Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة النفط الصخري... ولكنه أكثر تأثرا بالسيارات الكهربائية

لم تكن نتائج كورونا وحدها من كبحت جماح نمو هذا القطاع

إنتاج النفط الصخري قد يصل إلى مستويات تاريخية (غيتي)

مع ارتفاع أسعار النفط سيعاود إنتاج النفط الصخري نموه، ولكن بمعدلات أقل من التي سادت بين عامي 2016 و2019، مما سينهي أسطورة "النمو الانفجاري" الذي تكلمت عنه وكالة الطاقة الدولية، كما أنه أنهى أسطورة وصول إنتاج الولايات المتحدة إلى 18 مليون برميل يومياً، والتي كان يتحدى فيها ملك النفط الصخري ورئيس شركة "بايونيير رسورسس"، سكوت شفيلد، دول "أوبك" كلما دعته للمشاركة في المؤتمر الذي يعقد كل عامين بمقر المنظمة في فيينا.

لم تكن نتائج كورونا وحدها من كبحت جماح نمو النفط الصخري، فحتى من دون الجائحة كان يتوقع أن تنخفض معدلات النمو بشكل كبير، وذلك للأسباب نفسها التي ستكبح جماحه في فترة ما بعد كورونا مع ارتفاع أسعار النفط. 

ومن ناحية أخرى، فنوعية النفط المستخرج من أحواض "الصخري" كانت ستحجم نموه في كل الحالات، كما أن انتشار السيارات الكهربائية سيحد نموه أكثر من غيره بسبب النوعية أيضاً.

العوامل المحددة لنمو إنتاج النفط الصخري

كما ذكرت أعلاه، فإن إنتاج النفط الصخري سينمو مرة أخرى، واحتمال أن يصل إلى مستويات تاريخية كبير، إلا أن معدلات نموه ستكون أقل مما كانت عليه في السابق. 

التمويل

أهم أسباب هذا التباطؤ في نمو الإنتاج على الرغم من ارتفاع أسعار النفط هو ندرة التمويل، بخلاف ما حصل في عامي 2016 و2017 حين كان التمويل متوفراً وبشكل رخيص، سواء من صناديق الاستثمار أو البنوك أو الصناديق السيادية. 

مصادر تمويل الشركات تأتي من تدفقاتها المالية ومن بيع بعض أصولها، أو من تمويل الصناديق والبنوك أو من عمليات الاكتتاب، أما التدفقات المالية فكانت سالبة بسبب انهيار الأسعار، ولا أحد يرغب في البيع أو الاكتتاب في فترة انخفاض الأسعار، لأن تقييم الأصول يكون منخفضاً. 

وعلى الرغم من أن صناديق الاستثمار المتخصصة لديها أكثر من 65 مليار دولار للاستثمار في قطاع النفط والغاز، إلا أنها لم تحرك ساكناً بانتظار الوقت المناسب للاستثمار، كما أن موجة الشراء والاستحواذ كانت ضعيفة وانتهت، وسبب عدم إقدام الصناديق على الاستثمار وضعف موجة الشراء والاستحواذ واحد، وهو التقييم الضعيف لأصول الشركات. 

ضعف التقييم جعل بعض الشركات تفضّل إعادة هيكلتها تحت الفصل الـ 11 للإفلاس، على أن تبيع أصولها بأسعار زهيدة، أو بعبارة أخرى هناك مشترون ولكن ليس هناك باعة، وحصلت بعض عمليات الاندماج من دون تحقيق أية عوائد إضافية للمستثمرين في هذه الشركات، لأن وضع الشركة المدمجة سيمكنها من الحصول على تمويل، إلا أن رؤساء هذه الشركات أنفسهم يتوقعون نمواً بطيئاً لإنتاج النفط الصخري. 

وحققت الشركات النفطية الكبيرة مثل "شيفرون" و"إكسون" نتائج مالية سيئة عام 2020، وكان بعض الذي يتفاخرون بالنمو العالي للنفط الصخري يقولون إن دخول الشركات العالمية الكبرى سيغير طبيعة الإنتاج في أحواض "الصخري"، وتحويلها إلى "عمليات تصنيع" ينتج منها نمو كبير وبكُلف منخفضة، وثبت الآن أن ما يحكم إنتاج "الصخري" هو الجيولوجيا ورأس المال مهما كانت الشركة المنتجة.

وخلاصة الحديث أن ضعف التمويل من كل الاتجاهات سيحجم نمو "الصخري"، حتى لو استمرت أسعار النفط بالارتفاع. 

الكُلف

أسعار النفط الحالية مجزية للشركات كافة كي تقوم بعمليات الحفر وإكمال الآبار، إلا أن الحديث في موضوع الكُلف ذو شجون، ولا يمكن الغوص في أعماقه في مقالة صحافية يقصد بها الناس من تخصصات مختلفة، إلا أن انخفاض الكُلف وزيادة الإنتاجية اللذين حصلا عامي 2016 و2017 لن يتكررا، وادعاء بعض الشركات أن جزءاً كبيراً من انخفاض الكُلف عام 2020 دائم غير صحيح.   

