Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما العمل عندما تود إنجاب طفل والشخص الذي تحبه لا يريد؟

ربما عندما نبدأ في الحديث بطريقة أكثر صدقاً وانفتاحاً عن خصوبة الذكور، فإن تباين مواقف الرجال والنساء من السن والإنجاب وتربية الأطفال قد تتغير

لماذا يتردد الرجال في الانجاب؟ (غيتي)  

لم نضع يوماً أسماء لدوامة الهرمونات ومسائل التوقعات الاجتماعية، ولا للتوق إلى الأمومة وهواجس الخصوبة، تلك المشاعر التي تندفع مثل قطار جامح نحو الكثير من النساء ما أن يبلغن العشرينات والثلاثينات من العمر. وعلى نحو لا يشبه تعاملنا مع سن المراهقة، فإننا لم يسبق أن توصلنا إلى تعريف لأزمة سن العشرينات أو منتصف العمر، فلم نحدد لهما اسماً. كما لم نضع تصوراً للتحول البيولوجي الذي يحل فينا.

ونحن نعرف ونحدد مرحلة المراهقة وفترة انقطاع الطمث (أو سن اليأس). لكن ماذا عن الزمن الذي يفصل بينهما؟ ذاك الوقت الذي نفكر فيه بمحدودية خصوبتنا، ونسأل أنفسنا: هل نريد أطفالاً؟ وإن كان الجواب إيجاباً، تلح أسئلة أخرى: متى ينبغي أن ننجب؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومع من؟

وهذه المرحلة غير المستقرة تمثل مرحلة استيعاب ومعايشة التحولات الفيزيولوجية التي تسحبنا وتخرجنا من لامبالاة شبابنا، ومواعداتنا وعلاقاتنا العابرة، ومن تركيزنا المهني والعلمي، وتلقِينا في مرحلة أخرى تفترض الالتزام والمسؤولية واحتمال الإنجاب وتربية الأطفال. على أن هذه المرحلة الأخيرة قد تحل وتظهر في أي وقت، بين عمر العشرينات والأربعينات. وهي حينها، تكون قد حلت واستقرت. وحين تصيبنا، فإننا ندرك أخيراً موقعنا في فترة أحب تسميتها "سنوات الذعر".

"سنوات الذعر" بالنسبة لي بدأت في سن الثامنة والعشرين. فقد خرجت حينها من علاقة مديدة غدت رتيبة، ورحت أقضي عطل نهاية الأسبوع مشاركة في حفلات صديقاتي الفتيات وأعراس معارفي، لأبدأ بعد ذلك في مشاهدة النتوءات الظاهرة تحت ثيابهنّ. وبعد مضي ثلاث سنوات التقيت رجلاً ذا كتفين عريضتين مثل سقالة، وذقن أشبه بجاروفة سماد، ويضع على مكتبه لوحة تعداد للأيام تشير من الآن إلى احتفاله بشرب الشاي حين يبلغ سن الـ 100. كنت بعمر الـ 31، مغرمة، وأعمل صحافية مستقلة وأثابر باستمرار تقريباً على دفع ضرائبي البلدية في موعد استحقاقها. بيد أن "سنوات الذعر" تلك لا تنقضي بالجنس ومشاركة مناشف الحمام فحسب، كما أنها لا تسكن بمجرد حلول ثقل جسد آخر في سريرك. لأن شريكي آنذاك، مثل ملايين الرجال المُغايري الجنس heterosexual men (الذين يشتهون الجنس الآخر) cis-gendered، والمقيمين في هويتهم الجندرية التي ولدوا بها، لم يكن جاهزاً لإنجاب طفل، وربما كان غير راغب في ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستناداً إلى البيانات الأحدث الصادرة من "مكتب الإحصاءات الوطني" ببريطانيا Office for National Statistics، فإن معدل العمر المتوسط للأمومة في إنجلترا وويلز ارتفع إلى 30.7 سنة في العام 2019، فيما لم يتغير في المقابل، متوسط عمر الأبوة عند الرجال، وبقي عند معدل 33.6 سنة. وهنا نسأل: ما هي القصة التي يمكن للفارق بين هذين المعدلين (2.9 سنة) أن يرويها لنا؟ في الحقيقة، وبالمناسبة، فإن المعدلين المذكورين يشكلان رقماً قياسياً بارتفاعه. بحيث كأن معظمنا على ما يبدو، يمكث في حالة انتظار وتأجيل وتجنب لإنجاب الأطفال. وهذا أمر يمكن تفهمه. إذ في ظل عقود من الحكومات المحافظة شهدنا أزمة مناخ مستفحلة، وجائحة عالمية شاملة، كما تعاني "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS في الوقت عينه من الاستنزاف وقصور الدعم، حيث أُضعفت تلك الخدمات الصحية والاجتماعية كي تبلغ أدنى مستوياتها. لذا، إزاء تلك الأحوال، وعلى ضوء ما يقابلها من يُسر في الإجهاض والرغبة في الحرية الشخصية وتوفر وسائط منع الحمل، فإن هناك أسباباً وجيهة كثيرة لعدم إنجاب أطفال في اللحظة الراهنة.

