Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طرابلس اللبنانية تسعى إلى مداواة جراحها وترفض منطق الأمن الذاتي

اتهام مندسين بافتعال أعمال الشغب والمواجهة مع القوى الأمنية في عاصمة الشمال

جانب من المناوشات في طرابلس ليل الأحد 31 يناير وتعاملت معها القوى الأمنية (اندبندنت عربية)

صدمة كبيرة تعيشها طرابلس اللبنانية في أعقاب "ليلة إحراق المقار الحكومية"، ففي هذه الليلة شعرت عاصمة الشمال وسكانها بأنهم في عزلة عن "لبنان الكبير"، يواجهون وحيدين أقدارهم والموت البطيء لمؤسسات الدولة. ووصل أهل المدينة إلى شبه قناعة بأن هناك مسؤولاً عما جرى عن سابق إصرار وترصد أم أن هناك تقصيراً أو إهمالاً أو غض طرف عن مؤامرة إحراق المدينة العريقة. في تلك اللحظات، خرجت دعوات إلى نزول أبناء المدينة لحماية مدينتهم، وأملاكهم. وشكل تصريح الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي ما يشبه الصدمة للرأي العام عندما أعلن عن استعداده لحمل السلاح من أجل حماية مؤسساته التي تعرض جزء منها للتخريب. وأعقب ذلك موقف من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يغمز فيه من قناة المؤسسة العسكرية. أمام هذا الواقع، تصاعدت التحليلات حول إمكانية الانزلاق نحو "الأمن الذاتي"، في مقابل دعوات للذوبان في النسيج الوطني ورفض الشقاق مع مؤسسات الدولة.


عودة إلى مظلات الإنصهار المجتمعي

أمام هول ما حدث في طرابلس، بدأت بعض الشخصيات على الساحة الطرابلسية تنشط لإيجاد إطار جامع "لحماية المدينة مما ينتظرها، لأن هناك فصولاً أخرى يتم التحضير لها".
وفي هذا السياق، دعا الأستاذ الجامعي الدكتور مصطفى الحلوة إلى الاستفادة من تجربة "التجمع الوطني للعمل الاجتماعي" وهي مبادرة نشطت إبان حرب السنتين 1975-1976، في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان.
وفي حين أكد الحلوة أنه لا يمتلك إطاراً تنظيمياً أو جمعية لتوحيد العمل المدني، وإنما قدّم اقتراحاً قابلاً للحياة بعد نجاحه في حماية المجتمع الطرابلسي خلال الفترات العصيبة. وعاد الحلوة بالذاكرة، وقال إنه "عندما اشتدت الحرب، وواجهت طرابلس شبه حصار، لم يبقَ لأهلها متنفساً سوى البحر، عُقد آنذاك اجتماع في مقر الرابطة الثقافية، لكل أطياف المجتمع المدني من أجل توحيد الجهود. وأنتج هذا الاجتماع صيغة تحت اسم التجمع المدني بدأت بمعالجة شؤون المدينة، وسد نقاط الخلل الطارئة". ولفت إلى أنه "عندما انقطعت الكهرباء عن المدينة، تمكن نقابيو التجمّع من إعادة التغذية بالتيار الكهربائي على الرغم من الحصار، وتكرر الأمر عند انقطاع المياه، والأدوية التي كانوا يستوردونها من قبرص. وتمكنت هذه الصيغة من معالجة المشكلات".
وكان الحلوة آنذاك عضواً في الأمانة العامة للتجمّع، لافتاً إلى أن "هذا التجمع استمر لغاية توقيع اتفاق الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية)، ومع عودة الدولة توقف عمل التجمع من دون إعلان رسمي عن انفراط عقده".
واستعاد الحلوة هذه التجربة في طرابلس، معتبراً أنها "نقطة من النقاط المضيئة في تاريخ المدينة". ورأى أن "إحياء هذا الإطار لا يخالف سلطة الدولة وهيبتها، على أن يكون هناك تنسيق بين الطرفين". وتخوّف الحلوة من "تفاقم الأوضاع أمام الانهيار السريع الحالي وأزمة الدولار، وعدم رؤية بصيص نور قريب". وتساءل "هل يجب أن ننتظر الوصول إلى مرحلة انحلال المؤسسات؟ لأن لا ضمانة للمواطنين من عدم تكرار الظواهر المريعة في ظل تراجع الدولة وتصاعد العنف".
كذلك دعا الحلوة منتقديه إلى تقديم اقتراحات بديلة لإنشاء جبهة أو إطار جامع، فهو "غير متمسك بطرحه كإطار وحيد ممكن، ولكنه يقوم بدوره عبر المناشدة بالسماح للمثقفين والنخب بدور ما"، وتشكيل مجموعة ضغط لمتابعة تنفيذ المشاريع الخاصة بطرابلس وأداء المرافق العامة في المدينة". 

الأمن الذاتي مرفوض

في الموازاة، تكرر مساء الأحد 31 يناير (كانون الثاني)، مشهد المواجهات بين القوى الأمنية والمحتجين أمام السراي الحكومي في طرابلس. ورشق المحتجون المقر الرسمي بالحجارة، وأطلقوا هتافات مستهجنة لإجراءات القوى الأمنية، فيما أطلقت قوات مكافحة الشغب القنابل المسيلة للدموع نحوهم لتفريقهم ودفعهم نحو "ساحة النور" وسط المدينة.
من جهته، طوّق الجيش اللبناني "ساحة النور" من كل الجهات، ونشر قواته المؤللة على طرفَي الطريق الموازي لفرع "مصرف لبنان" في طرابلس، ومنع المشاة من التوجه نحو الساحة، فيما طلب من العائدين إلى منازلهم سلوك طرق فرعية.
وطغى حضور الشباب والمراهقين على "ساحة النور"، فتحلقوا في مجموعات، وغطوا وجوههم بالأقنعة، إذ شككوا في كل حامل لآلة تصوير، معتقدين بأن عناصر من أجهزة الاستخبارات تلتقط صورهم بهدف توقيفهم لاحقاً.
وفي إحدى المجموعات، أكد الشبان أن همهم واحد، إذ تخرجوا من الجامعة منذ سنوات ولم يجدوا عملاً يؤمن لهم مستقبلاً يليق بهم وبتضحايتهم. وعبّر الشاب العشريني مؤمن علوش عن موقف شباب الساحة، فشبّه ما يجري في عاصمة الشمال بأنه "بالون عندما يصل إلى طاقته القصوى ينفجر، فهذه هي حال أبناء الأحياء الفقيرة التي تريد أن تعبّر عن نفسها بطريقة ما، وقد تتخذ في بعض الأحيان أشكالاً عنفية، من إحراق وتحطيم المؤسسات التي تسيطر عليها السلطة الفاسدة". وأكد علوش أن أهل طرابلس لا يطالبون بشيء تعجيزي "يريدون فقط أن يكونوا مواطنين".
يمثل مؤمن علوش الكثير من الشباب، فهو خريج جامعي لم يحظَ بفرصة عمل لائقة، إلا أن هذا الأمر لم يدفعه إلى القبول بمبدأ "الأمن الذاتي". ويرفض علوش مع رفاقه مبدأ "الحماية الذاتية للأحياء والممتلكات" لأن ذلك سيقود إلى أن "كل صاحب مجموعة من 10 أو 15 عنصراً سيتحول إلى قائد ميليشيات يفرض إرادته على أهل الحي. أو ستتحول المجموعات إلى أدوات يستغلها الساسة والأحزاب المدعومة من الخارج، وتتخذ تبعية ذات صلة بالمحاور الإقليمية".


