Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع على منصب محافظ الموصل

ثلاث قوى سياسية رئيسية في مجلس المحافظة غير متفقة على مرشح واحد

نائب رئيس البرلمان العراقي بشير حداد يلتقي أعضاء مجلس محافظة الموصل (آشور نيوز)

فتح مجلس محافظة الموصل الباب أمام الترشح لمنصب محافظ الموصل، بعد إقالته للمحافظ السابق نوفل العاكوب، عقب مأساة انقلاب عبارة مدينة الموصل 21 مارس (آذار)، ومن دون أن يُقدم المحافظ السابق طعناً بقرار المجلس ضمن المدة القانونية الممنوحة له.

لمنصب محافظ الموصل حساسية خاصة، متأتية من طبيعة المحافظة وما تعيشه من أحوال، والمؤثرة بدورها على كامل العراق، فالموصل تُعتبر ثانية محافظات العراق من حيث عدد السكان بعد العاصمة بغداد، كما أنها تملك موقعاً جغرافياً واقتصادياً خاصاً، وهي في المقام الأول تعتبر العاصمة السياسية والثقافية للعرب السنة العراقيين. كذلك فإن محافظة الموصل تُعتبر المنطقة الجغرافية الأكثر تمثيلاً للحساسيات العراقية، إذ يعيش بها خليط سكاني عربي كردي وتركماني وآشوري، ويعيش بها أبناء الديانات المسيحية واليزيدية والمُسلمة، الشيعة والسنة مُنهم على حد سواء.

15 منطقة مدمرة بالكامل

تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، وكذلك الصور المأخوذة من الأقمار الصناعية، إلى أن 15 منطقة سكانية من غرب الموصل، من أصل 54 منطقة، باتت مدمرة بشكل كامل، و23 منطقة بحكم المعطوبة، بينما 15 منطقة مصابة بأضرار طفيفة. وكانت ليزي غراند ممثلة البرنامج في العراق قد قدرت حاجة غرب المدينة فقط بـ 700 مليون دولار، حتى تتمكن من تقديم الخدمات العامة الضرورية، وأن تحافظ على استمرار السكان الحاليين العيش في المدينة، مضافة لـ 132 مليون دولار لشرق المدينة، الذي يبدو مستقراً نسبياً وأقل دماراً.

خلية أزمة

تُدار المحافظة راهناً من قِبل خلية أزمة معينة من الحكومة العراقية المركزية، يستحوذ ثلاثة من أعضائها على صلاحيات المحافظ التنفيذية، هم قائدا عمليات الجيش والشرطة العراقية في المحافظة، مضاف إليهما رئيس جامعة الموصل.

وترى القوى السياسية أن استحواذ هذه الخلية على صلاحيات السلطة التنفيذية في المحافظة أنما هو استيلاء على إرادة سكان المحافظة، الذين انتخبوا مجلس محافظة كسلطة مخولة لإرادة شؤون المحافظة، وأن هذه الخلية أنما تنفذ توجهات واستراتيجيات الحكومة المركزية والقوى السياسية، الشيعية، التي تتحكم بها، وبالذات ذراعها الأمني واسع الانتشار والهيمنة ضمن محافظة الموصل، المتمثل بالعشرات من فصائل الحشد الشعبي.

قوى سياسية... غير متفقة

ثمة ثلاث قوى سياسية رئيسية ذات نفوذ سياسي في مجلس محافظة الموصل، المؤلف من 39 مقعداً، هذه القوى غير متفقة في ما بينها على مرشح واحد، وتتهم كل واحدة منها الأخرى بعدم احترام إرادة ومصالح سكان محافظة الموصل.

ويستحوذ تيار المتحدون الذي يتزعمه آل النجيفي على قرابة ثلث أعضاء مجلس المحافظة، وسمحت التوافقات التي عقدها هذا التيار مع القوى الأخرى من المجلس عقب انتخابات مجالس المحافظات عام 2013، سمحت للقيادي في التيار أثيل النجيفي أن يتولى منصب محافظ الموصل، لكن ما لبس أن أُقيل من قبل مجلس النواب العراقي، عقب استيلاء تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل في شهر يونيو (حزيران) عام 2014، وعينت نوفل العاكوب بديلاً عنه، وهو ما اعتبرته هذه القوة السياسية استيلاء على إرادة سكان المحافظة، ومحاولة للتغطية على المسؤولين الحقيقيين عن مأساة سقوط الموصل بيد تنظيم داعش الإرهابي.

فساد وفوضى

ويستحوذ الحزبان الكرديان الرئيسيان على الثلث الآخر من مقاعد مجلس المحافظة، بواقع تسعة مقاعد للحزب الديمقراطي الكردستاني وثلاثة للاتحاد الوطني الكردستاني، وترى الأحزاب الكردية نفسها مستبعدة فعلياً من السلطة الفعلية في محافظة الموصل، وأن الأطراف العربية تستفيد من الأغلبية النسبية البسيطة لتهيمن على قرار المحافظة، وأن المناطق الكردية في المحافظة، قد تعرضت لأكبر عملية إهمال من قِبل الحكومة المركزية، منذ العام 2013 وحتى الراهن، وأن هذا الاستحواذ على قرار المحافظة واستبعاد باقي القوى أنما أدى لهذه المستوى من الفساد والفوضى في المُحافظة.

الثلث الأخير من مقاعد المحافظة تتقاسمه الشخصيات المستقلة وكوتا الأقليات العرقية والدينية في المحافظة، من تركمان وأيزيديين ومسيحيين، ولم تتوصل القوى السياسية هذه إلى مرشح متوافق عليه لشغل هذا المنصب، إذ يحتاج أي مرشح إلى تأييد 26 عضواً في مجلس المحافظة من أصل 39 عضواً، وهو ما لم تتمكن القوى السياسي الفاعلة في مجلس المحافظة من التوصل إليه.

 مزاج سياسي متبدل

أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة تحولاً تاماً في المزاج والخيارات السياسية لأبناء المحافظة، فتيار "المتحدون"، الذي يعتبر نفسه الممثل السياسي الأكثر شعبية في المحافظة، لم يحصل إلى على مقعد برلماني واحد من أصل 35 مقعداً برلمانياً، هي حصة المحافظة في البرلمان العراقي الاتحادي. والأمر نفسه طال الأحزاب الكردية، ولا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي تراجعت حصة تمثيله السياسي في المحافظة من الثلث إلى حوالي السدس، إذ لم يحصل سوى على ستة مقاعد برلمانية فحسب.

وباقي مقاعد المحافظة ذهبت إما لقوى سياسية جديدة، أو لتيارات سياسية عراقية شعبية في غير محافظة الموصل، واستحوذت قائمة النصر التي قادها وزير الدفاع السابق خالد العبيدي على ثمانية مقاعد، كذلك فاز المدعومون من قائمة الفتح بعدد قريب من ذلك، بينما ذهبت مقاعد برلمانية مساوية لذلك لقائمتي القرار العراقي وحزب الحل، التابعتين لرجل الأعمال العراقي خميس الخنجر وعائلة الكربولي النافذة في محافظة الأنبار.

أخرجتها من دائرة الفعل الرئيسي

يرى المحللون أن تلك النتائج أخرجت محافظة الموصل من دائرة الفعل السياسي الرئيسي في العاصمة بغداد، وصار العرب السنة مُمثلين بالقوى السياسية المنحدرة من محافظتي الأنبار وصلاح الدين، وهو ما سيفرض بأن سلطة القرار في المحافظة لن تكون لقواه السياسية، كذلك فإنها عنت بأن القوى السياسية الشيعية المركزية، وفصائل الحشد الشعبي صارت هي صاحبة القرار في المحافظة.

والتحليلات نفسها تذهب للقول إن قرار هذه القوى المتحكمة بالمحافظة أنما هو بفرض محافظ موالٍ لها، وذلك عبر توافق بين القوى السياسية الشيعية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأنها في ما لو لم تنجح في ذلك، فإنها سوف تعمد على حل مجلس المحافظة وإبقاء المحافظة تحت سلطة خلية الأزمة التي تدير المحافظة راهناً، إلى أن تجري انتخابات مجلس المحافظة في نهاية العام الحالي، وتفرض هذه القوى وقتها سُطتها على مجلس المحافظة.

 واقع مأساوي

كشفت مأساة العبارة الأحوال الصعبة التي تعيشها المحافظة، إذ تشير التقديرات إلى أن الحاجات المالية اللازمة لإعادة إعمار المدينة، بحسب الأمين العام لمجلس الوزراء العراقي، حوالي 50 مليار دولار.

فالمدينة تحتاج إلى إعادة تأهيل وتشييد للبنى التحتية في قطاعات التعليم والصحة والنقل والأحياء المدمرة، وحتى تعود المدينة لاستقبال مئات الآلاف من سكانها المهجرين، فإنها تحتاج لإعادة بناء 300 إلى 400 ألف وحدة سكنية جديدة، تعوض المنازل المدمرة، وأن تؤمن خطوط إمداد مالية ولوجستية للدخول في هذه العملية الضخمة، وهو ما يتطلب استقراراً أمنياً وسياسياً بين السكان المحليين والمتصارعين على مستقبلها، ورؤية من الحكومة المركزية حول ما يمكن أن تكون عليه المدينة مستقبلاً.

صراع كردي عربي

كذلك ثمة صراع سياسي كردي عربي داخل المحافظة يطالب إقليم كردستان العراق بكامل القوس الجغرافي الديموغرافي المحيط بمدينة الموصل من أقصى الشرق وحتى شمال المدينة وصولاً للمناطق الأيزيدية في اقصى غرب المدينة، تلك المناطق التي تعتبر مناطق متنازع عليها بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية.

فوق ذلك، ثمة صراع طائفي ضمن المحافظة، بين أبناء الأقلية الشيعية التركمانية والشبكية من طرف، وبين باقي أبناء الأغلبية السنية، فالتركمان الشيعة من أبناء منطقة تلعفر، كانوا قد هجّروا على مدى سنوات اعتباراً من العام 2007 مع بدء سنوات الحرب الطائفية من مناطقهم، من قِبل الميليشيات المتطرفة، حدث الأمر نفسه مع أبناء أقلية الشبك الشيعة في شرق المحافظة، إذ تعرضوا للاضطهاد والتهجير على يد التنظيمات المتطرفة، ولا سيما في مرحلة سيطرة تنظيم داعش على مناطقهم.

المزيد من تحقيقات ومطولات