إلى هذا، ووفق مقالة حملت عنوان "تجربة رائعة أم التزام مرعب؟ رصد مبررات الرجال في عدم الإنجاب" نشرتها مجلة "الطب الحيوي للإنجاب والمجتمع" Reproductive Biomedicine & Society Online على الإنترنت سنة 2019، وكتبتها مجموعة من الأكاديميين السويديين، فإنه "في معظم البلدان الغربية، تسود اتجاهات تشير إلى تدني الخصوبة وتأجيل الإنجاب في عقود السنوات الماضية". وأظهر "مكتب الإحصاءات الوطني" في بريطانيا ببياناته أن المملكة المتحدة شهدت في فترة محددة من سنة 2020 انخفاضاً في معدل الولادات مقارنة بالفترة عينها سنة 2019. غير أن السؤال في هذا الإطار يبقى متعلقاً بالفارق الجندري الموجود من ناحية الإقبال على الأبوة والأمومة للمرة الأولى. ويمكن السؤال في السياق: ماذا يفعل الرجال في فارق السنوات الثلاث تلك، التي تفصلهم عن إقدام قريناتهم من النساء على الحمل، وإقبالهم هم على الأبوة؟ بوسعي إخباركم ماذا كانوا يفعلون، كانوا يقضون وقتهم في الجدال.

منذ اليوم الأول للقائي بـ "نيك" Nick، قام رجل بالكاد أعرفه بسؤالنا، كلاً على حدة، إن كنا في يوم من الأيام نرغب في الزواج وإنجاب الأطفال. وهنا كانت المسألة، وكان السؤال. السؤال الكبير. السؤال البارز الذي اخترق حلمي بالمستقبل كاختراق مسامير حائطاً من الجبس. وهذا السؤال كما دائماً يطرح بخفة وبساطة، كأنه سؤال عما نفضل أن نشرب، الشاي أم القهوة.  وأنا، إذ قررت أن أكون صادقة وصريحة، أجبت بأنني لا أمانع كثيراً الزواج، لكني أود أن ألتقي الشخص المناسب كي أنجب منه.

نيك من جهته، قال إنه غير مهتم كثيراً بالزواج وإنجاب الأطفال. وبعد مضي سنوات سألت نيك عن جوابه؛ وعن سبب تردده الشديد تجاه أمر كان، وبكل المعاني، جوهرياً بالنسبة لمستقبله. "كل ما في الأمر هو أنني لا أفكر بالأطفال" أجابني نيك. وأردف "طوال تلك السنوات كنت أنتِ من يفكر بالموضوع، أما أنا فلا. وأنت تتذرعين بهذا على ما أعتقد، إذ تقولين إن الرجال كأنهم يدفعون إلى عدم التفكير بمسألة خصوبتهم. بالنسبة لي كل ما في الأمر هو أنني لم أفكر بهذا. ولا أفكر به".

ولو قام شخص آخر آنذاك بسؤاله إن كان يود التنعم بعلاقة سعيدة ملؤها الحب، تابع نيك قائلاً، لأجاب بنعم. وأردف "لكني لا أعتقد أن ذاك الأمر مرادف لمسألة إقدام المرء على الزواج والإنجاب. والشخص الذي قد يسأل ذاك السؤال ربما يظن بأنها أمور مترادفة، وهي ليست كذلك. أنا من عائلة غير تقليدية. وأعلم أن العلاقة التي يسودها الحب لا تفترض بالضرورة الإقدام على الزواج وإنجاب الأطفال".

لكن بالنسبة لمن هم منا ولا يتصوّرون أنفسهم إلا أهلاً لأطفال في يوم من الأيام، ماذا يمكنهم أن يفعلوا عندما يكون الشخص الذي يُغرمون به غير راغب في إنجاب أطفال؟ ولماذا يجري تنميط الرجال المغايري الجنس heterosexual men، والمقيمين في هويتهم الجندرية cis-gendered التي ولدوا بها، في كونهم أكثر تمنعاً، أو على الأقل تردداً، تجاه أن يصبحوا آباء؟ وهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك، هل كان الأمر دائماً على هذا النحو؟ أم أن الثقافة الرأسمالية الحديثة تروّج أكثر لصورة الذكر على شاكلة "بيتر بان" [شخصية في كتب وأفلام الأطفال لفتى حر مغامر لا ينضج أو يكبر]، ذكر يعيش مراهقاً لأطول فترة ممكنة، فيما يلقي، في المقابل، عبء الخصوبة وموانع الحمل وقرار الإنجاب على عاتق ذوات الأرحام منا؟ من الصعب جداً الإجابة عن هذه الأسئلة.

بيد أنه كما يرى الباحثون الذين وضعوا الدراسة السويدية، فإن "آراء الرجال الآخرين (بالتحديد كما ذُكر: مغايرو الجنس، الخصبون، والذين هم بصحة جيدة في سن مناسب للأبوة) جرى إغفالها، كما أيضاً في تمثيلات وسائط الإعلام (بيترسون Peterson، 2014). لذا فإن المسألة قد تبدو حتى الآن خارج أطر الاهتمام، ولم تحظَ بالوقت الكافي والتمويل المناسب اللذين تستحقهما لتخضع للتدقيق، وذلك كما الحال بالنسبة لأمور عديدة تؤثر في الخصوبة والعائلة وصحة الإناث.

لكن، ربما إن شرعنا بالكلام بطريقة أكثر صراحة وصدقاً عن خصوبة الرجال، وإن قمنا بمناقشة تأثير العمر في معدلات الحمل والإنجاب وكفاءة الحيوان المنوي، وإن طرحنا على الفتيان والشبان فكرة الحمل التي لا تحدث فحسب في الأرحام، بل بسبب الحيوان المنوي، وإن كانت لدينا وسائل حمل للذكور تفي بالغرض، وأيضاً إجازات أبوة إجبارية، وإن تحدثنا عن خصوبة الرجال باعتبارها أمراً محكوماً بالوقت وثميناً وقد تتراجع نوعيته – تماماً كما نفعل مع النساء – عندها فإن الفوارق في الآراء والأفكار بين النساء والرجال، وبين الأعمار المختلفة، في هذه المسائل قد تبدأ بالتغير. وحينها قد نجد أنفسنا ماضين نحو أمر من قبيل "المساواة الإنجابية"، وما سيصدر منها من مؤثرات وانعكاسات في مسائل تكافؤ الرواتب، والعناية بالأطفال، وتعادل الخيارات المهنية بالنسبة للأمهات العاملات. وربما يمكننا حتى أن نرفع أكثر وأكثر سقف الأبوة ومعانيها، وجعل تكوين عائلة خياراً إنسانياً، بدلاً من أن يكون خياراً ملقى على عاتق النساء بالدرجة الأولى.

(كتاب "سنوات الذعر" The Panic Years، تأليف نيل فريزل، متوفر في الأسواق) 

© The Independent

المزيد من منوعات