Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماجيا جيدي شاعر صيني منفتح على الشعوب وقضاياها

خص الشاعر محمود درويش بقصيدة في ديوانه "هوية"

الشاعر الصيني ماجيا جيدي (الصورة تخضع لحقوق الملكية الفكرية - دار الحكمة)

قليلة هي الأعمال الشعرية التي تترجم إلى العربية من الصينية مباشرة، خصوصاً ما ينتمي منها إلى الوقت الحاضر، بما أن الاهتمام الأكبر في هذا الشأن ينصب غالباً على الرواية، وبالذات منذ حصول الكاتب الصيني مو يان على جائزة نوبل في الآداب عام 2012.   

ومن هنا تأتي أهمية الترجمة العربية لديوان "هوية" للشاعر الصيني جيدي ماجيا (1961)، والصادرة حديثاً عن "بيت الحكمة" في القاهرة بتوقيع شيماء كمال ومراجعة رشا كمال.

ينتمي جيدي ماجيا إلى أقلية "أي"؛ الناطقة بلغة "توسو"، وترجمت أعماله إلى كثير من اللغات الأوروبية. حصل على ميدالية "شولوخوف" التذكارية للأدب عام 2006، من جمعية الكتاب الروس، وشهادة عن المساهمات البارزة في مجال الشعر من جمعية الكتاب البلغار في العام نفسه. وقصائد هذا الديوان تعكس اعتزاز ماجيا بقوميته، وانفتاحه في الوقت نفسه على ثقافات العالم والمنجز الشعري الإنساني، قديماً وحديثاً. وهنا نلاحظ أنه أهدى قصيدته "هوية" التي اتخذ من عنوانها عنواناً لمجمل الديوان، إلى محمود درويش. يقول في ختامها: "درويش، أيا أخي العزيز، يداخل قلبي حزن عميق، فقد صليتُ لأجل القسطاس والعدالة، لأجل من حُرموا أوطانهم، هؤلاء الذين فقدوا هويتهم ليحموا أرضهم وقد تحملوا وجعاً ودماراً" صـ 414.

في هذه القصيدة، لا يخفى إدراك الشاعر لمأساة الفلسطينيين، حين يتوقف عند أن "البعض في هذا العالم أضاعوا هويتهم"، منتقداً من دون أن يمتنع في الوقت نفسه عن تلمس الأعذار لهؤلاء الذين ارتضوا تحمل الوجع والدمار وحتى فَقد الهوية؛ "ليحموا أرضهم"!  

انفتاح على الآخر

وهو مثلاً يهدي قصيدة "حقيقة" إلى خوان جيلمان (1930– 2014) وهو شاعر أرجنتيني، ويهدي قصيدة أخرى بعنوان "جدة الزهور" إلى الهندية الأخيرة في قومية كاواسخار، في أميركا الجنوبية، وقد عاشت في إقليم باتاجونيا التشيلي، وتوفيت بعمر 98 عاماً وكُرمت بوصفها "جدة الزهور". يقول فيها "الزهرةُ الأخيرةُ، ذبُلت في الريح برحيلك، العالم بأسره انغمس في ظلمة تامة، في أقصى نهاية للزمن، مضت عيناكِ".

أما "قصائد غوزبي أونغاريتي"، فيبدأها بقوله "نواة الزيتون ضربها سهم سحري، الصحراء استحالت إلى كريستال لامع، بداخل خيمة البدو، يلتقط العامة الأنجم من السماء، جماجم تبدو كشعاع نور في الأكوان، الضباب المتحلق تبدّد من فوره". وبحسب هامش وضعته المترجمة فإن أونغاريتي (1888– 1970) شاعر وناقد إيطالي رائد الاتجاه التجريبي المعروف بـ"أيرميتيزمو"/ "هيرميتيسزم"، من أهم أدباء إيطاليا في القرن العشرين، ولد في الإسكندرية لعائلة من مدينة توسكانا. قضى طفولته وسنوات مراهقته في أفريقيا يميل للقصائد الموجزة ذات الموضوعات المثيرة، مازجاً بين الأسلوب الإيطالي الغنائي الكلاسيكي بالأسلوب الشعري للرمزية الحديثة. وكذلك يهدي ماجيا قصيدة بعنوان "رحالة العالم" إلى توماس فنكلوفا (1937)، وهو شاعر ليتواني يعتبر من أهم الشعراء الأوروبيين المعاصرين، وترجمت أشعاره إلى أكثر من 20 لغة.   