وقبل الحديث عن الأسباب لا بد من توضيح ما يلي، هناك آبار في "الصخري" تحقق أرباحاً عن 28 دولاراً للبرميل، إلا أن الشركات تملك مناطق عدة وطبقات مختلفة وآباراً كثيرة، بعضها غزير الإنتاج ومنخفض الكلفة، وبعضها ضعيف الإنتاج ومرتفع الكلفة، مما يجعل كلفتها المتوسطة أعلى من 28 دولاراً، والقول بأنها تحتاج إلى أسعار فوق 55 دولاراً لتحقيق أرباح ضرب من الخيال، ففكرة التوسع الدائم تجعل الشركات تستمر في الاستثمار، كما أن السعر المطلوب لتحقيق تدفقات مالية موجبة غير مجد، لأنه كلما ارتفعت استثمارات الشركة ارتفع السعر اللازم لتحقيق تدفقات مالية موجبة، وهذا لا يعكس حقيقة الكُلف على الأرض. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إضافة إلى ذلك، فعند انخفاض أسعار النفط فإن المهم للمنتج هو الكُلف المتغيرة لا الكلية، وهذه الكُلف تترواح بين 18 و22 دولاراً للبرميل، وبعبارة أخرى فستفلس الشركات إذا انخفضت أسعار النفط عن 18 دولاراً للبرميل، إلا أنها لم تفلس مع انخفاض الأسعار بسبب عمليات التحوط، إذ إن كثيراً منها كانت تحصل على أسعار فوق 45 دولاراً للبرميل، عندما كانت أسعار خام غرب تكساس 10 دولارات.  

وبنظرة سريعة إلى شركات "الصخري" التي أفلست، نجد أن أغلبها أفلس "استراتيجياً" بحجة كورونا وليس لأنها مفلسة حقاً، بخاصة أن لديها أصولاً قيّمة، وبعضها يملك أفضل الآبار في أحواض "الصخري". 

وبالعودة إلى الموضوع الأصلي، نجد أن سبب عدم تكرار تجربة 2016 و2017 هو أن الشركات بين 2010 و2015 حفرت عدداً هائلاً من الآبار، تعلمت خلالها الخريطة الجيولوجية للمناطق المختلفة، واستطاعت تحديد المركز في كل منها، الذي يتمتع باحتياطات كبيرة وغزارة في الإنتاج، ومن ثم انخفاض الكُلف، ثم قامت الشركات بشطب آبارها المرتفعة التكاليف وضعيفة الإنتاج وانتقلت إلى المركز، فظهر أنها خفضت كُلفها وزادت إنتاجها، وهذا الأمر لن يتكرر الآن لأنه ليس هناك "مركز" تنتقل إليه هذه الشركات، فهي فيه الآن، وأثر التكنولوجيا وزيادة الكفاءة الإدارية كان بسيطاً مقارنة بأثر الانتقال إلى المركز. 

من ناحية أخرى، ادعاء الشركات أن جزءاً كبيراً من انخفاض الكلف دائم في 2020 غير صحيح، وإنما مؤقت يعكس الوضع السيئ لشركات الخدمات وتسريح عشرات آلاف العمال، ومع ارتفاع الأسعار والحاجة لشركات الخدمات والعمال والموظفين، سترتفع الكُلف إلى ما كانت عليه العام 2019، وهناك احتمال أن ترتفع أكثر لأن بعض العمال والموظفين لن يعود إلى العمل في مجال النفط، بينما قررت بعض شركات الخدمات الانسحاب من قطاع النفط الصخري تماماً. 

نوعية النفط

النفط المستخرج من أحواض "الصخري" خفيف حلو وخفيف جداً ومكثفات، ومن ثم فإن أهم ما يستخرج منه اقتصادياً هو البنزين و"النافثا"، ولهذا تنتج المصافي الأميركية كميات كبيرة من البنزين، ويتم تصدير كميات كبيرة أيضاً منه ومن الغازات السائلة.

وسبب تصدير الولايات المتحدة للنفط الخام والمكثفات هو عدم قدرة المصافي الأميركية على تكريرها، إذ وصلت حد التخمة بالنسبة إلى استخدام هذا النوع من النفط. 

مشكلة "الصخري" مستقبلاً أن التحول إلى السيارات الكهربائية، بخاصة في الولايات المتحدة، سيؤثر بشكل كبير في الطلب على البنزين، وبما أنه من أكثر منتجات "الصخري"، فإنه سيتأثر أكثر من أنواع النفط المتوسطة والثقيلة، إلا أن للنفط الصخري مستقبلاً كبيراً، وقد ينمو بشكل أكبر في المستقبل إذا فشلت السيارات الكهربائية في الانتشار بحسب التوقعات الحالية، وإذا لم تحقق محركات سيارات البنزين تحسن الكفاءة الذي تتوقعه وكالة الطاقة الدولية و"أوبك"، فالطلب على البنزين سيكون أكبر من المتوقع بكثير، وهذا سينعش الطلب على النفط الصخري. 

خلاصة القول أن إنتاج النفط الصخري سينمو، وقد يصل إلى مستويات تاريخية جديدة، ولكن نموه سيكون أبطأ من ذي قبل، وسيكون أكثر تأثراً بانتشار السيارات الكهربائية وتحسّن كفاءة محركات البنزين، والأكثر استفادة لو فشلت التوقعات في شأنيهما.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء