Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السلع "المدعومة" مخبأة في مستودعات التجار واللبناني يعاني

ينظر اقتصاديون بعين الريبة إلى سياسة الدعم في لبنان لأنها لا تصل إلى مستحقيها

بات صعباً على المواطن اللبناني تأمين حاجاته الأساسية بسبب غلاء الأسعار (اندبندنت عربية)

استقبل أهالي منطقة التبانة شمال لبنان البضائع ذات الأسعار المدعومة بالطوابير. الصورة على عفويتها، إلا أنها تختزن معان كثيرة، ففي الأحياء الفقيرة اكتوى الناس بالغلاء، ولم يعد بمقدورهم شراء المواد الأساسية، لذلك عند أية فرصة متاحة يتسابق الناس لتأمين حاجاتهم عبر تحمّل أقل قدر ممكن من الأعباء المادية، كما فقد هؤلاء الأمل بخطط حكومية تؤمّن العدالة الاجتماعية، وباتوا يقفون في الطابور بسبب خوفهم من المستقبل، لملء براداتهم الفارغة ومنع قرقعة بطونهم.
أمام هذا الواقع، رافقت القوى الأمنية مفتشي وزارة الاقتصاد أثناء قيامهم بدهم مستودعات في مناطق مختلفة من شمال لبنان، وعثر هؤلاء في منطقة زغرتا (شمال) على الزيت المدعوم، وفي منطقة "أبي سمراء" عُثر على البقول والحبوب مخبأة في المستودعات، أما في "أنفة – الكورة" و"القبيات – عكار"، فكُدست مادة الأسمنت. وأكد المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر أن "عمليات الدهم ستستمر بحثاً عن المواد المدعومة"، لافتاً إلى أن "بعض التجار خبأ المواد المدعومة بسبب جشعه من أجل الاستفادة من فارق الأسعار في حال رُفع الدعم". وأشار أبو حيدر إلى أن "تجاراً تركوا المواد الاستهلاكية في المستودعات ولم يوزعوها في الأسواق لأنهم لم يحصلوا بعد على حصتهم من الدولار المدعوم من مصرف لبنان، ولذلك فهم لا يريدون الخسارة بفعل هامش الفرق بين 3900 ليرة لبنانية في مقابل كل دولار على سعر المنصة، و 8900ليرة في السوق السوداء". وقال إنه لا يمكنه فعل شيء بالنسبة لتأمين الدولار، ولكنه يمارس صلاحياته من خلال عمليات الدهم ومؤازرة فرق حماية المستهلك.

أين السلع المدعومة؟

"لا توجد لدينا مواد مدعومة، فقط هناك بعض أنواع الحبوب"، إجابة يُجمع عليها أصحاب السوبرماركت ومحال التجزئة في شمال لبنان، وتحديداً في مدينة طرابلس. ففي أحد المحال التابعة لأحد تجار المواد الغذائية، والذي دهمت مستودعاته القوى الأمنية ومفتشو وزارة الاقتصاد في منطقة "أبي سمراء"، يؤكد الموظف هناك أن لديه فقط العدس والفاصوليا والرز المصري، أما ما عدا ذلك من الأصناف فغير متوافر، ويجب على الزبون شراؤها بسعر السوق السوداء. ويُصر الموظف على أنه لا يمكن للزبون أخذ أكثر من كيس واحد مدعوم بوزن 900 غرام.
في المقابل، تشعل الزيوت والسمن جيوب الزبائن، وتتفاوت أسعارها بين محل وآخر. ويصل الفارق بالنسبة إلى الصنف الواحد لحوالى 10 آلاف ليرة، ففي مقارنة سريعة، فإن سعر غالون زيت الطبخ سعة 2 ليتر، يبلغ 48 ألف ليرة في المحل الأول، أما سعر نوع آخر من الزيت، سعة 5 ليترات فيتفاوت بين 60 و70 ألف ليرة لبنانية، فيما يتم تسعيرها في محل آخر بـ 55 ألف ليرة.

ويبلغ ثمن "سمنة الطبخ" 1 كيلوغرام، في أحد المحال 17 ألف ليرة، فيما يسعّرها تاجر آخر بـ 25 ألف ليرة.
في سياق متصل، يؤكد الصيادلة أن 600 نوع من الأدوية شحّ في السوق، وجزء كبير منها مفقود تماماً، لذلك ينصحون باستخدام "الدواء الجينيريك". وروى أحد الصيادلة "نضطر أحياناً للتواصل مع الأطباء لتغيير البروتوكول العلاجي بالكامل، لأن الدواء المطلوب مفقود، ولا يوجد جينيريك له".

محال تزيل ملصق "مدعوم"

في طرابلس، قام ناشطون بنشر فيديو لأحد تجار المواد الغذائية وهم يزيلون ملصقات الدعم، ثم يضعونها في عبوات أخرى من أجل بيعها بسعر السوق السوداء. ويقدم هاني شهادته انطلاقاً مما حصل معه في إحدى محال منطقة علما في قضاء زغرتا، حيث دخل لشراء مواد غذائية، فأشارت إليه زميلته بشراء السلع المدعومة، خمسة كيلوغرامات من السكر، وأوقية بُن مقابل 18 ألف ليرة لبنانية، إلا أن الموظفين امتنعوا من بيعه تلك المواد، فخرج وطلب من شقيقته الدخول ومحاولة الشراء، فوجدت الموظفين يزيلون ملصق "مدعوم" عن أكياس السكر، وطلبوا منها دفع 5 آلاف ليرة لقاء الكيلو الواحد. وأكدت هذه الواقعة لهاني الرؤية التشاؤمية لمستقبل البلد، لأن "كل فرد يحاول استغلال الآخر، والفساد يطال المواطن والمسؤول على حد سواء".

المواطن يحتاج إعانة

"المواطن المعدوم لا يمكنه حتى شراء المدعوم" خلاصة ثانية للجولة على الأحياء الشعبية، فأسعار السلع لم تعد بمتناول عامة الناس، فتجد أن المواطن العادي يشكو لأن دخله ما زال على حاله أو توقف، بينما تضاعفت أسعار السلع حتى المدعومة منها، لكن وعلى الرغم من كل المآسي يتمسك بعض هؤلاء بالصبر، وتقول إحدى المواطنات إن "طبخة المكرونة بلبن أصبحت كلفتها لا تقل عن 30 ألف ليرة، وكيلو البطاطا بالجملة 3 آلاف، وقد نصل إلى يوم لا يمكننا إشباع أطفالنا حتى الخبز". وتتخوف الناشطة صبا مسعود من المستقبل، لأن "هناك شريحة من الناس لا يمكنها الحصول على السلع المدعومة، وهي كانت تعتاش على المساعدات والهبات التي يقدمها بعض فاعلي الخير". وتستهجن مسعود التوزيع غير المتوازن للسلع الاستهلاكية المدعومة على مراكز التسوق، مشيرة إلى أن "بعض تجار السلع المدعومة محسوبون على العهد والسلطة، ويمتنعون عن تأمين السلع المدعومة للمتاجر المحسوبة على الثورة مثل مبادرة الدكانة الاجتماعية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سياسة الدعم فشلت

وينظر اقتصاديون بعين الريبة إلى سياسة الدعم في لبنان، لأنها لا تصل إلى مستحقيها بالفعل، ويتقاسمها الأغنياء مع الأشد فقراً. وتشير الأكاديمية سارة حريري هيكل إلى أن "استمرار الدعم يعني استنزاف ما تبقى من ودائع اللبنانيين، وما تبقى من احتياط إلزامي لدى مصرف لبنان والمقدر بـ 17 مليار دولار".

وتلفت هيكل إلى أن الدعم لا يفيد العائلات الفقيرة والمحتاجة وإنما المحظيين. وتشير إلى أنه "في وقت يُحرم فيه المواطن من الحصول على دولاراته، يمكن للعمالة المنزلية تحويل أجورهم بالدولار على سعر المنصة إلى خارج لبنان"، مؤكدة أن "هناك مفاضلة بين المواطنين لناحية إعطاء أولوية الاستفادة لأصحاب العلاقات والروابط مع صرافي الفئة الأولى".
في المقابل، تعجز الفئات الفقيرة من الحصول على السلع المدعومة التي تستنزف الدولار المحلي، ويكون مصيرها التهريب إلى الخارج عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية. وفي انتظار بطاقة التموين التي يتم التحضير لها بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، فإن اللبناني بدأ يألف الوقوف في "طابور المدعوم"، ريثما يحين موعد ولادة "طابور التموين". 

سهم الخير

في غضون ذلك، يحاول ناشطون مواجهة حال العوز المستشرية في المناطق الشعبية ولدى فئة محدودي الدخل. وانطلقت مجموعة مبادرات من ضمنها "سهم الخير" اعتمدت على مسح ميداني ودرس الأوضاع الاجتماعية للعائلات من خلال ملء استمارات.

وحددت المبادرة الأولويات والعائلات الأكثر حاجة لتأمين تغطية صحية وغذائية. وأشار الناشط مصطفى العويك إلى أن "أي شخص يمكنه المساهمة بمبلغ يتراوح بين 10 و 20دولاراً من أجل إعانة عائلة". وتحدث العويك عن نجاح حققته المبادرة خلال أشهرها الأولى، إذ حصلت على مساعدات من بلدان الاغتراب وتحديداً أستراليا. ومع شح المساعدات الخارجية، لجأت المبادرة إلى تصنيع بعض المنتجات وبيعها لتأمين موارد خاصة بها، كما يقوم ناشطو المبادرة بجمع البلاستيك والحديد والكرتون من المحال والمنازل من أجل بيعها وضم ثمنها إلى مجموع الهبات، كما أُطلقت حملة الثياب والأحذية المستعملة لتأمين دعم مالي إضافي لـ 100 عائلة في منطقة "حارة الفوار" في قضاء زغرتا.
ويؤمن الناشط العويك بأنه "يجب تعليم الإنسان الصيد وليس إعطاءه السمكة"، والتكافل الاجتماعي يدفعنا حالياً للوقوف جنباً إلى جنب لتأمين الدعم السريع للعائلات "المتعبة" والعمال. ولفت الناشط مصطفى الراعي إلى أن المبادرة قدمت له الثقة بالنفس، وحفزت لديه السعي إلى فعل الخير والحس الإنساني تجاه الأسر المحتاجة.
في المحصلة، فإن الخوف الذي يحيط بلبنان هو من بلوغ مرحلة "حرب الكل ضد الكل" والتي تحدث عنها توماس هوبز في حال رفع الدعم، وهذا الأمر سيشكل محكاً لأخلاق المواطن اللبناني في تعاطيه مع أخيه الإنسان في مجتمع منهك.

المزيد من اقتصاد