موقف ميقاتي

على صعيد آخر، يعتقد مقربون من رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، ابن طرابلس، أن البعض أساء تفسير موقفه لناحية الاستعداد لحمل السلاح من أجل حماية مؤسساته. وأكدت مصادر ميقاتي أن مواقفه جاءت من باب التحذير من انفلات الأمور من عقالها، إذ "أطلق تحذيره بهدف عدم الوصول إلى الأمن الذاتي في حال تخلت مؤسسات الأمنية عن لعب دورها". واعتبرت المصادر ذاتها أن "كلام ميقاتي طبيعي عند عدم تمكن الدولة من حماية المؤسسات"، مشيرةً إلى أن "هناك إحساساً لدى الناس بأن الدولة والمسؤولين في المدينة، تركوا طرابلس تصل إلى ما وصلت إليه. بالتالي فإن المقصود بالكلام ليس الحضّ على الأمن الذاتي، وإنما القول إنه إذا الدولة تركت دورها فنحن لن نتخلى عن دورنا".
وتساءلت مصادر ميقاتي عن خلفية الهجوم على "مؤسسات العزم" (جمعيات تابعة لميقاتي) والتي قامت بها مجموعات من "المندسين"، إذ "لم يسبق أن هاجم أحد مؤسسات وصروحاً تعليمية في طرابلس. ومؤسسات العزم هي عبارة عن مدارس، جامعات، ومؤسسات خيرية، فكيف يمكن لأحد الهجوم عليها وتحطيمها؟"

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

​​​​​​​
الحريري ضد الأمن الذاتي

في أعقاب أحداث طرابلس، كان لافتاً موقف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي لمّح إلى عدم قيام القوى العسكرية بحماية المؤسسات العامة في المدينة. وأكد الدكتور ناصر عدرة المنسق السابق لتيار المستقبل في طرابلس أن "هناك إيماناً دائماً بالمؤسسات ودور القوى الأمنية لأن واجبها الدفاع عن أمن المدينة". ولفت إلى التواصل مع القوى الأمنية وقائد الجيش من أجل ذلك.
ووضع عدرة موقف الحريري في السياق العام لما جرى في المدينة لأنه "كان غير اعتيادي"، لأن "مَن أحرق المدينة أشخاصاً مندسين حاولوا تحوير مطالب الناس إلى مكان آخر". وعلّق عدرة على الحديث عن إمكانية اعتذار الحريري عن التكليف تحت وطأة الأحداث في الشارع، قائلاً "موقف الرئيس سعد الحريري واضح وهو ليس بوارد الاعتذار، وإذا كان هدف أحداث العنف هو الذهاب في هذا الاتجاه، فهو في المكان الخطأ".
وأمام الاتهامات المستمرة بمسؤولية مَن حكم طرابلس عن مشكلاتها منذ ما لا يقل عن 20 سنة، وأنه كان طبيعياً أن "ينفجر الغضب بوجه أحزاب السلطة جمعاء"، قال المنسق السابق لتيار المستقبل في عاصمة الشمال "نحن لا نتهرب من مسؤولياتنا، ولكن هذا الغضب تفجّر في كل المناطق اللبنانية وليس في مناطق تيار المستقبل حصراً". كما عبّر عن تخوفه من قرار رفع الدعم المالي عن السلع الأساسية، معتبراً أن "هذه الخطوة يجب أخذها بعناية لأنها ستأخذ لبنان نحو انفجار دائم". ورفض عدرة تهمة "أحزاب صندوق الإعاشة" التي توجَه إليهم على ألسنة عامة الناس، قائلاً إن "تيار المستقبل ليس في السلطة، ورئيس الحكومة المكلف قام بواجبه لناحية تقديم تشكيلة حكومية قادرة على تطبيق خطة إنقاذ. لذلك فإن المدخل إلى عودة الأمن والاستقرار يكون عبر خطة اقتصادية واجتماعية لإنقاذ الوضع، وقد ينعكس ذلك على سعر صرف الدولار الذي أدى إلى انهيار كل القطاعات في لبنان".

المزيد من العالم العربي