Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا دوّن الرحالة الغربيون عن نساء الجزيرة العربية؟

باحثة سعودية تعقبت غرائب ما سجله المستكشفون عن المرأة النجدية بما في ذلك "الهاربات مع أحبابهن" حتى وقائع "اختبار العذرية"

الباحثة السعودية دلال الحربي تعقبت ما جاء في مؤلفات الرحالة عن المرأة في وسط الجزيرة العربية (غيتي)

حتى عهد قريب، بنى كثيرون صوراً نمطية عن نساء السعودية، خصوصاً الآتيات من منطقة الوسط (نجد)، وربما إلى اليوم لا يزال بعض ذلك التصور سائداً لدى أمم شتى من الناس بمن فيهم بعض الدول العربية والإسلامية.

إذا كان الأمر كذلك في هذه الأزمنة، خصوصاً قبل السنوات الخمس الماضية، التي شهدت فيها البلاد إصلاحات وتحولاً اجتماعياً جذرياً، في سياق ما عرف برؤية السعودية 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ فماذا عسانا أن نتوقع عن شكل نساء وسط الجزيرة العربية، في مخيلة الذهنية الغربية في بدايات القرن التاسع عشر حتى منتصف العشرين؟

ربما كانت الضبابية والإثارة إلى جانب حب المغامرة، بين أسباب عدة دفعت الرحالة الغربيين إلى استكشاف وسط الجزيرة العربية، والغوص في رمالها، بحثاً عما تخفيه من وراء حجابها الأسطوري، وبالأخص نساؤها اللاتي اشتهرن باختلافهن الكبير عن نظيراتهن الغربيات، وكذلك بعض العربيات في بلدان العراق والشام ومصر المجاورة. ولغرابة بعض الانطباعات التي سجلها أولئك الرحالة وأهميتها في معرفة حقبة معينة من تاريخ المنطقة؛ قامت الباحثة في التاريخ السعودي الدكتورة دلال الحربي، بتعقب ما جاء في مؤلفات أولئك الرحالة عن المرأة وسط الجزيرة العربية حصراً، من دون بقية مناطق الحجاز والشمال والشرق.

توقع أحكام غير منطقية

ووثقت الباحثة في دراستها "صورة المرأة في رحلات الغربيين إلى وسط الجزيرة العربية"، ما دوّنه 28 مستكشفاً أمثال البريطاني وليام بلغريف، والبولندي فاتسواف جفوسكي، والفنلندي جورج فالين، والفرنسي تشارلز هوبير، والألماني إدوارد نولده، والبريطانية غيرترود بيل؛ من مشاهد بينها المسيء والطريف والمثير للدهشة في كل أحوال السلم والحرب، بين ربوع الحاضرة والبادية.

وأخذت الكاتبة عهداً على نفسها أن تورد الشهادات كما هي، وإن لجأت إلى إيضاح رأيها في سياق الحكاية أحياناً، فهي أرادت "إبراز الصورة كما كانت عليه عند أولئك الرحالين، من دون أن أتخذ موقفاً انحيازياً من تلك الصورة من منطلق عدم قبولي أو رضاي؛ معتمدة في موقفي على إدراك الفوارق الثقافية والبيئية المحلية وثقافة وبيئة ذلك القادم من السهول الخضراء والأراضي التي تغطيها الأنهار والجداول والجبال التي يقع الجليد على رؤوسها، وبين الأرض الصحراوية التي يندر وجود الاخضرار فيها، وتلهب ساكنيها أشعة الشمس الحارقة".

ورجحت تبعاً لذلك غياب "التشابه والتقارب" بين الحالتين، وبالأخص إذا ما تعلق الأمر بالنساء، ومن ثم فهي لا تستغرب كما تقول "صدور أحكام غير منطقية أو ورود أوصاف غير لائقة عن المرأة في وسط الجزيرة العربية"، فهي تدرك أن دوافع المستكشفين ليست على وتيرة واحدة، فمنها السياسي والديني والسياحي، تحت أقنعة شتى مثل الطب وتجارة الخيل والتجوال وغيرها.

