيل الأزرق القادم (أي بحلول الصيف).

واقترح السودان في الآونة الأخيرة أن تتوسط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في ذلك الملف، وبذل مزيد من الجهود في النزاع، بدلاً من مجرد مراقبة المحادثات، وهو اقتراح دعمته القاهرة، إلا أن إثيوبيا أعلنت الأسبوع الماضي، معارضتها لإضافة وسطاء إلى عملية قائمة يقودها الاتحاد الأفريقي.


وذكر السيسي أن البلدين اتفقا على أهمية الاستمرار في التنسيق والتشاور في هذا الشأن، موضحاً أن "هناك تطابقاً في الرؤى بين البلدين بشأن رفض أي نهج يقوم على السعي لفرض الأمر الواقع"، وهو ما تجسد في إعلان إثيوبيا نيتها تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة، حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق ينظم الملء والتشغيل، ما سيلحق أضراراً جسيمة بمصالح مصر والسودان.

وبحسب بيان لرئاسة الجمهورية المصرية، فإن السيسي ناقش كذلك مع البرهان "التحركات السودانية الأخيرة لبسط سيادة الدولة على حدودها الشرقية المتاخمة لإثيوبيا، التي تأتي في إطار احترام السودان للاتفاقيات الدولية المنشِئة للحدود وسعيها الدائم إلى تأكيد سيادة الدولة سلمياً ودون اللجوء إلى العنف".

ويتبادل السودان وإثيوبيا اللوم في الاضطرابات في منطقة الفشقة الحدودية التي يسكنها مزارعون إثيوبيون منذ فترة طويلة. وترفض إثيوبيا مطالبات السودان بتأكيد حقه في السيطرة على المنطقة بموجب اتفاقية حدودية تعود إلى عام 1903.

من جانبه، قال البرهان إنه بحث مع ضيفه المصري ملفات التعاون بين البلدين، مضيفاً "ناقشنا كل الملفات التي تدعم التعاون المشترك بين بلدينا". وأعلن توصل البلدين إلى رؤى موحدة تخدم تقدم وتطور ونماء شعبيهما وتسهم في استقرار الدولتين.

وبحسب البرهان، فإن زيارة السيسي إلى الخرطوم تسهم في تقوية وتعزيز روابط الأخوة بين الدولتين ما سينعكس على مجريات الانتقال في البلاد، فضلاً عن أنها تأتي في إطار التعاون الوثيق بين البلدين وقيادتيهما، مشيراً إلى حتمية العودة إلى مفاوضات جادة وفعالة بخصوص سد النهضة الإثيوبي لأنه الملف الذي يخص المصالح الحيوية للسودان ومصر بوصفهما دولتَي المصب في حوض النيل وستتأثران بشكل مباشر من هذا المشروع.

وكان رئيس دولة الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي الذي يرأس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، تعهد إيجاد حل للنزاع حول سد النهضة الذي تقول عنه إثيوبيا إنه مهم لتنميتها الاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رسائل متعددة خلال أيام

وعلى مدار الأيام الأخيرة، وجهت القاهرة والخرطوم رسائل متعددة، جسدها مستوى التنسيق الدبلوماسي والعسكري بينهما، الأمر الذي اعتبره مراقبون بمثابة "تحركات حثيثة ومكثفة لتدارك الآثار الكارثية التي قد يخلفها الملء الثاني لسد النهضة الصيف المقبل حال إتمامه، على أمن البلدين".

ففي الثالث من مارس الحالي، زار رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، الفريق محمد فريد على رأس وفد رفيع المستوى من قادة القوات المسلحة المصرية، السودان، حيث بحث سبل دعم مجالات الشراكة والتعاون بين البلدين. وذكر المتحدث باسم الجيش المصري، أن اجتماعات فريد المكثفة في الخرطوم أسفرت عن الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري والأمني بين مصر والسودان بخاصة في مجالات التدريبات المشتركة والتأهيل وأمن الحدود ونقل وتبادل الخبرات العسكرية والأمنية .وأشار المتحدث باسم الجيش المصري إلى تأكيد القيادات العسكرية المصرية على عمق العلاقات المصرية - السودانية باعتبارها علاقات ذات طبيعة استراتيجية تقوم على التعاون لتحقيق متطلبات الحفاظ على الأمن القومي لكلا البلدين .

كما استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري، نظيرته السودانية، مريم الصادق المهدي في القاهرة، على هامش مشاركتها في اجتماعات جامعة الدول العربية، حيث أكد الوزيران في بيان مشترك، على أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، بما يحقق مصالح الدول الثلاث ويحفظ الحقوق المائية لمصر والسودان، ويحد من أضرار هذا المشروع على دولتَي المصب. وعبر شكري والمهدي عن امتلاك بلدَيهما إرادة سياسية ورغبة جادة لتحقيق هذا الهدف في أقرب فرصة ممكنة، كما طالبا إثيوبيا بإبداء حُسن النية والانخراط في عملية تفاوضية فعالة من أجل التوصل إلى هذا الاتفاق. وأرسل شكري السبت (6 مارس) إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعوةً  للعودة إلى مفاوضات "جادة" بشأن السد، بحسب وزارة الخارجية المصرية.

وأفاد مصدر حكومي مصري بأن "زيارة السيسي التي حققت نتائحها المرجوة، عكست حرص البلدين على تنسيق جهودهما في تلك المرحلة الدقيقة التي يمر بها ملف سد النهضة، والتي تتطلب أعلى درجات التنسيق بين مصر والسودان بوصفهما دولتَي المصب اللتين ستتأثران مباشرةً بهذا السد"، موضحاً أن "هناك قناعة راسخة لدى مصر بأن أمن واستقرار السودان جزء لا يتجزأ من أمن واستقرار مصر، ودعم مصر للسودان على كل الأصعدة، نهج استراتيجي ثابت".