وبحسب تقديم أشرف عويس لديوان "هوية" في نسخته العربية، فقد يكون أحد الأسباب الرئيسة في هذا الحس العالي بالإنسانية والتوحد معها والتعبير عنها بكل هذا الإخلاص والصدق هو انتماء ماجيا الشديد لقوميته ذات السمات المتفردة وعشقه تراثها وخصوصيتها، وهي بيئة بكر لا تزال، تحمل كثيراً من طزاجة الحياة في ثناياها، طزاجة تتسم بكل تناقضاتها من إقدام/ تردد، شجاعة/ خوف، عنف/ رقة. في قصيدة "داجي شالوو... موطني"، يبدو واضحاً ذلك الحزن الشجي وذلك الأسى، وهو يتحدث عن قسوة عادات راسخة في قوميته، ربما تكون شبيهة إلى حد كبير ببعض العادات القبلية في مناطق عدة في مصر، أميزها الصعيد، وهو ما يعني بحسب أشرف عويس، أن القوميات التي تتميز بخصوصيات راسخة، تتماس في ثقافاتها، مهما اتسعت مساحة الجغرافيا بينها.

يقول في مطلع القصيدة: "كل الآلام لها جذورها هناك، كل الحزن له جذوره هناك، كل الحكايا حزينة النهايات نسجت لتبدو غامضة، كل الأمسيات والليالي حبلى بالحزن والأسى، كل الصراع العدائي الدموي وقع هناك، عمي ذو الاثني عشر عاماً، أُعدِم بيد أهله، لتجنب موت شخص من عشيرة أخرى".

المرأة والحب

ورغم القسوة البكر الواضحة في هذا المجتمع، فهو يتسم في الوقت نفسه برقة ورومانسية شديدتين، ويميزه احترام كبير للأنثى كأم وأخت وحبيبة، وحتى كشريكة في المجتمع، حيث كتب ماجيا عدداً كبيراً من القصائد وأهداها إلى نساء قوميته وإلى أمه وإلى أخته وإلى الفتيات الشابات في بلدات قوميته.

ومن أكثر قصائده رومانسية، كما لاحظ عويس قصيدة "وشاح" التي يقول فيها "منح رجل وشاحاً، للمرأة التي أحبها، آهٍ، إنها امرأة محظوظة، بمقدورها الزواج أخيراً، من الرجل الذي أحبته بصدق، قلبها سيمتلئ بالمشاعر من الصباح وحتى المساء، بينما يمر الوقت، يوماً بعد يوم، ستضيع المرأة في الذكريات العميقة، لمجرد نظرة إلى الوشاح".

ويمثل تراث قومية جيدي ماجيا وخصوصيته المنبع الرئيس الذي يستقي منه كثيراً من أفكار قصائده وروحها، كما أنه يمثل، بحسب عويس، البوابة الأولى التي تتيح للقارئ الدخول إلى عالمه من أوضح الطرق وأيسرها.

وذهبت شيماء كمال في مقدمتها للترجمة التي أنجزتها إلى أن "ترجمة الشعر ليست أمراً مستحيلاً، وإن كان محفوفاً بكثير من العقبات، وذلك لإمكانية نقل السمات الأسلوبية والشعرية في القصائد إذا تمكن المترجم من أدواته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت أن "هذا الديوان ينتمي إلى أدب السيرة، والواقع أنه عمل أدبي متفرد، حيث راح الشاعر يمزج بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية، ويبدو أنه سار في درب السيرة الذاتية، فهو شاعر غارق في الأنا، ينقل نقلاً مباشراً من داخل الذات معتمداً على استرجاع ذكرياته، يعمل على سبر أغوار ذاته وكشف ما يجول فيها، فقدم بيوغرافيا لذاته وقوميته، حيث حكى عن والده ووالدته وعن رجال ونساء قوميته، ومعتقداتهم ولغتهم وحيواناتهم، وترانيمهم وموسيقاهم وأسلافهم وآلهتهم والجبال والوديان والأنهار والصخور والنيران والثلوج والبحيرات والخيالة والكهنة. سرد جيدي ماجيا عن الليل والغسق والشمس، يقدم مفردات شكلت جانباً كبيراً من أيام قوميته وتاريخ عرقه. ثم خطّ درباً آخر وهو درب السيرة الغيرية، فمنحنا كثيراً من أبيات الشعر بديوانه عن الأدباء وأعلام شاركوا في تكوين وجدانه. وهو في هذا الصدد تمكن من وصف أحاسيس شخصيات تعمد أن يأتي على ذكرها ويقص انفعالاتها فراح يطرق باب كثير من القوميات في بقاع الأرض، ليؤكد أنه كابن لقومية (أي) قد ترك أثره في كثير من القوميات والأعراق".

أما عنوان العمل، فهو بحسب المترجمة "أسطوري"، بحيث عمد الشاعر "إلى كشف هويته وإحساسه بالانتماء إلى أمة عريقة، ثرية بتقاليد وثقافة ولغة مميزة... إنها حالة نفسية، مزيج من الوعي بالاختلاف والتفرد والإحساس بالفخر القومي من دون شيفونية وتعصب أعمى".     

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة