Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رياح الوقت ورواسب الخلاف تكشفان عن بعض أوراق "اتفاق العلا"

الإمارات وقطر عقدتا أول اجتماع إثر القمة التأسيسية في السعودية

حملت القمة التي عقدت في العلا خبر إنهاء المقاطعة الرباعية لقطر (أ ب) 

على وقع المستجد الأخير في مسار تطبيق "اتفاق العلا"، وحل خلاف المقاطعة الرباعية للدوحة، وعقد اجتماع بين الإمارات وقطر هو الأول من نوعه منذ القمة الكبرى الشهر الماضي، يعود النقاش حول خطوات الحل التي احتاجت إلى وقت لتتكشف.

أشياء كثيرة احتاجت إلى وقت حتى تكون أكثر وضوحاً في شأن المصالحة الخليجية، وخاصة أن بيان إنهاء الخلاف لم يحمل أي بنود عملية توضح على ماذا اتفق المجتمعون في العلا حتى يتجاوزوا ويرفعوا حواجز المقاطعة. إلا أن الوقت ومطرقة الأسئلة المتكررة، مسنودة برواسب السنوات الأربع، كانت كفيلة بفض الغموض الذي لف الاتفاق، وإنهاء استخدام الإجابات العامة في تفسير ما اتفق عليه قادة رباعي المقاطعة مع قطر، مقابل رفع القيود التي فرضوها على الإمارة الصغيرة. فقد أجاب وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في لقاء متلفز له عقب الاتفاق بأسابيع، بأن الاتفاق ينطوي على بنود سرية كانت كفيلة بإقناع المجموعة التي شهدت الخلاف الأعمق والأشد سخونة بأن تنهي خلافها، وتبدأ بتسويتها عن طريق قنوات حوار تلي القمة، تطرح فيها تحفظاتها بشكل واضح ليتم التوصل لتسوية على الطاولة، وهي أول ورقة تحمل خطوة عملية تكشف للعلن منذ الإعلان الكبير في اللقاء الذي أقيم غرب السعودية.

الورقة الثانية: ثنائي لا جماعي

ثاني الأوراق التي احتاجت إلى وقت حتى تتكشف هو شكل الحوار الذي سيجمع الأطراف الأربعة مع غريمتها الدوحة، إلا أنها تكشفت بالطريقة التي لا يحبذها من يفضلون الهدوء على ضفة الخليج الغربية.

فبعد أسبوعين من قمة "قاعة المرايا" أظهر خلاف بين المنامة والدوحة حول الاتفاق، شيئاً من بنوده، إذ كشف عبد اللطيف الزياني، وزير الخارجية البحريني، في لقاء مع لجنة برلمانية، عن عدم التزام الدوحة بأحد أبرز بنود الاتفاق، عندما قال "عقد اجتماعات ثنائية بين قطر ودول المقاطعة كل على حدة، بغرض التناقش حول نقاط الخلاف والوصول لنقطة التقاء حولها"، متهماً الدوحة بتعطيل هذا البند.

وأضاف الزياني "بناء على مقررات اتفاق العلا، بعثت وزارة الخارجية البحرينية برسالة خطية إلى وزير خارجية قطر، تضمنت دعوة لإرسال وفد رسمي إلى المملكة في أقرب وقت ممكن، لبدء المحادثات الثنائية حيال القضايا والمواضيع العالقة بين الجانبين ضمن سلسلة لقاءات مرتقبة في البلدين، لكننا وحتى تاريخه لم نتلقَ رداً أو جواباً في شأن ما ورد في الرسالة المذكورة".

ونوه الزياني إلى أن هذه الآلية الثنائية في الحوار هي السبيل نحو إنهاء الخلاف بشكل دائم، عبر "تشكيل لجان ثنائية"، وهو ما لم تلتزم به الدوحة، بحسب الوزير البحريني، في حين لم ترد الأولى على هذه التهمة حتى الآن.