وبين المفارقات التي وجدتها واضحة لدى تتبعها انطباعات الرحالة، هو تناقضهم في الإطلاقات التي يذكرونها، فبينما يذكر أحدهم أنه لم ير امرأة حضرية قط في نجد تكشف الغطاء عن وجهها، يدون الكاتب نفسه في موقع آخر أنه وجد في منطقة مثل الشرارات، أو كاف (شمال) نساء يقمن بضيافة الغرباء، وأخريات لا يضعن الغطاء على وجوههن من دون حرج. وليس ذلك أبعد في نهج الموضوعية من استسلام البعض الآخر لرواسب ثقافته الغربية أو حتى المسيحية عند الحديث عن تقاسم الأدوار بين الرجل والمرأة في البيئة العربية والإسلامية.

تعدد الزوجات استعصى على فهمهم

وتناولت في هذا السياق، إسقاط أحدهم، جانباً من تلك المظاهر على الديانة بأسرها، فيقول بلغريف، عندما أراد انتقاد تعدد الزوجات وتوسع رجال العرب من الحاضرة في المتعة عبر الزواج والتسري بالجواري "إن الزواج والأبناء... غواية خطيرة، وقد خرب كل ثمار الارتباط الأسري والروابط العائلية وهي لا تزال في مهدها..." معتبرا أن تعدد الزوجات وسهولة الطلاق يفصل الأبناء عن والديهم ويحرض الواحد منهم على الآخر.

 


لكن هذا الاتجاه لحسن الحظ ليس وحده ما ترك أولئك الرجال من إرث مكتوب عن الصحراء موئل العرب الأول، إذ تواطأت الأكثرية على إكبار خصال الكرم والشجاعة والصبر واحترام الأسرة، التي ظلت بين سمات المرأة العربية الأصيلة، في مثل هيام البولندي فاتسواف جفوسكي والأميركي بول هاريسون بنمط الحياة الأسرية وسط الجزيرة العربية، لدى مقارنتها بنظيرتها الغربية.

وقال هاريسون "الحياة العائلية التي هي أكثر جمالاً بكثير من أي حياة عائلية أخرى في الجزيرة العربية هي حياة البدو؛ فالفقر يفرض عليهم الاكتفاء بزوجة واحدة، والطلاق أقل شيوعاً... وكثيراً ما توجد حياة عائلية بالغة الجمال، فهؤلاء الأعضاء المختلفين في مثل هذه العائلة والطريقة التي تتم بها العناية بالمسنين والضعفاء من الجيل السابق من دون أسئلة أو شكوى".

إلى أن قال "لا تخبو البهجة والرضا، وإن حلت مصيبة أو إزعاج عرضي على حياتهم، فالسرور هو الغالب على حياتهم، والفقر نفسه الذي يجعل تعدد الزوجات مستحيلاً، يجبر النساء على أن يكن شريكات في جميع نشاطات الأسرة... والنتيجة صحبة وتعاون متبادل وحب صريح بين الرجل وزوجته، فهما يتشاركان الفقر نفسه والمشقات، ومن الممكن أن يشاهدا ثلثي الأطفال الذي يرزقانهم يمرضون ويموتون".

شجاعة العربيات ومهارتهن

وسجل بعض أولئك الرحالة مثل الإيطالي كارلو غوارماني تجربته عن قرب وسط رحى الحرب الدائرة في إحدى المواجهات، كيف أن نساء عتيبة يسمع صراخهن "الممزوج بالفرح وهن يستقبلن الجرحى ويستنهضن هممهم بالعودة إلى ميدان المعركة بعد معالجة جروحهم بتضميدها بالرماد، لإيقاف نزيف الدم ولفها بالخرق"، معلقاً على ذلك المشهد البطولي بأن "نساء عتيبة جديرات (معه) بلقب البطولة كالنساء البطلات من أسلافهن".

على الرغم من ذلك لم يزل تفرّغ أكثر نساء العرب لتربية أبنائهن وتوقيرهن الأزواج وتجنبهن مجالسة الرجال الأجانب، وتعدد الزوجات؛ أموراً غير مفهومة ومستهجنة لدى الزائر الغربي، حتى وإن كان متعلماً مدركاً لطبيعة اختلاف الثقافات والقيم بين الشعوب والحضارات. بيد أن الكاتبة لاحظت لدى رصد ما كتب الرحالة، أن تلك السمات الإشكالية، حتى هي، اتضح أنها متفاوتة بين نساء المنطقة، فالتعدد على سبيل المثال ليس شائعاً بين نساء البادية، ومثله الجلوس في المنزل من دون أي عمل يذكر كما هو قائم في بعض مناطق الحاضرة.

 

ولذلك يعتقد الرحالة المهتمون بهذه الزاوية مثل البريطاني تشارلز داوتي أن المرأة النجدية أبرزت مهارة فائقة في بعض الصناعات والأعمال، حتى في ذلك الوقت المبكر من تاريخ المنطقة، فقد "برعت بعض نساء حائل في استخدام الإبرة في تطريز العباءات الرجالية (البشوت) التي تستورد من الجوف وبغداد"، مشيداً بمهارة نساء عنيزة الفائقة في تطريز بشوت الرجال بالخيوط المعدنية، حتى إنه وفقاً للدراسة "شبه مهارتهن بما يتم في الرسومات الفنية الموجودة على السجاد الشرقي".

بريدة أكثر تحضراً من دمشق!

وإذا كانت منطقة وسط الجزيرة العربية، التي تشكل حالياً مناطق "الرياض والقصيم وحائل" واسعة الأرجاء؛ فإن الطبيعي كذلك أن تختلف عادات سكانها، خصوصاً في ذلك العهد الذي كان التواصل محدوداً حتى بين سكان الإقليم الواحد، فضلاً عن المتوزعين بين قرى وبلدات وبواد مترامية الأطراف، وهذا ما جعل الأحكام التي يطلقها الرحالة مختلفة بحسب ما صادفهم من وقائع ومواطن إقامتهم، إذ كان القليل منهم أولئك الذين ظفروا بالتنقل والمكث بين أقاليم نجد كافة بين الحاضرة والبادية، فلا تكتمل الصورة إلا بالاطلاع على معظم ما كتبوه جميعاً.

 

ومن الصور التي نقلت على خلاف السائد؛ شيوع ممارسة النساء التجارة في سوق بريدة، على نحوٍ أذهل حتى المستشرقين الغربيين بلغريف وداوتي، فبينما أثنى الأول على نساء بريدة الممتهنات التجارة قائلاً "الجنس اللطيف في بريدة لا يقل أهمية عن الجنس الخشن"؛ اعتبر الثاني ذلك علامة على التحضر، وأن "دمشق ذاتها ليست على درجة تحضر بريدة في ذلك التاريخ الذي يقع ما بين 77 و78 من القرن التاسع عشر الميلادي". مما هو مغاير للتصور الذي أبداه عن شرائح من نساء الحاضرة من ذوات الجاه، الراضيات بالعيش بعيداً من الأعين في الدور بلا عمل يذكر.

هل تزوجت العربيات بالرحالة؟

وفي موقع آخر من الدراسة الصادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث تقول "بالعودة إلى مجموعة من العروض التي تلقاها بعض الرحالة للزواج خلال إقامتهم في نجد، لا نعرف مدى جديتها من عدمها، فداوتي يؤكد أنه تلقى عرضاً من بعض رجال البدو للزواج من نساء، كما يذكر أنه تلقى عرضاً في حائل من ماجد بن حمود بن رشيد لكن من مملوكة حبشية كانت تعمل عند والده". فيما تشير إلى أن مستكشفاً آخر هو أوتينج الذي سبقت الإشارة إليه، ذكر أن رجلاً يعمل عند بن رشيد عرض عليه الزواج من أنبل نساء القبائل في حال إسلامه، كما تلقى العرض نفسه أرشيبالد فوردر من حاكم الجوف، إذ أغراه وفقاً للباحثة بـ "أربع زوجات في حال إسلامه"، أما محمد أسد فقد تزوج فتاة من الرياض عام 1928 لأنه كان مسلماً.

رحالة صاروا جزءاً من العرب

وكانت العلاقة مع بعض المستكشفين الجزيرة العربية الغربيين وصلت درجة اندماجهم وسط النسيج الاجتماعي، وتفانيهم في الدفاع عنها، مما دفع عدداً منهم إلى القتال بجوار المحاربين، كما حدث مع وليام هنري الذي قضى في معركة "جراب" الضارية، وهو في صفوف رجال الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحالية. كما أن عدداً منهم تزوج بعد أن أسلم وغير اسمه، وانقلب من رجل استخبارات لبلاده إلى مدافع مستميت عن إنسان الجزيرة العربية، مثل محمد أسد (ليوبولد فايس)، وعبدالله فيلبي صاحب التصانيف الكثيرة عن جغرافية السعودية وتاريخها السياسي، وقد كان اسمه "هاري سانت فيلبي"، قبل أن يسلم ويغيره.

 

وبعد أن شبت الدولة الوليدة عن الطوق، ردت كثيراً من الجميل لفيلبي بعد رحيله، فأعادت طباعة الكثير من مؤلفاته ونقلت غير المترجم منها إلى العربية، واعتنت بإرثه التاريخي على أنه لم يكن دائماً في صف الساكنة، إذ تضمن كثيراً من النقد القاسي والأوصاف الجارحة. إلا أنها أبقته حاضراً، حتى في أول فيلم "شبه رسمي" عن أحد ملوك السعودية المؤثرين الملك فيصل بن عبد العزيز (قتل عام 1975) جعل المنتجون "فيلبي" محوراً رئيساً فيه، عندما وضعوه في مقام المستشار لمؤسس الدولة، والساعد الأيمن للفيصل في أول رحلة يقوم بها مبعوث سعودي إلى بريطانيا العظمى في ذلك الحين. وهي الرحلة التي انتهت باعتراف ثمين من الإنجليز بسلطان الملك عبد العزيز، في مرحلة مبكرة قبل توحيد جميع أطراف المملكة المعروفة اليوم.

نساء بلا نقاب ورقصات مختلطة

وتناولت الباحثة في شق من دراستها، كيف أن المنطقة التي كان يضرب بها المثل في المحافظة والعزل بين الرجال والنساء حتى في ذلك الوقت، سجل المؤرخون كيف أن أطرافاً منها في مدينة "الجوف" في الشمال مثلاً كانت البهجة فيها حاضرة بحضور الفتيان والفتيات على حد سواء، وكذلك في "كاف" من الناحية نفسها، حيث أعطى أرتشيبولد فوردر انطباعاً عن نسائها بوصفهن لسن منعزلات، ولا يضعن الغطاء على وجوههن وإن كن لا يجالسن الرجال، بل هن "أفضل بكثير من آلاف النساء في العالم الإسلامي".


وتقول نقلاً عن أوينتج، إنه شاهد في الساحة المفتوحة في الجوف رقصات وصفها بـ"الرائعة"، حيث روى أن "الراقصين من الجنسين وقفوا في صفين متقابلين، أحدهما يضم نحو اثنتي عشر فتاة، والآخر يضم عدداً مثله من الفتية، يفصل بينهما مسافة عشرين خطوة، وفي الوسط بين الصفين كانت ترقص فتاتان برؤوس مكشوفة وشعر مسدَل إلى الخلف، والأعين موجهة إلى الأرض، والأذرع تقترب وتتباعد بخطوات متزنة ورائعة، وفجأة أدارتا ظهريهما لبعضهما ورفعتا رأسيهما قاذفات بشعورهن الطويلة هنا وهناك بحسب الإيقاع الموسيقي، بينما صديقاتهن الأخريات في الصف مددَن أيديَهن بصورة متعامدة فوق صدورهن وأخذن في تصفيق منتظم. أما الفتيان في الصف المقابل فكانوا واقفين كتِفاً إلى كتف شاهرين سيوفهم ويحركون أجسادهم ذات اليمين وذات الشمال".

أما قيام النساء بواجب الضيافة نحو الغرباء في ظل غياب الرجال، والنهوض بأعباء الحياة اليومية، فهو أكثر من أن يحصى، من دون أن يعني ذلك التفريط في قيمهن التي كن شديدات التشبث بها حتى وهن يركبن فوق ظهور الجمال وينزعن الدلاء من الآبار، بل حتى في الخيام التي على الرغم من ضيقها الشديد، يوثق مستكشفين صوراً لها بالكاميرا ونقلوا باستغراب في مشاهداتهم، كيف أن تلك الخيمة يجري تقاسمها بين الرجال والنساء والفصل بين القسمين برواق ينصب وسطها.

اختبار "العذرية"

لكن ذلك لم يمنع حتى في ذلك العهد من ظهور حالات حب متمردة على النظام الاجتماعي، فتوثق الكاتبة إحدى غرائب العادات التي استوقفت الرحالة في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ إنسان الجزيرة العربية، وهي تروي الطقوس المتعارف عليها حين "تهرب الفتاة" مع من تحب.

وتضيف أن الإيطالي غوارماني انفرد بالإشارة إلى أنه في الحالة التي يرفض الوالد فيها زواج ابنته ممن تريد فهي تهرب معه، "وربما تكون عرضة للقتل إذا أمسك بها أهلها قبل أن تدخل في حماية أحد الشيوخ، وإذا ما دخلت في الحماية فإن النساء يتأكدن من عذريتها".

وتروي أن كشف النساء إذا تبين معه أن الفتاة كانت عذراء سمح لها بالإقامة مع حبيبها في بيت شعر خاص بهما، فيما يقوم والد الشاب بالسعي في استرضاء عائلة الفتاة بالمهر والهدايا، إلا أن تلك الجهود تبوء بالفشل أحياناً، وتستعيد الأسرة ابنتها الهاربة. أما الحرج الأكبر فهو ما يقع عندما تثبت النساء عدم عذرية الفتاة، "فإنها حينئذ تطرد هي ورفيقها وتلقى كل احتقار"، لكن الدراسة تشير إلى أن ما نقله غوارماني لا يعدو أن يكون حالة فردية سمع بها ثم أطلقها كما لو أنها قاعدة، وهي ليست كذلك.

ومع أن الباحثة لم تتناول كيف يتم ذلك الاختبار، ربما لحساسية الموضوع، إلا أن كتب التاريخ والفقه لا تخجل من إيضاح هذا النوع من المسائل، لحسم الخلاف عندما ينشأ حولها، ففي حال قدح شخص ما في عفة زوجته الجديدة فإن الطب الشرعي الذي تمثله "القابلات" هو الذي بيده اتخاذ القرار، بحيث يتم الاختبار بإدخال "بيضة" في جهاز المرأة التناسلي، فإن كسرت يعني أنها "عذراء"، وإن كان العكس فهي ليست كما تدعي، وفق المفاهيم الفقهية. ولحساسية الاختبار فإن الكثيرات يرفضن الخضوع له وفق الباحثة. ليس لشكهن في أنفسهن بالضرورة، ولكن أيضاً لشعورهن بامتهان كرامتهن.

"العطافة" تلهب حماسة الشجعان

لم يتوقف دور المرأة وسط الجزيرة العربية بحسب كتابات المستشرقين والرحالة عند النواحي الاجتماعية وحسب، ولكن أيضاً لعبت دوراً فعالاً في النزاعات والحروب، خصوصاً في مداواة الجرحى، والقتال في المعارك أحياناً عند الضرورة، كما أشارت الباحثة سابقاً عند الحديث عن شجاعة نساء العشائر النجدية لدى خوض فرسانهن المعارك.

لكن الدور الذي يشبه الأسطورة، هو ما رواه بعض الرحالة عن استماتة نساء بعض القبائل في حسم المعارك لصالح قبيلتهن على طريقة العرب الأوائل، وذلك بانتخاب إحدى فتيات سادات القبيلة، معروفة بجمالها وحسن صوتها، ينصب لها الهودج فوق بعير عالي القامة، تخرج للمجاميع حاسرة الرأس بكامل زينتها لتحفيز المقاتلين على الإقبال نحو أعدائهم وشدة البأس، كأنها بذلك تحرضهم على الدفاع عن شرفهم ونسائهم.

وتورد الكاتبة أن تلك الحسناء تسمى في كتابات الرحالة بـ" العطافة" أو "العطفة"، وقد تناول بعضهم أوصافاً لها. بينما كان القلة من شاهدها في المعارك، مثل جيرارد ليتشمان الذي ذكر أن "العطفة كانت موجودة سابقاً عند كل قبائل البدو في حروبهم إلا أنه في وقت رحلته (1880-1920) كانت الرولة هم الوحيدون المتمسكون بهذا التقليد".


ووصفها المستكشف داوتي بأنها "حدائية تتغنى من هودجها بأشعار القتال بصوتها العذب؛ لتوقد عواطف شباب القبيلة أثناء القتال، ويشكل ذلك أهمية كبيرة عند البدو؛ إذ يرى كل واحد الفتاة وكأنها زوجة له، وهي بلا حجاب كما لو كانت يوم عرسها".

ولئن كان الرحالة الغربيون في ذلك الحين شاهدوا "الحدائية" بين قبائل البدو وحدهم، فإن المدونات التاريخية تشير إلى أنها كانت عادة عربية حتى بين الحاضرة على نحو ذلك الوصف المذكور عند البادية. وتعد هند بن عتبة امرأة أبي سفيان وأم معاوية (مؤسس دولة بني أمية 662م) أشهر من قام بذلك الدور في المواجهات بين قومها المكيين، وأهل المدينة بقيادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام يوم "أحد"، فقد جعلت كما تقول كتب السير تحفز المقاتلين على الإقدام، حتى استطاعت إقناعهم بالعودة إلى المعركة بعد هزيمتهم عنها، فما كان منهم إلا أن أقبلوا مجدداً حتى حسموها لصالحهم في نهاية المطاف. وكان من أغانيها يومئذ مع فتيات من قريش "نحن بنات طارق، نمشي على النمارق، والدُّرُ في المخانق، والمِسك في المناطق. إن تقبلوا نعانق، ونفرش النمارق، أو تُدبروا نفارق، فراق غير وامق".

كانت الباحثة دلال الحربي نوهت في مطلع دراستها (191 صفحة)، إلى أن أول غربي طرق وسط الجزيرة العربية، كان البريطاني جون رينورد عام 1799، ثم تتابع بعده الرحالة مع تنافس القوى العالمية إبان الحرب العالمية الثانية على المنطقة التي يتنازعها العرب مع العثمانيين. وتلفت إلى اختلاف بين أولئك بسبب شح المعلومات في ديارهم عن المنطقة حول الحدود الجغرافية لمنطقة نجد وأوصافها، إلا أن الثابت في كل الأحوال أنها ظلت أقاليم تثير شهية الباحثين، وتلهب حماسة المغامرين، على الرغم مما يكتنف تضاريسها من الصعوبات والمخاوف في ذلك الحين.

المزيد من تحقيقات ومطولات