Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل حقا تختلف توجهات صانعي السياسة الإيرانية؟

اختُزلت صلاحيات الرئيس الإيراني إلى منصب سكرتير تنفيذي إلا إذا كان يتمتع بدعم العناصر القوية للنظام، ولا سيما الحرس الثوري

المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي (رويترز)

حينما يتصدّر المشهد السياسي الإيراني التيارُ الإصلاحي تختلف توقعات وتصورات الآخرين من خارج إيران حول الموقف لو كان من في المشهد التيار المحافظ. لكن هل مع تبدّل المشهد بين التيارين في موقع السلطة يمكن القول إنه حينما يأتي التيار الإصلاحي على رأسها يكون هناك اختلاف حقاً في أهداف السياسة الإيرانية ومصالحها؟

بمراجعة ديناميكيات التفاعل بين المؤسسات السياسية، ووفقاً للدستور، نجد أن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، لديه القول الفصل في جميع قرارات السياسة الخارجية الرئيسية. فإحدى مهام المرشد وفقاً للمادة (110) من الدستور "تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيراينة بعد التشاور مع مجلس تشخيص مصلحة النظام"، كما تنصّ المادة (176) على ألا تُعتبر قرارات مجلس الأمن القومي الأعلى نافذةً إلا بعد مصادقة القائد الأعلى عليها.

وفي ذات الوقت ينصّ الدستور في الفصل التاسع، باب السلطة التنفيذية، المادة (113)، على أن "رئيس الجمهورية يرأس السلطة التنفيذية إلا في المجالات التي ترتبط مباشرة بالقيادة العليا"، وهو ما يفسّر كيف أن رئيس الجمهورية الإيراني لا يمكنه أن يتبع سياسة خارجية لا تتفق وإرادة المرشد الأعلى للجمهورية، حتى لو كان يتمتع بتأييد شعبي واسع، فلا يمكن أن يتبنى السياسات التي يعارضها القائد أو العناصر الأخرى ذات النفوذ في النظام. فقد تم اختزال صلاحيات الرئيس إلى منصب سكرتير تنفيذي، إلا إذا كان يتمتع بدعم العناصر القوية للنظام، ولا سيما الحرس الثوري. ويرجع ذلك إلى خصائص النظام منذ البداية، التي أدت إلى نظام داخلي يتسم بالصراع والتنافس، مما يجعل من الصعب اتّخاذ القرارات بشأن قضايا السياسة الخارجية الرئيسية. لذا غالباً ما تبدو السياسة الخارجية الإيرانية وكأنها تعكس توجهات ووجهات نظر مختلفة فيما بينها لمجموعة من اللاعبين وأصحاب المصالح المختلفين، ولكن كل هذه التفاعلات تتم بما لا يخالف مصلحة النظام "الإسلامي" القائم.

 ويحتفظ المرشد بقدر كبير من السيطرة على جميع المؤسسات والأفراد. وقد بدأت قوة المرشد الأعلى حينما أقرّ الخميني بولاية الفقيه، ثم نجح خامنئي في إنشاء شبكة من الأتباع المخلصين في كل فرع من فروع الحكومة واختيار قادة الحرس الثوري، والجيش، والشرطة، ووسائل الإعلام الرسمية والمؤسسة الدينية، فضلاً عن تعيين جميع أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام، ونصف أعضاء مجلس صيانة الدستور المنوط به تقييم وفحص المرشحين للرئاسة ومجلس الشورى الإسلامي ومجلس خبراء القيادة، الذي يُعد الجهة الوحيدة التي لديها صلاحية عزل المرشد الأعلى للبلاد. أي أن ما يؤسسه النظام الإيراني باعتباره كوابح لتقييد سلطة المرشد العام وإضفاء صفة ديمقراطية على النظام يُقيّد بصلاحيات أخرى ممنوحة للمرشد بواقع الدستور.

وفيما يتعلق بطبيعة السياسة الخارجية الإيرانية، فنظراً لتمتع القائد الأعلى بالسلطة النهائية في مجال السياسة الخارجية، يظلّ ذلك يعمّق استمرار جدلية هل السياسة الخارجية الإيرانية ايديولوجية أم براغماتية. وظلّت الأدبيات والدراسات المهتمة بالشأن الإيراني تدور حول ازدواجية الثورة في مقابل الدولة أو الايديولوجية في مقابل البراغماتية. تلك الجدلية تُثار نظراً لقيام النظام الإيراني بكفاءة وفاعلية بتوظيف آليتين معا في وقت واحد، هما أنه على الرغم من كون المرشد الأعلى خامنئي لديه نظام من المستشارين والمجالس والأفراد الذين يساعدون في صياغة وتنفيذ سياسة إيران الخارجية، ولديه سلطة فرض "فيتو" على أي سياسة، كما أن خطابه دائما ما يُعظّم الاسترشاد في المقام الأول بالاعتبارات الايديولوجية، إلا أنه في ذات الوقت يسمح لخطابات رؤساء الجمهورية ووزراء الخارجية أن يكون لها التأثير على التصورات الخارجية والمحلية تجاه سياسة إيران الداخلية والخارجية. فعلى سبيل المثال، يتمتع الرئيس الإيراني الحالي روحاني بتصدير صورة تتسم بالتعاونية والانفتاحية والواقعية إلى المجتمع الدولي، ويسانده في ذلك وزير الخارجية جواد ظريف. لذا فإيران لا تعاني من ازدواجية الثورة/ الدولة، أو الايديولجية/ البراغماتية، إنما توظف الايديولجية لتحقيق مصالح الدولة.

أما عن طبيعة النخب الحاكمة، فارتباطاً بديناميكيات النخب الحاكمة التي تميز النظم السلطوية، هناك نوعان من دوائر النخب المغلقة، إحداهما تتعلق باستمرار تداول نفس النخبة من وظيفة واحدة إلى أخرى، والثانية الحفاظ على نفس أفراد النخبة في ذات الوظائف، كما أن طبيعة النظم السياسية للدول وأجهزة صنع القرار الخاصة بها تؤثر بدرجة كبيرة على سلوكهم الخارجي. ففي الأنظمة السياسية السلطوية، حيث تكون السلطة مركزية، سواء في يد فرد أو مؤسسة واحدة، يعكس سلوك الدولة احتياجات ومصالح وتفضيلات إما الشخص الحاكم أو المؤسسة المهيمنة، ومن ثم فإنه يتم اتخاذ قرارات السياسة الخارجية الرئيسية من قبل القائد أو من قبل المؤسسة المهيمنة، وينطبق ذلك على النظام الإيراني. لذا تعدّ قدرات وأهداف هؤلاء القادة ضرورية لفهم سياسات الدولة وإمكاناتها واستراتيجيتها. كما أن معتقدات هؤلاء القادة تؤثر في استقبالهم للمعلومات التي تصل من البيئة المحيطة. وينطبق على النظام السياسي الإيراني الذي تنحصر الوظائف السياسية فيه في عدد من الشخصيات ذات الأهمية في حقبة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية، وقد تداولت ذات النخبة المناصب التنفيذية والتشريعية والقضائية.

المزيد من آراء