وذكر المصدر ذاته أن القاهرة تواصل تكثيف تحركاتها الدبلوماسية والسياسية للضغط على إثيوبيا بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لا يلحق الضرر بمصدرها الرئيس للمياه (نهر النيل)، مضيفاً أن "التنسيق مع الخرطوم في هذا الشأن بات مصيرياً، نظراً إلى وحدة المصير والهدف، لا سيما وأن السودان يواجه تحديات إثيوبية أخرى متمثلة بتحرك أديس أبابا نحو فرض الهيمنة على أراض سودانية على الحدود بين البلدين، ما يمثل انتهاكاً للاتفاقيات الدولية المنشِئة للحدود".

هل تنجح تحركات القاهرة والخرطوم؟

ورأى مراقبون أن "المخاطر المحدقة" التي يمثلها مضي إثيوبيا في إجراءات الملء الثاني لسد النهضة، على دولتَي المصب، يحتم عليهما تكثيف التعاون والتنسيق بهدف تسريع وتيرة حل الأزمة، ومواجهة التداعيات المحتملة لـ"التصرفات الإثيوبية الأحادية".

وقال السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، إن "الأمن القومي المصري والسوداني وجهان لعملة واحدة، إذ يشكل البلدان عمقاً استراتيجياً لبعضهما بعضاً، وعليه فالتحديات والمخاطر مصيرية لكليهما".

وصرح حليمة أنه "في ما يتعلق بأزمة سد النهضة، باتت رؤى ومواقف البلدين متوافقة إزاء ما تمثله التصرفات الأحادية لإثيوبيا من مخاطر على أمنهما"، موضحاً أنه "بعد سنوات من اقتراب الموقف السوداني من الإثيوبي بشأن السد، وصلت القاهرة والخرطوم إلى هدف واحد وهو ضرورة الدفع السريع نحو التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يراعي مصالح الأطراف الثلاثة، دون انتهاك لحقوقها المائية، والتأكيد على الوساطة لفض النزاع". وتابع "على الجانب الإثيوبي القبول بذلك بناءً على مخرجات اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في عام 2015".
 


وبحسب هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، "أظهر النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان حقيقةً واضحة للخرطوم مفادها أن سياسات أديس أبابا لا تهدف إلى التنمية والحصول على الطاقة، وإنما هي سياسات تسعى إلى الهيمنة ومد النفوذ على حساب جيرانها، ما جعل السودان يدرك أنه بات في وجه الخطر مباشرةً".

وذكر رسلان أنه "بالنسبة إلى قضية سد النهضة، كانت رسائل الرئيس المصري ومضيفه السوداني رئيس مجلس السيادة، قوية وواضحة، وتمثلت أساساً في التأكيد على التنسيق الوثيق والتشاور المستمر في موضوع سد النهضة والعمل على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم قبل الملء الثاني للسد، وإعطاء مزيد من الزخم للمقترح السوداني بوساطة الرباعية الدولية".

وأعرب رسلان عن اعتقاده بأنه "على الرغم من إدراك الإثيوبيين لتلك الرسائل، إلا أن أديس أبابا تتحرك دائماً وفق سياسة "حافة الهاوية"، من خلال الإصرار حتى الرمق الأخير على مواقفها دون الحياد عنها حتى تثمر نتائج التعاون الوثيق وتطابق الرؤى بين الخرطوم والقاهرة من نتائج قد تنعكس عليها".

في المقابل، قال اللواء جمال مظلوم، المستشار في أكاديمة ناصر العسكرية في القاهرة، إنه "على الرغم من تحركات القاهرة، إلا أنها لا تزال تسير بخطى ثابته نحو التأكيد على الحل السلمي"، مشيراً إلى أن هناك "خطر محدق على البلدين، وعليه فإن الباب مفتوح لاستعادة زخم العلاقات التاريخية والأزلية بين القاهرة والخرطوم". وأضاف مظلوم "تحاول مصر والسودان تكثيف التنسيق في ما يتعلق باحتمال مضي إثيوبيا بالملء الثاني للسد أحادياً، وذلك عبر التأكيد على استراتيجية العلاقات بينهما وإعادتها إلى مكانتها الطبيعية".

وفي حين تخشى مصر التي تعاني من شح المياه أن تتضرر إمداداتها من مياه النيل، تتوجس الخرطوم من أن يزيد السد، الذي يقع على النيل الأزرق قرب الحدود مع السودان، من مخاطر الفيضانات ويؤثر على التشغيل الآمن لسدودها القائمة على النيل.

وتعثرت خلال السنوات الماضية مراراً المحادثات الدبلوماسية حول هذا المشروع. وتقاربت مواقف مصر والسودان مع تكثيف القاهرة جهودها الدبلوماسية حول هذه القضية في العامين المنصرمين.

ويشكل نهر النيل، شريان حياة للدول العشر التي يعبرها ويوفر لها مياه الشرب والكهرباء. ويوفر النيل الأزرق الذي يلتقي مع النيل الأبيض في العاصمة السودانية، الجزء الأكبر من مياه النيل التي تتدفق عبر شمال السودان ومصر إلى البحر الأبيض المتوسط.

وتوترت العلاقات أخيراً بين إثيوبيا والسودان على خلفية اشتباكات في منطقة الفشقة الزراعية على حدود الدولتين التي يدعي السودان ملكيتها ويزرعها إثيوبيون. ويتبادل الطرفان اتهامات بالقيام بأعمال عنف داخل حدود الآخر.

المزيد من تقارير