وفي الوقت الذي انتظر فيه المطلعون على تفاصيل المصالحة حواراً ثنائياً، بادر الطرفان بإظهار الخلاف الثنائي الذي لا يبدو مفتعلاً، لكونه يأتي ضمن سلسلة خلافات، فالبحرين اتهمت جارتها بقرصنة سفن الصيد واحتجاز بحاريها بعد أيام من الاتفاق، ما يزيد من أهمية جهود الوساطة في هذه الأوقات أكثر من السنوات الماضية.

الورقة الثالثة: الوساطة الكويتية لم تنتهِ

عند الحديث عن وساطة ما تحافظ على المصالحة التاريخية، لا يرد في ردهات المنشغلين بالسياسة الخليجية إلا دور الكويت، في ظل غياب جاريد كوشنر العقاري الثلاثيني الذي حولته أزمات الشرق الأوسط لوسيط سلام ناجح. إذ غاب صوت وزير الخارجية الكويتي أحمد بن ناصر المحمد، منذ أطل على تلفزيون بلاده نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، معلناً إحداث اختراق حقيقي في محادثات وصفها بـ"المثمرة" للمرة الأولى من 2017.

إلا أن الوساطة أطلت برأسها من جديد عقب التصريح البحريني، والجمود في الطاولتين الإماراتية والمصرية اللتين لم تنصبا حتى، عقب إعلان أبو ظبي بالأمس عن لقاء جمع وفدها بوفد الدوحة في الكويت في أول اجتماع يعقد منذ إبرام الاتفاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت وكالة الأنباء الإماراتية (وام)، إن الجانبين "ناقشا الآليات والإجراءات المشتركة لتنفيذ إعلان العلا، وأكدا أهمية المحافظة على اللحمة الخليجية وتطوير العمل الخليجي المشترك بما يحقق مصلحة دول مجلس التعاون ومواطنيها، وتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة"، موجهين شكرهما للكويت على سعيها لرأب الصدع بين دول التكتل الخليجي.

هذا الإعلان على الرغم من عدم حمله أي تفاصيل حول ما تم بحثه، مع الأخذ بالحسبان التراشق الإعلامي المستمر بين الطرفين طيلة الأسابيع الماضية، رغم التهدئة النسبية، فإنه حمل معلومة رئيسة، وهي أن طائرة كويتية وخط هاتف ساخناً ربط الطرفين خلال الفترة الماضية ليجمعهما في الكويت وليس في الدوحة أو أبو ظبي، وهو ما يأتي مخالفاً لما أعلنه الزياني عن اجتماعات مفترضة في المنامة والدوحة سعياً في الوصول إلى حل.

الورقة الرابعة: قطر معنية بالسعودية في المقام الأول

ليس سراً أن قطر كانت مهتمة بالمصالحة مع السعودية في المقام الأول، بغض النظر عن موقف بقية الرباعي، وليس سراً أن الرياض اتخذت الخطوة الأولى في سبيل إنهاء المقاطعة عندما فتحت الحدود بين البلدين، وكان إغلاق الحدود البرية يوجع الإمارة الصغيرة التي لا ترتبط بحدود برية سوى مع "الشقيقة الكبرى". إذ دارت مفاوضات منذ نهاية 2020 عبر الوساطة الأميركية والكويتية، بين الدوحة من جهة، والرياض بالنيابة عن دول المقاطعة من جهة أخرى، الأمر الذي وضع الدولتين في مقدمة المصالحة.

وكانت قطر قد صرحت على لسان وزير خارجيتها، محمد آل ثاني، في ديسمبر الماضي، بأنها تخوض مفاوضات مع السعودية فحسب، في شأن حل الخلاف.

وأضاف آل ثاني في اللقاء الذي عقده ضمن منتدى حوارات المتوسط في روما "حل الأزمة بيننا وبين السعودية فقط، بصفتها ممثلاً عن الدول الأخرى"، وهو ما أكده وزير الخارجية السعودي وبقية دول المقاطعة في حينها.

هذا التمثيل الأحادي للدول الأربع، جعلها مضطلعة بمخرجات الاتفاق أكثر من غيرها، إذ أقدمت الدولتان على أولى الخطوات الحقيقية في سبيل المصالحة عبر إنهاء المقاطعة وفتح الحدود البرية والبحرية والجوية، بالإضافة إلى تهدئة إعلامية واضحة بين الطرفين، ترافق معها خطاب سياسي ناعم يدعو لتغليب المحصلة العامة لدول المجلس.

بالإضافة إلى ذلك، يجدر تسليط الضوء على الموقف القطري من التصريح البحريني المشار إليه أعلاه، إذ لم تجد الدوحة نفسها معنية بالرد على اتهام المنامة لها بتعطيل تطبيق اتفاق العلا، وهو ما لا يتوافق مع التزاماتها تجاه السعودية.

شيء مشابه حصل بينها وبين مصر، فبعد أن نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤولين في المخابرات المصرية أن قطر قدمت تعهداً إلى القاهرة بتغيير توجه قناة الجزيرة والقنوات الحكومية حيالها، وعدم تدخل القناة في شؤونها الداخلية، سارع مسؤول قطري بالنفي للوكالة، في اليوم التالي، أي تعهد من هذا القبيل أو اجتماع حول ذلك. مؤكداً أن العلاقات الدبلوماسية بين قطر ومصر استؤنفت "عبر المراسلات المكتوبة وفقاً لاتفاق العُلا" لا أكثر.

هذه الخطوات المتفاوتة للدوحة تجاه السعودية وبقية دول المقاطعة بالتوازي مع تصريحات وزير الخارجية القطري حول ارتباطها بما تتوافق حوله مع الرياض، يظهر لأي درجة هي معنية بالاتفاق مع الدولة الكبيرة والمجاورة بالدرجة الأولى، بغض النظر عما تسفر عنه الأمور مع بقية الدول.

الورقة الخامسة: مصر لا تبدو معنية بالأمر

أما مصر التي شاركت في المقاطعة منذ البداية بحماس كبير، تراجعت منذ نهاية 2017 عن الحضور بزخم في يومياتها. فعلى الرغم من التأثير المصري في الإقليم، فإن الجغرافيا لعبت دوراً حاسماً في مستوى التأثير الذي يمكن أن تلعبه في المقاطعة، وخاصة أن الجغرافيا كانت أنياب وأظافر المقاطعة الحقيقية.

نقطة أخرى حدت من حجم التأثير المصري في المقاطعة، الخلاف بين الدولتين يعود لـ2013 بسبب الموقف القطري من حكومة الإخوان التي حكمت مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، والتي تعتبرها القاهرة اليوم منظمة إرهابية، وهذا ما قلص حجم العلاقة الاقتصادية بين البلدين على مر السنين، ما جعل من اتخاذ مصر أي إجراء اقتصادي ضد قطر في 2017 محدود التأثير.

كل هذا جعل القاهرة أقل اهتماماً بالصراع، بغض النظر عن التأييد السياسي المستمر للإجراءات، وهو ما انعكس على الحل، إذ علق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام من قمة العلا، قائلاً "موقف الدوحة لم يتغير، وحتى الآن لم يحدث شيء، لكن نتمنى نجاح أي جهود صادقة، لنصل إلى حلول تفرز التزامات دائمة"، في تأييد متحفظ للمصالحة التي بدأت أنوارها تلوح في الأفق في ذلك الوقت.

وعلى الرغم من أن رياح الوقت كان كفيلاً بأن يكشف عن أوراق الاتفاق غير المعلنة والسرية، فإنه لم يكشف عن كل ما يحتويه الملف بعد، فما زالت مسامير الخلاف التي أشعلت أزمات 2013 و2014 و2017 معلقة على جدار السياسة الإقليمية، يتراوح ثباتها على الجدار بين خلاف ومصالحات تكتيكية.

المزيد من تحلیل